السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لي أقارب علاقتي بهم سيئة، لدرجة أني إذا جلستُ معهم أو زُرتهم تصير بيننا مشكلات كثيرة، ما جعلني أقول ذلك أن أحد أقاربي ذات مرة اتَّهمني بأني سرقتُ منه بعض المال، فدعوتُ عليه لأنه ظلَمني، فقال لي: أنا كنتُ أختبرك لَمَّا اتَّهمتُك، وأعلم أنك لم تَسرق.
ولي خال مريض، ولا أستطيع إلقاء السلام عليه، وإذا فعلتُ ستحدُث مشكلات كثيرة، وهناك أمور أخرى لا داعي لذكرها.
وسؤالي: هل يصح أن أَصِلَهم بالسلام فقط؟ وهل يُعد إلقاء السلام في هذه الحالة صِلةَ رَحِمٍ؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اعلَم أخي الكريم أن صلة الرحم من أعظم واجبات الإسلام، وأن قطعها من أعظم الذنوب، وكبيرة من الكبائر؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»[1].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[2].
وَعَنْ أَبي أَيُّوبَ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ يَا مُحَمَّدُ: أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ وُفِّقَ»، أَوْ «لَقَدْ هُدِيَ»، قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ؟»، قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ»[3].
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ»[4].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]»[5].
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ»[6].
ولا بد أن تعلم أخي الكريم أنه ليس الواصل بالمكافئ الذي يُحسن إلى أقاربه الذين يحسنون إليه، وإنما الواصل هو الذي يُحسن إلى أقاربه الذين يسيئون إليه؛ فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»[7].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ[8]، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ»[9].
ولو كان المسلم يقدر مع أقاربه على أكثر من إلقاء السلام، فلا يُعد إلقاء السلام وصلًا للرحم.
يقول القاضي عياض رحمه الله: «الصلة درجات، بعضها فوق بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها ولو بالسلام، وهذا بحكم القدرة على الصلة وحاجتها إليها، فمنها ما يتعين ويلزم، ومنها ما يستحب ويرغب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلة يسمى قاطعًا، ولا من قصر عما ينبغي له ويقدر عليه يسمى واصلًا»؛ ا .هـ[10].
إلا أن يكون في زيارة هؤلاء الأقارب أضرار ومشاكل، لا تستطيع تحملها، فلك أن تصلهم بالقدر الذي لا يجلب عليك هذه المشكلات والأضرار.
يقول الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: «وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان ذلك، فقد رُخِّص له في مجانبته، وبُعْده، ورب هجرٍ جميل خير من مخالطة مؤذية»؛ ا .هـ[11].
ولكن أُنبه أخي الكريم أن هذا إذا كان في حالة لا تُتحمل، وأما إن كان الإيذاء مما يتحمل، فقد تقدم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ»، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.
--------------------
[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (6138)، ومسلم (47).
[2] متفق عليه: أخرجه البخاري (2067)، ومسلم (2557).
[3] متفق عليه: أخرجه البخاري (1396)، ومسلم (13).
[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (5989)، ومسلم (2555)، واللفظ له.
[5] متفق عليه: أخرجه البخاري (4830)، ومسلم (2554).
[6] متفق عليه: أخرجه البخاري (5984)، ومسلم (2556).
[7] أخرجه البخاري (5991).
[8] (المل): الرماد الحار.
[9] أخرجه مسلم (2558).
[10] «إكمال المعلم» (8/ 20).
[11] «التمهيد» (6/ 127).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz660Kwyj2T