حُكم الاستمتاع بالزوجة الحائض والنُفساء :
جمع وإعداد / عبد رب الصالحين العتموني

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبعد :
أولاً : حُكم الاستمتاع بالوطء في الفرج :
يحرم على الزوج أن يُجامع زوجته في الفرج وهي حائض وكذلك وهي نُفساء لقوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) .
والمحيض : اسم مكان كالمقيل أي : مكان الحيض وهو الفرج
وقد أجمع العُلماء على هذا الحُكم .
ويحرم عليها تمكينه من ذلك لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري ومسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( السمع والطاعة حق ما لم يُؤمر بالمعصية فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) رواه البخاري .
ورواه مسلم بلفظ : ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) رواه أحمد والطبراني وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
مسألة :
إذا جامع الزوج زوجته وهي حائض فهو آثم وعليه الكفارة إذا كان ذاكراً عالماً عامداً مُختاراً فإن كان ناسياً أو جاهلاً بوجود الحيض أو جاهلاً بتحريمه أو مُكرها أو حصل الحيض في أثناء الجماع فلا إثم عليه ولا كفارة .
والكفارة : هي أن يتصدق بدينار من الذهب أو نصف دينار من الذهب .
والدينار يساوي تقريباً (4.25) جرام من الذهب .
وهل على المرأة كفارة مثل الرجل ؟
في هذه المسألة خلاف بين العُلماء على قولين : الراجح منهما أنها تجب عليها إن طاوعته في ذلك لأن الجناية واحدة فكما أن عليه ألا يقربها فعليها ألا تُمكنه فإذا مكنته فهي راضية بهذا الفعل المُحرم فلزمتها الكفارة .
مسألة :
إذا طهرت المرأة من الحيض لا يجوز لزوجها أن يُجامعها حتى تغتسل وهو قول جُمهور العُلماء لأن الله تعالى قال : ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) أي : من الدم ثم قال : ( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) أيِ : اغتسلن ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ) أيِ : فأتُوهن من قُبُلهن وهو الموضع الذي أمر الله أن نأتي النساء فيه حال الجماع .
والدليل على أن التطهر هو الغُسل قوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) وقد أخطأ من قال وهم الحنفية أن المُراد به هو غسل الفرج فقط إذا انقطع دمها ورأت علامة الطهر فله أن يجامعها قبل أن تغتسل .
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لظاهر الآية .
ثانياً : حُكم الاستمتاع بغير الوطء في الفرج :
اتفق العُلماء على جواز مُباشرة الزوجة والاستمتاع بها وهي حائض فيما فوق السُرة وتحت الرُكبة واختلفوا في حُكم مباشرتها والاستمتاع بها فيما بين السُرة والرُكبة على أقوال :
الراجح منها هو الجواز لكنه خلاف الأولى .
ودليل ذلك قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ) وهذا التخصيص يُفيد أن اعتزالها في غير المحيض ليس بواجب لأن المحيض هو المحل الذي يخرج منه الحيض فاعتزال هذا المحل بخصوصه هو الوارد في الأدلة ويبقى ما عداه على الأصل وهو الحل وقد تقرر في القواعد أن ما ورد مُقيداً فإنه لا يجوز عزله عن قيده إلا بدليل .
ومن الأدلة أيضاً : عُموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) رواه مسلم .
وهذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم عندما سأله أصحابه رضي الله عنهم عن اليهود أنهم كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يُؤاكلوها ولم يُجامعوهن في البيوت فأنزل الله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ ) ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك .
أي : اصنعوا كل شيء إلا الجماع فله تقبيلها ومباشرتها دون الفرج .
لأن قوله " اصنعوا كل شيء " صيغة من صيغ العُموم والمُتقرر في القواعد أن لفظ " كل " من أقوى صيغ العُموم .
ومن القواعد أيضاً : أن الأصل هو البقاء على العُموم حتى يرد ا لدليل المُخصص أو أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الدليل الناقل عن هذا الأصل .
فالأصل في هذه المسألة هو جواز استمتاع الرجل بكل جُزء من أجزاء امرأته كما في قوله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فله أن يستمتع منها بما شاء إلا ما خصه الدليل ولم يخص الدليل إلا الوطء في الدبر وفي حال كونها حائضاً أو نُفساء وفي حال تلبسها بما يُمنع معه النكاح كالإحرام والصوم أو في حال الاعتكاف في المسجد ونحو ذلك مما ثبت به الدليل ومن منع شيء زائد على ذلك فعليه أن يأتي بالدليل ولا يُعلم حديث صحيح صريح في منع الرجل من أن يستمتع من امرأته الحائض فيما بين السُرة والرُكبة .
وأما قول عائشة رضي الله عنها : ( كانت إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتزر في فور حيضتها ثم يُباشرها ) رواه مسلم .
أي كانت تغطي فرجها وما حوله .
والإزار : هو ما يتزر به الإنسان لتغطية العورة وهو لباس يلفه الإنسان عادة ما بين السُرة والرُكبة
لستر العورة .
فالأمر في هذا الحديث في أن تأتزر ثم يُباشرها لا يدل على الوجوب وإنما يدل على الاستحباب والندب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتاط في فور الحيضة وهو وقت كثرة الدم في ابتداء نزوله فكان يأمر الواحدة منهن أن تأتزر ليتقي الدم أن يُصيبه .
ولأن كل حديث مرفوع ينهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الرجل من الاستمتاع فيما بين السُرة والرُكبة فهو حديث ضعيف لا يصح ولا تقوم به الحجة فلا يصلح الاستدلال به لأن المُتقرر في القواعد أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها للأدلة الصحيحة الصريحة .
ولأن المُباشرة فيما بين السُرة والرُكبة خلاف الأولى مع كونها مما يجوز لأن المتقرر في القواعد أهمية سد الذرائع لأن الرجل قد لا يستطيع ضبط نفسه إن باشر في هذا المحل لأنه قريب جداً من موضع الحرث فقد لا يملك نفسه من جماعها إما لقلة دينه أو قوة شهوته .
ومن حام حول الحمى فإنه يُوشك أن يرتع فيه فمن باب سد الذرائع والبُعد عن مواطن الشبه والبُعد عن الوسائل التي قد تكون سبباً للوقوع في الممنوع فالأولى للزوج إذا أراد أن يُباشر زوجته فيما بين السُرة والرُكبة وأمن الوقوع في الفرج أن يأمرها أن تأتزر أي تلبس إزارها من ثوب ونحوه ثم يُباشرها من ورائه لئلا يُشاهد محل الدم والقذر فيتقزز منها وتكرهها نفسه .
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع عائشة رضي الله عنها يأمرها وهي حائض أن تأتزر فيُباشرها .
أما في حالة إذا علم الزوج من نفسه أو غلب على ظنه أنه إن فعل ذلك وقع جزماً في الحرام فإن المُباشرة عليه حينئذ تكون حراماً لأن كل ما أفضى إلى الحرام فهو حرام ولأن الوسائل لها أحكام المقاصد ولأن حريم الممنوع ممنوعة .
مسألة :
إذا باشر الرجل زوجته دون الفرج وهي حائض لا يجب عليه الغُسل إلا بالإنـزال .
وإن أنـزلت هي وهي حائض أو احتلمت استحب لها أن تغتسل للجنابة في وقت حيضها علماً بأنه يجوز لها أن تُؤخر غُسلها من الجنابة حتى تطهر من الحيض وتغتسل غُسلاً واحداً تنويهما بذلك وهو قول جُمهور العُلماء أي يكفي غسل واحد عن الحيض والجنابة .
لأن الغُسل لا يتعدد بتعدد مُوجبه فيما لو نوى المرء رفع تلك الأحداث جميعاً .
مسألة :
إذا طهرت الحائض ولم تجد ماء لتغتسل أو وجدت الماء لكنها لا تستطيع استعماله فإنها تتيمم حتى يزول المانع فتغتسل فإن تيمَّمَت أُبيح لها ما كان مُحرماً عليها سواء بسواء كما لو اغتسلت .
خلاصة ما سبق :
1- يحرم على الزوج أن يُجامع زوجته في الفرج وهي حائض وكذلك وهي نُفساء ويحرم عليها تمكينه من ذلك .
2- إذا جامع الزوج زوجته وهي حائض فهو آثم وعليه الكفارة إذا كان ذاكراً عالماً عامداً مُختاراً فإن كان ناسياً أو جاهلاً بوجود الحيض أو جاهلاً بتحريمه أو مُكرها أو حصل الحيض في أثناء الجماع فلا إثم عليه ولا كفارة .
والكفارة : هي أن يتصدق بدينار من الذهب أو نصف دينار من الذهب .
والدينار يساوي تقريباً (4.25) جرام من الذهب .
وهل على المرأة كفارة مثل الرجل ؟
في هذه المسألة خلاف بين العُلماء على قولين : الراجح منهما أنها تجب عليها إن طاوعته في ذلك لأن الجناية واحدة فكما أن عليه ألا يقربها فعليها ألا تُمكنه فإذا مكنته فهي راضية بهذا الفعل المُحرم فلزمتها الكفارة .
3- إذا طهرت المرأة من الحيض لا يجوز لزوجها أن يُجامعها حتى تغتسل وهو قول جُمهور العُلماء .
4- اتفق العُلماء على جواز الاستمتاع بالزوجة وهي حائض فيما فوق السُرة وتحت الرُكبة واختلفوا في حُكم الاستمتاع بها فيما بين السُرة والرُكبة على أقوال :
الراجح منها هو الجواز لكنه خلاف الأولى .
فمن باب سد الذرائع والبُعد عن مواطن الشبه والبُعد عن الوسائل التي قد تكون سبباً للوقوع في الممنوع فالأولى للزوج إذا أراد أن يُباشر زوجته فيما بين السُرة والرُكبة وأمن الوقوع في الفرج أن يأمرها أن تأتزر أي تلبس إزارها من ثوب ونحوه ثم يُباشرها من ورائه لئلا يُشاهد محل الدم والقذر فيتقزز منها وتكرهها نفسه .
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل مع عائشة رضي الله عنها يأمرها وهي حائض أن تأتزر فيُباشرها .
أما في حالة إذا علم الزوج من نفسه أو غلب على ظنه أنه إن فعل ذلك وقع جزماً في الحرام فإن المُباشرة عليه حينئذ تكون حراماً لأن كل ما أفضى إلى الحرام فهو حرام ولأن الوسائل لها أحكام المقاصد ولأن حريم الممنوع ممنوعة .
5- إذا باشر الرجل زوجته دون الفرج وهي حائض لا يجب عليه الغُسل إلا بالإنـزال .
وإن أنـزلت هي وهي حائض أو احتلمت استحب لها أن تغتسل للجنابة في وقت حيضها علماً بأنه يجوز لها أن تُؤخر غُسلها من الجنابة حتى تطهر من الحيض وتغتسل غُسلاً واحداً تنويهما بذلك وهو قول جُمهور العُلماء أي يكفي غسل واحد عن الحيض والجنابة .

أكتفي بهذا القدر وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله من بريئان .
والله الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين .
■■■■■
■ لا تنسونا من الدعاء
■ أخوكم / عبد رب الصالحين العتموني
■ محافظة سوهاج / مركز طما / قرية العتامنة