الربيع بن خيثم..إطلالة على صفات زاهد
شاذلي عبد الغني إسماعيل


تاريخنا الإسلامي به الكثير من الشخصيات التي تقرأ عنها فيملؤك الإحساس بطمأنينة إيمانية تسكن في أعماق الروح، وتحس ذاتك هبوب نفحات ربانية تعطر المكان والزمان... تشعر بالراحة والسكينة حين تقرأ عن مواقفها التي تتجسد فيها ملامح الإيمان ويملؤها الخير ويكسوها الرضا، وحين تتلو كلماتها التي تفيض بالحكمة والمحبة وتمنحك الإحساس بالأمان و بالسلام مع النفس ومع العالم.
الربيع بن خيثم هو أحد هؤلاء الرجال وهو تلميذ الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي كان إذا رآه قال له: ( وبشر المخبتين) وذلك بعد أن رأى فيه صفاتهم التى ذكرها الله - تعالى- في قوله: ( وبشر المخبتين الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)، والحقيقة أن الإخبات يتجلى مليًّا في أفعال الربيع وفي أقواله ـ كما سنرى ـ، كذلك بشره ابن مسعود ببشرة أخرى تأتي كالنتيجة المترتبة على الأولى، حيث قال له: " لو رآك رسول الله لأحبك".
والقارئ لسيرة ذلك التابعي الجليل سيتذكر مع هذه الكلمة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن من أبغضكم إلى وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون، قال: المتكبرون)) (رواه الترمذي) وقد كان الربيع من أحسن الناس أخلاقًا وأرقهم طباعًا وأصفاهم نفسًا، كما كان أبعد الناس عن كل ما يمكنه أن يخدش خلقًا، أو يثير نفورًا، أو يجر ذنبًا.
ورعه:
أشهر ما اتصف به الربيع هو الزهد والورع، وله في ذلك مواقف تجعلنا نشعر أننا أمام رجل لا يهمه من الدنيا سوى الخشوع والخضوع والانكسار والتذلل إلى الله خشية ورجاء وحبًا، فقد كان يبات ليله متعبدًا لله - سبحانه - حتى أشفق عليه أهله، فمرة نرى ابنته تقول له: " يا أبتاه الناس ينامون ولا أراك تنام قال: يا بنية إن أباك يخاف السيئات ومرة أخرى نرى أمه تناديه: يا ربيع ألا تنام، فيقول: يا أمه من جن عليه الليل وهو يخاف السيئات حق له ألا ينام، لكن أمه كانت ترى أن السهر والبكاء لله قد أنهكه وأتعبه، وهو لا يفتر ولا يمل، فأخذها الإشفاق عليه فأعادت عليه الكرة مرة أخرى؛ عله أن يستجيب ويستريح ولو لمهلة يستعيد فيها عافيته، فنادته قائلة: يا بني لعلك قتلت قال: نعم يا والدة قد قتلت قتيلاً، فقالت: ومن هذا القتيل يا بني حتى نتحمل إلى أهله فيغتفر لك، والله لو يعلمون ما تلقى من السهر والبكاء بعد لقد رحموك فقال: يا والدة هي نفسي، لقد كان الربيع يرى في التقرب إلى الله حياة النفوس، وفي التعب وتكبد عناء الوسيلة متعة لا يشعر بها إلا من أدركوا بقلوبهم وأرواحهم جلال الغاية، وخافوا على أنفسهم من تقصير أو غفلة قد تودي بهم إلى سوء المآل، وقد كان يرى في الحسنات مطايا تسرع به إلى غايته، كما كان يرى في السيئات عقبات تمنع المشتاق من المسير أو تحيد به إلى طريق الهلكة، وذلك أشد ما يرعبه، فعاش يخاف من الوقوع فيها أشد ما يكون الخوف، وظل يدفعه خوفه إلى أن يتقرب إلى الله ـ كما رأينا ساهرًا باكيًا راجيًا ـ يقول نسير أبو طعمة مولى الربيع بن خثيم: صلى الربيع بن خثيم فقرأ بآية حتى أصبح ( أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، فجعل يركع ويسجد حتى أصبح.. والمتتبع لسيرة الربيع سيرى أن الخوف من النار هو المفتاح لحياة الزهد والعبادة التي عاشها، حتى أن نار الدنيا كانت تذكر ه بنار الآخرة فيتغير حاله أشد تغير وأصعبه، وقد روي عن أبي وائل قال: " خرجنا مع عبد الله بن مسعود - رحمه الله - ومعنا الربيع بن خثيم فمررنا على حداد، فقام عبد الله ينظر حديدة في النار فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ الفرات، فلما رآه عبد الله والنار تلهب في جوفه قرأ هذه الآية (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيرا * وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبورا) قال: فصعق الربيع بن خثيم فاحتملناه فجئنا به إلى أهله ثم رابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق قال: ثم إنه رابطه إلى العصر فلم يفق ثم رابطه إلى المغرب فلم يفق ثم إنه أفاق فرجع عبد الله إلى أهله".
وقد كان خوف عبد الله من النار يجعله يفر من كل ما يمكنه أن يؤدي إليها، بل إنه كان يحرم نفسه بعض المباحات خوفًا من أن تجره إلى معصية، ومن ذلك ما يروى من أن الربيع لم يجلس في مجلس في طريق منذ اتزر، كان يقول: " أكره أن أرى شيئا استشهد عليه فلا أشهد أو أرى حاملة فلا أعينها أو أرى مظلوما فلا أنصره، أو لا أغض البصر أو لا أهدي السبيل". إن خوفه من أيقع في محذور جلعه ينأى بنفسه بعيدًا عن فعل مباح يمكن أن يؤدي إليه، ولعله هنا يهتدي بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله ما لنا بد، قال: "فإن أبيتم إلا الجلوس فأعطوا الطريق حقه، قالوا وماحق الطريق يا رسول الله، قال غض البصر وكف الأذى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))، وقد كان عبد الله كعادة الزهاد ذامًا لنفسه يخشى عليها منها ويدفعها إلى تجنب ما يؤدي إلى الشبهات خشية الوقوع فيها، وذلك ما نلمحه من كلامه حين يعاب عنده رجل، فيقول: " ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمها إلى ذم الناس، إن الناس خافوا الله في ذنوب العباد وأمنوا على ذنوبهم"، إن كل حكاية نقرأها عن الربيع تجعلنا نلمس رقة قلبه وخشوع روحه وشدة خوفه من ربه، ذلك الخوف الذي يجعل الإنسان يتشبث بالخير لا يكاد يفارقه، وينأى عن الشر لا يكاد يدانيه، يحاول دائمًا أن يتحاشى النقائص ويتجنب ما يذم عليه، وذلك ما شهد به كثير من الناس للربيع حتى أن أحدهم سأله قائلاً: "دلني على من هو خير منك، قال: نعم، من كان منطقه ذكراً، وصمته تفكراً ومسيره تدبراً فهو خير مني" إن الرجل قد رأى في الربيع كل سمات الخير التي لم يرها في بشر من قبل، وكأنه أراد أن يقول له إنك خير من رأيت إيمانًا وخوفًا وتجنبًا وتجردًا وقولاً وعملاً، فهل هناك من يمكنه أن يزيد؟ ولا يمكن أن نغفل في هذا الجانب شهادة الشعبي حين يذكر بعض كبار التابعين من تلامذة ابن مسعود فيقول: "كان شريح أعلمهم بالقضاء، وكان عبيدة يوازي شريحاً في علم القضاء، وأما علقمة، فانتهى إلى علم عبد الله لم يجاوزه، وأما مسروق، فأخذ عن كل، وكان الربيع بن خثيم أعلمهم علماً، وأورعهم ورعاً".
صبره: لقد انطبقت صفات المخبتين على الربيع، فنحن نراها بادية في أفعاله تثير الإعجاب والمحبة وكما عرفناه من ( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليه آيته زادتهم إيماناً) نراه أيضاً من الصابرين على ما أصابهم، الراضين بابتلاءات الله الشاكرين له في كل أحواله فلا شكوى ولا جزع إنما هو الرضى التام الذي يجسد مشاعر اليقين ويصور قوة النفس المؤمنة، كما يعكس روعة الإيمان التي تمد النفس بتلك الطاقات التي لا تنفد، انظر إليه وهو يقاد إلى الصلاة وبه الفالج فيقال له: " يا أبا يزيد قد رخص لك. قيقول: إني أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبوا. " إننا هنا سنربط بين صورتين وردتا في الآية الكريمة للمخبتين، الصورة الأولى ( وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) والثانية ( وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) فالربيع يصاب بالفالج ويصبر ويحتسب ثم هو يصر على أن يقيم الصلاة في المسجد محمولاً إليه حملاً، إنها الروح القوية التي لا تركن للآم الجسد العاجز؛ لأنه يستطيع أن يصبر على الألم، لكنه لا يستطيع أن يصبر على عدم تلبية نداء الفلاح، وكيف يستطيع أن يصبر على ما يشحذ هذه القوة ويمدها بفيوضات ربانية اعتاد عليها وتجلت في صفاته التي رأينا بعضها من قبل،، وهاكم موقفًا آخر يرينا صبر الربيع وتقبله ما يقدره له الله وإعلانه عن هذا الرضا وتمنيه بأن يكون له بقدر عظم المصبية أجرًا في الآخرة، حيث نراه وقد توفي أحد أحفاده ينشد قائلاً: فأصبحت لا أدعو طبيباً لطبه *** ولكنني أدعوك يا منزل القطر
لترزقني صبراً على ما أصابني *** وتعزم لي فيه على الرشد من أمري
وإني لأرجو أن تكون مصيبتي *** بغيت بها أجراً وإن كنت لا أدري
هكذا تلقى الربيع قضاء الله بكلمات تفيض بالخشوع والرضا والرجاء.
كرمه: ومن الصفات التي يذكرها الله للمخبتين صفة الكرم ( ومما رزقناهم ينفقون)، فإلى أي حد وصل الربيع في كرمه حتى يصدق عليه وصف ابن مسعود أنه من المخبتين؟ الحقيقة أن ما روي عن الربيع في هذه الناحية يجعله مضرب المثل في الجود الذي لا يبعث عليه سوى رضى الله - عز وجل - يرينا أحد رفاقه صورة لذلك الجود فيقول: كنت رفيقًا لربيع بن خثيم في غزاة، فرجع ومعه رقيق ودواب، قال فمكثت أياما ثم أتيته فلم أحس من ذاك الرقيق ولا من تلك الدواب شيئاً، قال: فاستأذنت فلم يجبني أحد، ثم دخلت، قال فقلت: أين رقيقك ودوابك؟ فلم يجبني، فأعدت عليه فقال: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، لقد رجع من الغزو في سبيل الله لينفق كل ما رجع به ـ أيضًا ـ في سبيل الله، وهكذا كان سبيل الله غاية الربيع في أفعاله، والحقيقة أن الآية الكريمة التي ذكرها الربيع كانت له نبراسًا لا يتركه، فنراه في قصص كرمه يسعى إلى ما يحب فيعطيه للفقراء طمعًا في نيل البر من الله، يروى أنه جاءه سائل يسأل قال: فخرج إليه في ليلة باردة قال: فإذا هو كأنه مقرور قال: فنزع برنسا له فكساه، كان يزعم أنه من خز قال: فأعطاه إياه، ثم تلا هذه الآية (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، وقصص كرم الربيع كثيرة لعل من أجملها حرصه على إطعام الفقراء والعجزة ما تشتهيه نفسه سيرًا على النهج الذي رسمته الآية، ويكفي أن نعرف ما روته أمه من أنه كان يخرج عطاؤه وكان ألفين فيمسك ألفاً ومائتين لينفقه ويتصدق بالبقية.
حفظه للسانه: وقد كان من الصفات البارزة في حياة الربيع حفظه للسانه وعدم استهانته بما يلفظ، وكأنه في كل لحظة من عمره لم يغب عن خاطره قوله - تعالى-: ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وفي ذلك يقول أحد أصحابه: " ما أرى الربيع بن خثيم تكلم بكلام منذ عشرين سنة إلا كلمة تصعد. إنه لم يقل منذ عشرين سنة كلمة تعاب ـ كما في رواية أخرى ـ، ويحكي رجل من تيم الله عن أبيه قال: " جالست الربيع بن خثيم سنتين فما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال: لي مرة: أمك حية؟ كم لكم مسجد؟ " هل رأيت أكثر من ذلك حفظًا للسان وتركًا للإنسان لما لا يعنيه، وكيف لا يفعل ذلك الربيع وهو القائل: " إن من الحديث حديثاً له ضوء كضوء النهار تعرفه، وإن من الحديث حديثاً له ظلمة كظلمة الليل تنكره" وقد كانت أحاديثه كضوء النهار تهدى الحائر وتبعث الطمأنينة والسلام، وقد قرأنا عمن آذى الربيع أو آلمه ورغم ذلك لم نجد كلمة سوء يصدرها الربيع في حق واحد من هؤلاء، انظر إلى هذا المشهد لتعرف رقة طبع هذا الرجل وإلى أي حد وصلت: كان ربيع بن خثيم في المسجد ورجل خلفه، فلما ثاروا إلى الصلاة جعل الرجل يقول له: تقدم، ولا يجد ربيع مساغاً بين يديه، فرفع الرجل يده فوجأ بها في عنق الربيع ولا يعرف ربيعاً، فالتفت ربيع إليه فقال له: رحمك الله رحمك الله! قال: فأرسل الرجل عينيه فبكى حين عرف ربيعاً، هذا هو الربيع في موقف يشعل غضب الحليم فهو أمام رجل مستفز فظ آلمه أشد الألم، وإن أقل ما نتوقعه من إنسان في موقف الربيع أن تتفجر من فمه لعنات متتالية على ذلك الرجل الغليظ، لكن الربيع يفاجئنا بأنه يدعو له بالرحمة لنرى الدموع تنفجر من عيون ذلك الرجل فكيف له أن يؤذي رجلاً في زهد الربيع وورعه وطيبة قلبه، ومرة أخرى نرى الربيع وقد سرق له فرس، فيطلب منه الناس أن يدعو على من سرقه، فيقول: " ذروه لعله يتوب فيتوب الله عليه ويستقبل العمل" هذا هو الربيع لا ينطق إلا بالخير حتى على من ظلمه أو أساء إليه، حتى إننا نرى أحد الأشخاص من شدة تعجبه من حرص الربيع على أن لا يجعل لسانه ينطق إلا بالخير يستغل موقفًا هو من أصعب المواقف في تاريخنا الإسلامي وهو مقتل الحسين بن على ـ رضي الله عنهما ـ؛ ليحاول أن يقتنص من الربيع كلمة فيها إساءة لأحد، ولابد أن الرجل كان يدرك شده ذلك الموقف على الربيع، ويعرف مدى حبه لآل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنراه يحكي لنا ما حدث وقد قال في نفسه لحظة ذهابه: إن لم أستخرج اليوم من الربيع بن خثيم سيئة لأحد لم أستخرجها أبدا بحال، ثم يذهب إلى الربيع فيقول له: يا أبا يزيد قتل ابن فاطمة - عليها السلام -، فما كان من الربيع إلا أن استرجع ثم تلا هذه الآية (قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) ثم يقول له الرجل: ما تقول؟ فيرد الربيع: ما أقول؟ إلى الله إيابهم وعلى الله حسابهم، لقد ظن الرجل أن الربيع سيهاجم قتلة الحسين -رضي الله عنه- ويسبهم ولابد أنه ـ كما قلنا ـ كان مدركًا لحب الربيع لآل البيت، لكن لسان الربيع الذي لم يعتد إلا على الحسن من القول، لم يطاوعه وإن بلغ به الأسى أشده على النطق بكلمة تسيء.
بل إننا نشاهد الربيع وهو يتمنى على الناس بأثرهم أن لا يُسخِّروا ألسنتهم إلا لما يبعث على الخير، فقد عاش يسدد لهم النصح ويرشدهم بكلمات تنير أمامهم الطريق، ومن ذلك قوله: " أقلوا الكلام إلا من تسع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلاوة القرآن ومسألة الخير والاستعاذة من الشر ". فأي شر بعد ذلك يمكن أن ينطق به لسان؟ !، لقد كان الخير هو هدف الربيع يسعى به لنفسه ويطلبه للناس، وقد كانت كلمة الخير تتردد كثيرًا في نصائحه، انظر إليه وهو يقول: " قولوا خيراً وافعلوا خيراً تجزوا خيراً " وكان يقول إذا أصبح: " اعملوا خيراً ودوموا على صالح ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)".
إخلاصه: ويشهد من عايش الربيع على إخلاصه في عبادته وتجنبه لكل ما يمكنه أن يشكل شبهة في رياء، وهو القائل: " كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل " تقول سريته: "كان عمل الربيع كله سرًا إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه "، إننا لم نعرف ذلك إلا من سريته، ولعلنا لا حظنا أنها قالت: كان عمل الربيع كله سرًا، مما يعني أن ما ذكرته كان مثالاً لا أكثر، ولعلها ذكرت ذلك حبًا فيه وإظهارًا لفضله ورغبة في أن يسير السامعون على دربه، وإلا فإنها تعلم أن ما كان يكرهه الربيع في حياته هو أن يظهر ما يخفيه رغبة فيما عند الله، فحافظت على ذلك بعد موته، وما وصلنا من عبادة الربيع وزهده فقد وصلنا من أهله أو من مولاه نسير أومن أصحابه المقربين الذين يلازمونه كثيرًا، ورغم ما علمنا من كثرة عبادته وسهره وبكائه حتى أشفق عليه أهله، إلا أنه أمام الناس كان يتجنب أن يبدو بهذه الصورة بل إنه كان يعمد أن يظهر عكسها، حتى إن مولاه نسيرًا يحكي قائلاً: " ما رأيت ربيع بن خثيم متطوعا في مسجد الحي غير مرة"