من قرأ كتاباً مرة فأكثر
عبد العال بن سعد الرشيدي



إسماعيل بن يحيى المزني صاحب الشافعي.
يقول: قرأتُ كتابَ "الرسالة" للشافعي خمسمائة مرَّة، ما من مرَّة منها إلاَّ واستفدتُ فائدة جديدة لم أستفِدها في الأخرى[2].
• سليمان بن إبراهيم بن عمر نفيس الدين العلوي اليمني.
مَرَّ على صحيح البخاري مائةً وخمسين مرَّة ما بين قراءة وسماعٍ وإسماعٍ ومُقابلة[3].
• سليمان بن إبراهيم بن عمر بن نفيس الدين العكي العدناني الزبيدي.
قال عنه الشوكانيُّ: إنَّه برع في الحديث وصار شيخَ المحدِّثين ببلاد اليمَن وحافظهم، وأخذ عنه النَّاسُ طبقةً بعد طبقة، وارتحلوا إليه من الآفاق، وتتلمذ له ما لا يحيط به الحصرُ، حدَّث عن نفسه أنه قرأ "صحيح البخاري" أكثر من خمسين مرَّة[4].
• أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن مقبل القاهري الحنفي.
قال البرهان الحلبي: إنَّه أخبره أنَّه قرأ "صحيح البخاري" إلى سنة ثمانين - أي: وسبعمائة - خمسًا وتسعين مرَّة، وقرأه بعد ذلك مرارًا كثيرة، وكان طارحًا للتكلُّف في مَلبسه وهيئته، يمشي على قَدميه في الأسواق، مهابًا، قليل الكلام، موصوفًا بالخير[5].
• أحمد بن أبي طالب بن نعمة الحجار المعروف بابن الشحنة.
قال ابن كثير -رحمه الله-: قُرِئ البخاريُّ عليه نحوًا من ستِّين مرَّة، وقد سمع عليه السلطان الملك النَّاصر، وخلع عليه وأَلبسه الخلعةَ بيده، وسمع عليه من أهل الدِّيار المصريَّة والشاميَّة أممٌ لا يحصون كثرةً، وانتفع الناسُ بذلك، وكان شيخًا حسنًا بهيَّ المنظر، سليمَ الصدر، ممتَّعًا بحواسِّه وقواه؛ فإنَّه عاش مائة سنة محققًا، وزاد عليها[6].
• عبد الله بن محمد بن عيسى النحويُّ الأندلسي أبو محمد.
من أهل مدينة الفَرَج؛ كان من أهل العلم بالعربيَّة واللغة، متحقِّقًا بهما، بارعًا فيهما، مع وقار مجلس ونزاهة نفسٍ، كان يختم كتابَ سيبويه في كل خمسة عشر يومًا، رحمه الله[7].
• الإمام أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عَطيَّة.
قال ابن بَشْكُوَال: كان حافظًا للحديث وطرُقه وعِلَله، عارفًا بالرجال، ذاكرًا لمتونه ومعانيه، قرأتُ بخطِّ بعض أصحابنا أنَّه سمعه يَذكر أنَّه كرَّر "صحيح البخاري" سبعمائة مرَّة، وكان أديبًا، شاعرًا، لغويًّا، ديِّنًا فاضلاً، أكثر النَّاسُ عنه، وكفَّ بصره في آخر عمره[8].
• محمد بن عبد الله بن صالح بن عمر أبو بكر الأبهري الفقيه.
قرأ مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرَّة، والأسدية خمسًا وسبعين مرَّة، والموطأ خمسًا وأربعين مرَّة، ومختصر البرني سبعين مرة[9].
• إبراهيم بن حجاج بن محرز أبو إسحاق الأبناسي الشافعي.
قال عنه السخاويُّ -رحمه الله-: إنَّه قرأ (التوضيح) أكثر من سبعين[10].
• إسماعيل بن عمرو بن محمد أبو سعيد البحيري النيسابوري.
قال الذهبي -رحمه الله-: ثِقة، صالح، محدِّث، من بيت الحديث، وكان صحيح القراءة، وكان يقرأ دائمًا "صحيح مسلم" للغرباء والرَّحَّالة.
قال ابن النجار: كان نظيفًا، عفيفًا، اشتغل بالتجارة وبُورك له فيها.
وقال ابن السمعاني: وقرأتُ بخطِّ والدي قال: سمعتُ أبا سعيد البحيري يقول: قرأتُ صحيح مسلم على أبي الحسين عبد الغافر الفارسي أكثر من عشرين مرَّة[11].
• الإمام الفقيه أبو محمد عبد الله بن إسحاق المعروف بابن التَّبَّان.
قال عن نَفْسِه: كنت أول ابتدائي أدرس الليل كلَّه، فكانت أمِّي تنهاني عن القراءة بالليل، فكنتُ آخذ المصباحَ فأجعله تحت الجفنة، وأتعمَّد النوم، فإذا رقدَت أخرجتُ المصباحَ وأقبلتُ على الدرس، وكان كثير الدرس، ذكر أنَّه درس كتابًا ألفَ مرَّة[12].
• عبد الله بن محمد بن أبي بكر الزريراتي الحنبلي.
الِإمام فقيه العراق، ومفتي الآفاق، انتهَت إليه معرفة الفِقه بالعراق.
ذكر أنَّه طالَع "المغني" للشيخ موفق الدين بن قدامة ثلاثًا وعشرين مرة.
وكان يَستحضر كثيرًا منه، أو أكثره، وعلَّق عليه حواشي وفوائد[13].
• أبو بكر بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الشلي الشافعي.
ذكر المحبِّي -رحمه الله- أنَّه كان كثير المطالَعة للكتب، له جلَد عظيم على قراءتها، فربَّما استوعب المجلدَ الضَّخمَ في يوم أو ليلة، ويقال: إنَّه قرأ الإحياء في عشرة أيام، وهذا أمر عجيب بالنسبة إلى أهل هذا الزَّمن.
وإنَّه كان حُكي عن بعض الحفَّاظ ما هو أعظم من هذا؛ فقد قرأ مجد الدين الفيروزابادي صحيحَ مسلم في ثلاثة أيام، وذكر القسطلاني أنَّه قرأ البخاري في خمسة مجالس وبعض مجلس، وذكر الذَّهبيُّ أنَّ الحافظ أبا بكر الخطيب قرأ البخاريَّ في ثلاثة مجالس، قال: وهذا شيء لا أعلم أحدًا في زماننا يستطيعه، والذي في ترجمته أنَّه قرأه في خمسة أيام، وأظنه الصواب؛ انتهى، وذكر السخاويُّ أنَّ شيخه الحافظ ابن حجر قرأ سننَ ابن ماجه في أربعة مجالِس، وصحيح مسلم في أربعة مجالس، وكتاب النَّسائي الكبير في عشرة مجالس كل مجلس نحو أربع ساعات، ومعجم الطبراني الصَّغير في مجلس واحد بين الظُّهر والعصر؛ وهذا أسرع ما وقع له، وفي تاريخ الخطيب أنَّ إسماعيل بن أحمد النيسابوري قرأ البخاريَّ في ثلاثة مجالس يبتدئ من المغرب ويقطع القراءةَ وقت الفجر، ومن الضحى إلى المغرب، والثالث من المغرب إلى الفجر، وحُكي أنَّ حافظ المغرب العبدوسي قرأ البخاريَّ بلفظه أيام الاستسقاء في يومٍ واحد[14].
• الشيخ علي السالم آل جليدان من قبيلة الظفير.
قال الشيخ إبراهيم بن ضويان: كان الشيخ علي السالم فقيهًا، كثيرَ الصلاة والحج والعبادة، درَّس العلم وأمَّ في المسجد المسوكف نحو أربعين سنة.
وقد أعاد قراءة شرح الزاد (الروض المربع) أربعين مرَّة[15].
• الشيخ إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الهويش.
قال عنه البسام -رحمه الله-: كان محبًّا للمطالعة، مداومًا عليها، تُقرأ عليه المطوَّلات من الكتب؛ فقد قرئ عليه المغني، وكتاب التوحيد، وتفسير ابن كثير، وكتب الحديث، وكتب شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، وكان لا يَكتفي بهذا فقط، بل كان إذا وجد فرصة قرأ بنفسِه، فقد حدَّثني أنَّه قرأ كتاب البداية والنهاية لابن كثير (14مجلدًا) ثلاث مرات عندما كان قاضيًا بالموية[16].
• الشيخ عبد الله بن سعد بن محمد بن سعدان.
ذكر عنه البسام -رحمه الله- أنَّه كان شغوفًا بكتاب البداية والنهاية لابن كثير، ويقول: إنَّه قرأه أكثر من سبع مرات[17].
• الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-.
قال: أمَّا كتاب "الأغاني"، فإنَّ من أراد متعة الأدب، وطلَب جيِّد الشعر، وأراد الإحاطة بأخبار الشعراء للذَّة الأدبية وتقوية الملَكة البيانية، فلا يجد كتابًا أجمع لهذا كله منه، وما منَّا إلاَّ من كان "الأغاني" عُدَّته الأولى في إقامة اللِّسان وتجويد البيان، ولقد قرأتُه كلَّه (وهو بضعة وعشرون جزءًا) ثلاث مرات، واستفدتُ منه في الأدب واللُّغة ما لم أستفِد مثلَه من غيره[18].
• العلامة المحقق عبد السلام هارون.
قال -رحمه الله-: وأذكر أنَّني قبل تحقيقي لكتاب (الحيوان) هالَني تنوُّع المعارف التي يَشملها هذا الكتاب، ووجدتُ أنِّي لو خبطتُ على غير هدًى لم أتمكَّن من إقامة نصِّه على الوجه الذي أبتغي، فوضعتُ لنفسي منهجًا بعد قراءتي للكتاب سبع مرات، منها ست مرات اقتضاها معارضتي لكلِّ مخطوط على حِدة، وفي المرَّة السابعة كنت أقرؤه لتنسيق فقاره وتبويب فصوله، فكنتُ بذلك واعيًا لكثير مما فيه[19].
• الشيخ العلامة محمود محمد شاكر أبو فهر.
قال عنه تلميذُه الأديب والمحقِّق محمود الطناحي -رحمه الله-: أخبرني شيخي محمود محمد شاكر أنَّه قرأ (لسان العرب) كلَّه و(الأغاني) كلَّه وهو تلميذ بالثانوي، ثمَّ أخبرني أيضًا أنَّ أمير الشعراء أحمد شوقي قرأ (اللسان) كلَّه، قلتُ: ولعلَّ هذا يفسِّر لنا معجم شوقي الشعري - والنثري أيضًا في أسواق الذَّهب - هذا المعجم الذي يُدهشنا بهذه الألفاظ والتراكيب الضاربة في الفصاحة بعُرُوقها[20].
• الشيخ حماد بن محمد الأنصاري.
قال -رحمه الله-: "درَستُ كتاب (ميزان الاعتدال) للحافظ الذَّهبي دراسة وافية، ولعلِّي قرأتُه أكثرَ من مائة مرَّة؛ وذلك لعدم وجود غيره عندي في أول طلب علم الحديث"[21].
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ
المرجع:
• شبكة الألوكة: الشذرات في أخبار الكُتب والكُتاب والمكتبات. عبدالعال سعد الرشيدي الكويت.
[1] صفحات من صبر العلماء؛ للشيخ عبدالفتاح أبو غدَّة رحمه الله (ص197، الحاشية1)، المشوق إلى القراءة وطلب العلم؛ للشيخ علي بن محمد العمران (ص 107، الفصل الخامس).
[2] مناقب الإمام الشافعي؛ لابن حجر (150)، وقال السبكي: قال المزنيُّ: أنا أنظر في كتاب الرسالة مُنذُ خمسين سنة، ما أعلم أنِّي نظرتُ فيه مرَّة إلاَّ وأنا أستفيد شيئًا لم أكن عرفتُه؛ (طبقات الشافعية الكبرى 2/ 99 رقم20).
[3] الضوء اللامع (2/ 259، رقم 979).
[4] البدر الطالع (277، رقم 184).
[5] الضوء اللامع (6/ 79، رقم 215).
[6] البداية والنهاية (14/ 157 سنة 730هـ).
[7] إنباه الرواة (2/ 127، رقم 340).
[8] السير (19/ 587) كتاب الصلة لابن بشكوال (2/ 485، رقم 981) شذرات الذهب (4/ 202 سنة 518هـ).
[9] ترتيب المدارك (2/ 468).
[10] الضوء اللامع (1/ 38)، والتوضيح هو (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) لابن هشام، (المشوق ص112).
[11] السير (19/ 272)، تاريخ الإسلام (35/ 42).
[12] ترتيب المدارك (2/ 518).
[13] ذيل طبقات الحنابلة (4 / 338، رقم 499).
[14] خلاصة الأثر؛ للمحبي (1/ 91، رقم 54).
[15] علماء نجد خلال ثمانية قرون (5/ 189، رقم 588).
[16] علماء نجد خلال ثمانية قرون (1/ 365، رقم 27).
[17] علماء نجد خلال ثمانية قرون (2/ 238، رقم 157، في ترجمة والده سعد بن محمد بن سعدان).
[18] فصول في الثقافة والأدب (102)، وقال الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- بعد ذلك: أما أن يكون كتاب "الأغاني" كتاب دين تُؤخذ منه أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يَفعل هؤلاء الأدباء الكِبار المعروفون، أو أن يكون كتاب تاريخ يُعتمد عليه في تحقيق الأخبار، فلا، إنَّ من يأخذ "الأغاني" على أنَّه كتاب تاريخ يجد المجتمعَ الإسلامي العباسي مجتمعًا لاهيًا عابثًا، لا شغل له إلاَّ شرب الخمر، وسماع الغناء، والفتنة بالجواري والغلمان، من أكبر خليفة في القصر إلى أصغر ملاَّح في دجلة، مع أنَّ هذا غير صحيح، وكثير من الأخبار التي يَرويها مكذوب أو مبالغ فيه، ولا يوثَق بأخباره ولا يعتمد عليها.
وقال أيضًا: فاقرؤوا كتاب "الأغاني" للمتعة الأدبيَّة ولتقويم الملَكة البيانيَّة، ولكن لا تصدقوا كلَّ ما يرويه فيه ولا تعتمدوا عليه؛ (نفس المصدر).
[19] تحقيق النصوص ونشرها؛ لعبدالسلام هارون (63).
[20] مقالات الدكتور محمود محمد الطناحي (1/ 182)، و(2/ 520).
[21] المجموع في ترجمة العلامة المحدث الشيخ حماد بن محمد الأنصاري -رحمه الله- (1/ 419، رقم 218).