مساوئ الدلال على سلوك الأطفال
عبدالحميد غزي بن حسن

تؤكد الأبحاث التربوية أن ما يحصل عليه الطفل من زيادة في جرعات الاهتمام والرعاية والتدليل عن الحد المألوف، قد ينقلب الى ضده، مما يكوِّن خصالاً سيئة ضارة لديه، ويعزى الى كونه - الطفل - ليس كائناً محايداً في الأسرة، وإنما يتحدد انطلاقاً من المقام الذي يعطى إياه من قبل الأسرة عموماً ومن قبل الوالدين على وجه الخصوص، وعلى ذلك فقد يختلف الإخوة فيما بينهم تبعاً للمكانة الخاصة التي يعطى إياها كل منهم.. لدرجة أن كثرة التدليل والرعاية الزائدة تولد لدى الطفل خصالاً سيئة ضارة، ومنها:1- الاعتماد على الأبوين.
2- تولد الأنانية في شخصية الطفل.
3- زرع الضغينة بين الأطفال.
4- ترك الأهل حبل الولد على غاربه.
عندما يكبر الطفل قليلاً، لا يستطيع أن يعمل أي عمل إلا بمساعدة أبويه، فلا يأكل إلا بيد أمه، مما يؤدي الأمر الى الالتصاق بأمه حتى لا يطيق مفارقتها.. ولا يطيق الالتحاق بالمدرسة بسبب الارتباط العضوي والنفسي بأمه وأبيه وبيته.. كما ان الاستجابة لكافة رغبات الطفل، يولد عنده الأنانية وحب الذات، لدرجة قد تدفعه الى حب التملك والرغبة في الحصول على كل شيء وبشتى الوسائل والسبل، حتى ولو كان عن طريق العنف والنزاع.
وأيضاً من مساوئ الدلال على سلوك الطفل، قلة المناعة عند الطفل، وتدهور صحته، نظراً للرعاية الزائدة للطفل والقلق الزائد عن الحد الطبيعي بشأنه، مما يستدعي الطبيب حتى ولو عطس أو سعل، والضار في بعض الأحيان، تلك الآثار السيئة لبعض الأدوية، لذلك نكون قد نزعنا من الطفل أهم نعمة رزقها الله له.
وإضافة لما تقدم، وبدافع الحرص الشديد والحب الزائد للطفل، ننظر الى اطفالنا دون اطفال الآخرين، بحجة ألا يصيبهم أي مكروه، فيكون سبباً في زرع نوع من الضغينة بين الأطفال أنفسهم وبيننا وبين الأهل (أهل الأطفال الآخرين). والأخطر في ذلك، انتقال هذه الظاهرة السيئة الى المدرسة، عند ممارسة المعلم دوره التربوي مع الأطفال المدللين، سيما عند تعرضهم للتوبيخ واللوم، حيث يسارع الأهل الى الوقوف مع طفلهم المدلل، ناسين حال طفلهم ومستواه العلمي، واللجوء الى المعالجة بحكمة وروية.. ناهيك ان الآباء والأمهات لا يسألون عما يفعل أطفالهم، ومن يصادقون، ناسين واجباته الاجتماعية والدينية، وقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون. واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم} (الأنفال: 27-28).
ولعل من جملة الأسباب التي تكمن خلف ظاهرة الدلال للطفل، ولاسيما الرعاية، يمثله الطفل بالنسبة للأم، انه يمثل لها معنى أو أكثر في الوقت نفسه، انه توكيد لأنوثتها ودليل نضج وتقدم عن طريق الأمومة، وهو نتاج وجودها... وهو موضع اعتزازها بنفسها أو قلقها الوجودي، وهو ضمانة استمرار الحياة الزوجية، ومجسد آمالها ورغباتها التي لم تستطع تحقيقها.
وقد تحب الأم أحد الأبناء وتدللـه وتعطيه مكانة مفرطة على حساب الآخرين والعالم الخارجي على حد سواء، لأنه ولد بعد طول انتظار، أو بعد موت عدة اطفال أو اجهاض متكرر، أو يعزى الى قدوم ولد بعض عدة بنات.. وقد تدلل الأم الطفل لأنها ترى فيه مرآة ذاتها.. ترى الطفلة التي كانت والتي مازالت تعيش في لا وعيها.. أو لأنه يثير فيها قلق الموت، نظراً الى اعتلال صحته واصابته بالأمراض... وقد يكون وراء هذا الدلال المفرط، تعويضاً ونفياً لميول عدوانية تجاهه.. وربما تدلل الأم أحد أطفالها كي تنافس والدتها على الأمومة.. وقد تجد الأم في ممارستها الدلال المفرط والعناية الزائدة لطفلها، تعويضاً نرجسياً عن فشلها العلائقي، أو محاولتها للتدليل كأسلوب في الرشوة العاطفية كي تستقطبه الى جانبها في حالة تحويل الاحباط الزوجي الى تنازع على حب الأطفال من خلال محاولة كل من الزوجين تقديم الرشوة الى الأبناء.
وبغض النظر عن تلك الأسباب، سواء باستخدام تدليل الطفل الأصغر عادة لحل الكثير من الصراعات العلائقية الصغيرة، مما يؤدي الى افلات الطفل في أي قانون أو سلطة تضبط نزواته، أو تفضيل الولد الأكبر على الآخرين من دون سبب مقنع، مما يولد الكراهية والغيرة في قلوب الإخوة.. ومن حيث النتائج إذْ تترك آثارا سلبية ضارة لدى الطفل وهي تدخل في الجور، يقول "صلى الله عليه وسلم" : «اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم»، والعدل بين الأبناء يجب أن يكون في كل شيء ما استطعنا الى ذلك سبيلاً، حتى في القبل، إذ ورد عن أنس بن مالك أن رجلاً كان جالساً مع النبي "صلى الله عليه وسلم" فجاء بُني له فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت بنية فأخذها، فأجلسها الى جنبه، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم" : «ما عدلت بينهما»،..وقد بشر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من يعدل بين أولاده ببشرى عظيمة: «فهم على منابر من نور يوم القيامة».
- ولكن ما المطلوب في هذا الصدد، لما للدلال الزائد من آثار سلبية على الطفل؟
- إن الأولاد أمانة.. ولا يجوز التفريط فيها، وإن في ربط التقوى بالعدل في الأولاد، إشارة واضحة الى أهمية العدل بين الأولاد، مما يناسب تقوى الله، والتفريط فيه تفريط في التقوى، قال تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة: 8).
وألا نكون سبباً في زرع تلك الخصال السيئة الضارة على الطفل والأسرة والمجتمع من خلال الدلال والعناية الزائدة بالطفل، وعلينا أن نتبع الشريعة الإسلامية في تربية أولادنا، وتنشئتهم على البر والتقوى، وصدق الله العظيم: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} (البقرة: 143).