أشعر بالذنب تجاه أخي







أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال


الملخص:
فتاة حدَثت بينها وبين أخيها مشكلة، فدعت على أخيها فأُصيب بحادثٍ كبير، وهي تشعر بالذنب تجاهه، وتسأل ماذا يفعل؟

التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، منذ سنين كنت أتناول أنا وأخي الطعام، فغضب مني فجأةً، وحرمني من الطعام، فغضبتُ، وشعرتُ بالحسرة والقهر، فدعوتُ عليه، وقلت له: أصابك الله بحادثٍ تُكسَر فيه أطرافُك، وبعد يومين فقط أُصيب أخي بحادث كبير جدًّا كاد يموت فيه لولا رحمة الله ولطفُه، ونتج عنه كسر شديد جدًّا أدى إلى بتْر أطرافه.


أشعر بالذنب الشديد، فأنا لم أقصد بدعائي أن يُصبح أخي محرومًا من نعمة الأطراف، أشعر بالحزن، وأَوَدُّ لو أني قُطِع لساني في ذلك اليوم، فهل يعني هذا أن ربي قد استجاب دعائي؟ ماذا أفعل؟



الجواب


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ الهداية، والتوفيق، والسداد.


ثانيًا: لا شك أن دعائكِ على أخيك بأن يصيبه مكروه سواء قلَّ أو كَثُرَ من الظلم والإساءة والتعدي، فمن أخلاق المسلم أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، والله تعالى لا يستجيب لدعوةٍ فيها ظلم، ففي الحديث: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم)؛ مسلم: (7036).


أما كون الحادثة التي أصابت أخيكِ بعد دعائكِ عليه، فهذا مما صادف قدر الله، ولا يلزم أنه استجابة لدعوتكِ عليه، فكل شيء بقدر الله حتى العجز والكيس، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء عنده بمقدار وأجل مسمى.

ومن فضل الله أنَّ الدعاء الذي يصدر بغير قصدٍ حال الغضب لا يستجاب؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ [يونس: 11].

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يخبر تعالى عن حِلمه ولُطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم - والحالة هذه - لطفًا ورحمة)؛ تفسير ابن كثير: (2/ 537).

وقال ابن القيم: (فاقتضتْ رحمة العزيز العليم ألا يؤاخذه بذلك، ولا يجيب دعاءه؛ لأنه عن غير قصدٍ منه، بل الحامل له عليه الغضب الذي هو من الشيطان)؛ إغاثة اللهفان: (صـ 33).

وعلى كل حالٍ، فإن مسألة استجابة الدعاء علمُها عند الله، وليحذر المسلم من الدعاء على غيره؛ حتى لا يقع في مثل هذا الحرج الذي تشعرين بمثله الآن، لا سيما إذا ما صادف الدعاء ما يضر بالمدعو عليه كما حدث معكِ، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ)؛ رواه مسلم: (3014).

والنصيحة لكِ أيتها الأخت الفاضلة أن تطرحي عنكِ هذا الظن، وأن تنشغلي بالدعاء لأخيكِ ورعايته، وتوفير ما يدخل السرور على قلبه، وأن تكثري من الاستغفار والتوبة، وألا تعودي للدعاء على أحدٍ مرة ثانية، إلا أن تكوني مظلومة، والأولى أن تقولي: حسبي الله ونعم الوكيل، والأفضل العفو والمسامحة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40]، هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz609xf9OgO