حسن الخلق
د. أمين بن عبدالله الشقاوي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله وبعد:

فإن من أفضل الأعمال التي دعا إليها الشرع ورغب فيها حسنُ الخلق، فهو من أعظم مواهب الله لعباده.


قال تعالى عن نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4].


وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ))[1].


وحسن الخلق يشمل جوانب كثيرة من حياة المسلم، في أقواله وأعماله، وفي عبادته لربه وتعامله مع عباده.


قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء: 53].


وقال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].


قال ابن عباس: "أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب؛ والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله وأخضع لهم عدوهم"[2].


ومن وصايا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - للصحابيين الجليلين أبي ذر ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - أنه قال: ((اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))[3].


قال ابن القيم - رحمه الله -: "جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين تقوى الله وحسن الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته"[4]. ا هـ. ولا يكتمل إيمان عبد ما لم يوفق للخلق الحسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا))[5].


قال بعض السلف: "حسن الخلق قسمان: أحدُهما مع الله - عزَّ وجل -، وهُوَ أنْ تَعْلَمَ أنَّ كل ما يكون منك يوجب عذرًا، وأن كل ما يأتي من الله يوجب شكرًا.


ثانيهما: حسن الخلق مع الناس وجماعه أمران: بذل المعروف قولاً وفعلاً، وكف الأذى قولاً وفعلاً"[6].

فحري بمن تمسك بهذا أن يصل إلى مراتب العاملين، فعن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ))[7].
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس خلقًا، فمن أحب أن يهتدي إلى معالي الأخلاق فليقتدِ بمحمد، صلى الله عليه وسلم.

عن أنس - رضي الله عنه - قال: "خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعتُه لم صنعتَه؟ ولا لشيء تركتُه لم تركتَه؟" [8].


عن عطاء بن يسار قال: "لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قلت: أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة" قال: أَجَلْ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح به أعينًا عُميًا وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا"[9].


قال عبدالله بن المبارك - رحمه الله -: "حسن الخلق طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى، وأن تحتمل ما يكون من الناس"[10].

والمسلم لابد أن تواجهه في حياته مواقفُ كثيرة، إن لم يستعمل فيها حسن الخلق فإنه سيفشل في مواجهتها.

فَمِنَ القواعد العامة في هذا المجال أن لا تُسْرِعَ بالملامة في حق من أساء إليك، أو قصر في حقك، وأن تعامله بحسن الظن والتماس العذر، وعلى العكس من ذلك أن لا تقول قولاً، ولا تفعل فعلاً قد تحتاج فيما بعد للاعتذار منه، ففي الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إيَّاكَ وَكُلَّ أَمْرٍ يُعْتَذَرُ مِنْهُ))[11].


ومن الأمثلة التي استُعمل فيها حسن الخلق فكانت نتائجها حميدة، ما روي أن رجلاً لقي علي بن الحسين فسبَّه، فثارت إليه العبيد، فقال: مهلاً، ثم أقبل على الرجل فقال: ما سُتِرَ عَنْكَ من أمرنا أكثرُ، ألك حاجةٌ نُعِينُكَ عَلَيْها؟ فاستحيى الرجل، فألقى عليه خميصةً[12] كانت عليه، وأمر له بألف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنَّك من أولاد الرسول، صلى الله عليه وسلم[13].


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
[1] سنن الترمذي (4/362) برقم (2002) وقال حديث حسن صحيح. وانظر: صحيح الجامع رقم (5721) (5726).
[2] تفسير ابن كثير (4/101).
[3] سنن الترمذي (4/355) رقم (1987)، وقال: حديث حسن صحيح.
[4] "الفوائد" (84-85).
[5] سنن الترمذي (3/466) برقم (1162)، وقال: حديث حسن صحيح.
[6] "تهذيب السنن" لابن القيم شرح سنن أبي داود (13/130).
[7] سنن أبي داود (4/252) برقم (4798) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3/911).
[8] سنن الترمذي (4/368) برقم (2015) وأصله في الصحيحين.
[9] صحيح البخاري (2/96) برقم (2125).
[10] "جامع العلوم والحكم" (ص160).
[11] الضياء في المختارة (6/188) برقم (2199) وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/689) برقم (354).
[12] كساء أسود مربع معلم.
[13] "مختصر منهاج القاصدين" (ص238).