الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، (وبعد) ،
١ - على الخطيب والمحاضر أن يستجمع إخلاص قلبه ، فما أصعب موقفه بالنسبة للإخلاص ، ولا يخفى وعيد المرائين ، خاصة المتصدين لتعليم الناس .
٢ - ليَعلمْ أنه مطلوب أن يخاطب نفسه أولا ، فحال واعظ الناس وناسي نفسه حال متهم في عقله ، وهي حال غير مرضية لله تعالى .
٣ - ليعلم الخطيب والمحاضر أنه قائم بأعظم مهمة ألا وهي البلاغ عن الله تعالى على طريقة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز عدم إقدار ذلك قدره بإهمال التحضير والإعداد للخطبة أو المحاضرة .
٤ - على الخطيب والمحاضر أن يستن بنبيه صلى الله عليه وسلم في قصر الخطبة وطول الصلاة بعدها ، فهذا من علامات فقهه ، وخير الكلام ما قل ودل .
٥ - على الخطيب والمحاضر أن يكون له هدف عام يستصحبه لا أقول فقط في خطبه ومحاضراته بل في حياته كلها ألا وهو إخراج النفس والناس من الظلمات إلى النور ، بتعبيدهم جميعا لله تعالى وحده.
ومثال ذلك : موضوع الصدق ، فالهدف الذي تنطق به كلمات الداعية أن أساس الصدق وأصله صدق القلب ، وهو إيمانه بالله تعالى وتوحيده ؛ لأنه وافق وتَوَافق قلبُه بذلك مع حكمة خلقه ، أما أن يغيب عن قلبه أو لا ينشأ به شيء من ذلك ، فهذا أصل كل كذب ، ثم ينطلق بهذا الهدف في كل خطبته أو محاضرته ، لا بأن يكرر ذلك الذي أصَّله في بداية كلامه ، ولكن بطريقة غير مباشرة ، بإيراد النماذج والأمثلة الدالة عليه في كل عنصر من عناصر موضوعه ، مع الإشارة إليه .
٦ - لكل موضوع مناسبة أو سبب ذكر ، أرى أن من حسن جذب انتباه السامعين ذكرها ، ومثال ذلك :
أن يتكلم مثلا في شهر شعبان عن رمضان واستقباله ، أو مع كثرة الفتن عن النجاة في أوقاتها ، فيذكر مناسبة أو سبب موضوعه .
٧ - الخطب والمحاضرات قسمان :
خطب نصية ، وأخرى موضوعية ،
- (النصية) تدور حل نص من الكتاب أوالسنة يتناوله الخطيب بالشرح والتعليق وإسقاط على الواقع ،
- (الموضوعية) تدور حول موضوع وباب تحته نصوص متنوعة ،
الأولى ينصح بها المبتدئ ولا مانع من أن يأخذ بها المتمرس .
٨ - أرى أن من الأهمية ذكر عنوان للخطبة أو المحاضرة للسامعين شريطة ألا يزيد على خمس أوست كلمات - على الأكثر - ، وكلما قصر العنوان كان أفضل ، وأحسن العناوين المأخوذة من القرآن والسنة ،
وعلى الخطيب أن يتوافق موضوعه مع عنوانه تطابقا ،
ومثال ذلك : (هدى للمتقين) ، (وقفات تربوية مع الهجرة) .
٩ - لابد للخطيب من أدوات أساسية ، هي كالتالي :
* حفظ ما لا يقل عن عشرة أجزاء من القرآن خمسة من أوله ، وخمسه من آخره ، مع إلمامه بأحكام التجويد ، فلا يصح بحال أن يكون الداعية غير مجيد لتلاوة القرآن ، أنصح بالالتحاق بمعهد قرآن كمعهد نور الرحمن بأميرية البلد ، أو مدسة القرآن بمسجد التوحيد (عزوز) بالمطرية التروللي . .
وكذلك مع معرفة تفسيرها ، أنصح بالمختصر في التفسير .
* دراسة أساسيات اللغة مع التدريب العملي بنماذج جاهزة ، أنصح بالنحو الواضح لعلي الجارم بأجزائه .
* معرفة أساسيات العقيدة ودراستها جيدا ، أنصح بتطهير الجنان والأركان ، ثم شرح كتاب التوحيد والأصول الأربعة ثم ركائز الإيمان .
* قراءة مختصر في الحديت ، أنصح بجامع العلوم والحكم .
* قراءة مختصر في السيرة ، أنصح بسيرة خاتم المرسلين للندوي ، فهو كتاب أكثر من رائع ، وله كتاب آخر مختصر في السيرة أيضا اسمه السيرة النبوية ، وكتاباته رحمه الله المختصرة في السيرة الهدف منها الإلمام بالأحداث إجمالا ، ومن بعد ذلك أنصح بقراءة فقه السيرة للغضبان .
* قراءة ما يفتح للداعية أفقه على الواقع ، أنصح بواقعنا المعاصر ، ومفاهيم ينبغي أن تصحح ، والطريق إلى الجنة .
* قراءة مختصر في الفقه أنصح بالفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة علماء .
* قراءة مختصر في الآداب ، أنصح بحلية طالب العلم .
هذا للمبتدئ ، وينبغي أن يستزيد الداعية في كل باب من هذه الأبواب على طول مشواره الدعوي بمعدل كتاب في كل فرع كل ثلاثة أشهر على الأكثر .
١١ - ينبغي للداعية أن يعلم أنه عنوان ، فلا يصح إلا أن يكون واضحا جامعا مانعا ، واضحا في إرشاد الناس بأعماله ، جامعا لما يدعوا إليه ، مانعا من هدم ذلك بنقيضه ، وليراع في ذلك الإخلاص .
(كيف تعد موضعك ؟)
إن إعداد موضوع الخطبة ، واستفادة المستمعين منها يتوقف على سبع نقاط :
١ - تحديد الموضوع .
٢ - تحديد سبب الكلام فيه .
٣ - معرفة مصادره التفصيلية .
٤ - معرفة طريقة إعداده منها .
٥ - معرفة طريقة حفظه .
٦ - معرفة كيف يؤدى على المنبر أو في المحاضرة .
٧ - معرفة كيف يستفيد المستمع .
١ - تحديد الموضوع :
في نظري هذه أهم النقاط ؛ إذ عليها ينبنى العمل كله ، وتحديد الموضوع إما لمناسبة زمنية معينة ، كرمضان والعيد والحج و بداية السنة الهجرية و...، وإما لمناسبة حالية أي لمعالجة حال معينة ، كالتوحيد ، وبر الوالدين ، والوفاء ، و...
٢ - تحديد سبب الكلام فيه :
هذا هو المحدد لاختيار الموضوع ، فقد يكون الداعية رأى احتياج واقعه للكلام على موضوع بعينه ، أو لأن المناسب في هذا الزمان الكلام على هذا الموضوع كالكلام على المولد النبوي الشريف بين السنة والبدعة ، والكلام على خطبة عرفة في حجة الوداع ، وهكذا .
وأولى الموضوعات بالكلام : الموضوعات المنهجية المتعلقة بالتصور والاعتقاد والمنهج السلوكي ، كخطب العقيدة وبيان كيف يكون الإيمان ، والكلام على أسماء الله وصفاته ، والتحذير من الشرك وصوره ، وكخطب السيرة والتاريخ والقصص ، وخطب الأخلاق والأدب ، وخطب الرقاق ،
وهناك خطب تتعلق بالواقع ومعالجته كخطب الكلام على الفتن وكيف حال المسلم في أوقاتها ، والكلام على المنافقين وأوصافهم وكيف معرفتهم والتعامل معهم ، وكخطب في معالجة بعض المستجدات السياسية ، وهكذا .
٣ - معرفة مصادره التفصيلية :
لابد للداعية من معرفة المصادر التي منها يكون تحضير موضوعه تفصيلا ، وهذه المصادر منها ما هو معد جاهز كموسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكالمفيد في خطب الجمعة والعيد ، وغيرهما ، ولا أنصح بأن يكون تمام الاعتماد عليها على طريقة القص والإلصاق ، بل لا بد للداعية من أن يعود نفسه على رؤيته الخاصة به في الموضوع ، ولابد من ألا يكون موضوعه مجرد نصوص دون ربطها بالواقع ،
وعند إيراد آيات لابد من البحث عن تفسيرها في مظانها من كتب التفسير كابن كثير والسعدي ، وكمحاسن التأويل للقاسمي ، وكالتحرير والتنوير لابن عاشور ، وكالظلال أحيانا ، لكن إن لم يكن له معرفة بالصحيح من السقيم مما يرده المفسرون في كتبهم ومعرفة بمعتقتادهم ومناهجهم فيها ، فإنه يكفيه ابن كثير كقديم والسعدي كحديث .
وعند إيراد أحاديث لابد من معرفة شروحها من مظانها كفتح الباري لابن حجر ، والنووي في المنهاج شرح صحيح مسلم ، والعيني في شرح سنن أبي داود ، وكالأجزاء الخاصة ككلام ابن رجب في جامع العلوم والحكم ، وابن دقيق وابن عثيمين في شرح الأربعين النووية ، وغير ذلك مما يقف الداعية عليه ويتعرف عليه ويكون له خبرة فيه على مر الوقت ، ولا ينبغي أن يُغفل عن الكتب التي بدأ بها في مرحلة الإعداد أعني إعداده هو ، والتي سبق ذكرها في كل فرع من فروع الأساسيات ، وكل شيء يذكر الداعية فيه شيء يرجع إلى مكانه وشرحه في كتب العقيدة ، أو غيرها ليقف على كلام العلماء فيها ، ومما أنصح بالرجوع إلى كلامه ومؤلفاته أيضا الشيخ عبد العزيز ناصر الجليل ، فله مؤلفات مفيدة في ذلك ، وكلام ومؤلفات الشيخ أحمد فريد في السيرة والعقيدة والرقاق ، وكلام العلامة عبد المحسن البدر في الأسماء والصفات ، ولا يخفى أهمية المكتبة الشاملة في ذلك .
٤ - معرفة طريقة إعداد الموضوع :
هذا المنشور سأذكر فيه إن شاء الله أفضل طريقة مختصرة لإعداد الخطيب موضوعه ، فهي كالتالي :
١ - تحديد الموضوع المتكلم فيه وليكن (الصدق) .
٢ - وضع عنوان مناسب للموضوع ، ولا أحسن من : (وكونوا من الصادقين) ، وليست مناسبة العنوان فقط في كونه يعبر عن الموضوع المتكلم فيه بغير خفاء ، لكن المناسبة كذلك في أن يتطابق دلالة مع كل جزءيات الموضوع ، فمثلا لو أني أردت أن أتكلم على الصدق ، فوضعت عنوان : (وقفة مع أعظم أخلاق الإسلام) ،
فهذا عنوان معيب من حيث خفائه ، ولو وضعت له عنوان : (التربية الأخلاقية في الإسلام) ، فهذا أيضا عنوان معيب ؛ لأنه اشتمل على موضوع غير الموضوع ، وهو ذكر عملية التربية الأخلاقية في الإسلام ، فلو كان هذا العنوان لموضوع في السيرة مثلا يتكلم فيه المحاضر أو الخطيب على المرحلة المكية والأخرى المدنية ، ويذكر فيه أمثلة ونماذج على هذا النوع من التربية ، لكان مناسبا ، أما أن يعنون له لموضوع الصدق بعينه ، اللهم فلا .
٢ - لابد للداعية أن يكون هناك سبب لموضعه ، وإن لم يذكره في خطبته ، فمن أسباب الكلام على الصدق مثلا :
* أنه الدين ، فلا دين لمن لم يتصف به ، ومن هنا يدفع المحاضر دعوى أن الصدق في الأقوال فقط .
* أنه الفلاح وصفة المفلحين ، والكذب هو الخسران وصفة الخاسرين .
* ما شاع في هذه الأزمان من ازدواجيات في الشخصيات ، ونفاق وكذب .
فالداعية لا يحصر كلامه فقط في الحض على الصدق ، بل يحذر كذلك من ضده ، وهو الكذب .
٣ - لا أرى أن يقسم الخطيب خطبته إلى عناصر للجمهور ، وإن كان مطلوبا أساسيا في التحضير ، وأبلغ من هذا :
أن ينتقل بالسامع بين العناصر بتسلسل مفهوم ، تكمل به فكرة موضوعه .
٤ - لابد هنا أن يتصور الداعية عناصر لموضوعه ، فمثلا :
* سبب الكلام على الموضوع .
* الصدق وأهميته في هذه الأزمان .
* الأمر بالصدق والنهي عن الكذب .
* بيان العنوان : ( وكونوا مع الصادقين) ، وأنه أبلغ من قول : اصدقوا .
* حقيقة الصدق .
* مجالات الصدق .
* نماذج من الصادقين .
* جزاء الصادقين .
* عاقبة الكذب .
* خاتمة تجمع نقاط الموضوع .
٥ - أخيرا يجمع الخطيب والمحاضر في دفتره كل النصوص من الكتاب والسنة وأقوال السلف والعلماء قديما وحديثا مضافا إلى ذلك رؤيته وبصمته في ذلك ، ويضع كل نص تحت عنصره ، ثم يقتصر على النصوص الجامعة ليكتفي بها ؛ ليتجنب الإطالة .