يسمونها .. خيانة زوجية
عبير النحاس




في بداية حياتي الزوجية وككل عروسين جديدين لم يكن هناك بد من مصادمات تفرضها البيئات المختلفة، وكنت لقلة خبرتي وثقتي بالكثير من الخلق أبث همومي لصديقاتي، وقد كن زوجات لأصدقاء زوجي أيضا، وبعد مدة وجدت أنني بت رمزا للعلاقات الزوجية شبه المنهارة، وأن كلا منهن قد صورت نفسها وزوجها كمن يستحقون جائزة نوبل للعلاقات الزوجية الهانئة، وباتت قصصي وزوجي تملأ اجتماعاتنا واجتماعاتهن، ويتم تقليبها، وفك شيفراتها، وتأويلها، ويتم الانضمام لأحد فريقينا، ورغم أن تلك المشكلات لم تكن لتتعدى ما يحصل في بيوتهن جميعا، ولكن الأضواء كانت مسلطة علينا تحديدا لأنني كنت لا أخفي ما يحصل بعناية كما يفعلن جميعا.
بعد سنوات كانت فيها علاقتي بزوجي قد استقرت وفهم أحدنا الأخر، وبت حبيبته، وبات أقرب الخلق إلى قلبي، والتقيت بتلك المجموعة بعد انقطاع فرضته عليَّ ظروف الإنجاب وتربية الأطفال الصغار، ولم أشكُ يومها زوجا بات من أحسن الناس في معاملتي، ولم تظهر الهموم في حروفي فقد كنت سعيدة حقا، ولكن هناك من لم تكن تسعده راحة بالي ولم يجد متعة في عدم شكواي، وبدأت السيدة (أم أحمد) -والتي حسبتها يوما من أعز صديقاتي، وجعلتها موضع ثقتي- بالحديث عن زوجي عندما رأته في عرس أحد أصدقائه، فقد كان يأمر وينهي، ويقود مجموعة الأصحاب هناك، وبدأت تلمِّح لصعوبة التعايش مع تلك الشخصية الآمرة، وتدعو لي الله بالعون، فما كان مني إلا أن قلت لها بأن تلك الشخصية القيادية هي ما أحبه في زوجي، وماذا يضيرني لو كان يأمر أصحابه وينهاهم، فالمهم هو حاله الرائق وطبعه الحنون معي، وفوجئت بقولها:
- "ولكن كل الناس يعرفون أنكم تختلفون كثيرا".
أذهلني جوابها، فكيف للخلق أن يعرفوا أننا نختلف، وما كان الخلاف إلا في بداية حياتنا، ومن الذي أخبر الناس جميعا حسب قول صديقتي العزيزة المقربة.
علمت حينها أنني من فعل عندما قدمت إليهن أسراري على طبق من ذهب، وأنني من سمح لخلافاتنا أن تخرج إلى العلن عندما وثقت بمن هن صديقات لي وأزواجهن أصدقاء لزوجي، فقد بتن وأزواجهن مثالا للعلاقات الرائعة، وبتنا مضرب المثل في الخلافات، وباتت أخباري مجالا لتسلية اجتماعاتهن.
لقد كانت صدمة رائعة بحق، تعلمت منها الكثير، وعرفت من معادن الخلق الكثير، واعترفت حقا بأنني كنت المخطئة.
منذ مدة كنت في زيارة لطبيب الأسنان، وكنت أجلس في غرفة الانتظار عندما سمعته يشكو زوجته لصديقه، ويتكلم عن أشياء تتعلق بتعاملها معه، وبإدارتها لمنزلها، وكنت أعرفه وزوجته، بل وألتقي بها في بعض الاجتماعات النسائية، ثم بت كلَّما لمحتها رأيت خلفها جبلا من خلافات وهموم، وكنت أرى الحزن أيضا في ابتسامتها ومرحها، وانتهى الأمر عندما فهمت أن كل البيوت تحتوي مثل هذه المشكلات وهذه الشكاوى، ولكن المشكلة تبدأ عندما يخرجها أحدهم، وقد فعلت هذا بنفسي من قبل.
صديقتي وجدت في شكواها لوالدتها ملاذا آمنا، ثم أخبرتني بأنها توقفت عن الحديث مع والدتها عن مشكلاتها الزوجية تماما، فقد كرهت والدتها زوجها وتحاملت عليه وباتت لا تتردد في اتهامه وشتمه والحديث عنه في الاجتماعات العائلية وحتى أمام أولادها، ثم رأت أختها الأكبر منها لا تأتي إلا على الجميل الذي يقوله ويفعله زوجها بل وتزيد عليه من بنات أفكارها أشياء كثيرة، وبالتالي فإن والدتها باتت تدلل هذا الصهر وتمتدحه وتقوم بواجبه وواجبات أهله الاجتماعية، ولا تتوانى عن المقارنة بين الاثنين بكل صراحة أمام الجميع، فصمتت لفترة واحتاجت لسنوات حتى استطاعت أن تعيد إلى قلب والدتها شيئا من محبة زوجها وتقديره.
إحدى جاراتنا كانت لا تتورع عن الحديث عن زوجها لأولادها عندما يختلفان، أو يتصرف تصرفا لا يعجبها، وقد صمتت بشكل نهائي وتوقفت عندما تحدث ابنها بشكاته عن والده إليها، وكان يستخدم ذات أسلوبها القاسي، وذات اتهاماتها القوية، ومن ثم اشتكاها لإخوته يوما، وسمعت ما كانت تقوله عن زوجها يقال عنها بلسان ولدها فتوقفت بشكل نهائي.
اكتشفت أخيرا أنها خيانة لأنفسنا.. ولأزواجنا.. ولحياتنا الزوجية أن نتكلم أمام من لا يقدر بوحنا ولا يفهمه، ونحن بهذا نسمح للخلق أن يرسموا لأنفسهم صورا رائعات على حسابنا عندما يقومون بتسويق صورتنا المشوهة بجانب صورهم الجميلة التي يستطيعون بمهارة أن يخفوا خلفها كل مساوئهم.
لقد كان درسا كبيرا قاسيا.
لمن نبوح إذن؟
بعض المشكلات يحتاج فيها المرء للمشورة دون شك، ولا يعني هذا أن نخفي الظلم الذي قد نتعرض له من الأزواج، ولكن لنستشر حكيما فاضلا بعيدا عمن يمتلكون عواطف تجعلهم يتحيزون لنا، ويكرهون الطرف الآخر، وبعيدا عمن يلمعون صورتهم وينشرون صورتنا مشوهة، لنفكر في الاستشاريين المتدربين والذين بذلوا جهدا ليكونوا في خدمتنا، ولنبتعد مطلقا عن مجتمعات الأصدقاء والعائلة والجيران وزملاء العمل، بل لنبتعد في شكايتنا عن كل من يعرفنا، وسيزعجنا علمه في النهاية.
وفي الخاتمة.. لنتحدث مع الأخصائيين وحسب.
مع كل الود