مكانة العلم الشرعي في الإسلام
عبد الرحمن بن ناصر البراك


لا يخفى على المسلم أهمية العناية بالعلوم الشرعية المستمدة من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -في كل زمان ومكان - ولا سيما في هذا العصر - الذي طغى فيه ما يسمى بعلم المادة، - أي العلوم الدنيوية- التي غلبت على الناس، وسيطرت على أفكارهم واهتماماتهم.
فمعظم المسلمين غلب عليهم الاهتمام بالعلوم المادية الدنيوية، والزهد في العلوم الشرعية، مع أن الأصل على الإنسان المسلم إذا وجد من نفسه محبة للعلوم الشرعية، ورغبة فيها، وفي تحصيلها من مصادرها، وتهيأ له التلقي ممن يجد عنده فائدة أن يبادر لتحصيلها، ويحمد الله على هذه النعمة؛ لأنَّ محبة العلم الصحيح، علم الكتاب والسنة، والعلوم المستمدة منها هي خير؛ لأنَّ هذه العلوم هي علم السلف، اقرأ - إن شئت - تاريخ المسلمين لتعرف مَن العلماء في عرف المسلمين في الصدر الأول والقرون الأولى إذا ذكر العلماء؟ إنهم العلماء بكتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والعلماء بالعلوم المستمدة من هذين الأصلين.
والعلوم الشرعية أنواع:
النوع الأول: علوم شرعية أساسية: وهي التي جاء بها الوحي.
النوع الثاني: ما يسمى بعلوم الآلة، العلوم المعينة: وهي وسيلة لتحصيل تلك العلوم الأساسية، ففهم القرآن، وفهم السنة يحتاج إلى وسائل، وعلوم معينة على فهم كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فالعلماء بهذه العلوم هم العلماء في مفهوم المسلمين الأوائل، و إلى عصور متأخرة، فالمحدثون، والفقهاء، واللغويون معدودون أيضاً في العلماء؛ لأنَّ اللغة العربية هي لغة الكتاب والسنة، وهي وسيلة معينة لفهم الكتاب والسنة.
أما الآن فخرج اسم العلماء وصار ينصرف في عرف كثير من المسلمين إلى علماء العلوم المتنوعة المختلفة المادية؛ ولهذا صار يقال الآن علماء الغرب، وعلماء كذا وعلماء كذا، فإذا جاء علماء بالإضافة تبينت المسألة: علماء الطب، علماء الكيمياء، علماء كذا، فالإضافة تحدد، لكن إطلاق العلم وإطلاق اسم العلماء، هذا هو الذي فيه الاختلاف، والأصل أنَّه اسم لعلماء الشريعة في مفهوم العالِم والعلماء والعلم، والترغيب في العلم، والحث على العلم.
فالشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - لما قال في مطلع الأصول الثلاثة في المسائل الأربع: الأولى العلم، وفسر هذا العلم: بأنَّه معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، فالحاجة ماسة إلى هذا العلم - العلم الشرعي -، والعلم الشرعي - الكتاب والسنة - هو الذي تزكو به النفوس، وتستنير به البصائر، سماه الله نوراً قال - تعالى -: ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) التغابن8، وقال - سبحانه -: ( وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) النساء113، الكتاب والحكمة هي الكتاب والسنة، فالقرآن والسنة هما النور، أما ما عداه من العلوم فلا يسمى نوراً.
ضع في ذهنك أن العلوم الأخرى ليست نوراً؛ لأنَّها لا يحصل بها الاستبصار والفرقان بين الحق والباطل، العلم المنزل هو الذي يحصل به الفرقان بين الحق والباطل، يحصل به التبصير حتى يبصر الإنسان طريقه في الحياة، قال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الحديد28، وهذا النور هو الذي يحصل باتباعه الفلاح، قال - تعالى -: ( فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف157.
فالمقصود أنَّ العلم الشرعي ضروري للإنسان، وهو قسمان:
أ- ما هو فرض على الأعيان، وهو ما لا يقوم دين الإنسان إلا به، فهذا فرض عين.
ب- ومنه ما هو فرض كفاية يجب على الأمَّة الإسلامية أن يكون فيها من يعلمه؛ حتى يكون ذلك سبباً في بقاء هذا الدين وبقاء العلم الموروث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا محقق لا بد أن يكون فيها ولله الحمد؛ للضمان الذي ذكره الله في قوله - تعالى -: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر9؛ وللخبر الصادق عنه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق)) ([1])، لا بد أن تكون قائمةً بالحق علماً وعملاً؛لأنَّ القيام لا يتحقق إلا بالعلم والعمل جميعاً، و لابد من تعليم الناس مثل هذه العلوم؛ لوجود النقص الكبير في عناية الناس بالعلوم الشرعية.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ
1- رواه البخاري: (6881) من حديث المغيرة بن شعبه - رضي الله عنه -، ومسلم: (1920) من حديث ثوبان - رضي الله عنه -، واللفظ لمسلم