من محبطات الأعمال "قطيعة الرحم"
عبده أحمد الأقرع


الحمدُ لله الذي خلق من الماءِ بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، وأصلي وأسلم على سيد ولد آدم يوم الدِّين، وخير من وصل الأقربين، نبينا محمد وآله وسلم، وبعد:

فمع المحبط الخامس للأعمال، وهو "قيطعة الرحم"
عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله قال: ((إنَّ أعْمالَ بني آدَم تُعْرضُ كلَّ خميس ليلَةَ الجُمعة، فلا يقبل عملُ قاطِع رحم))[صحيح الترغيب].
يهدف الإسلام إلى بناء مجتمع إسلامي متراحمٍ متعاطف، تسوده المحبة والإخاء، ويهيمن عليه حبُّ الخير والعطاء، والأسرة هي وحدةُ المجتمع، وقاعدةُ الحياةِ البشرية، تسعدُ بتقوى الله ورعايةِ الرحم
والإسلامُ عُني بتوثيقِ عرى الأسرة، وتثبيت بنيانها، والإحساس بحقها، وعدم هضمها وظلمها، والتحرج من خدشها أو الإضرار بها، وأتى بالأسس التي تكفلُ تماسكَ الأسرِ واطمئنان الأفراد، جعل صلةَ الرحم من الأسس التي عليها البناء، وسعى إلى حمايتها من المؤثرات التي توهن بناءَها، فدعا الإسلام إلى صلة الرحم، ومعاملة الأرحام معاملةً تتفق مع ما شرّع الله من أحكام، وما وضع من آداب
فقرنت الرحم بحقِّ الله - تعالى -في التقوى، قال الله - تعالى -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)[النساء].
وقرن الله الأمر بتوحيده والنهي عن الإشراكِ بالإحسان إلى الوالدين والأقربين، قال - تعالى -: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى)[النساء].
وبصلة الرحم أمر الله من سبقنا من الأمم وهي من الميثاق الذي أُخذ على بني إسرائيل: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُون)[البقرة].
واهتم رسول الله بالأسرة مِن أول دعوته المشرقة؛ فعن أبي سفيان صخر بن حرب - رضي الله عنه - في حديثه الطويل في قصة هِرقل فماذا يأمركم يعني النبي قال أبو سفيان قلتُ يقول: ((اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق، والعفاف والصلة))[متفق عليه].
لأن أسرة الإنسان وقرابته هم عدتُه وسنده، وهم أصلُه وقوته، يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عشيرتُك هم جناحك الذي بهم تُحلِّق، وأصلك الذي به تتعلَّق، ويدُك التي بها تصولُ، ولسانك الذي به تقولُ، هم العُدة عند الشدة، أكرم كريمَهم، وعُد سقيمهم، ويسِّـر على معسرهم، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك
فرحم الإنسان هم أولى الناس بالرعاية وأحقهم بالعناية، وأجدرهم بالإكرام والحماية
وإذا فُقد ذلك، تقطعت الأوصال التي حذّر الله من قطعها، فقال - سبحانه -: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار)[الرعد].
فقطيعة الرحم شؤمٌ وخرابٌ، وسببٌ للعنة وعمى الأبصار، قال - تعالى -: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد].
وقد تكفل الله للرحم بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها؛ فعن عائشة - رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الرحمُ مُعلقةٌ بالعرشِ تقولُ مَن وصلني وصلهُ الله، ومن قطعني قطعهُ الله))[متفق عليه].
وعن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قال الله - عز وجل - أنا الله، أنا الرحمن، خلقتُ الرَّحم، وشققتُ لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلتُه، ومن قطعَها قطعته أو قال بَتَتُّهُ))[صحيح الترغيب].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله - تعالى -خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت هذا مقامُ العائذِ بك من القطيعةِ، قال نعم، أما ترضينَ أن أصل من وصلكِ، وأقطع من قَطَعَكِ؟ قالت بَلَى، قال فذلك لك، ثم قال رسول الله: (اقرؤوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم)[محمد، صحيح الترغيب].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الرحم شُجنة من الرحم تقول يا ربِّ إني قُطعت، يا رب إني أُسيء إليَّ، يا رب إنِّي ظُلمت، يا رب، يا رب، فيجيبُها ألا ترضين أن أصِلَ مَنْ وصَلَكِ، وأقطعَ مَنْ قَطعَكِ)[البخاري، ومسلم].
معنى «شجنة» أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق وأفرع الشجرة
وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي أنه قال: ((الرحم حَجنة متمسكة بالعرش، تكلم بلسان ذلق اللهم صِلْ مَنْ وصلني، واقطع من قطعني، فقول الله -تبارك وتعالى- أنا الرحمن الرحيم، إني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته، واقطع من قطعني، فيقولُ الله -تبارك وتعالى- أنا الرحمنُ الرحيمُ، إني شَقَقْتُ للرحمِ من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن بتكها بَتَكْتُه))[صحيح الترغيب] وقوله: ((من بتكها بتكته)) أي زمن قطعها قطعته.
وقد أخبر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن تقطيع الأرحام من أعظم كبائر الذنوب، وعقوبتها معجلةٌ في الدنيا قبل الآخرة: عن أبي بكرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّلَ اللهِ لصاحِبِه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدخرُ له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم))[البخاري باب إثم القاطع، ومسلم في البر والصلة].
وأخبر أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة فعن أبي محمد جُبَير بن مطعم - رضي الله عنه - أن رسول الله قال: ((لا يدخل الجنة قاطع))[البخاري باب إثم القاطع، ومسلم في البر والصلة].
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنَّ مِن أربى الربِّا الاستطالة في عِرْضِ المسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنةٌ من الرحمنِ - عز وجل -، فمن قطعها حرَّم عليه الجنة))[صحيح الترغيب].
وفي المقابل بين رسول الله أن صلة الرحم من أسباب دخول الجنة فعن أبي يوسف عبد الله بن سلام - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله يقول: ((يا أيها الناسُ، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلام)[صحيح الترمذي في صفة القيامة، وصحيح الجامع، والصحيحة].
وعن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن أعرابيًا عَرَضَ لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو في سفرٍ، فأخذ بخطام ناقته، أو بزمامها، ثم قال يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟ قال فكفَّ النبي، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: ((لقد وُفِّقَ أو لقد هُدِي)) قال: كيف قلت؟ قال فأعادَها، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((تعبدُ الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصلُ الرحم، دع الناقة)).
وفي رواية: ((وتصِلَ ذا رَحِمَكَ)) فلما أدبر قال رسول الله: ((إن تمسك بما أُمر به دخل الجنة))[صحيح الترغيب].
وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن صلة الرحم، محبةٌ في الأهل، ومثراةٌ في المال، ومنسأةٌ في الأثر، وبركةٌ في الرزق، وتوفيق في الحياة، وعمارةٌ للديار، يكتب الله بها العزة، وتُملأ بها القلوب إجلالاً وهيبة
عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله قال: ((مَن أحبَّ أن يبسط له في رزقه، ويُنسأَ له في أثره، فلْيصِلْ رحمه))[متفق عليه].
وعن عائشة - رضي الله عنها -، أنَّ النبي قال لها: ((إِنَّه من أعطي حَظه من الرفق، فقد أُعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الجوار، أو حُسن الخُلق يعمر الديار، ويزيدان في الأعمارِ))[صحيح الترغيب].
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ أهلَ البيتِ ليكونون فجَرَةً، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم إذا تواصلوا))[صحيح الترغيب].
وبيّن رب العزة - سبحانه وتعالى - أن أفضل النفقة؛ النفقة على الأقارب قال - سبحانه -: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْ نِ وَالأَقْرَبِينَ )[البقرة]، وقال - تعالى -: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)[الإسراء].
فقد جعل الله - تعالى - لذي القربى حقًا في الأعناق، فليس هو تفضلاً إنما هو الحق الذي فرضه الله
وبين رسول الله أن الصدقة على الرحم ثوابها مبرور، وأجرُها مضاعف، فعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه -، عن النبي قال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة))[صحيح الجامع، والمشكاة، وصحيح الترغيب].
وعن أم كلثوم بنت عقبة - رضي الله عنها -، أن النبي قال: ((أفضلُ الصدقةِ على ذي الرحم الكاشح))[صحيح الجامع، والإرواء، وصحيح الجامع].
يعني أن أفضل الصدقة الصدقةُ على ذي الرحم المضمر العداوةَ في باطنه، وهو في معنى قوله: ((وتَصِلُ من قطعك)).
وعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي، فلما كان يومها الذي يدورُ عليها فيه، قالت يا رسول الله، إني أعتقتُ وليدتي؟ قال: ((أو فعلت؟)) قالت: نعم قال: ((أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك))[متفق عليه].
قريبك قطعةٌ منك، إن أحسنت إليه فإنما تحسن إلى شخصك، وإن بَخِلْت عليه، فإنما تبخل عن نفسك، وإذا لم يجد إنسان ما يؤدي به حقَّ الأقربين، فليقل لهم قولاً لينًا، ففي القول الميسور، عوضٌ وأملٌ وتجمل..
قال الله - تعالى -: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُورًا)[الإسراء].
ولكن ذوي الرَّحم، ليسوا ملائكة ولا أنبياءَ معصومين، يتعرضون للزلل، وينطقون بالخطأ، وتصدر منهم الهفوة، ويقعون في الكبيرة، فإن بدر منهم شيءٌ من ذلك، فالزم جانبَ العفوِ معهم، فإن العفو من شِيم المحسنين، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وقابل إساءتهم بالإحسان، واقبلْ عذرَهم إذا أخطأوا لقد فعل إخوةُ يوسفَ مع يوسفَ ما فعلوه، وعندما اعتذروا، قبل عذرهم وصفح عنهم الصفح الجميل، ولم يوبِّخهم، بل دعا لهم، وسأل الله المغفرة لهم: (قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين)[يوسف].
لأن مقابلة الإحسان بالإحسان، مكافأة ومجازاة، ولكنَّ الواصل من يتفضلُ على صاحبه ولا يتفضلُ عليه صاحبه.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله: ((ليس الواصلُ بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها))[البخاري في الأدب باب ليس الواصل بالمكافئ].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني لي قرابة أصلُهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: ((لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك))[مسلم رقم باب صلة الرحم، وتحريم قطيعتها].
معنى: ((تُسِفُّهم الملَّ)) أي كأنما تطعمهم الرماد الحار وهو تشبيهٌ لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرمادِ الحارِّ من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم، لكن ينالهم إثمٌ عظيمٌ بتقصيرهم في حقه، وإدخالهم الأذى عليه
وعن أبي ذر - رضي الله عنه – قال: "أوصاني خليلي بخصالٍ من الخير أوصاني أن لا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أنظر إلى ما هو دوني، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت، وأوصاني لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق وإن كان مرًا، وأوصاني أن أكثر من «لا حول ولا قوة إلا بالله»، فإنها كنزٌ من كُنوز الجنة"[صحيح الترغيب].
فالصفح عنهم ونسيان معايبهم وإن لم يعتذروا، من كرم النفس، وعلوِّ الهمة، ومن أخلاق الأكابر، وأهل الفضل، والكريم يعطي الناس حقوقهم ويتغاضى عن حقه، فهذا أدبُ الفضلاء، ودأبُ النبلاء، فالزم جانب العفو معهم، ودع الخصام فإن معاداة الأقارب شر وبلاء، الرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم، وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها وتشهد عليه بقطيعة إن كان قطعها.
ولقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يستوحشون من الجلوس مع قاطع الرحم، يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: "أُحرِّج على قاطع رحم لما قام من عندنا".
وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - جالسًا في حلقة بعد الصبح، فقال: أنشدك الله قاطع رحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مُربحة أي مغلقة دون قاطع رحم.
فاتقوا الله عباد الله وصلوا أرحامكم، وقدموا لهم الخيرَ ولو جَفَوْا، وصلوهم وإن قطعوا.
وصلةُ الرحم والإحسان إلى الأقربين، ذاتُ مجالات واسعة، ودروبٍ شتى، فمن بشاشةٍ عند اللقاء، ولين في المعاملة، إلى طيب في القول، وطلاقةٍ في الوجه، زيارات وصلات، تفقدٌ واستفسارات، مهاتفةٌ ومراسلة، مشاركةٌ في الأفراح، ومواساةٌ في الأتراح، وإحسانٌ إلى المحتاج، وبذلٌ للمعروف، والمعنى الجامعُ لذلك كلِّه إيصالُ ما أمكن من الخير، ودفعُ ما أمكنَ من الشر..
حُكي عن بنتِ عبد اللهِ بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحةَ بن عبد الرحمن بن عوف وكان أجودَ قريشٍ في زمانه قالت: يا طلحةُ ما رأيتُ قومًا أَلأَمَ من إخوانِكَ؟ قال: ولِمَ ذاكَ؟ قالت: أراهم إذا أيْسَرْت وكثرُ مالك زارُوكَ ولزموكَ، وإذا أعسرتَ تركوك؟ قال: هذا والله من كرمهم، يأتوننا في حال القوة بنا عليهم، ويتركُونَنا في حالِ الضعفِ بنا عليهم.
فانظروا كيف تأوَّل بكرمِهِ هذا التأويل، وفسرَّ بنبيل أخلاقه هذا التفسير، حتى جعل قبيح فعلِهم حسنًا، وظاهر عذرهم وفاءً، وهذا محضُ الكرم ولبابُ الفضل، وبمثل هذا يظهر ذوو الفضل..
وللحديث بقية إن شاء الله.