الدعاء
علي رمضان علي السيد



الحمدُ لله، نحمده ونستعينه، ونستَغفره ونستهديه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهديه وعَمِلَ بسنَّته.
وبعدُ:
فيقول الله - سبحانه -: (وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
ويقول - سبحانه -: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
في الآية الأولى جعَل الله - سبحانه وتعالى - الدُّعاء عبادةً، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدُّعاء هو العبادة، (وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60]))[رواه أبو داود عن النعمان بن بشير].
فسمَّى الدُّعاء عبادةً.
وللدُّعاء ساعات وأوضاع يُستَجاب فيها للعبد منها:
1- في جوف الليل؛ وذلك لحديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَنزِلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدنيا حين يبقى ثلثُ الليل الآخِر، فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له، ومَن يسألني فأُعطِيه، ومَن يستغفرني فأغفر له))[متفق عليه].
ونُزول الرب - سبحانه وتعالى - نزولٌ يليقُ بِجَلاله وكَماله، ولقد مدَح الله - سبحانه وتعالى - المتَّقين، وجعَل من صِفاتهم أنَّهم يستغفرونه - سبحانه وتعالى - بالأسحار؛ يقول - عز وجل -: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِن اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )[الذاريات: 15-18].
2- بين الأذان والإقامة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدُّعاء لا يُرَدُّ بين الأذان والإقامة، فادعوا))[رواه أحمد والترمذي].
3- آخِر ساعة من ساعات العصر يوم الجمعة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يومُ الجمعة اثنتا عشرة ساعة، ساعةٌ لا يُوجَد عبدٌ مسلم يسأَلُ الله فيها شيئًا إلا آتاه الله إيَّاه، فالتَمِسوها آخِر ساعة بعد العصر))[رواه أبو داود].
4- في السجود؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أقرَبُ ما يكونُ العبد من ربِّه وهو ساجدٌ، فأكثِروا الدُّعاء))[رواه مسلم].
5- دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب؛ يقول الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوةُ المرء المسلم لأخيه بظَهْرِ الغَيْبِ مُستجابةٌ، عند رأسه ملك مُوكل كلَّما دعا لأخيه بخيرٍ قال الملك الموكَّل به: آمين ولك بمثلٍ))[رواه مسلم].
6- يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثُ دعواتٍ مُستَجابات لا شَكَّ فيهنَّ: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم))[رواه البخاري].
واعلم وفقني الله وإياك أنَّ للدعاء آدابًا منها:
1- الإلحاح فيه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يُستَجاب للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحم ما لم يستعجل))، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: ((يقولُ: قد دعوتُ فلم أرَ يُستَجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء))[رواه مسلم[.
2- ألاَّ يسأل غير الله؛ كما ورد في حديث بن عباس: ((إذا سألتَ فاسأَلِ الله، وإذا استَعَنتَ فاستَعِنْ بالله))[رواه الترمذي].
3- أنْ يسأل الله - تعالى - بأسمائه الحسنى؛ لقوله - عز وجل -: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا...)[الأعراف: 180].
وهناك آداب أخرى للدعاء:
والدعاء جعَلَه الله - سبحانه وتعالى - من أنفَعِ الأدوية، ويَكفِي الداعي أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يكتُب له دُعاءَه عبادةً، حيث إنَّه يتذلَّل لخالقه القادر على كلِّ شيء.
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "الدُّعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوُّ البلاء يُدافِعه ويُعالِجه ويمنَعُ نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزَل، وهو سِلاحُ المؤمن".
وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أنْ يكون أقوى من البَلاء فيدفعه.
الثاني: أنْ يكون أضعَفَ من البلاء؛ فيقوى عليه البلاء فيُصاب العبد، ولكنْ يُخفِّفه وإنْ كان ضعيفًا.
الثالث: أنْ يتَقاوَما ويمنع كلُّ واحدٍ منهما صاحبه.
وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يُغنِي حَذَرٌ من قدرٍ، والدُّعاء ينفَعُ ممَّا نزل وممَّا لم ينزل، وإنَّ البلاء لينزل فيَلقاه الدُّعاء فيعتَلِجان إلى يوم القيامة)).
وفيه أيضًا من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الدعاء ينفَعُ ممَّا نزَل وممَّا لم ينزل، فعليكم عبادَ الله بالدُّعاء)).
وفيه أيضًا من حديث ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الرجل ليُحرَم الرِّزقَ بالذِّنب يُصيبُه)).
رُوِيَ عن عمر - رضِي الله – تعالى عنه - أنَّه قال: "إنِّي لا أحمِلُ همَّ الإجابة، ولكن هم الدُّعاء"؛ "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/706)، وهذا دليلُ اليقين الصادق بأنَّ الله - تعالى - يستجيب دُعاء عَبدِه إذا دَعاه.
وربما يسأل سائلٌ: هل هناك أسباب لعدم استجابة الدعاء؟
فأقول: نعم هناك أسباب؛ منها:
1- الاستعجال في الدعاء؛ فعن أبي هريرة - رضِي الله - تعالى -عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُستَجاب لأحدكم ما لم يعجَلْ، يقول: قد دعوتُ ربِّي فلم يستَجِبْ لي))[متفق عليه].
2- حكمة ربانيَّة؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضِي الله - تعالى -عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةٌ للرحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أنْ يُعجِّل له دعوتَه، وإمَّا أنْ يدَّخِرها له في الآخِرة، وإمَّا أنْ يصرف عنه من السُّوء مثلها))[متفق عليه].
3- أكْل الداعي من مأكل حرام وشُربه من مشرب حرام ولبسه من لباس حرام؛ فعن أبي هريرة - رضِي الله - تعالى -عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل يمدُّ يدَه إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمُه حرامٌ، وملبَسُه حَرام، وغُذِيَ بالحرام: ((فأنَّى يُستَجاب لذلك!))[رواه مسلم].
4- عدم الجزْم في الدُّعاء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَقُلْ أحدكم: اللهمَّ اغفِرْ لي إنْ شئت، ارزُقْني إنْ شئتَ، وليعزم مسألته، إنَّه يَفعل ما يَشاء لا مُكرِه له))[رواه البخاري].
5- غفلة القلب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((واعلموا أنَّ الله لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ))[متفق عليه].
6- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فقد جاء عن حذيفة - رضِي الله - تعالى -عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفسي بيده لتَأمُرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليُوشِكنَّ الله - عز وجل - أنْ يبعَثَ عليكم عذابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يُستَجاب لكم))[رواه الترمذي وحسَّنه].
7- استيلاء الغفلة والشهوة وهوى النفس؛ قال - عزَّ من قائل -: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)[الرعد: 11].
8- ارتكاب بعض الذنوب المخصوصة، وقد جاء بيانها في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثةٌ يدعون فلا يُستجاب لهم: رجلٌ كانت تحته امرأةٌ سيِّئة الخلق فلم يُطلِّقها، أو رجلٌ كان له على رجلٍ مالٌ فلم يشهدْ عليه، ورجلٌ آتَى سفيهًا مالَه، وقد قال - عز وجل -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) [النساء: 5]))؛ رواه الحاكم].
ألا فليحذر المسلمون كلَّ الحذر من الوُقوع في شيء ممَّا يتسبَّب في عدم استجابة الدُّعاء، وعليهم أنْ يُكثِروا من الدعاء والتضرُّع إلى الله - تعالى -.
نسأل الله - تعالى - أنْ يجمع كلمة المسلمين على الحقِّ، وأنْ يُوحِّد صفَّهم، وأنْ يعزَّهم، وأنْ يردَّهم إلى دِينه ردًّا جميلاً، وأنْ يغفر لوالدينا، وأنْ يُصلِح لنا أزواجنا، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، وهو حسبُنا ونعمَ الوكيلُ، وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلَّم