حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وبعد:
فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء مسألة " حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد " وبناء عليه أعدت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، بحثا في الموضوع ونصه:
الحمد لله وحده، وبعد: فبناء على ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء، في دورته الثالثة المنعقدة في شهر ربيع الثاني، عام 1393هـ من البحث في الدورة الرابعة عن حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد، وبناء على ما تقتضيه لائحة عمل الهيئة من قيام اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بإعداد بحث علمي عن المسألة التي تقرر عرضها على الهيئة، قامت اللجنة الدائمة بإعداد بحث في مسألة الطلاق الثلاث بلفظ واحد، اشتمل على ما يلي:
1 - حكم الإقدام على جمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد، مع الأدلة ومناقشتها.
2 - ما يترتب على إيقاع الطلاق ثلاثا بلفظ واحد، مع الأدلة ومناقشتها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد:
المسألة الأولى حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة وفيه قولان:
القول الأول: إنه محرم، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وإحدى الروايتين عن أحمد، وقول شيخ الإسلام وابن القيم..
أما المذهب الحنفي: فقال الكاساني في الكلام على طلاق البدعة[1]: وأما الذي يرجع إلى العدد فهو إيقاع الثلاث أو الثنتين في طهر واحد لا جماع فيه، سواء كان على الجمع، بأن أوقع الثلاث جملة واحدة، أو على التفاريق واحدا بعد واحد بعد أن كان الكل في طهر واحد، وهذا قول أصحابنا... ولنا الكتاب والسنة والمعقول:
أما الكتاب: فقوله - عز وجل – (فَطَلِّقُوهُنّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق الآية: 1] أي في أطهار عدتهن، وهو الثلاث في ثلاثة أطهار، كذا فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكرنا فيما تقدم، أمَر بالتفريق، والأمر بالتفريق يكون نهيا عن الجمع، ثم إن كان الأمر أمر إيجاب كان نهياً عن ضده -وهو الجمع- نهيَ تحريم، وإن كان أمر ندب كان نهيا عن ضده -وهو الجمع- نهيَ ندب، وكل ذلك حجة على المخالف؛ لأن الأول يدل على التحريم، والآخر يدل على الكراهة، وهو لا يقول بشيء من ذلك.
وقوله -تعالى-: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) [سورة البقرة الآية: 229] أي دفعتان، ألا ترى أن من أعطى آخر درهمين، لم يجز أن يقول أعطاه مرتين حتى يعطيه دفعتين.
وجه الاستدلال: أن هذا وإن كان ظاهره الخبر فإن معناه الأمر؛ لأن الحمل على ظاهره يؤدي إلى الخلف في خبر من لا يحتمل خبره الخلف؛ لأن الطلاق على سبيل الجمع قد يوجد، وقد يخرج اللفظ مخرج الخبر على إرادة الأمر، قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَات يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ) [سورة البقرة الآية: 233] أي ليرضعن ونحو ذلك، كذا هذا، فصار كأنه - سبحانه وتعالى - قال: طلقوهن مرتين إذا أردتم الطلاق، والأمر بالتفريق نهي عن الجمع؛ لأنه ضده، فيدل على كون الجمع حراماً أو مكروها على ما بينا.
فإن قيل: هذه الآية حجة عليكم، لأنه ذكر جنس الطلاق، وجنس الطلاق ثلاث، والثلاث إذا وقع دفعتين، كان الواقع في دفعة طلقتين، فيدل على كون الطلقتين في دفعة مسنونتين.
فالجواب: أن هذا أمر بتفريق الطلاقين من الثلاث لا بتفريق الثلاث؛ لأنه أمر بالرجعة عقب الطلاق مرتين أي دفعتين بقوله - تعالى -: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ) [سورة البقرة الآية: 229] أي وهو الرجعة، وتفريق الطلاق -وهو إيقاعه دفعتين- لا يتعقب الرجعة، فكان هذا أمرا بتفريق الطلاقين من الثلاث، لا بتفريق كل جنس الطلاق -وهو الثلاث-، والأمر بتفريق طلاقين من الثالث يكون نهيا عن الجمع بينهما.
وأما السنة: فما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((تزوجوا، ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له عرش الرحمن))[2] نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الطلاق، ولا يجوز أن يكون النهي عن الطلاق لعينه؛ لأنه قد بقي معتبرا شرعاً في حق الحكم بعد النهي، فعلم أن ههنا غيرًا حقيقيًا ملازما للطلاق يصلح أن يكون منهيا عنه، فكان النهي عنه لا عن الطلاق، ولا يجوز أن يمنع من المشرع لمكان الحرام الملازم له، كما في الطلاق في حالة الحيض، والبيع وقت النداء، والصلاة في الأرض المغصوبة، وغير ذلك.
وقد ذكر عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثاً إلا أوجعه ضربا، وأجاز ذلك عليه، وذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم - فيكون إجماعاً.
وأما المعقول: فمن وجوه:
أحدها: أن النكاح عقد مصلحة؛ لكونه وسيلة إلى مصالح الدين والدنيا، والطلاق إبطال له، وإبطال المصلحة مفسدة، وقد قال الله - عز وجل -: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [سورة البقرة الآية: 205] وهذا معنى الكراهة الشرعية عندنا، وأن الله - تعالى- لا يحبه ولا يرضى به، إلا أنه قد يخرج من أن يكون مصلحة لعدم توافق الأخلاق وتباين الطبائع، أو لفساد يرجع إلى نكاحها، بأن علم الزوج أن المصالح تفوته بنكاح هذه المرأة، أو أن المقام معها يسبب فساد دينه ودنياه، فتنقلب المصلحة في الطلاق، ليستوفي مقاصد النكاح من امرأة أخرى، إلا أن احتمال أنه لم يتأمل حق التأمل، ولا ينظر حق النظر في العاقبة قائم، فالشرع والعقل يدعوانه إلى النظر، وذلك في أن يطلقها طلقة واحدة رجعية، حتى إن التباين والفساد إذا كان من جهة المرأة تتوب وتعود إلى الصلاح إذا ذاقت مرارة الفراق، وإن كانت لا تتوب نظر في حال نفسه، أنه هل يمكنه الصبر عنها؟ فإن علم أنه لا يمكنه الصبر عنها يراجعها، وإن علم أنه يمكنه الصبر عنها يطلقها في الطهر الثاني.
ثانيا: ويجرب نفسه، ثم يطلقها فيخرج نكاحها من أن يكون مصلحة ظاهراً وغالبًا؛ لأنه لا يلحقه الندم غالبا، فأبيحت الطلقة الواحدة، أو الثلاث في ثلاثة أطهار على تقدير خروج نكاحها من أن يكون مصلحة، وصيرورة المصلحة في الطلاق، فإذا طلقها ثلاثاً جملة واحدة في حالة الغضب، وليست حالة الغضب حالة التأمل، لم يعرف خروج النكاح من أن يكون مصلحة فكان الطلاق إبطال للمصلحة من حيث الظاهر، فكان مفسدة.
والثاني: أن النكاح عقد مسنون، بل هو واجب لما ذكرنا في كتاب النكاح، فكان الطلاق قطعا للسنة وتفويتا للواجب، فكان الأصل هو الحظر أو الكراهة، إلا أنه رخص للتأديب أو للتخليص، والتأديب يحصل بالطلقة الواحدة الرجعية؛ لأن التباين أو الفساد إذا كان من قِبَلها فإذا ذاقت مرارة الفراق فالظاهر أنها تتأدب وتتوب وتعود إلى الموافقة والصلاح، والتخليص يحصل بالثلاث في ثلاثة أطهار، والثابت بالرخصة يكون ثابتاً بطريق الضرورة، وحق الضرورة صار مقضيا بما ذكرنا فلا ضرورة إلى الجمع بين الثلاث في طهر واحد، فبقي ذلك على أصل الحظر.
والثالث: أنه إذا طلقها ثلاثًا في طهر واحد فربما يلحقه الندم، وقال - تعالى-: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [سورة الطلاق الآية: 1] قيل في التفسير: أي ندامة على ما سبق من فعله أو رغبة فيها، ولا يمكنه التدارك بالنكاح فيقع في السفاح، فكان في الجمع احتمال الوقوع في الحرام، وليس في الامتناع ذلك، والتحرز عن مثله واجب شرعاً وعقلاً، بخلاف الطلقة الواحدة؛ لأنها لا تمنع التدارك بالرجعة، وبخلاف الثلاث في ثلاثة أطهار؛ لأن ذلك لا يعقب الندم ظاهرا؛ لأنه يجرب نفسه في الأطهار الثلاثة فلا يلحقه الندم.. انتهى المقصود.
وقال السرخسي[3]: وعلى هذا الأصل -أي توجيه إيقاع الثلاث في ثلاثة أطهار- قال علماؤنا -رحمهم الله-: إيقاع الثلاث جملة بدعة... -وبعد أن ساق مذهب الشافعي في إباحته وأدلته، ساق الدليل على تحريمه، وهو قوله - تعالى -: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) [سورة البقرة الآية: 229]- قال: معناه: دفعتان، كقوله: أعطيته مرتين وضربته مرتين، والألف واللام للجنس، فيقتضي أن يكون كل الطلاق المباح في دفعتين، ودفعة ثالثة في قوله - تعالى -: (فَإِن طَلَّقَهَا) [سورة البقرة الآية:230] أو في قوله - عز وجل -: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [سورة البقرة الآية: 229] على حسب ما اختلف فيه أهل التفسير، وفي حديث محمود بن لبيد -رحمه الله تعالى-: أن رجلا طلق امرأته ثلاثا بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- مغضباً، فقال: ((أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم))[4].
واللعب بكتاب الله ترك العمل به، فدل أن موقع الثلاث جملة مخالف للعمل بما في الكتاب، وأن المراد من قوله: (فَطَلِّقُوهُنّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق الآية: 1] تفريق الطلقات على عدد أفراد العدة، ألا ترى أنه خاطب الزوج بالأمر بإحصاء العدة؟ وفائدته التفريق، فإنه قال: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [سورة الطلاق الآية: 1] أي يبدو له فيراجعها، وذلك عند التفريق لا عند الجمع.
وفي حديث عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- أن قوما جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إن أبانا طلق امرأته ألفًا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((بانت امرأته بثلاث في معصية الله - تعالى -، وبقي تسعمائة وسبعة وتسعون وزرا في عنقه إلى يوم القيامة)).
وإن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- لما طلق امرأته في حالة الحيض أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها، فقال: ((أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لي؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا، بانت منك وهي معصية))[5]. وبعد أن بيَّن وجه الرد على استدلال الشافعي - رحمه الله - بقصة لعان عويمر العجلاني، وأنه طلق ثلاثا ولم ينكر عليه - صلى الله عليه وسلم -، قال: ولنا إجماع الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- فقد روي عن علي وعمر وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة، وعمران بن حصين -رضي الله تعالى عنهم- كراهة إيقاع الطلاق الثلاث بألفاظ مختلفة.
وعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: لو أن الناس طلقوا نساءهم كما أمروا لما فارق الرجل امرأته وله إليها حاجة، إن أحدكم يذهب فيطلق امرأته ثلاثا ثم يقعد فيعصر عينيه، مهلاً مهلا، بارك الله عليكم، فيكم كتاب الله وسنة رسوله، فماذا بعد كتاب الله وسنة رسوله إلا الضلال، ورب الكعبة.
وقال الكرخي[6]: لا أعرف بين أهل العلم خلافا: أن إيقاع الثلاث جملة مكروه، إلا قول ابن سيرين، وإن قوله ليس بحجة، -ثم ساق الرد على ما استدل به الشافعي من الآثار، ثم ذكر بعد ذلك دليلا من جهة المعنى، وقد سبق ما يوافقه عن الكاساني-.
وقال الطحاوي: حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة عن ابن أبي نجيح، وحميد الأعرج، عن مجاهد، أن رجلا قال لابن عباس: رجل طلق امرأته مائة فقال: عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، لم تتق الله فيجعل لك مخرجا، من يتق الله يجعل له مخرجا، قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق الآية: 1].
المذهب المالكي:
وأما المذهب المالكي فهذه بعض نقول عنه:
قال سحنون: وقال محمد بن أحمد بن رشد: قلت لعبد الرحمن بن القاسم: هل كان مالك يكره أن يطلق الرجل امرأته ثلاث تطليقات في مجلس واحد؟ قال: نعم، كان يكرهه أشد الكراهية، وكذلك لا يجوز عند مالك أن يطلقها ثلاثا في كلمة واحدة، فإن فعل لزمه ذلك بدليل قوله - تعالى -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا) [سورة البقرة الآية: 229] وقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [سورة الطلاق الآية: 1] وهي الرجعة، فجعلها فائتة بإيقاع الثلاث في كلمة واحدة، إذ لو لم يقع ولم يلزمه لم تفته الزوجة ولا كان ظالما لنفسه. انتهى المقصود.
وقال الباجي: فأما العدد فإنه لا يحل أن يوقع أكثر من طلقة واحدة، فمن أوقع طلقتين أو ثلاثا فقد طلق بغير سنة، والدليل على ما نقوله قوله - تعالى -: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [سورة البقرة الآية: 229] ولا يخلو أن يكون أمرا بصفة الطلاق، والأمر يقتضي الوجوب، أو يكون إخبارا عن صفة الطلاق الشرعي، ومن أصحابنا من قال: إن الألف واللام تكون للحصر، وهذا يقتضي أن لا يكون الطلاق الشرعي على غير هذا الوجه.
فإن قيل: المراد بذلك الإخبار عن أن الطلاق الرجعي طلقتان، وأن ما زاد عليه ليس برجعي، قالوا: يدل على ذلك، أنه قال بعد ذلك: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [سورة البقرة الآية: 229] ثم أفرد الطلقة الثالثة لما لم تكن رجعية وفارق حكم الطلقتين فقال: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [سورة البقرة الآية: 230]
وإذا كان المراد ما ذكرناه من الإخبار عن الطلاق الرجعي، لم يدل ذلك على أن هذا هو الطلاق الرجعي دون غيره.
فالجواب: أن هذا أمر أضمر في الكلام مع استقلاله دونه بغير دليل؛ لأنكم تضمرون الرجعي وتقولون: معناه الطلاق الرجعي مرتان، وإذا استقل الكلام دون ضمير لم يجز تعديه إلا بدليل.
وجواب ثان: وهو أنه لو أراد الإخبار عما ذكرتم لقال: الطلاق طلقتان؛ لأن ذلك يقتضي أنه الطلاق الرجعي أوقعهن مجتمعتين أو مفترقتين، فلما قال مرتان، ولا يكون ذلك إلا لإيقاع الطلاق مفترقا، ثبت أنه قصد الإخبار عن صفة إيقاعه، لا الإخبار عن عدد الرجعي منه.
فإن قالوا: إن لفظ التكرار إذا علق باسم أريد به العدد دون تكرار الفعل، يدل على ذلك قوله - تعالى -: (نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب الآية: 31] ولم يرد تفريق الأجر وإنما أراد تضعيف العدد.
فالجواب: أن قوله: (نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب الآية: 31] حقيقة فيما ذكرناه من تكرار الفعل دون العدد، ولا فرق في ذلك بين أن يعلق على فعل أو اسم، يدل على ذلك أنك تقول: لقيت فلانا مرتين فيقتضي تكرار الفعل، وكذلك قوله: دخلت مصر مرتين، فإذا كان ذلك أصله وحقيقته، ودل الدليل في بعض المواضع على العدول به عن حقيقته واستعماله في غير ما وضع له، لم يجز حمله على ذلك في موضع آخر إلا بدليل.
وجواب آخر: وهو أن الفضل قال: معنى (نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب الآية: 31] مرة بعد مرة في الجنة، فعلى هذا لم يخرج اللفظ عن بابه، ولا عدل به عن حقيقته، وإن قلنا: إن معناه التضعيف في ماله وأجره، فالفرق بينهما أن قوله - تعالى -: (نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ) [سورة الأحزاب الآية: 31] يفيد التضعيف ويمنع الاقتصار على ضعف واحد، ولو كان معنى قوله - تعالى -: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) [سورة البقرة الآية: 229] يريد به التضعيف، لمنع من إيقاع طلقة واحدة، وإلا بطل معنى التضعيف، وهذا باطل باتفاقنا.
ودليلنا من جهة السنة ما روى مخرمة بن بكير، عن أبيه، قال: سمعت محمود بن لبيد، قال: أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقال: ((فعلته لاعباً))، ثم قال: ((تلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم)) حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟[7].
ودليلنا من جهة القياس أن هذا معنى ذو عدد يقتضي البينونة فوجب تحريمه كاللعان.
أما مذهب الحنابلة فقد قال ابن قدامة[8]: والرواية الثانية أن جمع الثلاث طلاق بدعة محرم، اختارها أبو بكر وأبو حفص، روي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وهو قول مالك وأبي حنيفة.
قال علي - رضي الله عنه -: لا يطلق أحد للسنة فيندم، وفي رواية قال: يطلقها واحدة ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاث حيض فمن شاء راجعها، وعن عمر - رضي الله عنه -: أنه كان إذا أتي برجل طلق ثلاثا أوجعه ضربا.
وعن مالك بن الحارث قال: جاء رجل إلى ابن عباس، قال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا، فقال: إن عمك عصى الله، وأطاع الشيطان فلم يجعل الله له مخرجا.
ووجه ذلك قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) [سورة الطلاق الآية:1] إلى قوله: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [سورة الطلاق الآية: 1] ثم قال بعد ذلك: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [سورة الطلاق الآية: 2] (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [سورة الطلاق الآية: 4] ومن جمع الثلاث لم يبق له أمر يحدث، ولا يجعل الله له مخرجا، ولا من أمره يسرا، وروى النسائي بإسناده عن محمود بن لبيد -وقد سبق في استدلال المالكية - وفي حديث ابن عمر قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت لو طلقتها ثلاثا؟ قال: ((إذًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك))[9].
وروى الدارقطني بإسناده عن علي قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا طلق البتة فغضب وقال: ((تتخذون آيات الله هزوا، أو دين الله هزوا ولعبا، من طلق البتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره)).
ولأنه تحريم للبضع بقول الزوج من غير حاجة، فحرم كالظهار، بل هذا أولى؛ لأن الظهار يرتفع تحريمه بالتكفير، وهذا لا سبيل للزوج إلى رفعه بحال، ولأنه ضرر وإضرار بنفسه وبامرأته من غير حاجة، فيدخل في عموم النهي، وربما كان وسيلة إلى عوده إليها حراما أو بحيلة لا تزيل التحريم، ووقوع الندم، وخسارة الدنيا والآخرة، فكان أولى بالتحريم من الطلاق في الحيض الذي ضرره بقاؤها في العدة أياما يسيرة، أو الطلاق في طهر مسها فيه، الذي ضرره احتمال الندم بظهور الحمل، فإن ضرر جمع الثلاث يتضاعف على ذلك أضعافا كثيرة، فالتحريم ثم تنبيه على التحريم.
ولأنه قول من سمينا من الصحابة رواه الأثرم وغيره، ولم يصح عندنا في عصرهم خلاف قولهم، فيكون ذلك إجماعا.
وقال شيخ الإسلام: وأما جمع " الطلقات الثلاث " ففيه قولان:
أحدهما: محرم أيضا عند أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه، واختاره أكثر أصحابه، وقال أحمد: تدبرت القرآن فإذا كل طلاق فيه فهو الطلاق الرجعي - يعني طلاق المدخول بها - غير قوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [سورة البقرة الآية: 230].
وعلى هذا القول: فهل له أن يطلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة بأن يفرق الطلاق على ثلاثة أطهار، فيطلقها في كل طهر طلقة؟ فيه قولان، هما روايتان عن أحمد، إحداهما: له ذلك، وهو قول طائفة من السلف ومذهب أبي حنيفة، والثانية: ليس له ذلك وهو قول أكثر السلف، وهو مذهب مالك وأصح الروايتين عن أحمد التي اختارها أكثر أصحابه كأبي بكر عبد العزيز والقاضي أبي يعلى وأصحابه.
القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم، بل هو ترك الأفضل وهو مذهب الشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد: اختارها الخرقي.
واحتجوا بأن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها أبو حفص بن المغيرة ثلاثا، وبأن امرأة رفاعة طلقها زوجها ثلاثا، وبأن الملاعن طلق امرأته ثلاثا، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
وأجاب الأكثرون: بأن حديث فاطمة، وامرأة رفاعة، إنما طلقها ثلاثا متفرقات، هكذا ثبت في الصحيح أن الثالثة آخر ثلاث تطليقات، لم يطلق ثلاثا لا هذا ولا هذا مجتمعات، وقول الصحابي: "طلق ثلاثا" يتناول ما إذا طلقها ثلاثا متفرقات بأن يطلقها ثم يراجعها، ثم يطلقها ثم يراجعها، ثم يطلقها، وهذا طلاق سني واقع باتفاق الأئمة، وهو المشهور على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معنى الطلاق ثلاثا، وأما جمع الثلاث بكلمة فهذا إنما كان منكرا عندهم، إنما يقع قليلا، فلا يجوز حمل اللفظ المطلق على القليل المنكر دون الكثير الحق، ولا يجوز أن يقال: يطلق مجتمعات لا هذا ولا هذا، بل هذا قول بلا دليل، بل هو بخلاف الدليل.
وأما الملاعن فإن طلاقه وقع بعد البينونة، أو بعد وجوب الإبانة التي تحرم بها المرأة أعظم مما يحرم بالطلقة الثالثة، فكان مؤكدا لموجب اللعان، والنزاع إنما هو في طلاق من يمكنه إمساكها، لا سيما والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد فرق بينهما، فإن كان ذلك قبل الثلاث لم يقع بها ثلاث ولا غيرها، وإن كان بعدها دل على بقاء النكاح، والمعروف أنه فرق بينهما بعد أن طلقها ثلاثا، فدل ذلك على أن الثلاث لم يقع بها، إذ لو وقعت لكانت قد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره.
وامتنع حينئذ أن يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم – بينهما؛ لأنهما صارا أجنبيين، ولكن غاية ما يمكن أن يقال: حرمها عليه تحريما مؤبداً، فيقال: فكان ينبغي أن يحرمها عليه لا يفرق بينهما، فلما فرق بينهما دل على بقاء النكاح وأن الثلاث لم تقع جميعا بخلاف ما إذا قيل: إنه يقع بها واحدة رجعية، فإنه يمكن فيه حينئذ أن يفرق بينهما.
وقول سهل بن سعد: طلقها ثلاثا فأنفذه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دليل على أنه احتاج إلى
إنفاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - واختصاص الملاعن بذلك، ولو كان من شرعه أنها تحرم بالثلاث، لم يكن للملاعن اختصاص ولا يحتاج إلى إنفاذ، فدل على أنه لما قصد الملاعن بالطلاق الثلاث أن تحرم عليه أنفذ النبي - صلى الله عليه وسلم - مقصوده، بل زاده، فإن تحريم اللعان أبلغ من تحريم الطلاق، إذ تحريم اللعان لا يزول وإن نكحت زوجا غيره، وهو مؤبد في أحد قولي العلماء لا يزول بالتوبة.
واستدل الأكثرون: بأن القرآن العظيم يدل على أن الله لم يبح إلا الطلاق الرجعي، وإلا الطلاق للعدة، كما في قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) [سورة الطلاق الآية: 1] إلى قوله: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [سورة الطلاق الآية:1-2] وهذا إنما يكون في الرجعي، وقوله: (فَطَلِّقُوهُنّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق الآية:1] يدل على أنه لا يجوز إرداف الطلاق للطلاق حتى تنقضي العدة أو يراجعها؛ لأنه إنما أباح الطلاق للعدة: أي لاستقبال العدة، فمتى طلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة بنَت على العدة، ولم تستأنفها باتفاق جماهير المسلمين، فإن كان فيه خلاف شاذ عن خلاس وابن حزم فقد بينا فساده في موضع آخر، فإن هذا قول ضعيف؛ لأنهم كانوا في أول الإسلام إذا أراد الرجل إضرار امرأته طلقها حتى إذا شارفت انقضاء العدة راجعها ثم طلقها ليطيل حبسها، فلو كان إذا لم يراجعها تستأنف العدة لم يكن بحاجة إلى أن يراجعها، والله - تعالى- قصرهم على الطلاق الثلاث دفعا لهذا الضرر، كما جاءت بذلك الآثار، ودل على أنه كان مستقرا عند الله أن العدة لا تستأنف بدون رجعة سواء كان ذلك لأن الطلاق لا يقع قبل الرجعة، أو يقع ولا يستأنف له العدة، وابن حزم إنما أوجب استئناف العدة بأن يكون الطلاق لاستقبال العدة، فلا يكون طلاق إلا يتعقبه عدة، إذا كان بعد الدخول، كما دل عليه القرآن، فلزمه على ذلك هذا القول الفاسد، وأما من أخذ بمقتضى القرآن وما دلت عليه الآثار فإنه يقول: إن الطلاق الذي شرعه الله هو ما يتعقبه العدة، وما كان صاحبه مخيرا فيها بين الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان، وهذا منتف في إيقاع الثلاث في العدة قبل الرجعة فلا يكون جائزا، فلم يكن ذلك طلاقا للعدة.
ولأنه - تعالى -قال: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [سورة الطلاق الآية: 2] فخيره بين الرجعة وبين أن يدعها تقضي العدة فيسرحها بإحسان، فإذا طلقها ثانية قبل انقضاء العدة لم يمسك بمعروف ولم يسرح بإحسان.
وقد قال - تعالى -: (وَالْمُطَلَّقَ تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنّ َ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) [سورة البقرة الآية: 228] فهذا يقتضي أن هذا حال كل مطلقة، فلم يشرع إلا هذا الطلاق ثم قال: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ) [سورة البقرة الآية: 229] أي هذا الطلاق المذكور (مرتان) وإذا قيل: سبح مرتين أو ثلاث مرات: لم يجزه أن يقول: سبحان الله مرتين، بل لا بد أن ينطق بالتسبيح مرة بعد مرة، فكذلك لا يقال: طلق مرتين إلا إذا طلق مرة بعد مرة، فإذا قال: أنت طالق ثلاثًا، أو مرتين لم يجز أن يقال: طلق ثلاث مرات ولا مرتين، وإن جاز أن يقال: طلق ثلاث تطليقات أو طلقتين، ثم قال - سبحانه - بعد ذلك: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [سورة البقرة الآية:230] فهذه الطلقة الثالثة لم يشرعها الله إلا بعد الطلاق الرجعي مرتين.
وقد قال الله - تعالى -: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ... الآية) [سورة البقرة الآية: 232] وهذا إنما يكون فيما دون الثلاث، وهو يعم كل طلاق، فعلم أن جمع الثلاث ليس بمشروع، ودلائل تحريم الثلاث كثيرة قوية من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار، كما هو مبسوط في موضعه، وسبب ذلك أن الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة، كما ثبت في الصحيح عن جابر عن - النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن إبليس ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة، فيأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فعل كذا، حتى يأتيه الشيطان فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت أنت، ويلتزمه))[10] وقد قال - تعالى- في ذم السحر: (فَيَتَعَلَّمُو َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [سورة البقرة الآية: 102] وفي السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات)[11] وفي السنن أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة))[12].
ولهذا لم يبح إلا ثلاث مرات، وحرمت عليه المرأة بعد الثالثة حتى تنكح زوجا غيره، وإذا كان إنما أبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باقٍ على الحظر. اهـ.
وقال ابن القيم[13]: فصل في حكمه - صلى الله عليه وسلم - فيمن طلق ثلاثا بكلمة واحدة، قد تقدم حديث محمود بن لبيد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقام مغضبا ثم قال: ((أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟))[14] وإسناده على شرط مسلم، قال ابن وهب: قد رواه مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد، فذكره، ومخرمة ثقة بلا شك، وقد احتج مسلم في صحيحه بحديثه عن أبيه.
والذين أعلُّوه، قالوا: لم يسمع منه، وإنما هو كتاب. قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن مخرمة بن بكير فقال: هو ثقة، ولم يسمع من أبيه، إنما هو كتاب مخرمة فنظر فيه كل شيء، يقول: "بلغني عن سليمان بن يسار" فهو من كتاب مخرمة، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول: مخرمة بن بكير وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه، وقال في رواية عباس الدوري: هو ضعيف، وحديثه عن أبيه كتاب ولم يسمعه منه، وقال أبو داود لم يسمع من أبيه إلا حديثا واحدا حديث الوتر، وقال سعيد بن أبي مريم، عن خاله موسى بن سلمة، أتيت مخرمة فقلت: حدثك أبوك فقال: لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه.
وللموضوع تتمة