كوني مؤمنة بيقين واجعلي شعارك رضوان رب العالمين
ماجد رمضان


زُوِّجت فتاة من رجل فقير عاشت في كنفه سنين، قانعةً راضيةً بالكفاف، سعيدةً بعطف زوجها عليها وحبه لها، حتى تدخلت في الأمر نسوةٌ أخريات فاسترسلْن في الحديث مع الزوجة الفتية نادِباتٍ لها حظَّها، متباكياتٍ من أجلها: مالك وهذا المعدَم المتهدم الفقير، إن مثلك كانت جديرةً بأن تُهدى إلى الملوك، وأن تنير بجمالها أبهاءَ القصور، وأن تنعم بشهي الطعام، وأن ترفل في الدمقس وفي الحرير، ليس هذا الكوخ المتداعي مما يليق بكِ أيتها المسكينة، فإذا جاء زوجك فاغضبي لنفسِكِ وقولي له قولاً غليظًا؛ فإما يمتعك كما يجب أن يمتع الرجال نساءهم، وإما يدعك إلى حال سبيلك.
وفعلت الفتاةُ، وبكت واسترسلت في البكاء، وأمدَّها الشيطان بفيض من الدموع، فنظر إليها الزوج الفقير ضاحكًا وربَت على كتفها: لا تُراعي ولا تحزني أيتها العزيزة، إني أرجو أن أحقق لك من فضل الله ما تريدين عاجلاً، انظري إلى هذه البئر العميقة التي في فناء الدار، خذي هذا الدلو وألقِ به فيه ثم اجذبيه إليك وانظري ماذا ترين.
وفعلت الزوجة الشابة الحسناء فهالها أن يخرج الدلو من البئر مملوءًا ذهبًا وهَّاجًا، فأنفقت منه في وجوه المتاع الذي أشارت إليه النسوة فاقتنت فاخِر الأثاث والرياش، وارتدت الدمقس والحرير، وعمرت المطابخ بما لذَّ وطاب..كل ذلك والشيخ ينظر إليها ضاحكًا، قائلاً لها كلما أرادت المزيد: إليك البئر فاستخرجي منه بغير حساب.
ومرَّت أعوام وأعوام، ورأت الزوجة ذات ليلة في منامها أنها توفِّيت، وأن القيامة قد أزِفت، وأنها قد حوسبت على أعمالها، فكانت ببركة توجيهات زوجها ونصائحه في دنياها من الفائزين، فأدخلت الجنة مع الداخلين، فإذا بقصور من ذهب وزبرجد وماس وياقوت قد أُقيمت كأحسن ما تقوم القصور في الأحلام، والملائكة يرشدون كل امرئ إلى قصره من بين هذه القصور التي تجري من تحتها الأنهار، ويطول بها المسير في أبهاء الجنة، فتضطر أن تسأل عن قصرها، فيُشار لها إلى بناءٍ من ذهب قد تهدَّم معظم جدرانه، فتسأل ما لهذا القصر الجميل بغير سقف ولا أبواب؟! أين ذهبت نوافذه وأسواره..؟!
فيقال لها: لقد أُرسِلَت إليكِ في الدنيا إذ أرهقْتِ زوجَك، وحمل بسببك من أمره عسرًا، فدعا بشيء من نعيمك في الجنة، فكنتِ كلما تطلبين في الدنيا شيئًا من الذهب يُرفع من جدران قصرك ويوضع لك في البئر.. فها أنت ترَين ما تبقَّى لك من القصر فتهبُّ الزوجةُ من نومها فزعةً خائفةً، وتذهب إلى زوجها الشيخ نادمةً طالبةً منه الصفح والدعاء، وأن يلقي ما تبقَّى من الذهب في البئر من جديد، ثم تعيش راضيةً قريرةَ العين، واجتنبت مجالس أهل السوء من جاراتها الشرِّيرات".
فاعلمي ابنتي: أن أوفر الناس حظا من صفاء النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، هم أكثرهم نصيبا من قوة الإيمان وأشدهم تعلقا بأهداب الدين، فالإيمان هو ملجأ الإنسان المتين الذي يلوذ به إذا اعترضت حياته العواصف، واكتنفته الظلمات، وبدونه يشعر أنه شخص غريب تائه في مجاهل الحياة لا يعرف لنفسه غاية ولا لحياته مستقرا وهناء، و البعد عن الله لن يثمر إلا علقما وشقاء، والأشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلسون من كنوز الإيمان، ومن رصيد اليقين، فهم أبداً في تعاسة وغضب ومهانة وذلة [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا][طه 123].
فلا يسعد النفس ويزكيها ويهزها ويفرحها ويذهب غمها وهمها وقلقها إلا الإيمان بالله رب العالمين، ولا طعم للحياة أصلاً إلا بالإيمان.
إذا الإيمان ضاع فلا حياة *** ولا دنيا لمن لم يحي دينا
وبقدر إيمانك قوة وضعفاً، حرارة وبرودة، تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك: [من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون].
إن قوة إيمانك هي سر بقاءك ومفتاح وجودك ومصدر سعادتك وهي الرضا الداخلي الذي يتألق بين ضلوعك فيجعلك تمشي بنور الله وتعملي كل عمل في حياتك وأنت تنعمي بهذا النور الإلهي العجيب.
كما قال - تعالى -: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم بشراكم اليوم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم] [سورة الحديد: 12].
ونجاحك الحقيقي هو أن توطدي صلتك بالله - عز وجل - وأن تقوي نفسك بكل ما تملكي من روابط به وأن توثقي العهد معه، وتربطي فؤادك بحباله وتتعلقي ببابه، بالتمسك بحبه وشكره والاستعانة به التوكل عليه.
فإذا نجحت أن توطدي صلتك بالله - عز وجل -، وشعرت بهذه القوة الإيمانية الهائلة تدخل قلبك وتنير جوانب نفسك وتملأ حياتك بالسرور والبهجة فاعلمي أنك قد وضعت يدك على مفاتيح التميز والنجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة