تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: ملة إبراهيم عليه السلام هي طريق الدعوة عند جميع المرسلين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي ملة إبراهيم عليه السلام هي طريق الدعوة عند جميع المرسلين

    اعلم أن طريق الدعوة إلى الله لم يتركها الله عز وجل للهوى أوللاستحسان أو للفكر المجرد أو الاختيار العاري عن الأدلة.

    بل أوضحها سبحانه في كتابه أحسن توضيح وبينها أكمل تبيين، فقال تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}، وقال تبارك وتعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برؤاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}، وقوله تعالى: {والذين معه}، قال المفسرون: (أي المرسلين الذين على طريقته وأنصاره الذين كانوا معه).

    فملة إبراهيم عليه السلام هي طريق الدعوة عند جميع المرسلين، وهي الطريق التي أمر الله تبارك وتعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتباعها وجاء الأمر لأمته أيضاً باتباعها فقال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة ابراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}، وقد وصف الله سبحانه أصحاب هذه الدعوة بأنهم أعقل الناس واحكمهم وأرشدهم وأحلمهم وأحسنهم خلقاً فقال تبارك وتعالى: {ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين}، وقال تعالى: {إن ابراهيم لأواه حليم}، وقال عن خاتم الانبياء والمرسلين: {وإنك لعلى خلق عظيم}.

    ان أهم معالم ملة ابراهيم بل دعوة جميع الانبياء والمرسلين هى البراءة من الشرك والمشركين وتسفيه أوثانهم والتصريح بكفرهم وعداوتهم وأن هذا هو كمال العقل وأحسن الخلق وقمة الحلم والحكمة، كما وصفهم الله بذلك.

    كما بين عز وجل أن السفاهة كل السفاهة في الإعراض عن هذا الطريق واختيار غيرها من الطرق الأخرى المعوجة قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين}.

    فإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أخي الموحد أن تعرف حقيقة هذه الملة العظيمة وثوابت هذه الدعوة الكريمة وأركانها، وإليك الخطوط العريضة لهذه الملة وهذا الطريق:

    قال تعالى في سورة الممتحنة: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة و البغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده...}، إلى قوله تبارك تعالى: {لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد}.

    ففي هذه الآيات عدة مسائل، منها أن دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام هوالقدوة والأسوة الحسنة لنا ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة وإنها قمة الحلم والعلم والحكمة، وأنه لا يعرض عنها إلا من سفه نفسه.

    ومنها أن طريق الدعوة في هذه الملة العظيمة ينقسم إلى موقفين ثابتين:

    1) موقف من المشركين العابدين لغير الله تبارك وتعالى.

    2) موقف من معبوداتهم وأوثانهم وشركياتهم.

    وهذان الموقفان واضحان في قوله تبارك وتعالى: {إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله}.

    1) اما البراءة من الآلهة المعبودة من دون الله والشرك بصوره المختلفة - سواءً كانت أوثاناً وأصناماً تعبد من دون الله عبادة سجود أو ركوع او تقرب بالذبح او النذر لغير الله او بالاستغاثة او الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه الا الله او طلب المدد فى الشدائد بالمقبورين وغيرها من انواع العبادات التى تصرف لغير الله او بصرف عبادة الطاعة فى التحليل والتحريم لغير الله حكاماً وأمراء أو أحبارا ورهباناً يحلون ما حرم الله ويحرمون ما احل الله و يشرعون للناس ما لم يأذن به الله ، وسواء كان ذلك الشرك فى هيئة قوانين ودساتير ومناهج وأديان، كالديمقراطية أو غيرها من الزبالات ونخالات أفكار هؤلاء المشرعين -

    فالواجب على الموحد الذي يتبع ملة إبراهيم أن يتبرأ من ذلك كله ومنذ اللحظة الأولى التي يدخل بها إلى هذا الدين.

    فينزع ذلك كله على عتبة الإسلام، ولا يحل تأخير ذلك أو تأجيله أو تسويغه بحجة المصلحة أو الحكمة أو غيرها، فإنه السبب الذي هلك به من هلك ونجا به من نجا، وأقل الدرجات في ذلك أن يبرأ منه ويكفر به ولو في قلبه، ويجتنبه بأعماله وأقواله.

    ولقد كانت صفة إبراهيم عليه السلام الظاهرة هي البراءة من دين المشركين وأوثانهم ومعبوداتهم الباطلة وتسفيهها حتى وصفوه بقولهم، كما في قوله تعالى: {قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يقال له ابراهيم} يذكرهم أي يسفههم ويتنقصهم ويتبرأ منهم.

    وكذلك كان خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر آلهتكم}، يذكر آلهتكم؛ أي يتنقصها ويسفهها ويفضح عوارها ويبين أنها لا تستحق العبادة.

    وكذلك وصفه المشركون كما في الحديث الذي رواه الإمام احمد بإسناد صحيح أنهم قالوا؛ (عاب آلهتنا وسفه أحلامنا)، وكذلك ينبغي ان يكون أهل التوحيد مع اوثان المشركين ومعبوداتهم الباطلة وكذلك مع ما ينتج من عبادة الطاعة فى التحليل والتحريم والتشريع من الدساتير الأرضية والقوانين الوضعية والمناهج المهترئة كالديمقراطية ونحوها فيبينون زيفها ويظهرون للناس نقائصها وعيوبها ليحذروهم منها ويدعونهم للكفر بها والبراءة منها.

    وقد يشكل على البعض هذا الأمر مع قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}.

    فيقال: كلام الله كله حق وصدق وعدل ولا يعارض بعضه بعضا، فمطلوب الرسل وأصل دعوتهم هو البراءة من الأوثان والطواغيت والمناهج التي تعبد من دون الله وتسفيهها ببيان نقائصها وعيوبها للناس، لدعوتهم من ثم للكفر بها واجتنابها، فهذا كله مطلوب مشروع وإن أغضب المشركين وإن سموه سباً وإن ترتب عليه ما ترتب من مفاسد مزعومة، لأن أعظم مفسدة في الوجود هي الشرك، فلا يقر الشرك الحقيقي الموجود أو يسكت عنه لمفسدة ظنية محتملة.

    أما المنهي عنه في الآية؛ فهو السب المجرد الذي ليس وراءه دعوة ولا يعقل منه الخصم إلا الإستثارة المجردة، فيكون ردة فعله أن يسبنا ويسب الذي أمرنا بسب أوثانهم كما يظنون، وهذه هي المفسدة التي نهينا عنها، لأنها مفسدة مُستجلبة من غير مصلحة.

    ويجب أن يتنبه الموحد لهذا الأمر، فيفرق بين مسبة المشركين أو مسبة معبوداتهم المجردة، خصوصاً إذا كانت تلك المسبة بالألفاظ البذيئة التي هي من نضح أفواههم وآنيتهم المنتنة ولا تليق بآنيتنا المطهرة، فالواجب على الموحد ان يجتنب ذلك ويستعلي عليه لأنه يحمل دعوة غالية عظيمة مطهرة اصطفى الله لها خيرة خلقه من أنبيائه واتباعهم الذين رباهم واصطفاهم على عينه بأخلاق حميدة وصفات مجيدة، فلا بد من التفريق بين هذا وبين البراءة من الشرك وأهله وتعرية معبوداتهم و آلهتهم وقوانينهم ودساتيرهم وكشف زيفها وبيان تناقضها وتهافتها، لدعوة الناس إلى البراءة منها والكفر بها واجتنابها ببيان أنها لا تستحق أن تعبد ولا تصلح أن تشرع أو تحكم فإن هذا من أهم المهمات .

    يجب أن يعرف الموحد أن هناك فرق بين ما نهي عنه للمفسدة وما نهي عنه نهياً مطلقاً، فإن الأول يزول النهي عنه بزوال المفسدة بخلاف الثاني، فعلم من هذا أن مسبة الأوثان والدساتير والمناهج الفاسدة ليس بمنكر، وإنما المنكر هو ما يترتب عليها من مفسدة.

    اما البراءة من عبدة أوثان الجاهلية ، أو من عبيد الياسق العصري والتشريعات الوضعية:

    فإنه أمر مهم جداً، بل هو أهم من الأول، أعني البراءة من الشرك نفسه، ولذلك فإن الله عز وجل قدمه في الذكر في ملة إبراهيم على البراءة من الشرك نفسه، فقال تبارك وتعالى: {إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله}، وذكر سبحانه عن إبراهيم أنه قال لقومه {أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون}، فتأمل تقديم إعتزالهم والبراءة منهم في ذلك كله على اعتزال معبوداتهم، وكذا قوله تبارك وتعالى عن الفتية من أهل الكهف: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله}.

    وما ذلك إلا لأهمية هذا الأمر وخطورته، فكم من إنسان يتبرأ من الشرك ويعتزله ويجتنبه فيتبرأ من الأوثان والأصنام أو التشريعات والقوانين والدساتير والمناهج والاديان الباطلة ولكنه لا يبرأ من عابديها وأربا بها وانصارها وواضعيها، فلا يكون بذلك قد حقق ملة إبراهيم.

    أما إن تبرأ من المشركين أنفسهم فهذا يستلزم منه أن يتبرأ من أوثانهم وشركياتهم وتشريعاتهم، ولذلك قدمه الله في الذكر.

    وهذ الأمر مشاهد واضح بين في واقعنا، فكم من إنسان اليوم عندما ندعوه إلى هذه الملة العظيمة يصرح لنا بالبراءة من الشرك ، لكن إذا نظرت إلى واقعهم وجدتهم سلم لأهل الشرك وأولياءه ، بل هم لهم جند محضرون وانصار مخلصون يسارعون فيهم، وليتهم عقلوا قولة العبد الصالح {رب بما أنعمت علي فلن اكون ظهيراً للمجرمين}، أو فقهوا أمر الله عز وجل {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير * ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}.

    فإن كان الله عز وجل قد توعد على الركون - وهو الميل اليسير إلى الذين ظلموا - بمسيس النار فكيف بمن نام في أحضانهم ورضع من ألبانهم وأفنى عمره في خدمتهم وبذل مهجته في نصرتهم؟! فإن تعجب لهؤلاء فعجبنا أشد ممن ينتسبون للدين والدعوة إليه ثم إذا لقوا أولئك المشركين أو أوليائهم قالوا انا معكم، يلقون إليهم بالمودة والمحبة والمولاة، ما لا يفعلون معشاره مع الموحدين، بل على العكس فهم يبغضون الموحدين ويعادونهم ويبرءون منهم ويبسطون ألسنتهم لهم بالسوء والغيبة والنميمة والبهتان والافتراء ويصفونهم بالغلظة والتشدد والجهل والسفه، ويعدون مداهنتهم وركونهم إلى اعداء الله حكمة وكياسة وفطنة وموعظة حسنة ويحسبون انهم مهتدون، ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون.

    يظنون ان الدين لبيك في الفلا وفعل صلاة والسكوت عن الملا
    وسالم وخالط من لذا الدين قد قلا وما الدين إلا الحب والبغض والولا

    كذاك البرا من كل غاو وآثم



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ملة إبراهيم عليه السلام هي طريق الدعوة عند جميع المرسلين

    وقد أكد الله عز وجل هذا الموقف الثابت بعد قوله تعالى: {إنا برءاؤا منكم وما تعبدون من دون الله}، فقال تعالى: {كفرنا بكم}، ثم قال تبارك وتعالى: {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً...}، و {بدا}؛ أي ظهر وبان.

    فلا بد ان تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين باديتين بين أهل التوحيد وبين أهل الشرك والتنديد، إن كانوا يريدون تحقيق ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإن كانوا يريدون الدعوة وفق طريق الانبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه.

    وهذا الظهور من ثوابت هذه الدعوة
    وقد صح في الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على أمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).

    فتأمل قوله: (ظاهرين على أمر الله)، وتأمل قوله: (لا تزال)؛ فإنه بين الدلالة على المراد.

    والكلام على من حمل لواء الدعوة وصدر نفسه للعمل لدين الله وليس على من تعذر بالاستضعاف والتقية وتتبع الرخص والأعذار، ، فقد علمت أن المطلوب في هذه الدعوة ومن ثوابتها أن تعلن وتظهر ولا تكتم أو تستر كما تقدم في وصف نبينا ووصف إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وان فائدة ذلك هو دعوة الناس إلى البراءة من الشرك وأهله وإدخالهم في التوحيد الذي هو أعظم مصلحة في الوجود وأهم المهمات على الإطلاق
    فليس هناك مصلحة أهم منه،

    إذا تقرر هذا؛ فتأمل كيف قدم الله عز وجل "العداوة" في الذكر في ملة إبراهيم في آية الممتحنة على "البغضاء"، لأنها أهم وأظهر، فإن كثيراً من الناس قد يبغضون المشركين في قلوبهم، لكنهم لا يعادونهم فلا يحققون الواجب عليهم، ولأن البغضاء غالباً محلها في القلب، أما العداوة فأظهر وأبين ولذلك فهي من أعظم القرب الشرعية التي يتقرب الموحد بها إلى ربه، فإن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله والمولاة في الله والمعاداة في الله.

    ومعنى العداوة أن يكون الموحد في "عُدوَة"؛ أي جهة ويكون عَدُّوه المشرك في"عُدوَة" أخرى، {فبّدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم}، فبدلاً من ان يعادوا اهل الشرك والتنديد ويجتنبوهم ويفارقوهم؛ قربوهم ووادوهم ووالوهم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

    ان هذه العداوة سنة ثابتة موجودة بين اهل التوحيد واهل الشرك.

    فالموحد يجب عليه ان يدعوا أهل الشرك إلى البراءة من شركهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويتمنى هدايتهم، لكن هذا شيء ووجوب بغضهم وبغض شركهم شيء آخر؛ لا ينفك عن ملة إبراهيم ودعوة الانبياء عليهم الصلاة والسلام. فإن أصروا على شركهم أعلن لهم هذه البغضاء، وجاهرهم بالعداوة، كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم}.

    فهذا هو الحلم والحكمة الحقيقية، وليس الحلم مداهنة أعداء الله وإظهار مودتهم أو الركون إليهم.

    وشاء الله أيضاً في سنته الكونية أن يعادي المشركون الموحدين أيضاً، ويحاربونهم لتوحيدهم ولإيمانهم لينالوا على ذلك أعظم الخزي والعقوبة، قال تبارك وتعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}.

    وقد فهم ذلك ورقة بن نوفل من دعوة المرسلين - وكان قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني - فقال لما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى من أمر جبريل عليه السلام: (يا ليتني فيها جذعاً - ليتني أكون حياً - إذ يخرجك قومك فأنصرك نصراً مؤزراً)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوَمخرجي هم؟)، قال: (نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً )، رواه البخاري.

    فكل من سلك طريق الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وتمسك بملة إبراهيم عليه السلام فلا بد من أن يبغض المشركين ويعاديهم، ولا بد للمشركين أن يعادوه ويبغضوه، فهذه سنة الله في هذه الطريق، ومن ظن أنها مفروشة بالورود والرياحين فقد أخطأ الطريق فليراجع حساباته، بل هي طريق محفوفة بالأذى والسجن والتعذيب، ومن لم يعاد المشركين ولم يعادوه فليس على طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا جاء بمثل ما جاؤوا به من التوحيد وعرى الإيمان الوثقى .

    وتتفاوت العداوة وربما ظهرت أحياناً وأخفيت خوفاً وتقية تارة اخرى، ولكن على كل الأحوال لا يجوز زوال أصلها من القلب، لأن الإكراه والإستضعاف لا سلطان له على القلب، وهذا أقل مراتب هذه الملة العظيمة؛ أن تبقى العداوة والبغضاء مستمرة في القلب مع "إجتناب الطاغوت وأوليائه وعدم نصرتهم أو الركون إليهم"، الذي لا بد منه لأنه مطلب الرسل كافة {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.

    أما أعلاها فهو إظهارها والصدع والمجاهرة بها كما فعل إبراهيم واقتدى به خاتم النبيين عليهما الصلاة والسلام، وعلى ذلك كان جميع المرسلين، وهو سمت الطائفة الظاهرة المنصورة التي تسعى لإقامة دين الله وصفتها المميزة، وعليه عذب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبسببه أوذوا وابتلوا وذلك قبل فرض الصلاة والزكاة وغيرها من الشرائع، فإنهم لم يعذبوا على الصلاة ونحوها وإنما عذبوا على البراءة من الشرك واهله.

    إذا فهمت ما تقدم كله؛ ظهر لك أن قول الله عز وجل: {إنما عليك البلاغ}... ونحوه مما يحتج به البعض ، إنما يعني؛ ليس عليك يا محمد صلى الله عليه وسلم هداية التوفيق والتسديد فهذه إلى الله وحده، {إنك لا تهدي من أحببت لكن الله يهدي من يشاء}، أو ليس عليك إكراههم وإجبارهم على التوحيد وإنما عليك البلاغ، أي؛ هداية الدلالة والإرشاد.

    ولا يجوز أن يفهم من ذلك ولا من قوله تبارك وتعالى: {وما على الرسول إلا البلاغ}، أي؛ ليس عليك شيئاً مطلقاً غير البلاغ، فليس عليك تكفير المشركين! أو البراءة منهم! ومن أديانهم الباطلة! وليس عليك معاداتهم أو زجرهم! فلا يقول بذلك عاقل فضلاً عن عالم، ولو كان هذا المفهوم جائزاً لجاز ان يقال أيضاً: "وليس عليك الجهاد! ولا عليك إقامة الحدود!، أونحو ذلك، فهذا المفهوم كله غير مراد،
    ومن المزالق الاستدلال بقوله تبارك و تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، ونسي أن آخر الآية {واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}.
    فهل يريدنا أيضاً أن نتابع حكمته وأسلوبه الحسن في الدعوة!! فنستغفر لهم ونشاورهم في أمورنا؟!
    إن الإنتصار للمذهب والحزبية لا ينبغي ان يجرئنا على لي أعناق الأدلة ووضعها في غير موضعها، فإن هذا من تقويل الشارع مالم يقله، والافتراء على الشرع، فليحذر قائله من ذلك، فإنا له من الناصحين.

    ان دعوة الكفار والمشركين وتمني هدايتهم شيء، وعدم بغضهم وترك معاداتهم شيء آخر، ولا تناقض أو تعارض بين تحقيق الأمرين، فنحن نبغض الكفار ولا نحبهم ولا نودهم، وفي الوقت نفسه ندعوهم إلى التوحيد ونتمنى هدايتهم ونتألف قلوبهم، فإن أصروا على باطلهم أظهرنا لهم العداوة والبغضاء، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، وكتاب الله لا يعارض بعضه بعضا بل يكمل بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا.

    فلا معارضة بين الرفق واللين والرحمة للمؤمنين والمؤلفة قلوبهم، وبين معاداة الكفار وبغضهم، كما لا تعارض بين الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله، وبين الغلظة على الكفار والشدة على المشركين في محلها.

    وليس في ذلك إساءة ، بل الإساءة كل الإساءة أن نلبس عليهم دينهم ونقرهم على باطلهم بإظهار الرضى عن كفرهم و ظلمهم، ففي ذلك الإساءة الحقيقية لهم بإضلالهم وإقرارهم على شركهم، وفيه أيضاً الإساءة إلى أنفسنا بمعصية الله تبارك وتعالى، والانحراف عن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم الذي وصفته الملائكة كما في صحيح البخاري: (محمد فرْقٌ بين الناس)، وفي رواية: (فرّق)، أي بين أهل التوحيد من الناس وبين أهل الإشراك منهم، وليس من دين الله محبة كل الناس أو الرضى عن الناس جميعاً، ليس هذا من دين الله في شيء عند من فقه دعوة الانبياء وملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، نعم هو من دين الوطنيين ومن دين الديمقراطيين وأصحاب أخوة الأديان والوحدة الوطنية ونحوها!!

    أما أصحاب توحيد المرسلين؛ فمن ثوابت دينهم الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عادوا آباءهم وإخوانهم وفارقوا أولادهم وأزواجهم وعشيرتهم لأجل توحيدهم.
    فمن كانت دعوته كذلك فهو على منهاجهم وطريقتهم، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )، أما الذي يريد أن يدعو بطرائق دعاة العصر المعوجة المداهنة التي لا ترتكز على أدلة شرعية معتبرة، بل مصدرها الاستحسان والهوى المجرد ولي أعناق النصوص،فإن الساكت الصامت المعتزل في شعف الجبال بغنيمات -- لهو خير منهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صمت نجا)، أما من داهن وركن ولبس فليس كذلك، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً )، أي؛ دعوة على منهاج النبوة وملة إبراهيم، (أو ليصمت).

    فالصمت أفضل من كلام مداهن نجس السريرة طيب الكلمات
    عرف الحقيقة ثم حاد إلى الذي يرضي ويعجب كل طاغ عات

    فإما أن تدعو على منهج الانبياء أو تعتزل فهو خير لك من التلبيس والتدليس والدعوة بدعوة منحرفة عن ملة ابراهيم عليه السلام ترضي الطواغيت وأوليائهم، -و تقدم من حديث ورقة بن نوفل - انه لم يأتِ رجل بمثل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إلا عودي.

    فإن رأيت دعاة يرضى عنهم الطواغيت أو أولياؤه ويقرون دعواتهم ويلتقون معهم في وسط الطريق، وليس بينهم عداوة، فتأملها وراجعها فإنك ستجدها ليست على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، بل لا بد أن فيها من الانحراف عن دعوته وعن ملة إبراهيم عليه السلام ما يرضى هؤلاء الطواغيت وأوليائهم، وبقدر ذلك الانحراف يكون الالتقاء مع المشركين وبقدره يكون رضاهم عن الداعية، وبقدر التزامه بدعوة الأنبياء والمرسلين وملة إبراهيم عليه السلام تكون عداوتهم له.

    فنصرة دين الله تبارك وتعالى أمر واجب على كل مسلم، ولا يماري في ذلك إلا جاهل، ولا شك ان هذه النصرة يجب ان تكون مقيدة بهدى النبي صلى الله عليه وسلم الذي اتبع في ذلك طريق الأنبياء من قبله واقتدى بملة إبراهيم عليه السلام التي جعلها الله أسوة حسنة لهذه الامة، وهي امر محسوم في ديننا لا ننكره ولا نماري فيه، وميدان نصرة دين الله مفتوح والمجال واسع ؛ {لا يستوي منكم من انفق قبل الفتح وقاتل أولئك اعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا}، فكل يعمل ويدلي بدلوه لنصرة دين الله، ولا يقبل من ذلك إلا ما كان على منهاج النبوة، {فأما الزبد فيذهب جفاءاً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.

    أسأل الله أن يجعلنا من أنصار دينه ومن اهل الطائفة الظاهرة القائمة بدين الله الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، فنعم المولى ونعم النصير. [ابو محمد عاصم - بتصرف فى ثوب جديد]




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •