نظرات جديدة في العمل الإسلامي
علي صالح طمبل

الناظر في واقع العمل الإسلامي الطوعي يجد فجوة كبيرة في مجال لم يأخذ حظه من التناول والاهتمام؛ وأعني بذلك مجال البحث العلمي والإنتاج الفكري والإبداعي.
ومما يؤسف له أن مفهوم كثير من المحسنين ورجال البر الداعمين للعمل الخيري لا يعدو الأعمال الإغاثية والخيرية من توفير للغذاء والكساء وحفر للآبار وبناء للمستشفيات، وغيرها من أعمال الخير التي يحتاجها الإنسان في صحته وغذائه دون النفوذ إلى ما هو أهم، ألا وهو تغذية الأرواح والقلوب التي لا تكون إلا بإنشاء دُور البحوث والمعاهد والمجمعات الثقافية التي تُعنى برعاية الإبداعات والمواهب وصقلها.
إن الانكفاء على هذا المفهوم التقليدي الضيق أضر كثيراً بالعمل الإسلامي الذي ما زالت وسائله في كثير من البلاد الإسلامية تقليدية لا تؤتي ثمارها المنشودة، فإذا قدمت لأحد المحسنين مشروعاً خيرياً لمركز بحوث مثلاً أو مجمع ثقافي إسلامي أو صحيفة أو مجلة، فلن يعير هذا المشروع اهتماماً يُذكر، وقد ينظر إليه باعتباره نوعاً من الترف أو ضرباًً من الرفاهية الزائفة، مع أن الفكر والإبداع يؤثران في الشعوب تأثيراً يفوق تأثير الأعمال الإغاثية والخيرية التي جرت العادة على دعمها من المحسنين والخيرين.
الناظر للشعوب التي سبقتنا في ركب الحضارة يجد اهتماماً متزايداً بالبحث العلمي وتطوير المواهب والقدرات مما لا يوجد في بلاد المسلمين، إلى الحد الذي جعل بعض حكومات هذه الدول تخصص للبحث العلمي (40%) من ميزانيتها!
إن مركز بحوث واحد أو صحيفة واحدة أو مجمع ثقافي واحد قد يحدثون تأثيراً فعالاً بتطوير الاكتشافات العلمية وإعادة صياغة المجتمع وتوجيه الرأي العام، مما لا يحدثه ألف بئر للمياه وما لا تفعله مئات المستشفيات.
وبعد هذا كله نقول: بأننا لا نقلل من شأن هذه الأعمال الخيرية الجليلة التي هي من النفع المتعدي المأمور به والمثاب عليه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه))، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأن أمضي في حاجة أحدكم خير لي من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً))، لكننا ندعو لواقع تتضافر فيه الأعمال التي تعنى بغذاء الأبدان مع الأعمال التي تعنى ببناء العقول والأرواح.. حينها فقط سنقول إننا بخير وسنخطو -بإذن الله- بخطى واثقة على سُلم حقيقي للحضارة يجمع بين الروح والمادة