هل أقبل بمن تعرّفت عليه عن طريق موقع زواج

أ. مروة يوسف عاشور



السؤال
تصفحتُ موقعَ زواجٍ وتعرفتُ على شخصٍ واتَّفقنا على الارتباط، لم نتجاوز حدودَنا في الكلامِ أو غيرِ ذلك، تعارفنا، وأيضًا تكلَّمنا خمسَ مكالماتٍ - تقريبًا - طلب مني صورتي فلم أفعل، ثُمَّ طلب رؤيتي بزعمِ أنَّه يريدُ رؤيةَ جسدي! فلم أوافق أيضًا، ثُمَّ أخبرني أنَّه يريد رؤيةَ لون بشرتي، فأرسلتُ إليه صورةً لجزء من يدي، فقال عنِّي نحيفة وكلامًا آخر، باختصار فقد حاول أن يراني من بعيد، ولكنِّي رفضتُ ذلك، فأنا لَمَّا تصفَّحتُ الموقعَ لم أرد غيرَ السِّتر، وليس اللعب، ثُمَّ طلب مني عنواني ورقمَ هاتفِ أخي، وبعد أن أخذَهما - بيانات أخي والعنوان - تركني، وأنا كذلك تركتُه وقلتُ: "سامحه الله"، ولم أحاولِ الاتصالَ به ثانيةً، ولكنِّي شعرتُ بخوفٍ شديد، خفتُ أن يهدَّدني ويفضحَ أمري عند أهلي، وبعد فترةٍ رجعَ واتَّصلَ وقال: إنَّه لن يتخلَّى عنِّي و....الخ.

هناك مُستجدَّاتٌ وهي: أخبرتُ أمِّي برفضي لهذا الشَّخص، وقلتُ لها: لا أريده ولا أرتاح له، فقالت لي: لقد فكَّرتُ، وبما أنَّه لم يُذكرْ بسوءٍ، وكذلك يصلِّي، فحريٌّ به أن يكونَ على خير، واليوم ذهبتُ وقمتُ بإجراء التَّحاليل، فأرجوكم دلُّوني ما هو التصرُّفُ الصَّحيح؟

الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حياكِ الله ومرحبًا بكِ في كلِّ وقت.

لستُ أدري مصدرَ الخوفِ الْمُبالغ فيه الذي يعْتريكِ ويسيطرُ عليكِ الآن, ولا أجدُ له ما يبرِّرُه، لقد علمتْ والدتُكِ - كما يبدو - بتقدُّمِ الشَّاب من خلالِ موقعِ الزَّواج, ثُمَّ أبدت موافقتها عليه, فما الذي يستطيعُ أن يفعلَه, وما الذي بإمكانِه أن يفضحَكِ به؟!

نعم؛ إن في تبادُلِ بعض المكالماتِ معه, وإرسالِ صورة يدكِ خطأ, لكن لا يجبُ أن يصلَ الأمرُ إلى حالةٍ من الخوف غيرِ الطَّبيعي! كلُّ ما هنالك أنكِ ستتعرَّضِين لبعضِ الحرجِ متى ما علم الأهلُ بتفاصيلِ الموضوع, لكنَّكِ - بحمد الله - لم تقبلي باللِّقاءِ ولا بإظهارِ صورتِكِ أمامَه, ولم تتجاوزي الحدَّ إلى ما يثيرُ الرُّعبَ؛ فحاولي أنْ تهدئي لتتمكَّني من السَّيطرةِ على نفسِكِ وضبطِها, ويتيسَّر لكِ التفكير في أمرِ قَبولِه كزوجٍ أو رفضه.

وأولُ ما أنصحُكِ به أن تتوكَّلي على الله وتحمديه - عز وجل - أنْ نجَّاكِ من الوقوعِ في مقابلاتٍ وتبادُلِ صورٍ وكلامٍ لا يليق, وأُحيِّي فيكِ حرصَكِ وشجاعتَكِ وحسنَ أخلاقِكِ، وأسألُ اللهَ أن يباركَ فيكِ ويزيدَكِ حرصًا على حرص، ذكِّري نفسَكِ مرةً بعد مرة أنَّه ليس لديه من الأدلةِ ما يدينُك، ولا ما يجعلُكِ تعيشين في خوفٍ وهلعٍ مستمر, وإنْ خشيتِ أن تكون تلك المكالماتُ من أسبابِ سخطِ الأهل أو تُعرِّضُكِ للحرجِ، فالأولى إطلاعُ والدتِكِ على تفاصيلِ الأمرِ وإخبارها بما بدر منكِ قبلَ أن يبادرَ بقولِ ما تَخشين؛ فإخبارُها وتقديمُ الاعتذارِ سيريحُك من حملِ ذلك الهمِّ، وسيضعُ عنكِ الكثيرَ من العناء - بإذن الله.

أنصحُكِ أيضًا أن تتأمَّلي هذا الموقفَ متَّخذةً منه درسًا نافعًا؛ لتثبيت نفسِكِ وحثِّها على تجنُّبِ كلِّ فتنةٍ وتوخِّي كل حذر؛ فعالم الشَّبكةِ المجهول مليءٌ بالأوهام, محاطٌ بالنِّفاق, مغلَّفٌ بالأكاذيب, وعلينا أن نواجهَ أنفسَنا بتلك الحقائقِ المؤلمة؛ حتَّى لا نقعَ فرائسَ سهلةَ المنال لذئابٍ لا ترحمُ ولا تعرفُ إلى الفضائلِ طريقًا.

استمرِّي على ما أنتِ عليه من رفضِ أي نوعٍ من المقابلاتِ، أو الاتصالاتِ بالهاتف أو الإنترنت أو غيرِها، مادام قد حصل على هاتفِ أخيكِ، وبإمكانِه التَّواصل معه.

ثقي أنَّ اللهَ سيختارُ لكِ الأصلحَ وتوكَّلي عليه, وفكِّري فيه بصورةٍ جدية متى ما تقدَّمَ بشكلٍ رسمي وطلبَكِ للزَّواج, وقبل أن يفعلَ فلا داعيَ لإشغالِ نفسِكِ بالتفكيرِ فيه؛ فالقلبُ يشاركُنا التفكيرَ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، ويتأثَّرُ بكلِّ خطوةٍ نخطوها في أحلامنا, فتنبهي أنْ تعلقي نفسَكِ وقلبكِ بخيطِ الأوهام الذي لا ينتهي إلا بالسَّراب، لا داعي لاستشعارِ الانهزامية وإرهاقِ نفسِكِ، وإرغامها على الشُّعورِ بالذَّنبِ والنَّدم على رغبتكِ في الارتباط الحلال، وتجرُّئِكِ على دخولِ موقعٍ للزَّواج؛ فالرَّغبةُ في الزَّواجِ أمرٌ فطريٌّ، ولا داعي لاستشعارِ الحرج من مجرَّدِ إعلانِ الرَّغبةِ فيه, بل فكِّري في الأمرِ بصورةٍ أكثرَ مرونة، ولا تتعاملي مع الموقفِ بشخصيةِ الفتاةِ المنهزمة عديمةِ الثِّقة, واجهي مَنْ حولَكِ بشجاعةٍ, وإن تعرَّضتِ للوم أحدِ أفرادِ الأسرة فتقبَّلي النُّصحَ برُوحٍ طيبة, وبيِّني لهم أنَّ رغبتَكِ كانت في الفوزِ بزوجٍ صالح, والدَّليلُ رفضُكِ التَّام لكلِّ ما طُلِب منكِ, ولا حرجَ من الاعتذارِ أمامَ الجميع عن التحدُّثِ إلى الشَّاب في الهاتف, على أنْ توضِّحي أنَّ المكالماتِ الهاتفيةَ لم تكن إلا مرات معدودة.

فكِّري في الزَّواج بشكلٍ عام، واحرصي على تخيُّرِ الأنسبِ دينًا وخُلقًا, وتذكَّري أنَّكِ - بفضل الله - مازلتِ في عمر الزَّواج, ولم تتجاوزي الحدَّ الذي يُرغم الفتاةَ على الشُّعور بالقلقِ والمبادَرة بتقديم التَّنازُلات, ولا تنسي فضلَ الدُّعاءِ، متحريةً أوقات الاستجابة؛ أنْ يَمُّنَّ اللهُ عليكِ بالزَّوجِ الصَّالح صاحبِ الخلقِ والدِّين, وإن فضَّلْتِ الاشتراكَ في مواقعَ للزَّواجِ، فتخيري الموثوقَ منها، وليكُن عن طريقِ أحد محارمِكِ مباشرةً، تجنُّبًا للوقوع في الفتن.