بسم الله الرحمن الرحيم
الوقت (مفهومه وألفاظه وخصائصه) (1)
د.حسناء عبدالله أحمد(()


أولاً: مفهوم الوقت

الوقت لغةً: ورد تعريف الوقت في كثير من المعاجم العربية، فقد جاء في القاموس المحيط أن (الوقت) المقدار من الدهر وأكثر ما يُستعمل في الماضي كالميقات وتحديد الأوقات كالتوقيت(). وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}() (قال ابن عباس(): أي مفروضاً، وقال ابن مسعود(): إن للصلاة وقتاً كوقت الحج)() وميقات الحج الموضع الذي يحرمون منه يقال هذا ميقات أهل الشام، الموضع الذي يحرمون منه. وقرئ {وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ}() فوعلت من المواقتة ووقت موقوت أي محدود. قوله كالميقات فرق بينهما جماعة بأن الوقت مطلق والميقات وقت قدر فيه عمل من الأعمال.

أما في الصحاح ذكر نحوه وزاد عليه أن (الوقت) معروف والميقات: الوقت المضروب للفعل والموضع. وتقول وقته فهو موقوت إذا بين للفعل وقتاً يفعل فيه. تقول وقته ليوم كذا مثل أجلته وقرئ: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}() مخففة و(أُقِّتَتْ) لغة مثل وجوه وأجوه والموقت مفعل من الوقت().
وفي لسان العرب جاء تعريف (الوقت) بأنه مقدار من الزمان وكل شيء قدر له حيناً فهو موقت وكذلك ما قدرت غايته فهو موقت. وقد استعمل سيبويه() لفظ الوقت في المكان تشبيهاً بالوقت في الزمان لأنه مقدار مثله فقال: ويتعدى إلى ما كان وقتاً في المكان كميل وفرسخ وبريد، والجمع أوقات. قال ابن الأثير(): وقد تكرر التوقيت والميقات قال فالتوقيت والتأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة.
وقت الشيء ووقته يقته إذا بين حده ثم اتسع فيه فأطلق على المكان فقيل للموضع: ميقات وهو مفعال منه وأصله مِوقات فقلبت الواو ياء لكسرة الميم. وفي حديث ابن عباس (لم يقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر حداً)() أي لم يوقت ولم يقدر بعدد مخصوص. والميقات مصدر الوقت. والآخرة ميقات الخلق. ومواضع الإحرام: مواقيت الحاج. والهلال: مواقيت الشهر ونحو ذلك كذلك(). قوله تعالى {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}() أي أجلت للاجتماع لوقتها يوم القيامة. عن ابن عباس قوله {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}() يقول: جمعت، عن مجاهد() في (أُقِّتَتْ) قال: أجلت () واختلف القراء في قراءة ذلك، فقراءة بعض قراء البصرة بالواو وتشديد القاف (وُقِّتَتْ) ومنهم من قرأها (وُقِّتَتْ). أما عامة قراء المدينة وعامة قراء الكوفة قرأته (أُقِّتَتْ)().
وأما الوقت اصطلاحاً فهو ما يرد على العبد ويتصرف فيه ويمضيه بحكمه من خوف أو حزن أو فرح ولذلك قيل الوقت سيف قاطع لأنه يقطع الأمر بحكمه. وقد يراد بالوقت ما حضر من الزمان المسمى بالحال().
ويمكن أن يُعرف الوقت بأنه وعاء الأحداث والأعمال الحياتية.
والوقت في نظر الإسلام هو الظرف الزمني الذي يؤدي فيه الإنسان نشاطه الذي يفيد منه في حياته الدنيوية والأخروية وضياع أي جزء منه خسارة كبيرة وهو الذي يندم يوم القيامة على التفريط فيه().
ومن خلال الآيات القرآنية يمكن الخروج بتعريف للوقت وهو تبادل أو تعاقب الليل والنهار وور ذلك في كثير من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}() وقوله تعالى: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ}()
ثانياً: الألفاظ ذات الصلة الوثيقة بالوقت

هناك ألفاظ كثيرة استخدمت للدلالة على الوقت سواء ذكرت في القرآن الكريم أو في غيره ولقد جاوزت الثلاثين لفظاً إلا أني سأقتصر على أهمها في حياة المسلم، ومن هذه الألفاظ:
السرمد: هو دوام الزمان من ليل أو نهار، وليل سرمد أي طويل. والسرمد الدائم الذي لا ينقطع(). والسرمدي هو ما لا أول له ولا آخر().
وذكرت كلمة سرمد في القرآن في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ()
العمر: الحياة. يقال قد طال عَمْرُه وعُمْرُه لغتان فصيحتان، والجمع أعمار وسمي الرجل عمراً تفاؤلاً أن يبقى. فإذا قلت عمرك الله فكأنك قلت بتعميرك اي بإقرارك له بالبقاء().
وذكرت كلمة عمر في القرآن في عدة آيات منها قوله تعالى:
{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ}()
{وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}()
{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ}()
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ}()
القرن: القرن هو الأمة تأتي بعد الأمة وقيل مدته عشر سنين، وقيل عشرون سنة، وقيل ثلاثون وقيل ستون سنة وقيل ثمانون سنة وهو مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان. وقيل مائة سنة وهو المشهور، وجمعه قرون() ومن الآيات التي ذكرت كلمة قرن في القرآن قوله تعالى:
{فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ}()
{ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ}()
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ}()
السنة: واحدة السنين، السنة العام. وأصل السنة سنهة بوزن جبهة فحذفت الهاء وأيضاً سنوة فحذفت الواو لذلك تجمع على سنهات وسنون(). ويطلق بالاشتراك على سنة شمسية وسنة قمرية فالسنة الشمسية عبارة عن اثني عشر شهراً وهي خمسة وستون وثلاثمائة يوم. أو سنة قمرية وهي أيضاً اثني عشر شهراً وهي أربعة وخمسون وثلاثمائة يوم وثلث يوم، فتكون السنة الشمسية زائدة على القمرية بأحد عشر يوماً وجزء من أحد وعشرين جزءاً من اليوم().
وذكرت كلمة سنة في القرآن في عدة آيات منها قوله تعالى:
{وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}()
{فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ}()
{أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ}()
{وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}()
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ})(
الشهر: هو العدد المعروف من الأيام سمي بذلك لأنه يُشهر بالقمر وفيه علامة ابتدائه وانتهائه. قال الزجاج() سمي الشهر شهراً لشهرته وبيانه وقال ابن الأثير الشهر الهلال سمي به لشهرته وظهوره ويسمى القمر شهراً لأنه يشهر به. والجمع أشهر وشهور().
وذكر لفظ الشهر في القرآن إحدى وعشرين مرة منها قوله تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}()
{فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}()
{فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ }()
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ}()
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}()
(6) الأسبوع أو السبوع: هو تمام سبعة أيام ويجمع أسابيع وأسبوعات. والذين يقولون سبوع من غير ألف مأخوذة من عدد السبع والكلام الفصيح أسبوع()
(7) اليوم: معروف مقداره من طلوع الشمس إلى غروبها والجمع أيام (). وذكرت كلمة يوم في قوله تعالى:
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ}()
{وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}()
{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}()
{قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ }()
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}()
(8) الساعة بمشتقاتها (الدقيقة والثانية): (الساعة هي اسم لقطعة من الزمان وهي ثلث ثمن اليوم والليلة، يعني جزء من أربعة وعشرين جزءاً من مجموع اليوم والليلة وكل ساعة عبارة عن ستين دقيقة)(). (فالدقيقة هي سدس عشر الساعة والدقيقة عبارة عن ستين ثانية)(). (والثانية عبارة عن سدس عشر الدقيقة)().
وذكرت كلمة ساعة في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }()
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}()
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}()
(9) الفجر: ضوء الصباح وهو حُمرة الشمس في سواد الليل وهما فجران: أحداهما المستطيل وهو الكاذب ويسمى ذنب السرحان والآخر المستطير وهو الصادق المنتشر في الأفق يحرم الأكل والشرب على الصائم ولا يكون الصبح إلا الصادق. وقيل إن الفجر في آخر الليل كالشفق في أوله().
والآيات التي تتحدث عن الفجر في القرآن كثيرة منها قوله تعالى:
{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}()
{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}()
{مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ}()
{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}()
{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}()
وغيرها من الآيات التي جاء فيها ذكر الفجر بمعانيه، فهناك آيات ذكرت البُكرة منها قوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}() وآيات ذكرت الصبح مثل قوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}(). وآيات ذكرت الغدو مثل قوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}() وآيات ذكرت قبل طلوع الشمس مثل قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}().
شروق الشمس: شرقت الشمس تشرق شروقاً: طلعت وأشرقت إذا أضاءت. أشرقت الأرض إشراقاً إذا أنارت بإشراق الشمس وشروق الشمس طلوعها ().
والآيات التي ذكرت شروق الشمس في القرآن كثيرة منها:
قوله تعالى {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ}().
وقوله {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ}().
وقوله {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}( ).
وقوله {حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}()
الظهر (دلوك الشمس): الظهر ساعة الزوال ولذلك قيل صلاة الظهر ويقولون هذا الظهر يريدون صلاة الظهر. قال ابن الأثير هو اسم لنصف النهار. والظهيرة الهاجرة().
وآيات الظهر في القران الكريم هي:
قال تعالى {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}().
وقوله {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ}()
وقوله {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}()
القيلولة: القائلة هي الظهيرة والقيلولة هي النوم في الظهيرة والمقيل الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم()
والآية التي ذكرت القيلولة في القرآن هي في قوله تعالى:
{وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ}()
العصر: الدهر، قال ابن عباس: العصر ما يلي المغرب من النهار. وقال قتادة(): هي ساعة من ساعات النهار والعصران: الليل والنهار. والعصر: الليلة. والعصر: اليوم ويقال العصران الغداة والعشى. وسمي الفجر والعصر العصرين لأنهما يقعان في طرفي النهار، والعصرين هما الليل والنهار كالعمرين لأبي بكر وعمر والقمرين للشمس والقمر والعصر: العشي إلى احمرار الشمس. وصلاة العصر مضافة إلى ذلك الوقت وبه سميت().
وجاءت كلمة عصر في قوله تعالى:
{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}()
المغرب (غروب الشمس): الغروب: غيوب الشمس، غربت الشمس تغرب غروباً ومغيرباناً: غابت في المغرب ومغيربان الشمس أي وقت مغيبها والمغرب في الأصل موضع الغروب ثم استعمل في المصدر والزمان(). والأصيل: الوقت ما بعد العصر إلى المغرب.()
وجاء ذكر المغرب في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}()
{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ}()
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}()
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}()
العشاء: أول الظلام من الليل وقيل هو من صلاة المغرب حتى العَتَمة والعشاء أن الأصل العشاء فغلب لصلاتي المغرب والعشاء كالأبوان وهما الأب والأم وصلاة العشاء هي التي بعد صلاة المغرب ووقتها حين يغيب الشفق(). وجاء ذكر العشاء في قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}()
{وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ}()
{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}()
السَّحْر والسحَر:آخر الليل قبيل الصبح والجمع أسحار وقيل: هو ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر فالسحر قطعة من الليل() والسحر بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر. وذكرت كلمة السحر في قوله تعالى:
{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِ رِينَ بِالأَسْحَارِ}()
{وَبِالْأَسْحَا ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }()
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ}()
ثالثاً: خصائص الوقت

للوقت خصائص يتميز بها يجب إدراكها حق الإدراك والتعامل مع الوقت على ضوئها وهي:
(1) سرعة انقضائه():-
الوقت يمر مر السحاب ويجري مجرى الريح سواء كان زمن مسرة وفرح أم كان زمن اكتئاب وترح، وإن كانت أيام السرور تمر أسرع وأيام الهموم تسير ببطء وتثاقل، لا في الحقيقة ولكن في شعور صاحبها. فالساعات والأيام والشهور والسنوات تمضي وتنقضي بسرعة وتتعاقب بذلك الأجيال جيلاً بعد جيل فينتهي الجيل ليبدأ الآخر ثم ينتهي فيبدأ الذي يليه وهكذا حتى تنتهي ساعات الحياة جميعاً، ومهما طال عمر الإنسان في هذه الدنيا فهو قصير ما دام الموت نهاية كل حي قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }(). وعند الموت تنكمش الأعوام والقرون التي عاشها الإنسان حتى لكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}() .
الموت لا والداً يبقى ولا ولداً ** هذا السبيل الى أن لا ترى أحداً
كان النبي ولم يخلد لأمتـه ** لو خلد الله خلقاً قبله خلـــداً
للموت فينا سهام غير خاطئة ** من فاته اليوم سهم لم يفته غدا()
(2) إن ما مضى منه لن يعود ولا يعوض():-
وهو خاصية أخرى للوقت فالوحدات الزمنية هي (ثانية ، دقيقة ، ساعة ، يوم ، أسبوع ، شهر ، عام ، قرن) وكل هذه الوحدات لها كيانها وشخصيتها المستقلة المحدودة بمعنى أنها لا تتكرر مرة ثانية على الإطلاق وليس في الإمكان استعادتها وبالتالي لا يمكن تعويضها وهذا معنى كلام الحسن البصري() رحمه الله حين قال: (ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة)() فالساعة التي تأتي تمر ولا يمكن استرجاعها ولا تعويضها مطلقاً مما يعني أن الذي يمر من الإنسان يمر بلا عودة. وكذلك المراحل التي تمر ولا تعود مطلقاً فالطفولة إذا ذهبت لا تعود وكذلك الشباب إذا ذهب لن يعود.
لهذا ترى الشعراء والأدباء بعد بلوغ المشيب يتمنون عودة أيام الشباب مرة أخرى ولكنه محض تمن لا يفيد في كثير ولا قليل يقول قائلهم:
ليت وهل ينفع شيئاً ليت ** ليت شباباً بُوعَ فاشتريت()
(3) إنه أنفس ما يملك الإنسان():-
فالوقت هو الحياة والحياة هي إجمالي عدد الساعات والدقائق من الولادة إلى الوفاة والتي تمثل ما منحه الله تعالى لهذا الإنسان من رزقٍ عمري وتفاوت الأعمار في الأرزاق من فرد لآخر. قال الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يومك ذهب بعضك)(). فالوقت أغلى من الدراهم، وهو ليس كالذهب كما يقولون فالذهب يمكن استرجاعه وتعويضه، أما الوقت فهو الحياة التي إذا ذهبت لا يمكن تعويضها ولا استرجاعها ولهذا كان أنفس وأثمن ما يملك الإنسان. فهو الشي الوحيد الذي لا يمكن حتى شراؤه يقول المحاسبي رحمه الله(): (والله لو كان الوقت يشترى بالمال لأنفقت كل أموالي غير خاسر أشتري بها أوقاتاً لخدمة المسلمين)() ولا يمكن بيعه أو سرقته أو استعادته أو اقتراضه أو مضاعفته أو تصنيعه أو تغيره أو ادخاره للاستخدام في المستقبل.
(4) مقياس للعبادة (الوفاء مع الله عز وجل)():-
فالله تعالى سائل المؤمن يوم الجزاء عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ فهو لهذا يضن بوقته أن يضيع عبث أو يبعثر في مهب الرياح فالوقت نعمة يجب أن تشكر بالانتفاع بها ولا تكفر بالتفريط فيها. والمؤمن يخشى أن تنفلت الأيام في يديه خاوية من العمل والإنتاج فلا يؤخر عمل اليوم إلى الغد لأن للغد عمله الذي يزحمه. وهو كذلك حريص على أن يكون يومه خيراً من أمسه وغده خيراً من يومه وأن يطيل حياته – بعد موته – بطول أعماله ويمد عمره بامتداد الجميل من آثاره فيحرص على أن يخلف وراءه علماً نافعاً أو عملاً طيباً أو مشروعاً مثمراً أو صدقة جارية أو ذرية صالحة كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)()
وقال الشاعر أحمد شوقي():
دقات قلب المرء قائلة لـــه ** إن الحياة دقائق وثـوانٍ
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها ** فالذكر للإنسان عمر ثانٍ()

والمؤمن حكيم() يجب أن ينتهز أي فرصة ويغتنمها فقد قال صلى الله عليه وسلم (إن لربكم في دهركم نفحات فتعرضوا لها)() فكما فضل الله بعض الأشخاص على بعض وبعض الأنواع على بعض وبعض الأمكنة على بعض، فضل كذلك بعض الأزمنة على بعض، فقد فضل في الليل ساعات السحر وهي الثلث الأخير من الليل ، وفضل الجمعة على أيام الأسبوع فهو العيد الأسبوعي للمسلمين ، وفضل الله تعالى من أيام العام أيام عشر ذي الحجة وأفضلها يوم عرفة بل هو أفضل أيام العام على الإطلاق، وفضل من الشهور شهر رمضان وفضل فيه العشر أيام الأخيرة منه وفضل منها ليلة القدر.
والشيء الذي جعل من الوقت مقياس للعبادة، إن الله تعالى يهب يومياً نفس القدر من الوقت وهو أربعة وعشرين ساعة ويوزع هذا القدر على جميع أفراد المجتمع بالتساوي لا فرق بين غني وفقير على أن الطريقة التي ينفق بها كل منا هذا الوقت هي التي تحدد درجة تقدمه في حياته. ومن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي حيناً يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة العمل فيه ولكن بعد فوات الأوان وحين لا ينفع الندم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ}(). وكان الرد على هذه الأمنية قاطعاً فقد قال تعالى: {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}() . وفي الآخرة حيث توفي كل نفس ما عملت، ويدخل أصحاب النار النار يتمنون الرجوع والاستفادة من الوقت، قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}().
(5) وحدة قياس لدوران الأرض حول محورها وحول الشمس():-
مفهوم الوقت يتمثل بوجود العلاقة لارتباط نشاط أو حدث معين بنشاط أو حدث ، ويعبر عنه بصيغة الماضي كما في قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}() أو الحاضر في قوله تعالى {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}() أو في المستقبل كما في قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}(). ولذلك فهو وحدة قياس لدوران الأرض حول محورها وحول الشمس. ولقد تم التعارف على تحديد وحدة قياس الوقت بالساعة أو أجزائها بحيث يمثل اليوم الواحد أربعة وعشرون ساعة والشهر ثلاثون يوماً والسنة الواحدة اثنا عشر شهراً وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام دون أي تأخير أو تقديم فلا يمكن بأي حال من الأحوال وقفه أو تراكمه أو إلغاؤه أو تبديله. فحركة دوران الشمس حول الأرض دائمة فتمر الساعات وتتعاقب الأيام بشكل دائم ومستمر وتستمر عقارب الساعة في الدوران دونما توقف سواء انتبه الإنسان أم لا.
(6) مقياس للكسب (رأس المال الحقيقي الأساسي للإنسان) ():-
فالعمر هو رأس مال الإنسان الذي ينفق منه ومهما كثر فهو قليل ومهما طال فهو قصير. ومن هنا حض الإسلام على المبادرة بالعمل الصالح وعدم ضياع أي لحظة من لحظات العمر في غير ما يفيد. فعلى المؤمن أن يقدر جهده وطاقته ويعرف بأن لديه القدرة على عمل كل شيء حتى يرقى بالإسلام أولاً وبنفسه ثانياً. وأن يتقن عمله لقوله صلى الله عليه وسلم (يحب الله للعامل إذا عمل أن يحسن)(). ففوات كثير من الأعمال دونما استفادة لأن التركيز يكون على المظهر دون الجوهر فتخرج الأعمال جوفاء، ويقل الإنجاز كلما أحسسنا بأن الوقت عبء ثقيل ويجب التخلص منه بدلاً من كونه من أنفس ما أعطى الإنسان في هذه الحياة.
فهناك من يتعلم في اليوم الواحد ما لا يتعلمه آخر في عام وهناك من ينتج في اليوم الواحد ما لا ينتجه آخر في شهر وهناك من يكسب في اليوم ألف دولار وهناك من يكسب خمسة دولار وهكذا، وتبرز هذه الخاصية من خلال هذا المثال فمثلاً (قضيب من الحديد يساوي خمسة دولار إذا أخذ شخص من وقته قليلاً وصنعه على شكل حدوة حصان يساوي إحدى عشر دولار وإذا صنع منه سكاكين يساوي مائتا وخمسة وخمسين دولار وإذا صنع منه زنبركي للساعات يساوي خمسة وثمانين ومئتا وألف دولار)() فنجد من أهم مقاييس تقدم الأمم وازدهار حضارتها هو حسن استغلالها للوقت.