جاء في الجزء السابع في تفسير الكافية في التفسير بالمأثور والدراية:


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)} [النساء: 100]
قوله تعالى:{يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]، أي: " يجد في الأرض مكانًا ومتحولا ينعم فيه بما يكون سببًا في قوته وذلة أعدائه، مع السعة في رزقه وعيشه" (10).
قال الطبري: " يقول: " يجد هذا المهاجر في سبيل الله {مراغمًا كثيرًا}، وهو المضطرب في البلاد والمذْهب، وقوله: {وَسَعَةً}، يحتمل «السِّعة» في أمر دينهم بمكة، وذلك منعُهم إياهم - كان - من إظهار دينهم وعبادة ربهم علانية " (11).
قال الزمخشري: أي: " مراغما مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه، أى: يفارقهم على رغم أنوفهم. والرغم: الذل والهوان. وأصله لصوق الأنف بالرغام- وهو التراب- يقال: راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك" (12).
قال ابن كثير: " هذا تحريض على الهجرة، وترغيب في مفارقة المشركين، وأن المؤمن حيثما ذهب وجد عنهم مندوحة وملجأ يتحصن فيه" (13).
وفي معنى «المراغم» في الآية الكريمة أقوال:
أحدها: أنه المتحوَّل من أرض إلى أرض، وهذا قول ابن عباس (14)، والربيع (15)، ومجاهد (16)، والضحاك (17)، وابو عبيدة (18)، ابن قتيبة (19).
----
(10) التفسير الميسر: 276.
(11) تفسير الطبري: 9/ 112 - 113.
(12) الكشاف: 1/ 556.
(13) تفسير ابن كثير: 2/ 390 - 391.
(14) انظر: تفسير الطبري (10296): ص 9/ 119.
(15) انظر: تفسير الطبري (10297): ص 9/ 119 - 120.
(16) انظر: تفسير الطبري (10300) - (10302): ص 9/ 120.
(17) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (5878): ص 3/ 1049.
(18) انظر: مجاز القرآن: 1/ 138.
(19) انظر: غريب القرآن: 134 - 135.
-------------------------------------------
قال أبو عبيدة: " المراغم والمهاجر واحد، تقول: راغمت وهاجرت قومى، وهى المذاهب، قال النابغة الجعدي (1):
كَطَوْدٍ يُلاذُ بأرْكَانِه ... عَزيز المُرَاغَم وَالْمَهْربِ (2)
فالمراغم المضطرب والمذهب في الأرض، وأنشد الزجاج في المعنى (3):
إِلى بلد غير داني المحل ... بعيد المراغَمِ وَالمُضْطَرَب
قال ابن قتيبة: "المراغم والمهاجر، واحد. تقول: راغمت وهاجرت قومي، وأصله: أن الرجل كان إذا أسلم خرج عن قومه مراغما لهم. أي مغاضبا، ومهاجرا. أي مقاطعا من الهجران. فقيل للمذهب: مراغم، وللمصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم: هجرة - لأنها كانت بهجرة الرجل قومه" (4).
والثاني: مطلب المعيشة، وهو قول السدي (5)، وانشد الماوردي قول الشاعر (6):
إلى بلدٍ غير داني المحل ... بَعيد المُراغم والمطلب
وهذا القول قريب من سابقه، لأنه "ليس المراغم ههنا إِلا المضطرب في حال هجرة" (7). ويشهد له الاختلاف في رواية الكلمة الاخيرة في البيت، بين" المُضْطَرَب، و"المطلب". فالمعنيان قريبان.
والثالث: أن المراغم المهاجر، وهو قول ابن زيد (8)، والزجاج (9).
والرابع: يعني بالمراغم مندوحة عما يكره (10).
والخامس: أن يجد ما يرغمهم به، لأن كل من شخص عن قومه رغبة عنهم فقد أرغمهم، وهذا قول بعض البصريين (11).
والسادس: منفسحا كثيرة وسعة. وهذا قول أبي صخر (12).
والسابع: المراغم: البروح. وهذا قول سفيان ابن عيينة (13).
قال ابن عطية: " وهذا كله تفسير بالمعنى، فأما الخاص باللفظة، فإن «المراغم» موضع المراغمة، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده، فكفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة، فلو هاجر منهم مهاجر في أرض الله لأرغم أنوف قريش بحصوله في منعة منهم، فتلك المنعة هي موضع المراغمة. وكذلك الطود الذي ذكر النابغة (14)، من صعد فيه أمام طالب له وتوقل فقد أرغم أنف ذلك الطالب" (15).
قال ابن كثير: " والظاهر - والله أعلم - أنه [المراغم]: التمنّع الذي يُتَحصَّن به، ويراغم به الأعداء" (16).
وقرئ: «مرغما» (17).
(1) ديوانه 22، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 138، اللسان، مادة"رغم"، وتفسير الطبري 9/ 112، وتفسير القرطبي 5/ 348، وفي غريب القرآن لابن قتيبة 1/ 135، وتفسير الكشاف: 1/ 556: "المراغم والمذهب".
والبيت من قصيدته التي في الديوان، ولكنه أفرد منها فلم يعرف مكانه. و "الطود": الجبل العظيم المنيف. ويلاذ: يتحصن. والرغم: التصاق الأنف بالرغام أى التراب، وهو كناية عن الذل والهوان، وفي سلوك سبيل المهاجرة مراغمة للخصم مفارقة له على رغم أنفه.
(2) مجاز القرآن: 1/ 138، وانظر: تفسير الطبري: 9/ 112، وتفسير ابن كثير: 2/ 391.
(3) انظر: البيت في اللسان: 12/ 247، ومعاني القرآن للزجاج: 2/ 96، وتفسير الثعلبي: 3/ 373.
(4) غريب القرآن: 134.
(5) انظر: تفسير الطبري (10303): ص 9/ 120.
(6) انظر بهذه الرواية في: البيت في النكت والعيون: 1/ 522 ..
(7) معاني القرآن للزجاج: 2/ 96.
(8) انظر: تفسير الطبري (10304): ص 9/ 120 - 121.
(9) انظر: معاني القرآن: 2/ 96.
(10) انظر: النكت والعيون: 1/ 522.
(11) انظر: النكت والعيون: 1/ 522.
(12) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (5882): ص 3/ 1049.
(13) انظر: تفسير ابن ابي حاتم (5883): ص 3/ 1049.
(14) ديوانه: 22 وهو قوله: " كَطَوْدٍ يُلاذُ بأرْكَانِه ... عَزيز المُرَاغَم وَالْمَهْربِ".
(15) المحرر الوجيز: 2/ 101.
(16) تفسير ابن كثير: 2/ 391.
(17) انظر: الكشاف: 1/ 557.
===========
المصدر:
تفسير الكفاية، عبدالله خضر حمد:
الجزء: السابع: صفحة: 355