♦ الملخص:


رجل وقع في الزنا مع امرأة مطلقة، فحملتْ منه، فطلَب منها إجهاضَ الجنين، ففعلتْ، لكنه ندِم على هذا الأمر، ويسأل: هل هناك كفارة أو دِيَة لهذا الأمر؟ وإذا كانت موجودة فلِمَن تُدفَع الدية؟


♦ التفاصيل:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تعرَّفتُ منذ سنوات طويلة على امرأة مطلقة، ونشأت بيننا علاقة، ووقعنا في الزنا مرات عديدة، ذات مرة كنتُ مسافرًا، فاتَّصلتْ عليَّ وأخبرتني أنها حامل، فطلبتُ منها أن تتخلص من الجنين؛ لأنني لا يُمكنني الارتباط بها الآن، فتخلَّصتْ منه بالفعل، أما أنا فقد طالتْ مدة سفري، والمرأة تزوَّجت، ولم أعُد أعلم عنها أي شيء!
تبتُ إلى الله توبة نصوحًا، وأبكي بحُرقة؛ كي يتقبَّل الله توبتي، أتمنَّى أن يعود بي الزمن؛ لكيلا أطلب منها إجهاض الجنين، وسؤالي هو: هلي تلزمني كفارة إجهاض هذا الجنين، علمًا أني لم أكن أعلم عمره عندما تخلَّصتْ منه؟ أنا حاليًّا لا أملِك قيمة الدِّيَة إن وجَبتْ، لكن إن ملَكتُها فيما بعدُ، فلِمَن تُدفَع؟ أرجو الإجابة بشكل مفصَّل، جزيتم خيرًا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لا شك أنك ارتكبت ذنبًا عظيمًا، وهو الزنا الذي هو كبيرة من الكبائر، ثم ارتكبتَ ذنبًا عظيمًا آخرَ، وهو الأمر بإسقاط هذا الجنين، وهذا الإسقاط إن كان قبل الأربعين، فأمرُه أخف، وإثمه أهون، وإن كان بعد الأربعين، فإثمه أعظمُ.
وقد بيَّن الله تعالى عِظَمَ هاتين الجريمتين في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 68، 69]، وكذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا * وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الإسراء: 32، 33]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يزال المؤمن في فُسحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا))[1]، والنصوص الدالة على عظم هذين الذنبين في الكتاب والسنة كثيرة.
وعمومًا، فإن الله تعالى يقبل توبة العبد - مهما ارتكب هذا العبد من ذنوب وآثام - إذا تاب توبة نصوحًا؛ بأن يقلع عن المعصية، ويندم على الوقوع فيها، ويعزم على ألَّا يعود إليها؛ فإن الله تعالى هو القائل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [الزمر: 53، 54]، وهو القائل سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]، وهو القائل سبحانه: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 70، 71].
وهناك حديث عظيم يبيِّن لنا سعة رحمة الله تعالى، وأن على المؤمن ألَّا ييئَس أبدًا من رحمة الله تعالى؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعةً وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أُناسًا يعبدون الله، فاعبدِ الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك؛ فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريقَ أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة))[2].
وعليه أخي الكريم، فلا تيئَس من رحمة الله، وعليك بالتوبة، والندم، والإكثار من أعمال الخير؛ كالصلاة، والصدقة، وقراءة القرآن، والذكر؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 71]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ ﴾ [القصص: 67]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39]، وقال تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 102، 103].
وأما بالنسبة للكفارة والدية، فإن كان الإسقاط قبل 120 يومًا من الحمل؛ أي: قبل نفخ الروح، فلا تجب الدِّية ولا الكفارة، وإن كان الإسقاط بعد 120 يومًا، فتجب الدية على المرأة المباشرة للإسقاط، دون الآمر، فليس عليه كفارة، ولا دِيَة.
ودية الجنين هي عُشر دية الأم، وهو ما يساوي حوالي 213 جرامًا من الذهب تقريبًا، وتُدفع هذه الدية إلى ورثة الجنين على قدر أنصبتهم، دون القاتل، فلا يرث القاتل منها شيئًا، وعليها أيضًا الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فتصوم شهرين متتابعين، وصلِّ اللهم على محمدٍ وآله وصحبه وسلم.


________________
[1] أخرجه البخاري، (6862).
[2] متفق عليه: أخرجه البخاري (3470)، ومسلم (2766).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz60d3ZUq2S