تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,465

    افتراضي خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم

    خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم

    د. أمير حداد

    {فَلَا تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } (الشعراء: 213)، وقوله -سبحانه-: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(ي ونس: 95)، وكذلك {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}( يونس: 105). كنا ثلاثة نفر في طريقنا لأداء العمرة في شهر شعبان، اعتدنا أن نذهب كل عام بالطائرة، قررنا أن نذهب براً هذه المرة؛ لنزور إخوة لنا في (الزلفي)، وليشتري (أبو سالم) بعض الحاجات من (الحفر). – هذه الآيات الثلاث وأشباهها في كتاب الله، فيها خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع أن ظاهرها نهي له صلى الله عليه وسلم أن يقع في الشرك، وهو الذي بعثه الله لإقامة التوحيد، وهدم الشرك، إلا أن المراد غيره كما في كتب التفسير. وإليكما ما ورد في بعض الكتب. أخذ صاحبنا يتعامل مع هاتفه الذكي، لم يتطلب الأمر سوى دقائق قليلة. – اسمعا ما جمعت لكما. – قوله: {فَلَا تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آَخَرَ} خطاب لغير معين؛ فيعم كل من يسمع هذا الكلام، ويجوز أن يكون الخطاب موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المبلغ عن الله -تعالى-؛ فللاهتمام بهذا النهي وقع توجيهه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع تحقق أنه منته عن ذلك؛ فتعين أن يكون النهي للذين هم متلبسون بالإشراك، ونظير هذا قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(ا لزمر: 65)، والمقصود من مثل ذلك الخطاب غيره ممن يبلغه الخطاب. وفي هذا تعريض بالمشركين أنهم سيعذبون للعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه غير مشركين. – قوله -تعالى-: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ }، وقد أوضحنا في سورة (بني إسرائيل) في الكلام على قوله -تعالى-: {لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا}(17/22)، بالدليل القرآني أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بمثل هذا الخطاب، والمراد التشريع لأمته، وقوله هنا: {فَلَا تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آَخَرَ} الآية، جاء معناه في آيات كثيرة، كقوله: {لَّا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولًا}(17/22)، وقوله -تعالى-: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا}(17/39)، وقوله -تعالى-: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(39/65)، إلى غير ذلك من الآيات. {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وحاصل هذا أن الله نهى عن شيئين: الشك في هذا القرآن والامتراء فيه. وأشد من ذلك التكذيب به، وهو آيات الله البينات، وكذلك عطف {ولا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ} وهو أصرح في التعريض بهم؛ {فتكون من الخاسرين}، وهذا يقتضي أنهم خاسرون. {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. قال أبو جعفر: يقول -تعالى- ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : «قل يا محمد للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله، ويحثونك على عبادتها: أغير الله فاطر السموات والأرض، وهو يرزقني وغيري ولا يرزقه أحد، أتخذ وليا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضا: إني أمرني ربي أن أكون أول من أسلم»، يقول: أول من خضع له بالعبودية، وتذلل لأمره ونهيه، وانقاد له من أهل دهري وزماني {ولا تكونن من المشركين}، يقول: وقل: وقيل لي: لا تكونن من المشركين بالله، الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء. وجعل قوله: «أمرت» بدلا من قيل لي؛ لأن قوله: «أمرت» معناه: قيل لي؛ فكأنه قيل: قل إني قيل لي: كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين؛ فاجتزأ بذكر الأمر من ذكر القول؛ إذ كان الأمر معلوما أنه قول. {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} لله بالتوحيد، وانقاد له بالطاعة؛ لأني أولى من غيري بامتثال أوامر ربي.
    {ولا تكونن من المشركين}، أي: ونهيت أيضا عن أن أكون من المشركين، لا في اعتقادهم، ولا في مجالستهم، ولا في الاجتماع بهم؛ فهذا أفرض الفروض علي، وأوجب الواجبات. وأقم جميع شرائع الدين حنيفا، أي: مقبلا على الله، معرضا عما سواه، {ولا تكونن من المشركين}، لا في حالهم، ولا تكن معهم. {ولا تكونن من المشركين} نهي مؤكد لمعنى الأمر الذي قبله تصريحا بمعنى حنيفا، وتأكيد الفعل المنهي عنه بنون التوكيد للمبالغة في النهي عنه، اعتناء بالتبرؤ من الشرك. وقد تقدم غير مرة أن قوله: من المشركين ونحوه أبلغ في الاتصاف من نحو: لا تكن مشركا؛ لما فيه من التبرؤ من الطائفة ذات نحلة الإشراك، هذا النهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر، والمقصود به إبطال الشرك وإظهار ضلال أهله؛ إذ يزعمون أنهم معترفون بإلهية الله -تعالى- وأنهم إنما اتخذوا له شركاء وشفعاء؛ فبين لهم أن الله لا إله غيره، وأن انفراده بالإلهية في الأمر نفسه يقضي ببطلان الإشراك في الاعتقاد ولو أضعف إشراك؛ فجملة لا إله إلا هو في معنى العلة للنهي الذي في الجملة قبلها. – كلام جميل، يشفي الغليل، ويريح البال، ويزيل القلق والشك والتردد. – وهذا الذي يجب على كل من يقرأ القرآن أن يفعله.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,465

    افتراضي رد: خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم

    خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم (2)

    د. أمير حداد


    – إن الله -تبارك وتعالى- تكفل بتربية أنبيائه ورسله، وجعلهم خيرة البشر، يبلغون رسالات ربهم على أحسن وجه؛ فقال لموسى -عليه السلام-: {واصطنعتك لنفسي}، وقال عن يحيى -عليه السلام-: {وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين}، وقال عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم : {وإنك لعلى خلق عظيم}. ويقول الله -عز وجل- عن بعض أنبيائه: {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار}، ومع ذلك عندما يخاطبهم الله -عز وجل- في كتابه، يبين لهم ويرشدهم، ويلومهم، ويعاقبهم، ليكونوا أكمل قدوة لغيرهم. – مقدمة جميلة؛ فما الآيات التي ستكون موضوع حديثنا اليوم؟ – الآيات من سورة الإسراء، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}(الإسرا ء: 73-75). – سورة الإسراء من السور التي أحفظها وأحب قراءتها في الصلاة. كنت وصاحبي في جولة مسائية، وذلك أن درجة الحرارة في النهار لا تنزل عن الأربعين، وتكون إلى الخمسين أقرب معظم الأوقات. كان هدفنا أحد المحلات في مركز المدينة يريد صاحبي أن يشتري منه غرضا لمنزله. – ماذا ورد في تفسير هذه الآيات مع علمي ويقيني وعقيدتي الراسخة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفتري على الله شيئا، ولا أن يأتي بأمر من عنده؟ قَلَّب صاحبي هاتفه الذكي، جمع بعض ما ورد في كتب التفسير، وأخذ يقرأ. ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة إلى الصبح، يكلمونه ويفخمونه ويسوّدونه ويقاربونه، وكان في قولهم أن قالوا: إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس، وأنت سيدنا وابن سيدنا؛ فمازالوا يكلمونه حتى كاد أن يقارفهم، ثم منعه الله وعصمه من ذلك؛ فقال: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}. عن مجاهد قال: قالوا له: ائت آلهتنا فامسسها؛ فذلك قوله: «شيئا قليلا»، وقال آخرون: إنما كان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أن ينظر قوما بإسلامهم إلى مدة سألوه الإنظار إليها. وذلك أن ثقيفا كانوا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أجلنا سنة حتى يهدى لآلهتنا؛ فإذا قبضنا الذي يهدى لآلهتنا أخذناه، ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة؛ فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم، وأن يؤجلهم؛ فقال الله: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}، يقول الله -تعالى- ذكره: ولولا أن ثبتناك يا محمد بعصمتنا إياك عما دعاك إليه هؤلاء المشركون من الفتنة {لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}، يقول: لقد كدت تميل إليهم وتطمئن شيئا قليلا، وذلك ما كان صلى الله عليه وسلم هم به من أن يفعل بعض الذي كانوا سألوه فعله؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر حين نزلت هذه الآية. عن قتادة في قوله: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ومع هذا فـ{لولا أن ثبتناك} على الحق، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم {لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا} من كثرة المعالجة ومحبتك لهدايتهم. إذا لو ركنت إليهم بما يَهْوون {لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات}، أي لأصبناك بعذاب مضاعف في الحياة الدنيا والآخرة، وذلك لكمال نعمة الله عليك، وكمال معرفتك.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,465

    افتراضي رد: خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم

    خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم (3)

    د. أمير حداد


    ذكرنا أن الله تكفل بتربية أنبيائه ورسله وجعلهم خيرة البشر ونستكمل الحديث عن الأدلة التي وردت في سورة الإسراء والتي تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {ثم لا تجد لك علينا نصيرا} ينقذك مما يحل بك من العذاب، ولكن الله -تعالى- عصمك من أسباب الشر ومن البشر؛ فثبتك وهداك الصراط المستقيم، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه؛ فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة. وركون النبي صلى الله عليه وسلم إليهم غير واقع ولا مقارب الوقوع؛ لأن الآية قد نفته بأربعة أمور، وهي: (لولا) الامتناعية، وفعل المقاربة المقتضى أنه ما كان يقع الركون، ولكن يقع الاقتراب منه، والتحقير المستفاد من «شيئا»، والتقليل المستفاد من «قليلا» أي لولا إفهامنا إياك وجه الحق، لخُشي أن تقترب من ركون ضعيف قليل، وكان ذلك لم يقع، ودخلت (قد) في حيز الامتناع؛ فأصبح تحقيقها معدوما. أي لولا أن ثبتناك لتحقق قرب ميلك القليل، ولكن ذلك لم يقع لأنا ثبتناك. لأذقناك ضعفا في الحياة وضعفا في الممات؛ فضعف عذاب الحياة، هو تراكم المصائب والأرزاء في مدة الحياة. أي العمر بزوال ما كان يناله من بهجة وسرور بتمام دعوته وانتظام أمته، ذلك أن يتمكن منه أعداؤه، وعذاب الممات أن يموت مكمودا مستذلا بين كفار يرون أنهم قد فازوا عليه بعد أن أشرفوا على السقوط أمامه. وقيل: معنى ذلك أنه خطر في قلبه صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم في بعض ما أحبوا ليجرهم إلى الإسلام لشدة حرصه على إسلامهم. وبين في موضع آخر، أنهم طلبوا منه الإتيان بغير ما أوحي إليه وأنه امتنع أشد الامتناع، وقال لهم: إنه لا يمكنه أن يأتي بشيء من تلقاء نفسه، بل يتبع ما أوحى إليه ربه، وذلك في قوله: {قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}(10-15). بين -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة تثبيته لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وعصمته له من الركون إلى الكفار، وأنه لو ركن إليهم لأذاقه ضعف الحياة وضعف الممات، أي مثلي عذاب الحياة في الدنيا ومثلي عذاب الممات في الآخرة؛ وبهذا جزم القرطبي في تفسيره، وقال بعضهم: المراد بضعف عذاب الممات، العذاب المضاعف في القبر، والمراد بضعف الحياة، العذاب المضاعف في الآخرة بعد حياة البعث؛ وبهذا جزم الزمخشري وغيره، والآية تشمل الجميع. وهذا الذي ذكرناه هنا من شدة الجزاء لنبيه -لو خالف- بينه في غير هذا الموضع، كقوله: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين}.الآية (44-46/69). وهذا الذي دلت عليه هذه الآية من أنه إذا كانت الدرجة أعلى، كان الجزاء عند المخالفة أعظم -بينه في موضع آخر- كقوله: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين}الآية (30-33)، ولقد أجاد من قال:
    وكبائر الرجل الصغير صغائر
    وصغائر الرجل الكبير كبائر
    هذه الآية الكريمة أوضحت غاية الإيضاح براءة نبينا صلى الله عليه وسلم من مقاربة الركون إلى الكفار، فضلا عن الركون نفسه؛ لأن لولا (17/74) حرف امتناع لوجود؛ فمقاربة الركون منعتها لولا الامتناعية لوجود التثبيت من الله -جل وعلا- لأكرم خلقه صلى الله عليه وسلم؛ فصح يقينا انتفاء مقاربة الركون، فضلا عن الركون نفسه، وهذه الآية تبين ما قبلها، وأنه لم يقارب الركون إليهم البتة؛ لأن قوله: {لقد كدت تركن إليهم شيئا} (17/74). أي قاربت تركن إليهم، وهو عين الممنوع بـلولا الامتناعية كما ترى، ومعنى تركن إليهم: تميل إليهم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,465

    افتراضي رد: خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم


    خطاب الله للنبـــي صلى الله عليه وسلم (4)

    د. أمير حداد


    بعض المسلمين يبالغ في حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فينفى عنه بعض صفات البشرية، كوجود الظل، وقضاء الحاجة، والرغبة في الشهوات الفطرية، ويظن أن هذه الأمور لا تليق بمقام النبوة. هؤلاء يتلقون عقيدتهم بالوراثة، ولا يبذلون جهدا في طلب العلم الشرعي الصحيح، وهم كثرة في الأمة الإسلامية، ولو أنهم قرؤوا القرآن بعلم وفهم وتدبر لما تبنوا هذه العقائد؛ ففي سورة الكهف، يقول -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(الكهف: 110)، وفي سورة فصلت يقول -سبحانه-: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين َ}(فصلت: 6)، من أُسس العقيدة القول ببشرية الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شأن من شؤون البشر، هذا هو الأصل، وما لم يكن كذلك لابد من إيراد الدليل الصحيح عليه. كنت وصاحبي في زيارة لأحد مساجد الهند، وكان مرافقنا يبين لنا عقائد بعض الناس في تلك القرية التي كنا سنقضي ليلتنا فيها. – بل الآيات في بشرية الرسول أكثر من ذلك، مثل قوله -تعالى-: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى(7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}(الضحى : 6-7)، ومثل قوله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الش ورى:52)، ومثل قوله -تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}( العنكبوت: 48)، وقوله -عز وجل-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}(ي وسف: 3).
    قاطعني مرافقنا – وهل يجوز أن يوصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كان من الغافلين؟ وهذه مشكلة كثير من الأعاجم، تشابه الألفاظ واختلاف المعنى. أجبته. – أنا أقرأ لك آيات من كتاب الله، ربنا -سبحانه وتعالى- قال لرسوله: {وإن كنت من قبله لمن الغافلين}، بل لقد حذر الله -سبحانه وتعالى- رسوله أن يكون من الغافلين؛ فقال -سبحانه-: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(ا لأعراف: 205)، ولكن تعال نتدبر معنى (الغفلة) في حق النبي صلى الله عليه وسلم {وإن كنت من قبله لمن الغافلين}، يقول -تعالى- ذكره: وإن كنت يا محمد من قبل أن نوحيه إليك لمن الغافلين عن ذلك، لا تعلمه ولا شيئا منه، وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسألة أصحابه إياه أن يقص عليهم.
    يقول -تعالى- ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإن كنت يا محمد لمن الغافلين عن نبأ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم؛ إذ قال لأبيه يعقوب بن إسحاق: {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا}، يقول: إني رأيت في منامي أحد عشر كوكبا.
    قد وجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى، والضلال هنا بمعنى الغفلة، كما في قوله: {لا يضل ربي ولا ينسى}، وكما في قوله: {وإن كنت من قبله لمن الغافلين}، والمعنى: أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة، واختار هذا الزجاج، وقيل: معنى ضالا: لم تكن تدري القرآن ولا الشرائع فهداك لذلك.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •