إشراقات نبوية (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)
رقية القضاة


آية تحريم التبني تتنزّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله) وزيد بن حارثة ما زال يدعى بزيد بن محمّد، وزيد هو ذلك الشاب الذي سرق من حضن والديه، ليباع عبدا رقيقا في مكة، ولينتهي به المقام عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، ويبحث عنه أبوه سنين طوال، فيجده في أكرم بيوت مكة، ويخيّره بين العودة إلى بيته ووالده أو البقاء عند محمد، فيختار محمدا على من سواه، ويشهد محمدا القوم على أنه قد اتخذ زيدا ولدا له، ويسميه زيد بن محمد ويتمّ الله نعمته على محمد والبشرية بأسرها، فيرسله بالهدى ودين الحق، وتبدأ تقاليد الجاهلية وسلوكياته بالانحسار، وتشرق أحكام الدين الجديد لتقدم للناس ما ينفعهم ويواءم حياتهم، ويقرّ فيهم العدل والمساواة والحق الذي هو أحقّ أن يتّبع، وأن أبواب البّر باليتيم والمسكين أوسع من أن تنحصر في التبني، وأن القول باللسان لا يحيل الباطل حقا، ولا يغيّر حقائق الحياة التي فطر الله عليها الخلق، فالأبوّة والبنوّة لها خصوصيتها الإنسانية، التي لا يغني عنها الإدعاء والتظاهر، ولو كان خالص الودّ والإشفاق ويكون بيت النبوة الطاهر هو أول مواقع التغيير والاتباع لمنهج الله، فيوحي الله إلى نبيّه - صلى الله عليه وسلم - أن التبني عادة جاهلية ظالمة، تحرم الوالد من ولده والولد من نسبه الصحيح، وامعانا في إنهاء تلك العادة، وذلك المسلك الجاهلي، يتنزل الأمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمره أن يتزوّج زينب بنت حجش، مطلّقة زيد بن حارثه، وابنة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إقرار لحكم شرعي لا يحتمل إلا السمع والطاعة، وبذلك يبطل الإسلام التبني نهائيا بلا عودة، ويشاء الله -تعالى- أن يتزامن إقرار ذلك الحكم الشرعي العادل مع حكم شرعي آخر، هو فرضيّة الحجاب الساتر للمرأة المسلمة الطاهرة، ليطهّر القلوب ويزكي النفوس التي اتخذت من هذا الدين شرعة ومنهاجا، وينزّل الله - سبحانه - آية الحجاب، الخاصة بنساء النبي ّ- صلى الله عليه وسلم - وتلك المتعلقة بنساء المسلمين إلى يوم القيامة: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ).
فهو الطّهر إذن والنقاء في القلب والرّوح والبدن، ذلك المظهر والجوهر الذي تتميز به أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنها أمة القلوب الطاهرة، والسلوك القويم، والستر المكرّم للمرأة المسلمة، والارتقاء المهيب بالمرأة، وإعلاء شأنها، حتى تغدو فوق النظرة الخبيثة والمخططات الماكرة والمطامع المشينة، نزلت آية الحجاب لتقول للمرأة أنت لست لوحة مشاعا للنّظر، ولست سلعة للتملك، ولست هدفا لأي فاسق لا يرعى حرمات الله، بل أنت أصل البناء الصالح والتربية الإيمانية، صانعة الرّجال القائمين على أمر الله الذائدين عن حمى الأمّة وشرعها، وأنت التي جعلت الجنّة تحت قدميها، فأنزلت بهذا الدّين الطاهر أعلى منزلة، وارتقيت بهذا القانون الساتر الطاهر المطهّر أعلى درجات الرقّي والانطلاق الكريم لبناء الأمة، والنّهوض بها إلى مراقي الرشد والصّلاح، ونزلت آيات الحجاب لتتلقّاها القلوب الطاهرة قبل الآذان المصغية، وتعرف النساء المسلمات قيمة تلك الآيات الكريمة، فتسارع باتباع أمر ربّها، وهي مدركة أنّها الكرامة بعينها، وتظلّ تلك الآيات تتلى آناء الليل وأطراف النّهار لتزيد المرتابين ريبة وظنونا، وتزيد الذين آمنوا إيمانا ونقاء وطهرا: (يا أيّها النّبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما)..