التربية على حسن الاستماع

خالد رُوشه




علمنا القرآن الكريم أدب حسن الاستماع كمقوم أساسي في فهم التوجيهات القرآنية والإيمانية , وأمر سبحانه في كتابه بالاستماع الإيجابي الذي يترتب عليه عمل إيماني إيجابي , فقال سبحانه : "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا" , وقال سبحانه : "وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا" , كما نبهنا بذلك فيما يخص القرآن خاصة , لأهمية كلام الله سبحانه وقدره العظيم فقال سبحانه : "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"

كما زجر كل نافرٍ عن الاستماع غافل عن الإنصات للنصح والإرشاد، قال سبحانه: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا"
بل لقد بشر الله عباده الصالحين الذين يحسنون الاستماع والعمل بما سمعوا، فقال _سبحانه_: "فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ" (الزمر: 17، 18).


يقول ابن القيم: "فالسماع أصل العقل وأساسه ورائده وجليسه ووزيره ولكن الشأن كل الشأن في المسموع... وحقيقة السماع تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه طربا وهربا وحبا وبغضا " (مدارج السالكين).
ولكننا كثيراً ما نقع في إشكالية كيفية التوجيه نحو هذا التفعيل المنهجي المطلوب نحو تمكين المربي من استغلال هذه الوسيلة والانتفاع بها بشكل مقدور..


ولاكتساب مهارات الاستماع يجب التركيز على ثلاث مهارات أساسية تطبيقية، وهي : (الفهم – الاستيعاب –التذكر).
- مهارة الفهم: وتحتاج هذه المهارة إلى الاستعداد للاستماع بفهم للكلمات والجمل, ثم القدرة على متابعة المتحدث وعدم صرف الذهن عنه بالشواغل المختلفة, ثم القدرة على استيعاب الفكرة العامة للحديث.
- مهارة الاستيعاب: وتحتاج هذه المهارة إلى القدرة على فهم الأفكار منفصلة في الحديث المسموع ثم الربط بين تلك الأفكار ثم القدرة على تحليلها إلى أفكار جزئية مكونة.
- مهارة التذكر: وتحتاج إلى القدرة على معرفة محددات النص المستمع إليه والجديد الذي احتواه والقدرة على ربطه بخبرات سابقة تسهل تذكره له والقدرة على الاحتفاظ بكلماته ومعانيه أو بأحدهما في ذاكرته.
وهذه عدة مقومات مساعدة على حسن الاستماع :
1- الشعور بأهمية موضوع الحديث يعطي دافعية داخلية للرغبة في الاستماع.
2- الإقبال بالوجه نحو المتحدث واستخدام حاسة البصر للمساعدة في الاستماع.
3- طلب التكرار عند تشتت الذهن أو الغفلة.
4- إعطاء الفرصة الكاملة للمتحدث ليعبر عن مراده.
5- ملاحظة التعبيرات النفسية والعاطفية والحركية المختلفة للمتحدث أثناء الحديث.
6- تجنب أخذ الأحكام على الحديث قبل انتهاء الاستماع.
7- محاولة التدوين ليعين على تركيز السماع.
8- عدم مقاطعة المتحدث حتى ينتهي من عرض فكرته.
9- محاولة فهم الموضوع كما يريده المتحدث لا كما يريده السامع.
10- التحلي بالصبر والحلم والسكون والوقار وكما قيل: أول العلم الصمت ثم حسن الاستماع.


كيف نعلم أبناءنا الاستماع؟
يحتاج المعلم أن يطبق آداب الاستماع وخطواته قبل أن يعلمها غيره فلا يقاطع متحدثا ولا يشوش عليه كما عليه أن يهيئ جواً ممتعاً للحديث المراد الاستماع إليه ولا يجعله شيئاً جافاً أو حديثاً أكاديمياً جامداً فضلاً على أن تهيئة الأجواء العامة هي أيضاً دور من أدواره حتى يعزل مصادر الضوضاء واللغو, وعليه ألا يقصر الاستماع على خط واحد من خطوط الاتصال مثل أن يكون بين المعلم والطلاب فقط وإنما يجب أن يتعدى هذا إلى طالب وطالب أو إلى حديث مسجل أو موقف مفتعل أو غيره, كما أن مراعاة ميول المستمع يعد مؤثراً هاماً على الاستمرار في عملية الاستماع أطول فترة ممكنة, ويحسن أن يوضح المعلم لطلابه الهدف من النشاط الذي يجري فيه درس الاستماع في بداية ممارسة تعلم هذه المهارة ليكون اللقاء أكثر جدية وإيجابية.


وهناك عدة نصائح تطبيقية للمعلمين والمربين فيما يخص الاستماع :
1- حاول دائما أن تتماشى مع قدرات الطالب البطيء وضعيف القدرة فلا تسرع في الحديث أو تهمل الشرح والبيان, وفي ذات الوقت لا تهمل الطالب المتميز ببعض المناوشات والمناقشات التي هي في مستواه.
2- استخدم دائما أحدث التقنيات والوسائل، فإن ذلك يساعدك كثيراً في أن يصل معك طلابك للاستماع والتركيز.
3- ناقش طلابك مناقشة لا يكون غالبها سؤال تنتظر إجابته ولكن هناك أسئلة تجيبها بنفسك غرضها الإثارة والتشويق.
4- اطلب منهم تلخيص الخطوط العريضة للموضوع.
5- راع دائما الفروق الفردية بين المستمعين وخاطب الغالبية على قدر فهمها وإدراكها.
6- يمكن أن يتخذ المعلم أساليب أخرى مثل تكليف الطلاب سماع عدد من الخطب والمحاضرات والندوات 7- حاول دائماً استخدام أساليب الاستثارة مع طلابك لجمع شتات أفكارهم واستدعاء تركيزهم للاستماع الجيد الموجه.

8- اربط دائماً بين التركيز في السماع وبين المواد الشرعية الإيمانية والأوامر والنواهي.