تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: التوكل على الله يستجلب به المحبوب ويستدفع به المكروه

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي التوكل على الله يستجلب به المحبوب ويستدفع به المكروه

    التوكل وغيره من الأسباب الشرعية كالدعاء وتقوى الله تعالى والاستغفار، مما يُستدفع به المقدور المكروه، ويستجلب به المقدور المحبوب، بل هو من أعظم أسباب ذلك، قال الشيخ حافظ حكمي في (معارج القبول): ليس في فعل الأسباب ما ينافي التوكل مع اعتماد القلب على خالق السبب، وليس التوكل بترك الأسباب، بل التوكل من الأسباب وهو أعظمها وأنفعها وأنجحها وأرجحها. اهـ.
    وفي (زاد المعاد) لابن القيم: القدر يدفع بعضه ببعض، كما يدفع قدر المرض بالدواء، وقدر الذنوب بالتوبة، وقدر العدو بالجهاد، فكلاهما من القدر ... والله يلوم على العجز ويحب الكيس ويأمر به، والكيس هو مباشرة الأسباب التي ربط الله بها مسبباتها النافعة للعبد في معاشه ومعاده، فهذه تفتح عمل الخير. وأما العجز فإنه يفتح عمل الشيطان. اهـ.
    وقال في (مدارج السالكين): من صدق توكله على الله في حصول شيء ناله. اهـ.
    ومن الوقائع النبوية في دفع المكروه بصدق التوكل على الله تعالى ما رواه جابر بن عبد الله قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب بن خصفة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال: من يمنعك مني؟! قال: الله عز وجل. فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ. قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلى سبيله فأتى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس. رواه البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له.
    وفي ذلك نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {المائدة: 11}
    قال ابن كثير: يعني: من توكل على الله كفاه الله ما أهمه، وحفظه من شر الناس وعصمه. اهـ.
    ومن ذلك أيضا رد النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر حين قال له في الغار أثناء الهجرة: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال صلوات الله وسلامه عليه: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما. متفق عليه.
    وفي ذلك نزل قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {التوبة: 40}.
    ويدل على عموم هذا المعنى الآيتان اللتان ذكرهما السائل، قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ {الزمر: 36}
    قال البغوي يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي: (عباده) بالجمع يعني: الأنبياء عليهم السلام، قصدهم قومهم بالسوء كما قال: (وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه)(غافر: 5) فكفاهم الله شر من عاداهم. اهـ.
    وقوله سبحانه: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق: 3}
    قال العلامة ابن عاشور في (التحرير والتنوير): وجملة { إن الله بالغ أمره } في موضع العلة لجملة { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ، أي لا تستبعدوا وقوع ما وعدكم الله حين ترون أسباب ذلك مفقودة، فإن الله إذا وعد وعدا فقد أراده، وإذا أراد الله أمرا يسر أسبابه. ولعل قوله: { قد جعل الله لكل شيء قدرا } إشارة إلى هذا المعنى ، أي علم الله أن يكفي من يتوكل عليه مهمَّه فقدر لذلك أسبابه كما قدر أسباب الأشياء كلها، فلا تشكوا في إنجاز وعده، فإنه إذا أراد أمرا يسر أسبابه من حيث لا يحتسب الناس وتصاريف الله تعالى خفية عجيبة. اهـ.
    وهنا لابد من التنبيه على أن تحقيق هذا الوعد الكريم لا يعلم كيفيته وموعده إلا الله، فلا يقال: كيف ولا متى ؟ ولكن يوقن بذلك وينتظر الفرج ويرضى بتدبير الله له، ولهذا خُتِمت الآية بما ختِمت به، قال السعدي: { فهو حسبه } أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له؛ فلهذا قال تعالى: { إن الله بالغ أمره } أي: لا بد من نفوذ قضائه وقدره، ولكنه { قد جعل الله لكل شيء قدرا } أي: وقتا ومقدارا، لا يتعداه ولا يقصر عنه اهـ.
    وقد سبق لنا تفصيل الكلام عن أن وعود الله الكريمة للمؤمنين تتحقق بالطريقة التي تتفق مع الحكمة من الخلق، وهي الابتلاء والامتحان، والتمييز والتمحيص. فراجع الفتوى رقم: 117638.
    وأما الجمع بين قوله تعالى: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ {المائدة:67} وحديث: "احفظ الله يحفظكوبين ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم في بدنه من بلاء، فقال ابن عادل في (اللباب): الجواب أن قوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) المراد به عصمة القلب والإيمان لا عصمة الجسد عما يرد عليه من الأمور الحادثة الدنيوية، فإنه عليه السلام قد سحر وكسرت رباعيته ورمي عليه الكرش والثرب وآذاه جماعة من قريش اهـ.
    وقال الشيخ ابن باز: لم يترتب على ذلك شيء مما يضر الناس أو يخل بالرسالة أو بالوحي، والله جل وعلا عصمه من الناس مما يمنع وصول الرسالة وتبليغها، أما ما يصيب الرسل من أنواع البلاء فإنه لم يعصم منه عليه الصلاة والسلام, بل أصابه شيء من ذلك, فقد جرح يوم أحد, وكسرت البيضة على رأسه, ودخلت في وجنتيه بعض حلقات المغفر, وسقط في بعض الحفر التي كانت هناك, وقد ضيقوا عليه في مكة تضييقا شديدا, فقد أصابه شيء مما أصاب من قبله من الرسل, ومما كتبه الله عليه, ورفع الله به درجاته, وأعلى به مقامه, وضاعف به حسناته, ولكن الله عصمه منهم فلم يستطيعوا قتله ولا منعه من تبليغ الرسالة, ولم يحولوا بينه وبين ما يجب عليه من البلاغ فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وسلم. اهـ.[المصدر الاسلام سؤال وجواب]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: التوكل على الله يستجلب به المحبوب ويستدفع به المكروه

    المفهوم الصحيح للتوكل ومظاهر الانحراف فيه
    التوكل أصل من أصول العبادة التي لا يتم توحيد العبد إلا به، جاء الأمر به في كثير من الآيات؛ مثل قوله تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ

    التوكل شرط من شروط الإيمان، ولازم من لوازمه ومقتضياته، فكلما قوِي إيمان العبد، كان توكله أكبر، وإذا ضعُف الإيمان ضعُف التوكل؛ قال الله - عز وجل -: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 122]، وفي الآية الأخرى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]. فجعل دليل صحة الإسلام التوكُّل، وهو من أشرف الرُّتب وأعلى المقامات من أعمال القلوب، التي هي أصل الإيمان الذي هو أجلُّ وأعظم ما تُعِبِّد الله تعالى به، والتوكل من أجمع أنواع العبادة وأعظمها؛ لِما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة، والتوكل مقترن بمراتب الدين الثلاث: (الإيمان والإسلام والإحسان)، وشعائره العظام، والتوكل مقام جليل القدر، عظيم الأثر، جعله الله سببًا لنيل محبَّته؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ
    وقال ابن القيِّم: "التوكل: نصف الدين، والنصف الثاني: الإنابة، فإن الدين: استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة، ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها، ولا تزال معمورة بالنازلين؛ لسَعة متعلق التوكل، وكثرة حوائج العالمين، فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان، ونصرة دينه، وإعلاء كلمته، وجهاد أعدائه، وفي محابِّه وتنفيذه أوامره".

    الصبر والتوكل من أقوى الأسلحة في مواجهة الشدائد والصعاب في طريق الدعوة وتحمُّل أعبائها،
    وقيل: الصبر خاص بوقت المصيبة، والتوكل في أمر مستقبل، والصبر في حاجة للتوكل؛ لأنه - أي الصبر - من العبادات، وكلاهما من أُمهات الصفات التي يجب على المؤمن الاتصاف بها، وقيل: الصبر في أمر مملوك يحتاج للتحمل، والتوكل خاص بأمر غيبي كوني، يحتاج للاعتماد على الله والثقة بتدبيره، والتوكل على الله هو نتيجة للصبر، والتوكل على الله في إقامة الدين ودعوة الناس إليه، يحتاج إلى همة عالية، فهو من أعظم مقامات التوكل وأرفعها؛ كما هي هِمم الرسل والأنبياء وبعدهم الصحابة - رضي الله عنهم - قال الله تعالى: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
    تعريف التوكل
    التوكل عمل قلبي من أعمال القلوب ، وقد وردت له تعريفات كثيرة يكمل
    بعضها بعضاً لتنتهي مجتمعة إلى حقيقة التوكل ومعناه :
    أ- فمن ذلك : ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله عن التوكل : (هو حال للقلب ينشأ عن معرفته بالله ، وتفرده بالخلق والتدبير ، والضر والنفع ، والعطاء والمنع ، وأنه ما شاء كان ، وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن، وإن شاءه الناس ، فيوجب له هذا اعتماداً عليه، وتفويضاً إليه، وطمأنينة به، وثقة به، ويقيناً بكفايته لما توكل عليه فيه) [4] .
    - قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله في شرحه لكتاب التوحيد
    ..، حيث : (التوكل :هو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في جلب المطلوب وزوال المكروه ، مع فعل الأسباب المأذون فيها) [5] .

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى هذه المسألة :(فأهل السماوات والأرض المكلفون وغيرهم في مقام التوكل ، وإن تباين متعلق توكلهم
    فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان ، ونصرة دينه وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه ، وفي محابِّه وتنفيذ أوامره . ودون هؤلاء : من يتوكل عليه في استقامته في نفسه ، وحفظ حاله مع الله ، فارغاً عن الناس . ودون هؤلاء : من يتوكل عليه في معلوم يناله منه : من رزق ، أوعافية ، أو نصر على عدو ، أو زوجة ، أو ولد .. ونحو ذلك . ودون هؤلاء :من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش ؛ فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالباً إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه . فأفضل التوكل : التوكل في الواجب أعني واجب الحق ، وواجب الخلق ، وواجب النفس وأوسعه وأنفعه :التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية، أو في دفع مفسدة دينية؛ وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم،ثم الناس بعدُ في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم، فمِنْ متوكل على الله في حصول الملك ، ومن متوكل في حصول رغيف) [6] .

    أقسام التوكل:
    1- توكل العبد على الله في استقامة نفسه وإصلاحها دون النظر إلى غيره.
    2- توكل العبد على الله في استقامة نفسه، وكذلك في إقامة دين الله في الأرض ونصره، وإزالة الضلال عن عبيده،، وهدايتهم والسعي في مصالحهم، ودفْع فساد المفسدين، ورفْعه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    3- توكل على الله في جلْب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية؛ كالرزق والزواج، والذرية والعافية، والانتصار على العدو الظالم، أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية. وبين القسم الثاني والثالث من الفضل ما لا يُحصيه إلا الله، فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حقَّ توكُّله، كفاه النوع الثالث تمام الكفاية، ومتى توكَّل عليه في النوع الثالث دون الثاني كفاه أيضًا، لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه.
    4- توكل على الله في دفع محرم؛ من إثمٍ أو فاحشةٍ، أو دفع مأمور به.

    أنواع التوكل :
    1- توكل الموحدين الصادقين :
    وحقيقته : الاعتماد على الله (عز وجل) وحده ، والثقة بكفايته مع فعل الأسباب المأذون فيها من غير اعتماد عليها ولا ركون إليها ؛ فخالق الأسباب ومسببها هو الله وحده .
    2- التوكل الشركي ، وهو نوعان :
    أ- أكبر ، وهو : ( الاعتماد الكلي على الأسباب ، واعتقاد أنها تؤثر استقلالاً في جلب المنفعة أو دفع المضرة، وهذا من الشرك الأكبر)

    من الأشياء التي تنافي أصل التوكل:
    1- التعلق بسبب لا تأثير له - كالأموات، والغائبين، والطواغيت - فيما لا يقدر عليه إلا الله.
    ب- الشرك الأصغر، وهو : ( الاعتماد على شخص في رزقه ومعاشه ..وغير ذلك ، من غير اعتقاد استقلاليته في التأثير ، لكن التعلق به فوق اعتقاد أنه مجرد سبب ، مثل اعتماد كثير من الناس على المالية في الراتب، ولهذا تجد أحدهم يشعر من نفسه أنه معتمد على هذا الراتب أومن يقرر الراتب اعتماد افتقار، فتجد في نفسه من المحاباة لمن يكون هذا الرزق عنده ماهو ظاهر) [8] .

    ضوابط الأخذ بالأسباب :
    - (الاعتقاد بأنها لا تستقل بالمطلوب ، بل تُتعاطى من غير ركون إليها ، ومع هذا فلها موانع ، فإن لم يكمل الله الأسباب ، ويدفع الموانع : لم يحصل المقصود ، وهو (سبحانه) ما شاء كان وإن لم يشأ الخلق ، وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الخلق) [11] .
    (ألا يعتقد في الشيء أنه سبب إلا بعلم وتحقق ، فمن أثبت سبباً بلا علم ، أو بما يخالف الشريعة : كان مبطلاً في إثباته ، آثماً في اعتقاده) [12] .

    - (إذا لم يوجد من الأسباب في تحصيل المطلوب إلا سبباً محرماً : فلا يجوز مباشرته ولا الأخذ به ، وتوحد السبب في حقه في التوكل على الله عز وجل ، فلم يبق سبب سواه، فإنه من أقوى الأسباب في حصول المراد ، ودفع المكروه ، بل هو أقوى الأسباب على الإطلاق) [14] .
    - (إن كان السبب مباحاً ، نُظر :هل يضعف القيام به التوكل أو لا يضعفه ، فإن أضعفه ، وفرق على العبد قلبه ، وشتت همه : فترْكه أولى ، وإن لم يضعفه : فمباشرته أولى ؛ لأن حكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب به ، فلا تعطل حكمته مهما أمكن القيام بها ،لا سيما إذا كان الأخذ بالسبب عبودية لله عز وجل، فيكون العبد قد أتى بعبودية القلب بالتوكل ، وعبودية الجوارح بالسبب المنوي به القربة) [15] .
    (إن القيام بالأسباب على نحو ما سبق هو الذي يحقق التوكل ، فمن عطل الأسباب المأمور بها لم يصح توكله ، كما أن القيام بالأسباب المفضية إلى حصول الخير يحقق رجاءه ، فمن لم يقم بها كان رجاؤه تمنياً ، كما أن من عطلها يكونتوكله عجزاً أو عجزه توكلاً) [16] .إن القضاء والقدر والتوكل من أساسيات الدين، والقضاء والقدر سابق للتوكل، والقدر أشمل وأعم من التوكل، والقضاء والقدر جالبان للراحة والطُّمأنينة والسعادة، وسلوك الطريق المستقيم، والتوكل داخل في الإرادة الشرعية والقضاء والقدر داخل في الإرادة الكونية، والتوكل واتخاذ الأسباب يدفعان القضاء والقدر،
    (وسر التوكل وحقيقته هو : اعتماد القلب على الله وحده ، فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها، كما لا ينفعه قوله توكلت على الله مع اعتماده على غيره وركونه إليه وثقته به ،فتوكل اللسان شيء، وتوكل القلب شيء)[17].
    مظاهر الانحراف في مفهوم التوكل وتطبيقه :

    مظاهر الانحراف فى التوكل

    - النظر إلى التوكل على أنه تواكل وترك للأسباب ، والذين وقعوا في هذا
    الانحراف على صنفين :
    -صنف يعلم أن التوكل لا ينافي فعل الأسباب والأمر واضح عنده بلا شبهة ، ولكنه ينطلق من هذا الفهم المنحرف في تبرير عجزه وكسله وتفريطه ، فهذا عجزه توكل ، وتوكله عجز ، وهذا الصنف من الناس لا ينقصه إلا أن يتقي الله عز وجل ،ولايبرر شهوته بشبهة
    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: وكثيراً ما يشتبه في هذا الباب : المحمودُ الكامل بالمذموم الناقص . ومنه : اشتباه التوكل بالراحة ، وإلقاء حمل الكَلِّ فيظن صاحبه أنه متوكل ، وإنما هو عامل على عدم الراحة .) [18] .
    ب- أما الصنف الثاني : فقد أُتي من جهله بحقيقة التوكل على الله عز وجل وجهله بسنن الله سبحانه في ارتباط المسببات بالأسباب ، وأن الأخذ بالأسباب بضوابطها الموضحة سابقاً لا ينافي التوكل ، بل إن تركها قدح في حكمة الله عز وجل ، ونقص في العقل ، وماعلم صاحب هذا الفهم أن التوكل عليه سبحانه هو أقوى الأسباب في حصول المطلوب ودفع المكروه ، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى : (واعلم أن تحقيق التوكل لا يُنافي السعي في الأسباب التي قدّر الله سبحانه المقدورات بها ، وجرت سنته في خلقه بذلك ، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكّل ، فالسّعيُ في الأسباب بالجوارح طاعةٌ له ، والتوكل بالقلب عليه إيمانٌ به ، كما قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ) [النساء : 71] ) [19] .
    ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى عن توكل الرسول وصحابته الكرام مع أخذهم بالأسباب، فيقول : (.. وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين ، وكان إذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة حمل الزاد والمزاد ، وجميعُ أصحابه، وهم أولو التوكل حقّاً، فكانت هممهم رضي الله عنهم أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعي ؛ فيجعله نصب عينيه ، ويحمل عليه قوى توكله) [20] .
    - ويقابل الانحرافَ السابق انحرافٌ في الجانب المقابل، ، وفي ذلك يقول الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله : (ولكن الغالب عندنا ضعف التوكل ، وأننا لا نشعر حين نقوم بالعبادة أو العادة بالتوكل على الله والاعتماد عليه في أن ننال هذا الفعل ، بل نعتمد في الغالب على الأسباب الظاهرة ، وننسى ما وراء ذلك ، فيفوتنا ثواب عظيم وهو ثواب التوكل) [21] .
    - ما ينقل عن بعض غلاة المتصوفة من أن التوكل من مقامات العامة ، لا من مقامات الخاصة ، ومنشأ هذا الانحراف أتى من ظنهم أن التوكل لا يطلب به إلا حظوظ الدنيا ، كما هو شأن عامة الناس ، وهذا غلط ، فإن أعظم ما يُتوكل على الله فيه الأمور الدينية ، وحفظ الإيمان ، وجهاد أعداء الله عز وجل ، ورجاء ثوابه سبحانه .
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
    ( وعلى هذا : فالذي ظن أن التوكل من المقامات العامة ظن أن التوكل لا يطلب به إلا حظوظ الدنيا ، وهو غلط ، بل التوكل في الأمور الدينية أعظم) [22] .

    وإن مما ينافي حقيقة التوكل : الخوف من المخلوق خوفاً يدفع إلى ترك ما يجب أو فعل ما يحرم، محاباة للمخلوق أو خوفاً من شره، ومثل ذلك يكون أيضاً في الطمع والرغبة، فالطمع في نفع المخلوق أو الخوف من شرِّه إذا أدى إلى ضعف التعلق بالله (عز وجل) وضعف الثقة به سبحانه؛ فإن هذا يقدح في التوكل، ويضعفه إن لم يذهبه ، ومن تعلق بشيء وُكِلَ إليه ، ومن وكل إلى غير الله عز وجل ضاع وهلك ، وخاب وخسر ..ومما يصلح التمثيل به في عصرنا اليوم على هذا الضعف : ما يعتري بعض الدعاة وهو في دعوته إلى الله عز وجل من خوف على نفسه أو رزقه أو منصبه ، الأمر الذي يؤدي ببعضهم إلى ترك ما هم عليه من تعليم للعلم أو دعوة إلى الله عز وجل ، والإحجام عن مجالات الخير ونفع الناس ، بحجة الحذر والبعد عن الفتن, والله سبحانه أعلم بما في قلوب العالمين .ثم إنه لو كان يغلب على الظن حصول الأذى والابتلاء لكان لذلك بعض الوجه في الأخذ بالرخصة وترك العزيمة ، أما وأن الأمر على العكس من ذلك ؛ حيث يغلب على الظن عدم التعرض للأذى ، فإنه لا تفسير لهذه المواقف إلا ضعف التوكل على الله عز وجل، والوسوسة الشديدة ، والمبالغة في الخوف ، والحذر الزائد من المخلوق الضعيف ، وتهويل أمره ، وهذا من كيد الشيطان ووسوسته ، وكأننا لم نسمع ولم نعِ قوله تعالى : (إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران : 175] .

    مواقف الناس من الأسباب على أربعة أقسام:
    1- الالتفات إلى الأسباب بالكلية، واعتماد القلب والجوارح عليها من غير نظر لمسببها: كنظرة الماديين والعقلانيين، فوقعوا في الشرك؛ لأنهم أثبتوا موجدًا مع الله، مستقلاًّ بالضر والنفع، وهذا باطل مخالف للكتاب والسنة والاجماع، كما أن الأسباب قد تتخلف عن مسبباتها بإذن الله كما يشهد لذلك الحس.
    2- الإعراض عن الأسباب بالكلية: كنظر غالب الصوفية للتوكل، فهم لا يرون تحقيق التوكل إلا في ترك الأسباب بالكلية، فتركوا التكسب والعمل، والاحتراز والاحتياط، والتزود في السفر والطعام، ويرون ذلك كله منافيًا للتوكل,
    كما أن الإعراض عن الكسب والخمول بدعوى التوكل، له آفات ومفاسدُ يصعُب حصْرها، وهذا الموقف - أي: (الإعراض عن الأسباب بالكلية) - حكَم عليه العلماء بأنه قدْح في الشرع.
    3- نفي تأثير الأسباب بالكلية: وصف العلماء هذا القول بأنه (نقص في العقل)، وهو قول القدرية الجبرية، وهم يرون أن الله لم يخلق شيئًا سببًا، ولا جعل في الأسباب قوى وطبائعَ تؤثر، وغرضهم الرد على القدرية النُّفاة، لكنه ردُّوا باطلاً بباطل، وهذا الموقف فاسد باطل مخالف للكتاب والسنة والإجماع.
    4- قيام الجوارح بالأسباب، واعتماد القلب على مسبب الأسباب - سبحانه وتعالى -:
    هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الحق الذي دلَّ عليه الشرع والعقل، وهو الوسط في كل مذهب، فأثبت للأسباب تأثيرًا في مسبباتها، لكن لا بذاتها، بل بما أودعه الله فيها من القوى الموجبة، وهي تحت مشيئته وقدرته، فإن شاء منَع اقتضاءَها، وإن شاء جعلها مقتضية لأحكامها، فهم - أي: أهل السنة والجماعة - يوجبون الأخذ بالأسباب، ويعتقدون عدم منافاتها للتوكل، بل إن التوكل من أعظم الأسباب في جلْب المنافع ودفْع المضار، ونفي الفقر ووجود الراحة، ويرون ضرورة الأخذ بالأسباب، مع عدم الاعتماد عليها، ويكون التوكل بالقلب على الخالق، مع اتِّباع الأسباب في ظاهر الحال فقط،
    والأخذ بالأسباب ثم الاعتماد على الله - عز وجل - هو مذهب أهل الحق من سلف الأمة؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُو نَ ﴾ [يوسف: 67]. وفي جانب الرزق قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور ﴾ [الملك: 15]،
    قال بن القيم في "مدارج السالكين": (... لا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكُّل، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدمِ العبودية). والسبب الذي أُمر العبد به - أمر إيجابٍ أو أمر استحباب - هو عبادة الله وطاعته له ولرسوله، والله فرض على العباد أن يعبدوه ويتوكلوا عليه؛ كما قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]، وقال: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ﴾ [المزمل: 8، 9]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]. والمقصود أن الله لم يأمر بالتوكل فقط، بل أمر مع التوكل بعبادته وتَقواه التي تتضمن فعل ما أمر، وترْك ما حذَّر، فمن ظنَّ أنه يرضي ربَّه بالتوكل دون فعْل ما أمره به، كان ضلالاً، كما أن مَن ظن أنه يقوم بما يرضي الله عليه دون التوكُّل عليه، كان ضلالاً، وأن مَن ظنَّ أن التوكل يغني عن الأسباب المأمور بها، فهو ضال؛ ولهذا فمَن ظن أنه يتوكل على ما قدر عليه من السعادة والشقاوة، بدون أن يفعل ما أمره الله به، فإن كانت أسباب مقدورة له وهو مأمور بها، فعَلها مع التوكل على الله؛ كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويَلبس جُبة الحرب، ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكُّله، بدون أن يفعل ما أُمِر به من الجهاد، فإن قيل: كيف يطلب ما لا يعرف مكانه؟ جوابه: أن يفعل السبب المأمور به، ويتَّكل على الله فيما يخرج عن قدرته، مثل الذي يشق الأرض، ويلقي الحَب ويتوكل على الله في إنزال المطر ونبات الزرع ودفْع المؤذيات، ومن ترَك الأسباب المأمور بها، فهو عاجز مفرِّط مذموم؛ قال الحسن: التوكل لا ينافي السعي في الأسباب؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [النساء: 71]، وقال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]
    ****************************** ********
    (1) البخاري ، ح/5705 ، ك/ الطب ، من حديث عمران بن حصين ، ومسلم ، ح/218 ، ك/ الإيمان.
    (2) البخاري ح/4563 ، ك/ التفسير سورة آل عمران .
    (3) الترمذي في الزهد ، ح/2345 ، وابن ماجة ، ح/4164 ، وأحمد ، 1/ 52 ، وصححه الشيخ أحمد شاكر ، 1/206 ، وهو في صحيح سنن الترمذي ، ح/ 1911 .
    (4) مدارج السالكين ، 1/82
    (5) شرح كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين ، 2/185 .
    (6) مدارج السالكين ، 2/113 ، 114 .
    (7) انظر : شرح كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين ، 2/190 ، 191 .
    (8) انظر : المصدر السابق ، 2/190 ، 191 .
    (9) انظر : جامع الرسائل لابن تيمية ، 1/89 .
    (10) انظر : شرح كتاب التوحيد ، للشيخ ابن عثيمين، 2/ 190 ، 191.
    (11) انظر : توحيد الخلاق ، للشيخ سليمان بن عبد الله ، ص 169 - 172 .
    (12) انظر : توحيد الخلاق ، للشيخ سليمان بن عبد الله ، ص 169 - 172 .
    (13) المرجع السابق .
    (14) انظر : الفوائد ، لابن القيم ، ص 86 ، 87 .
    (15) المرجع السابق .
    (16) المرجع السابق .
    (17) المرجع السابق .
    (18) مدارج السالكين ، 2/123 ، 124 .
    (19) جامع العلوم والحكم ، ص 498 .
    (20) مدارج السالكين ، 2/134 ، 135 ، بتصرف .
    (21) شرح كتاب التوحيد ، للشيخ ابن عثيمين ، 2/190 .
    (22) مجموع الفتاوي ، 10/18 20 ، باختصار .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •