المصادر الأصولية على طريقة الفقهاء
أ.د. محمد بن حسين الجيزاني





(1)
أقدم كتاب مطبوع للحنفية في أصول الفقه هو الكتاب الذي اشتهر باسم أصول الكرخي، وهو يتضمن الأصول التي عليها مدار المذهب، والكرخي من معتزلة الكرخ، ناحية بغداد، وهو عبيد الله بن الحسين (340هـ) ومن تلاميذه: اثنان من أئمة الحنفية، وهم: أبو علي الشاشي (344هـ) وقد جعل التدريس له في آخر حياته، وأبو بكر الرازي الجصاص (370هـ) وهو الذي آلت إليه رئاسة الحنفية بعد الكرخي .
(2)
أما أبو علي الشاشي فينسب إليه خطأ كتاب اشتهر وطُبع باسم: (أصول الشاشي) وهو كتاب متداول بين الحنفية في القارة الهندية وآسيا الوسطى وما حولها، وعليه حواش كثيرة، منها: عمدة الحواشي للمولى محمد فيض الحسن الكنكوهي، ولبعض المعاصرين: تسهيل أصول الشاشي .
ولم تذكر كتب طبقات الحنفية في ترجمة أبي علي الشاشي نسبة أي كتاب إليه في أصول الفقه، ثم إنه متضمن للنقل عن أبي زيد الدبوسي وابن الصباغ؟
والأقرب في ذلك أن مؤلف كتاب أصول الشاشي هو نظام الدين الشاشي؛ فقد ذكر صاحب كشف الظنون أن كتابا لنظام الدين الشاشي ـ ولا تعرف له ترجمة ـ سماه (الخمسين)، وذلك لأنه صنفه وهو في الخمسين من عمره .
وأما الجصاص فله كتاب الفصول في الأصول، الذي يعد أول كتاب متكامل للحنفية في أصول الفقه، وهو في الأصل مقدمة لكتابه: أحكام القرآن، وقد اعتمد الصيمري (436هـ) عليه كثيرا في كتابه: مسائل الخلاف في أصول الفقه .
(3)
ثم جاء بعده أبو زيد الدبوسي (430هـ) الذي كملت به عند الحنفية صناعة أصول الفقه، وتهذبت مسائله وتمهدت قواعده، فألف كتاب تقويم الأدلة، وهذا الكتاب غاية في الفصاحة والإتقان، وهو أول تأليف للحنفية من بلاد ما وراء النهر، وهو الكتاب الذي خصه أبو المظفر السمعاني الحنفي ثم الشافعي بالرد في كتابه قواطع الأدلة، وللدبوسي كتاب صغير الحجم عظيم الشأن، وهو كتاب تأسيس النظر، الذي يعد أول كتاب في علم الخلاف .
(4)
ثم جاء البزدويان: فخر الإسلام علي بن محمد بن الحسين البزدوي (482هـ) ويكنى بأبي العسر لصعوبة فهم مؤلفاته، وأخوه صدر الإسلام محمد بن محمد بن الحسين (493 هـ) ويكنى بأبي اليسر ليسر تصانيفه .
أما فخر الإسلام فهو الإمام المقدم عند الحنفية، وقد ألف كتاب كنز الوصول إلى معرفة الأصول، الذي اشتهر باسم: أصول البزدوي، وهو من أشهر كتب الحنفية، وعليه اعتمادهم، وقد كثرت عليه الشروح، وأجلها: كشف الأسرار عن أصول البزدوي للشيخ علاء الدين عبد العزيز البخاري (730هـ)، وشرحه أيضا حسام الدين السغناقي (714هـ) وهو من تلاميذ حافظ الدين النسفي، وذلك في كتاب الكافي، وشرحه أكمل الدين البابرتي (786هـ) في التقرير لأصول البزدوي، كما قام العلامة قاسم قطلوبغا بتخريج أحاديثه .
وأما صدر الإسلام البزدوي فله كتاب معرفة الحجج الشرعية، ومن شيوخه: شمس الأئمة الحلوائي (448هـ)، ومن تلاميذه: شمس النظر السمرقندي صاحب الميزان .
ثم جاء الإمام السرخسي (483هـ) وله كتاب عُرف باسم: أصول السرخسي .
ثم جاء بعده علاء الدين السمرقندي (539هـ) فألف في أصول الفقه كتاب ميزان الأصول في نتائج العقول، وقد عني فيه بذكر مسائل الاعتقاد .
ثم جاء الحسام الأخسيكثي (644هـ) وله كتاب المنتخب في أصول المذهب، ويعرف بالحسامي، وهو مختصر متداول عند الحنفية، وقد شرحه جمع غفير منهم، فمن ذلك: كتاب التحقيق لعلاء الدين البخاري صاحب كشف الأسرار، وكتاب النامي لأبي محمد عبد الحق بن محمد أمير .
(5)
ثم جاء جلال الدين الخبازي (691هـ) ـ وهو من تلاميذ علاء الدين البخاري ـ حيث ألف كتاب المغني، وهو كتاب مختصر، لخص فيه أصول السرخسي وأصول البزدوي، وعليه شروح، منها: شرح المغني للمؤلف نفسه، ومنها: شرح القاءاني (775هـ) .
ثم جاء بعد ذلك ابن الساعاتي (694هـ) الذي صنف كتاب نهاية الوصول إلى علم الأصول، المعروف ببديع النظام الجامع بين كتابي البزدوي والإحكام؛ لخصه من كتاب الإحكام للآمدي وزاد عليه من كتاب أصول البزدوي، ويعد من أوائل الكتب المنسوبة إلى طريقة المتأخرين (الجمع بين الطريقتين: طريقة الفقهاء الحنفية وطريقة المتكلمين الشافعية)، وابن الساعاتي من تلاميذ شمس الدين الأصفهاني شارح المحصول للفخر الرازي .
وعلى كتاب البديع شروح وحواش، منها: شرح بديع النظام للتبريزي (770هـ)، وبيان معاني البديع لشمس الدين محمود الأصفهاني (749هـ) وللكمال ابن الهمام شرح سماه: كاشف معاني البديع وبيان مشكله المنيع .
ومن الكتب التي صُنفت في هذه المرحلة:
◄ الغنية لأبي صالح السجستاني، ولا تعرف له ترجمة، وفي الكتاب ذكر للكرخي والجصاص والدبوسي، وقد نقل عنه علاء الدين البخاري في الكشف .
◄ بذل النظر للأسمندي (552هـ) اعتمد فيه على كتاب المعتمد لأبي الحسين البصري، واتسم بالجدل والمناظرة .
◄ كتاب في أصول الفقه لأبي الثناء اللامشي،
(6)
حتى جاء حافظ الدين النسفي (710هـ) ووضع متن المنار، اختصره من أصول السرخسي وأصول البزدوي، ووضعه على ترتيب أصول البزدوي، وقد لقي قبولا كبيرا، واعتنى الحنفية به شرحا وتحشية واختصارا ونظما .
فقد شرحه مصنفه وسماه: كشف الأسرار شرح المنار، وربما أُطلق عليه الكشف الصغير؛ تمييزا بينه وبين كشف الأسرار على أصول البزدوي للبخاري .
وشرحه أيضا: قوام الدين الكاكي (749هـ) في جامع الأسرار، وللكاكي صلة بأصول البزدوي من جهة شيوخه وتلاميذه، وذلك أن من شيوخه: اثنين من شُرّاح البزدوي، وهما: علاء الدين البخاري وحسام الدين السغناقي .
ومن تلاميذه: أكمل الدين البابرتي (786هـ) صاحب كتاب التقرير لأصول البزدوي، وللبابرتي أيضا: كتاب الأنوار في شرح المنار .
وللبابرتي كتاب ثالث في الأصول، وهو كتاب الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب، أخذه من كتاب بيان المختصر على ابن الحاجب لشيخه الشمس الأصفهاني، سعى فيه إلى نصرة مذهب إمامه أبي حنيفة، والرد على ثلاثة من مخالفيه: الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي، ومن تلاميذ البابرتي: السيد الشريف الجرجاني (816هـ) له حاشية على شرح العضد على ابن الحاجب، وبهذا يظهر أن للبابرتي صلة أخرى بمختصر ابن الحاجب من جهة شيوخه وتلاميذه .
وممن شرح المنار أيضا: عبد اللطيف ابن ملك وهو المشهور بابن فرشتة (885هـ)، وعليه حاشية للرهاوي (942هـ)، وحاشية لابن الحلبي (971هـ) سماها: أنوار الحلك على شرح المنار لابن ملك، وحاشية لعزمي زاده (1040هـ) .
ومن شروح المنار: إفاضة الأنوار في إضاءة أصول المنار لأبي الفضائل الدهلوي (891هـ)، وفتح الغفار بشرح المنار لابن نجيم (970هـ) وهو معروف بمشكاة الأنوار في أصول المنار، وإفاضة الأنوار على أصول المنار لعلاء الدين الحصكفي (1088هـ)، وعلى إفاضة الأنوار حاشية نسمات الأسحار لابن عابدين (1252هـ)، وعلى الحاشية والشرح تقييدات علَّقها الشيخ محمد الطوخي .
ومن شروحه: نور الأنوار لملا جيون (1130هـ)، وعليه حاشية قمر الأقمار لمحمد عبد الحليم اللكنوي (1285هـ) وللشيخ عبد الغفار بن القاضي بنيامين تقريرات على هذا الشرح .
ومنها أيضا: تنوير منار الأنوار للشيخ عبد العلي محمد بن نظام الدين محمد الأنصاري (1180هـ)
وممن نظم المنار: الكواكبي (1096هـ) في منظومة الكواكب، ثم شرحها شرحا متوسطا في كتاب سماه: إرشاد الطالب .
وممن اختصر المنار: أبو العز زين الدين الحلبي المعروف بابن حبيب (808هـ) وقد شرح هذا المختصر قاسم بن قطلوبغا (879هـ) وسماه: خلاصة الأفكار شرح مختصر المنار .
وقد قام بنظم هذا المختصر في مائة وسبعة وسبعين بيتا وشرح النظم: طه الكوراني (1300هـ) .
(7)
ثم جاء صدر الشريعة المحبوبي (747هـ) حيث ألف متنا مختصرا سماه التنقيح، وهو تنقيح وتنظيم لأصول البزدوي، موردا فيه زبدة مباحث كتابي المحصول للفخر الرازي ومختصر ابن الحاجب، ثم قام بشرحه في كتاب: التوضيح في حلِّ غوامض التنقيح، وللسعد التفتازاني (792هـ) حاشية عليهما سماها: التلويح إلى كشف حقائق التنقيح .
(8)
أما التحرير لابن الهمام (861هـ) فهو متن جامع بين طريقتي الحنفية والشافعية في أصول الفقه، وقد اختصره ابن نجيم في لب الأصول .
وقد شرحه تلميذ الكمال: شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الحلبي المعروف بابن أمير الحاج الحلبي ويقال له: ابن الموقت (879هـ) في كتاب التقرير والتحبير، وشرحه أيضا نزيل مكة محمد أمين البخاري المعروف بأمير بادشاه (972هـ) في كتاب تيسير التحرير.
(9)
ومن الكتب المتأخرة:
1. فصول البدائع في أصول الشرائع للفناري (834هـ) جمع فيه المنار والبزدوي والمحصول للرازي ومختصر ابن الحاجب .
2. مرقاة الوصول إلى علم الأصول لملا خسرو (885هـ)، ثم إنه قام بشرحه في مرآة الأصول، وعليه حاشية الأزميري، وقد اقتفى ملا خسرو في تبويبه وترتيبه: أبو سعيد الخادمي (1176هـ) في مجامع الحقائق، ثم قام بشرحه الكوزَلْحصاري (1246هـ) في كتاب منافع الدقائق .
3. الوجيز للكراماستي (906هـ)
4. رسالة في أصول الفقه لابن قطلوبغا (879هـ)، ثم قام المنيني (1172هـ) بشرحها في كتاب سماه: العرف الناسم شرح رسالة العلامة قاسم، وهذا الشرح مستمد من فتح الغفار لابن نجيم في الغالب، ومستمد أيضا من الكتب المعتبرة عند الحنفية؛ كالتوضيح والتلويح والتحرير وشروح المنار .
5. سمت الوصول إلى علم الأصول للأقحصاري (1025هـ) وهو متن مختصر غاية الاختصار، ثم إن مؤلفه قام بشرحه .
6. مسلَّم الثبوت لمحب الله بن عبد الشكور الهندي (1119هـ) سماه بذلك لأن تاريخ تصنيفه سنة (1109)، وشرحه عبد العلي اللكنوي الهندي (1225هـ) في فواتح الرحموت، والتسهيلات الإلهية في أصول فقه الشافعية والحنفية شرح مسلم الثبوت للقاضي أحمد درويش، كما قام بتخريج أحاديث فواتح الرحموت في مفاتح البيوت .
*أستاذ علم أصول الفقه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.