اللطف بالأبناء
عمر السبع



بينما الأب جالس في بيته، إذ سمع صوت انكسار زجاج.

الأب: مازن ما الذي حدث؟
مازن: لقد وقع الكوب من يدي يا أبي.
الأب: يا غبي، إنك ولد أهوج.
مازن: أنا آسف يا أبي.
الأب: يجب أن تتأدب حتى تتعلم ألا تقع من يدك الأشياء مرة أخرى.
ثم قام الأب بإحضار عصا غليظة، ثم أخذ بضرب ابنه الصغير، الذي انهمر في البكاء.
مهلًا أيها الأب:
الأبناء هم فلذة الأكباد، والأب الذي يرزقه الله تبارك وتعالى بأطفال يكون في غاية السرور والفرح، والأطفال يولدون على فطرة الله تبارك وتعالى، فالطفل يكون حينها كالورقة البيضاء.
وحينما نتأمل في القصة التي ذكرناها، يمكن أن نقول أن هناك بعض الآباء من يتعامل مع ابنه على أنه إنسان آلي لا يخطئ أبدًا، ولا يفهم هذا الأب أن ابنه الصغير لا يزال في طور التعليم، فيجب أن يكون هناك من يرشده ويعلمه لا من يعنفه ويضربه على فعل الأخطاء.
وما أكثر المواقف التي تحدث من الأطفال، فيقوم الأطفال فيها بكسر الأطباق والأكواب دون أن يقصدوا، ونجد أن بعض الأمهات والآباء يعنفون أطفالهم عندما يرتكبون مثل هذه الأمور.
يجب أن تعلموا معاشر المربين أن ليس المشكلة في حدوث الخطأ، ولكن المشكلة في تجنب حدوثه بعد ذلك، ولا يكون أبدًا الضرب والتعنيف والسباب هو الحل الذي يجعل الأطفال لا يقعون في هذه الأشياء مرة أخرى.
ولا نقول أن أسلوب الضرب ف تعديل السلوك هو أسلوب تربوي خاطئ، ولكن لا يكون هذا هو الأسلوب الوحيد الذي يستخدمه الأب مع ولده في تعليمه وفي تدريبه على عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى.
امنح ابنك الحب والحنان:
تشكل العاطفة مساحة واسعة في نفس الطفل الناشيء، وهي تكوِّن نفسه وتبني شخصيته، فإن أخذها بشكل متوازن كان إنساناً سوياً في مستقبله وفي حياته كلها، وإن أخذها بغير ذلك سواء بالزيادة أو النقصان تشكلت لديه عقد لا تحمد عقباها، فالزيادة تجعله مدللاً لا يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط، ونقصانها يجعله إنساناً قاسياً عنيفاً على كل من حوله.
ويكون الحب موجهاً نحو الأشخاص الذين يريحونه خاصة الوالدين وأعضاء الأسرة، ويكون مؤقتاً محدوداً ثم يصير مستديماً محدداً نحو الأشخاص الذين يحققون حاجاته ،وتتسع بالتدريج دائرة الحب حتى تشمل الغرباء، ونحن نعلم أن الطفل لكي يجب لا بد أن ينال قسطاً كبيراً من الحب.
ويولد الطفل بخطين باهتين متقابلين، أحدهما يتجه إلى الحب والآخر يتجه إلى الكره، كلاهما فطري، وكلاهما ضروري في حياة الإنسان، لأن كل إنسان ينبغي أن يحب وأن يكره، يحب الأشياء التي يجب أن تُحب، ويكره الأشياء التي يجب أن تُكره، وإلا فهو إنسان غير سوي ناقص الكيان، والذي ينشأ التوازن، ويعيده إذا اختل هو هذا الحب الذي يضفيه الوالدان، والأم خاصة، على ذلك الطفل الوليد، بالقدر المضبوط الذي يحتاج إليه، بلا زيادة ولا نقصان .
فإذا لم يجد الطفل ذلك الحب لأي سبب من الأسباب، كانشغال الأم عن الطفل بالعمل خارج البيت، فهناك نتائج لفقدان هذا الحب سيئة على الإطلاق، وأبرزها نمو خط الكره دون أن ينمو خط الحب، أو بأكثر منه، فتنشأ في نفس الطفل الكراهية للآخرين والحقد عليهم، ولا يرتبط بهم برابطة الحب والتعاون الضرورين لبناء البشرية.
النبي الكريم ولطفه بالأطفال:
لنتأمل أيها المربون حال نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يضع القواعد الأصيلة في التعامل مع الأطفال، لقد وضع لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، قاعدة عامة يضعها في المعاملة مع الغير وخاصة مع من نعاشرهم وعلى الأخص الأطفال الصغار لحاجتهم للحنان والعطف ولعدم إدراكهم هذا المعنى إلا من خلال سلوك ظاهر وعملي، فيجب على الوالدين والكبار عمومًا عند معاملة الأطفال ومعاشرتهم استخدام أساليب عملية ومعبرة عن المودة والمحبة لهم، مثل حمل الصغار وتقبيلهم وملاعبتهم ومصاحبتهم خارج المنزل للتنزه والتفرج وزيارات المعارف والأقارب والاهتمام بأمورهم، والرد على كل أسئلتهم والنوم بجانبهم والسماح لهم بالجلوس مع ضيوف البيت، ومدح سلوكهم الصحيح أو المتميز وتقدير أعمالهم بالجوائز والحلوى، وعدم زجرهم ومنعهم من اللعب والحركة وأمثال ذلك من الأسباب التي توطد العلاقة مع الطفل وتقنعه بالحب والاهتمام وتشبع حاجاته.
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:(صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًات، وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردًا وريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار) [رواه مسلم].
فأي صورة من الحنان المعبر والأبوة والشفقة تلك التي يبديها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلقى بعض الأطفال في طريقه، فيمسح بحنان ومودة على كل خد للأطفال واحدًا واحدًا، لأنه الحنان الغامر الذي يشمل كل طفل وأين هذا السلوك من سلوك الذي يزجر كل طفل يلقاه معترضاً طريقه؟ أو على الأقل من لا يحدثهم ولا يلقي إليهم السلام؟) [العشرة الطيبة، محمد حسين، ص(283)].
دور الأم والحنان على الطفل:
الأم لها دور كبير في تربية الطفل، فحنان الأم يساهم بشكل كبير في نمو الطفل الطفولة المبكرة مرحلة مهمة لتنشئة الطفل، فهي في مرحلة الرضاعة أكثر من يتعامل مع الطفل، ولحكمة عظيمة يريدها الله سبحانه وتعالى يكون طعام الرضيع في هذه المرحلة من ثدي أمه وليس الأمر فقط تأثيراً طبيًّا أو صحيًّا، وإنما لها آثار نفسية أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه، ولهذا يوصي الأطباء الأم أن تحرص على إرضاع الطفل، وأن تحرص على أن تعتني به وتقترب منه لو لم ترضعه.
(وهنا ندرك فداحة الخطر الذي ترتكبه كثير من النساء حين تترك طفلها في هذه المرحلة للمربية والخادمة؛ فهي التي تقوم بتنظيفه وتهيئة اللباس له وإعداد طعامه، وحين يستعمل الرضاعة الصناعية فهي التي تهيئها له، وهذا يفقد الطفل قدراً من الرعاية النفسية هو بأمس الحاجة إليه.
وإذا ابتليت الأم بالخادمة، فينبغي أن تحرص في المراحل الأولية على أن تباشر هي رعاية الطفل، وتترك للخادمة إعداد الطعام في المنزل أو تنظيفه أو غير ذلك من الأعمال، فلن يجد الطفل الحنان والرعاية من الخادمة كما يجدها من الأم، وهذا له دور كبير في نفسية الطفل واتجاهاته في المستقبل، وبخاصة أن كثيراً من الخادمات والمربيات في العالم الإسلامي لسن من المسلمات، وحتى المسلمات غالبهن من غير المتدينات، وهذا لايخفى أثره، والحديث عن هذا الجانب يطول) [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان].
ورقة عمل:
ـ إن الطفل أيها الوالد يجب أن يتربى من صغره على الحب والحنان، فحبك لولدك وبحنانك عليه يمكن أن تُعدل من سلوك ولدك بكل سهولة ويسر، وسنذكر لك أيها الوالد بعض الوسائل العملية التي تساعدك في تربية ولدك:
1. كما قلنا أن الضرب يجب أن يكون آخر الوسائل التربوية التي يستخدمها الأب مع ولده، وهذه الوسيلة لها ضوابط:
(1- رؤية الأطفال للسوط والخوف منه ، عندما يعلق في البيت أمامهم.
2- الوعيد باستخدام هذا السوط إذا لم يكف الولد أو البنت عن السشلوك الخاطئ.
3- شد الأذن : وهو عقوبة مسنونة، وهو أول عقوبة جسدية تستخدم مع الطفل.
4- الضرب بالعصا وفق الشروط التالية:
أ- لا يُضرب الطفل قبل العاشرة من عمره .
ب- لا يُضرب أكثر من عشر جلدات .
ج- ينبغي أن لا يتعدى أثر الضرب الجلد.
د- أن يكون السوط معتدلاً بين القضيب والعصا، معتدل الرطوبة .
هـ- يفرق الضرب ولا يجمع في مكان واحد.
و- أن يترك زمن بين الضربتين ليخف ألم الضربة السابقة .
ز- لا يضرب الوجه والفرج والرأس) [تربية الأطفال في الحديث الشريف، خالد الشتوت].
2. أيتها الأم، كوني راعية لطفلكِ الكريم، فامنحيه حنانك وحبكِ، فمن خلال اللطف والحنان والحب، يتمكن الآباء أن يرشدوا أطفالهم لفعل الصواب وتجنب الوقوع في الأخطاء.
3. إذ وقع الطفل في خطأ من الأخطاء فيجب ألا تتعامل بمبدأ رد الفعل، وأن تفكر أولًا أيها الوالد في الخطأ الذي وقع فيه طفلك، فإذا كان خطأ عن غير قصد، فتجاوز عنه، كأن يقع الكوب من يد طفلك فيُكسر، أما إذا غير ذلك، فقم بتقييم هذا الخطأ وعلى إثره تتخذ القرار المناسب، مع مراعاة التدرج إذا كان الأمر يتطلب عقوبة الطفل.
المصادر:
· تربية الأطفال في الحديث الشريف، خالد الشتوت.
· تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان.
· العشرة الطيبة، محمد حسين.