كيفية الوصول للتقوى
نجوى شاهين



يتردد على أسماعنا كثيرا كلمة اتق الله، ونسمع دائما عن أهمية تقوى الله، بل هناك نداء كريم من الرب العظيم، يقول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران].
فما هي التقوى؟ وكيف نصل إليها، بل وكيف نتقي الله حق تقاته؟
قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: "يا معشر من صدق الله ورسوله (اتقوا الله) خافوا الله وراقبوه، بطاعته واجتناب معاصيه، (حق تقاته) حق خوفه، وهو (اتقوا الله حق تقاته) بأنها: أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
وقد عرف بعض العلماء المعاصرين التقوى أو (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) بهذا التعريف: أي اتقوا الله كما يحب أن يتقى، وهي هكذا بدون تحديد، تدع القلب مجتهدا في بلوغها كما يتصورها وكما يطبقها، وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق، وجدت له أشواق، وكلما اقترب بتقواه من تيقظ شوق قلبه إلى مقام أرفع مما بلغ، وإلى مرتبة أخرى وراء ما ارتقى، وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام.
ومن خلال هذه التعريفات قد تدفعنا لمخافة الله - تعالى - وتقواه، وقد توصلنا لتقوى الله، ونحتاج لمزيد من التعريف لكلمة التقوى لعلنا نصل إليها.
وقد عرف كلمة التقوى أو قول الله - تعالى -: (اتقوا الله حق تقاته) السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وهذه بعض أقوالهم:
سَئل أمير المؤمنين - عمر - رضي الله عنه - أبيّ بن كعب فقال له: ما التقوى؟
فقال أبيّ: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقاً فيه شوك؟! فقال: نعم. قال: فماذا فعلت؟
قال عمر: أُشمّر عن ساقيّ و أنظر إلى مواضع قدماي و أقدم قدماً و أؤخر أخرى مخافة أن تصيبني شوكة. فقال أبيّ ابن كعب: تلك هي التقوى: "فهي تشمـير للطاعة، و نظرٌ في الحلال و الحرام، و ورعٌ من الزلل، و مخافة و خشية من الكبير المتعالي و هي أساس الدين و بها يرتقى إلى مراتب اليقين، و زاد القلوب و الأرواح فيها تقتات و بها تقوى".
وهناك تعريف جامع قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن التقوى، وهي كلمة جامعة إذا تتبعناها وصلنا للتقوى فقال هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
وقد عرف عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قول الله تعالى: (اتقوا الله حق تقاته) بأنها: أن يطاع الله فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر [رواه الحاكم والطبراني كما في جامع العلوم والحكم لابن رجب، ورواه الطبري في التفسير، صححه ابن كثير كما في تفسيره].
فالتقوى إذن: هي التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك.
وقيل: هي امتثال أوامره - تعالى -واجتناب نواهيه بفعل كل مأمور به، وترك كل منهي عنه بحسب الطاقة.
أو هي أن تجعل بينك و بين ما حرّم الله حاجز، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي.
التقوى في أصل اللغة: اسم من قولهم اتقى، مأخوذة من وقى الدالة على دفع شيء عن شيء بغيره، واتق الله: توقه، أي اجعل بينك وبينه كالوقاية. والوقاية هي: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره.
وإذا أردنا أن نصل للتقوى، فبعدد من الوسائل ومن الممكن أن نتعرف على ثمارها الكثيرة، وفوائدها العديدة لعلها توصلنا لمخافة الله -تعالى- وتقواه، وسنتناول في حلقة قادمة المزيد من هذه الأمور بإذن الله -تعالى-.
ومن فوائد التقوى: بشَّر الله -عز وجل- عباده المتقين في كتابه ببشاراتٍ عديدة وجعل للتقوى ثمرات وفوائد جليلة، فمن ذلك:
الأولى: البُشارة بالمحبة (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[سورة التوبة].
الثانية: البُشرى بالكرامات: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس63، 62].
الثالثة: البُشرى بالعون والنصرة: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)[سورة النحل].
الرابعة: يرزق البصيرة والقدرة على التفريق بين الحق والباطل: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)[سورة الأنفال].
الخامسة: البُشرى بكفّارة الذنوب وتعظيم الأجر: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[سورة الطلاق].
السادسة: العلم، يعطى العلم النافع من جراء التقوى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ، وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[سورة البقرة].
فمن أسباب نقصان العلم: المعاصي.
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نــــور *** ونور الله لا يهــدى لعــاصٍ
السابعة: البُشرى بالمغفرة: (وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)[سورة النساء].
الثامنة: اليُسر والسهولة في الأمر: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[سورة الطلاق].
التاسعة: الخروج من الغمّ والمحنة وسعة في الرزق: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[سورة الطلاق].
العاشرة النجاة من العذاب والعقوبة: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا)[سورة مريم].
الحادية عشرة: الفوز بالمراد: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ )[سورة الزمر].
الثانية عشرة: الفلاح: (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[سورة البقرة].
الثالثة عشرة: نيلُ الجزاء بالمِحنة: (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[سورة التوبة].
الرابعة عشرة: قبول الأعمال الصالحة: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[سورة المائدة].
الخامسة عشرة: نيل الجنات والعيون: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)[سورة الحجر].
السادسة عشرة: الأمن من البليَّة: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ)[سورة الدخان].
السابعة عشرة: علو الدرجة: (وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[سورة البقرة].
الثامنة عشرة: الله يتولى المتقين: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)[سورة الجاثية].
التاسعة عشرة: الحفظ من كيد الأعداء: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)[سورة آل عمران].
العشرون: إن المتقي يرزق بركات من السماء والأرض: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[سورة الأعراف].
الحادية والعشرون: الوصول لكمال العبودية: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)[سورة آل عمران].
الثانية والعشرون: حفظ للأبناء بعد الوفاة: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً)[سورة النساء]، (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ)[سورة الكهف].
___________________
المراجع:
تفسير الإمام ابن جرير الطبري.
تفسير الإمام ابن كثير.
جامع العلوم والحكم لابن رجب.
موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، تأليف: فريق كبير من المتخصصين بإشراف: الشيخ صالح بن حميد.
الرقائق لمحمد أحمد الراشد