الشباب وطلب العلم
سعد بن عبد اللّه البريك


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الشباب هم أمل الأمة ومعقد آمالها ومصدر نهضتها.
إنهم المرآة الصادقة التي تعكس تقدمها ودليل ساطع على التنبؤ بمستقبلها، وإن وجود الشباب الصالح القوي برهان على حياتها وعزها.
الشباب مرحلة مليئة بالحيوية الدافقة، لأنها وسط العمر ووسط كل شيء خياره، فحينما تكون الشمس في كبد السماء في رابعة النهار فإنها تكون في ذروة السطوع والدفء.
فهم عنصر القوة وهم الذين يقومون بأعباء النهوض بالرسالة وتبليغها، كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - شباباً، أكبرهم أبو بكر الصديق كان سنه يوم إسلامه ثمانية وثلاثين عاماً، وكان عمر أصغر منه بعشر سنوات، وعليُّ بن أبي طالب كان دون العاشرة من عمره يوم أسلم، وغيرهم كثير كانت تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والعشرين - رضي الله عنهم - أجمعين-، بهم قام الدين وبُلِّغت الرسالة.
شباب ذللوا سبل العالي *** وما عرفوا سوى الإسلام دينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماةً *** يدكون المعاقل والحصونا
وإذا جنَّ الظلام فلا تراهم *** من الإشفاق إلا ساجدينا
كذلك أخرج الإسلام قومي *** شباباً طاهراً حراً أمينا
ولأهمية هذه المرحلة وخطورتها، اشتدت عناية الأعداء بتمييع شباب المسلمين، وإشاعة التفاهة الإنحراف في أوساطهم، لكي لا تقوم للدين بهم قائمة، ولا يتحركوا لنصرة قضاياهم المصيرية، لعلمهم أنهم قلب الأمة النابض الذي تعبِّر دقاته عن آمالها وآلامها.
فالواجب علينا العناية بشبابنا، فننمي مواهبهم ونتعهد قدراتهم ونوجه طاقاتهم ونستثمر فراغاتهم ونشبع حاجاتهم بالطرق الشرعية ونحميهم من براثن الإنحراف وشرك الأباطيل.
وعلى الشباب أن يستغلوا ما أنعم الله عليهم من صحة وفراغ في طلب العلم وتربية النفس وتهذيبها وتعويدها على الطاعة، وقد نبَّه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى غفلة الألوف من الناس عن هذه النعم، فقال: ((نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ)).
يقول بعض الصالحين: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة.
وكان السلف الصالحون يكرهون من الرجل أن يكون فارغاً لا هو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه.
والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فمن أطلق لنفسه العنان تهوي به ذات اليمين وذات الشمال، قال عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما. النفوس الفارغة لا تعرف الجد، فتلهو في أخطر المواقف وتهزل في مواطن الجد، فلا قول ولا عمل ولا إيمان ولا دين همها اللعب واللهو في الدنيا ويتبعه حسرة وندامة يوم القيامة.
يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.
ويقول الحسن البصري - رحمه الله -: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم!. كثير من الشباب يتوفر لديهم أوقات كبيرة، إذ لا مسؤولية عليهم ولا أعباء أسرية تلاحقهم، ولا متطلبات للزوجة والأولاد.
وهم في مرحلة توقُّدِ الذهن وحضور البديهة وفي قمة النشاط العقلي.
فما أجمل أن يتوجه هؤلاء إلى طلب العلم الشرعي والنهل من كنوز الكتاب ومعين السنة.
وما أشد حاجة المسلمين إلى شباب يطلب العلم ويستنير بنور الوحيين، ويقيم حجة الله على العباد، ويبين لهم السبيل وينير أمامهم الطريق وينفض عنهم عمى الجهل.
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "جعل الله - سبحانه - أهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون فقال: (أفمن يعلم أنما أُنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى"، فما ثمَّ إلا عالم أو أعمى، وقد وصف - سبحانه - أهل الجهل بأنهم صم بكم عمي في غير موضع من كتابه.
ما أقبح الجهل يبدي عيب صاحبه للناظرين وعن عينيه يخفيه كذلك الثوم لا يشممه آكله والناس تشتم نتن الريح من فيه فالجهل داءً دَوِياً ومرضاً مستحكماً قوياً، ذمَّه الله صراحة في كتابه، فقال: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون * إن هؤلاء متبَّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يصنعون).
وعن عطاء بن يسار قال: سمعت ابن عباس يخبر أن رجلاً أصابه جرح في رأسه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أصابه احتلام، فأُمر بالاغتسال فاغتسل فكُزَّ فمات، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((قتلوه قتلهم الله، أو لم يكن شفاء العيِّ السؤال)). رواه الحاكم وصححه الألباني.
يقول ابن القيم: "قد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجهل داءً ودواءَه سؤال العلماء)".
وقال سفيان بن عيينة - رحمه الله -: تدرون ما مثل الجهل والعلم؟، مثل دار الكفر ودار الإسلام، فإن ترك أهل الإسلام الجهاد جاء أهل الكفر فأخذوا الإسلام، وإن ترك الناس العلم صار الناس جهالاً.
عن سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله - قال: الناس كلهم سكارى إلا العلماء والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه، الدنيا جهل ومَوات إلا العلم، والعلم كله حجة إلا العمل به والعمل كله هباء إلا الإخلاص والإخلاص على خطر عظيم حتى يختم به.
وقال عليٌّ - رضي الله عنه -: كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه، ويفرح به إذا نُسب إليه، وكفى بالجهل ذمَّاً أن يتبرأ منه من هو فيه. أ. ه.
وفضل العلم أشهر من أن يُذكر، فهو أفضل مُكتَسب وأشرف مُنتَسب وأنفس ذخيرة تقتنى وأطيب ثمرة تجتنى، به يتوصل إلى الحقائق وبواسطته يدرك رضا الخالق.
عن قيس بن كثير قال: كنت مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاء رجل فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث بلغني أنك تحدِّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ما كانت لك حاجة غيره؟ قال: لا، قال: ولا جئت لتجارة؟، قال: لا، قال ولا جئت إلا فيه؟، قال نعم، قال: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)). رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وحسنه الألباني.
والعلم علامة على إرادة الله الخير للعبد، فعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)). رواه البخاري ومسلم.
لا يفتقر كاسبه، ولا يخيب طالبه ولا تنحط مراتبه، وحامله الصائن له عن الأدناس عزيزٌ عند الناس، وهو نور زاهر لمن استضاء به، وقوت هنيءٌ لمن تقوَّت به، ترتاح به الأنفس إذ هو غذاؤها وتفرح به الأفئدة إذ هو قواها.
أجلُّ ما يُبتغى دوماً ويكتسبُ *** ويُقتنى من حُلَى الدنيا ويُنتخبُ
علم الشريعة علم النفع قد رفعت لمن يزاوله بين الورى رُتب
إن عاش عاش عزيزاً سائداً أبداً *** لا يُستظام ولا يُشنى فيُجْتَتَبُ
وإن يمت فثناءٌ سائدٌ أبداً *** وبعده رحمةٌ تُرجى وتُرتقب
إن طلب العلم لا غنى عنه لأي شاب يريد عبادة ربه- تبارك وتعالى - على بصيرة، والاستقامة على دينه، فضلاً عمن يريد الدعوة إلى دينه.
ولقد كان شباب الصحابة - رضي الله عنهم - يدركون أهمية العلم وفضله، ولذا حفظت لنا سيرهم المواقف العديدة من حرصهم على العلم وعنايتهم به.
فها هو عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه - يقول: أنا أول من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يبول أحدكم مستقبل القبلة))، وأنا أول من حدَّث الناس بذلك.
هذا نموذج من المبادرة إلى سماع العلم وتبليغه، وهو حين يكون أول سامع وأول مبلِّغ، فإن ذاك لم يكن في مجتمع غافل لاهٍ بل في مجتمع العلم والعلماء.
وكان عمرو بن سلمة وهو من صغار الصحابة حريصاً على تلقي العلم فكان يتلقى الركبان ويستفتيهم ويسألهم ويستقرئهم حتى فاق قومه كلهم وتأهَّل لإمامتهم، يقول - رضي الله عنه - عن نفسه: كنا على حاضر وكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأدنو منهم فأسمع حتى حفظت قرآناً وكان الناس ينتظرون بإسلامهم فتح مكة، فلما فُتحت، جعل الرجل يأتيه فيقول: يا رسول الله أنا وافد بني فلان وجئتك بإسلامهم، فانطلق أبي بإسلام قومه فرجع إليهم وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قدِّموا أكثركم قرآناً))، قال فنظروا وإني لعلى حِواءٍ عظيم، فما وجدوا فيهم أحداً أكثر قرآناً مني، فقدموني وأنا غلام ". رواه أحمد، والحِواء: بيوت مجتمعة من الناس على ماء.
قال جابر بن عبد الله: بلغني عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم أسمعه منه، قال: فابتعت بعيراً فشددت عليه رحلي، فسرت إليه شهراً حتى أتيت الشام، فإذا هو عبد الله بن أُنيس الأنصاري، قال: فأرسلت إليه أن جابراً على الباب، قال: فرجع إليَّ الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت نعم، قال: فرجع الرسول إليه، فخرج إليَّ فاعتنقني واعتنقته، قال فقلت: حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المظالم لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه.
ولو قلَّبنا صفحات سير السلف لوجدناها مليئةً برجال سابقوا الزمان، وملؤوه بالعلم والمعرفة، فتخلد ذكرهم وهم بين طبقات الثرى، قطعوا الفيافي على الأقدام لتحصيل العلم، وساروا المسافات الشاسعة التي تتقطع دونها رقاب المطي متكبدين العناء ومشقة الطريق، ولكن لذة العلم التي قذفها الله في قلوبهم أنستهم الطريق وبعد الشُّقة.
شعبة - رحمه الله - يرحل شهراً كاملاً في طلب حديث واحد.
وهذا أبو زرعة ومحمد بن نصر يرتحلان الليالي الطويلة طلباً للعلم.
قالت امرأة لداود الطائي: يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز؟ فقال: يا هذه، بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
قال موسى بن إسماعيل: لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً لصدقتكم، كان مشغولاً بنفسه، إما أن يحدِّث وإما أن يقرأ وإما أن يسبح وإما أن يصلي، كان يقسم النهار على هذه الأعمال.
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
على كل أب وأم وكل من استرعاه الله رعية من أبناء المسلمين مسؤولية كبيرة وأمانة عظمى في أعناقهم في توجيه وحثِّ من تحت أيديهم على طلب العلم الشرعي وغرس ذلك في نفوسهم، وتحبيب ذلك إليهم.
وفي هذا إصلاح لهم وإنباتهم النبات الحسن ودلالتهم على طريق الخير وتحذيرهم من طرق الغواية: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون). قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)). رواه البخاري ومسلم.
وقد اعتنى السلف بتعليم أولادهم أشد العناية.
ذكر الذهبي في السير عند ترجمة ربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي، أن فروخ والد ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان، أيام بني أمية غازياً، وربيعة حمل في بطن أمه، وخلَّف عند زوجته ثلاثين ألف دينار، فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة، وهو راكب فرس، في يده رمح فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة فقال يا عدو الله أتهجم على منزلي؟ فقال: لا، وقال فروخ: يا عدو الله أنت رجل دخلت على حرمتي فتواثبا وتلبث كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران، فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله ما فارقتك إلا عند السلطان، وجعل فروخ يقول كذلك، ويقول وأنت مع امرأتي، وكثر الضجيج، فلما أبصروا بمالك سكت الناس كلهم، فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار، فقال الشيخ: هي داري وأنا فروخ مولى بني فلان، فسمعت امرأته كلامه، فخرجت فقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به، فاعتنقا جميعاً وبكيا، فدخل فروخ المنزل، وقال: هذا ابني؟، قالت: نعم، قال: فأخرجي المال الذي عندك، وهذه معي أربعة آلاف دينار، قالت المال قد دفنته، وأنا أخرجه بعد أيام. فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته وأتاه مالك بن أنس والحسن بن زيد وابن أبي علي الِّلهبي والمساحقي وأشراف أهل المدينة وأحدقَ الناسُ به. فقالت امرأته: اخرج صلِّ في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فصلى، فنظر إلى حلقة وافرة، فأتاه فوقف عليه، ففرَّجوا له قليلاً ونكَّس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره، وعليه طويلة، فشكَّ فيه أبو عبد الرحمن، فقال: من هذا الرجل؟، قالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، فقال: لقد رفع الله ابني، فرجع إلى منزله فقال لوالدته: لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحداً من أهل العلم والفقه عليها، فقالت أمه: فأيما أحب إليك: ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه؟ فقال: لا والله إلا هذا، قال: فإني قد أنفقت المال كله عليه، قال: فو الله ما ضيعته.
ونظم الإمام الأندلسي قصيدة طويلة يحث فيها ابنه أبا بكر على طلب العلم والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، يقول:
تفتُّ فؤادك الأيام فتا *** وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق *** ألا يا صاح أنت أريد أنت
أراك تحب عِرْساً ذات غدر *** أبتَّ طلاقها الأكياس بتَّا
تنام الدهر ويحك في غطيط *** بها حتى إذا مِتَّ انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع فحتى *** متى لا ترعوي عنها وحتى؟
أبا بكر دعوتك لو أجبت *** إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماماً *** مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا
ويجلو ما بعينك من غشاءٍ *** ويهديك الصراط إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجاً *** ويكسوك الجمال إذا اغتربتا
ينالك نفعه ما دمت حياً *** ويبقى ذكره لك إن ذهبتا
هو العضْبُ المهند ليس يكبو *** تنال فيه مقاتِلَ مَن ضربتا
وكنز لا تخاف عليه لصاً *** خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه *** وينقص إن به كفاً شددتا
فلو قد ذقتَ من حلواه طعماً *** لآثرتَ التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوىً مطاعٌ *** ولا دنيا بزخرفها فُتِنتا
ولا يلهيك عنه أنيق روض *** و لا خُوْدٌ بزينتها كلفتا
فقوت الروح أرواح المعالي *** وليس بأن طعمت أو شربتا
فواظبه وخذ بالجد فيه *** فإن أعطاكه الباري أخذتا