إلى كل كاتب ومتصفح .. احذر السيئات الجارية
توفيق الشماسي الحربي


عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئـاً))، وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل)).
أخي.. أخيتي: احذروا من اقتراف السيئات الجارية عليك في حياتك، وبعضاً من تلك السيئات جارية حتى بعد الممات، فبادر بالفكاك منها قبل أن تأسرك عقوبتها.
ومن أمثلة لسيئات الجارية المنتشرة عبر الإنترنت نذكر:
(1) الدعوة إلى المعتقدات والطوائف الباطلة، ونشر ضلالهم وبدعهم، ونقل أفكار ومزاعم العلمانية المحاربة لدين الله، والمخالفة لمنهج الله القويم، ونقل أفكار الذين تأثروا بمنهجهم الخبيث.
(2) ذم أو النيل من العلماء علماء الحق والهدى وولاة أمور المسلمين والدعاة إلى الله وأهل الاستقامة، والطعن فيهم، ومحبة إظهار عيوبهم، وانتقاص قدرهم، وتشكيك الناس بهم، ومن زعم النصح فليناصح سراً، فإن تعذر عليه ذلك شخصياً أو عبر الإنترنت لمن يريد نصحه؛ أخبر من يثق به لتقديم تلك النصيحة، كالنصح لولاة الأمور يكون عبر من يصل نصحه لهم أمثال علماء الشريعة .. بدلاً من الإشهار وإيغار الصدور بلا جدوى؛ بل لتحصيل السيئات.
(3) نقل الأحاديث المكذوبة أو الضعيفة، ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم التأكد والتحري في النقل، ولقد وجدت من الأحاديث المنكرة والضعيفة في (مواضيع دعوية) في الإنترنت، فلا يجرنا التساهل والكسل إلى أن ننسب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وننشره، وكذلك لا بد من التثبت في نقل الآثار المروية عن السلف، وكلام العلماء، ونقل الأخبار الثابتة الصحة على كل حال.
(4) أبراج الحظ التي هي ضرب من الكهانة، وإدعاء معرفة المغيبات قال صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم يقبل له صلاة أربعين ليلة)) صححه الألباني، وقال عليه الصلاة والسلام:((من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد)) صحيح.
(5) التوقيع وما فيه من صور خاصة صور النساء، ووجه المرأة عورة، ويكون ثابتاً يراه من أراد ذلك والآثام جارية.
(6) تنزيل صور النساء في موضوع معين، أو كخلفية لقصيدة أو لغير ذلك.
(7) شعر يدعو إلى التلاقي المحرم، أو يصوره، أو يؤجج الفتنة بين الجنسين، وهذا طبعاً يؤدي إلى شر وفحش، وهذا لاشك في تحريمه لأن الوسيلة لها حكم المقصد، وبعض الكلمات تحرك إلى سلك المقصد المحرم فتكون بذلك محرمة.
(8) وضع ملف غنائي، والغناء محرم بالكتاب والسنة، ويُعصى الله، ويجاهر بالمعصية، ويدعى إليها، ثم نجد من يشكره على ما قدم، ولو يعلم ماذا قدم له ما شكره.
(9) كتابة موضوع عن أهل الفن والطرب، ويتعرض لشيء من أخبارهم والاحتفاء بالفسقة مروجي الضلال والمعاصي.
(10) الكتابة عن الممثلين والممثلات أصحاب الاختلاط، وكشف العورات، وأهل الكذب، وهدم القيم، وإضلال الناس.
(11) الدلالة على موقع فيه منكرات أو صور خليعة وأشياء محرمة، يظن بأنه قدم خدمات نافعة للأعضاء والزائرين، وهو حقيقة قدم سيئات لهم تجري عليه بقدر ما دل على هذا الضلال.
(12) إيراد النكت وهذا مما يشاع وينتشر، وتعمر به مجالس، ويسميه البعض (بالمزاح) وحقيقته كذب يقال لقصد إضحاك الناس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له))، ومن أراد المزاح فليفعل بلا كذب، وبدون محاذير شرعية، وأن يقلل منه ولا يستكثر، بل يفعله على الصفة المشروعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً)) صحيح الجامع 2494.
أثر تلك المشاركات على صاحبها:
إن كل من يسمع أو يرى المنكر أو يوزعه وينشره في المنتديات وغيرها فإنه يكتب على صاحب ذلك الموضوع آثامهم كاملة، فكم من عضو وزائر ستضل؟ وقد يُنشر إلى مواقع أخرى، وتزداد عليك السيئات، وقد يفتتن البعض بصورة أو كلمة أو معنى، ويذهب لمقارعة الفواحش فهل تتحمل كل ذلك؟.
وينتشر موضوعك بين الأعضاء، وكم من عضو مشارك في أكثر من منتدى، وقد تأخذ هذه المشاركة زمناً طويلاً وهي تتنقل من بين منتدى إلى آخر، ومن بريد إلى آخر وهكذا، ويجري إثمها عليك وأنت في بيتك، وفي عملك، وكذلك وأنت نائم، وقد يرسل موضوعك عبر مجموعات بريدية ذات الأعداد الهائلة، ومتى يكتب لهذه المشاركة التوقف عبر هذه الشبكة العنكبوتية؟ الله أعلم.
فهل تستطيع أن تحمل آثامهم جميعاً؟
ثم هل تعلم أن الذنوب تورث التثاقل عن العبادة وكراهيتها، وحب المعصية وإدمانها، ونسيان الآخرة، لأن المعاصي تجر إلى معاصي بعكس الطاعات، وهل تعلم أن سيئة واحدة يوم القيامة قد ترجح بالميزان، ويدخل صاحبها النار، والعياذ بالله، فما بالي أراك من الذنوب تستكثر.
ثم كم من الساعات والأوقات صرفوها أولئك في موضوعك الداعي للمحرم، وهل تعلم أن المرء يوم القيامة سيحاسب على عمره فيما أفناه، فما بالي أراك تفني عمرك وأعمار فوق عمرك من الذين تشاركهم آثامهم.
وكم من الأموال ستصرف وقت التصفح والمشاهدة والاستماع، أم أن كهرباء الجهاز والاتصال الهاتفي لا تستهلك مالاً؟ أما علمت أن المرء في يوم القيامة سيحاسب عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، ولقد كنت سبباً في إضاعة أموالك وأموال هؤلاء فيما حرم الله أيسرك أن تلقى الله بهذه السيئات العظام.
فالأمر جد خطير، وأنت لم تبال في كتابته أو نقله.
إذا لم تستطع على فعل الخيرات، وإرشاد الناس إليه؛ فلا تظلم نفسك، وتتعدى على غيرك، ثم كيف تتجرأ على إعلانها وحث الناس عليها، ولا ترى بذلك بأساً؟ قال ابن القيم رحمه الله في كتاب الجواب الكافي (1/37): "حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها، فيقول: يا فلان عملت كذا وكذا، وهذا الضرب من الناس لا يعافون، وتسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)).
وقفة للمتأمل:
قال تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) رواه مسلم 2577
وقفة قبل الندم:
هل تحدث نفسك بعد ذلك بسلوك نفس الطريق، وأنت تعلم ما منتهاه، وماذا سيجر عليك من وبال لا يعلم مدى ذلك إلا الله.
أم أنك ستستغفر الله، وتقلع وتعلنها توبة إلى الله، وفقنا الله وإياكم طريقه القويم.
وأعذروني فما نحن إلا إخوة، والتناصح بيننا واجب.