مواقف عبدالله بن عمر الاحتسابية
عادل محمد هزاع الشميري



اسمه ونسبه وكنيته:
هو "عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب"[1].
وقال الذهبي: "عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي، ثم المدني"[2].
"أمه وأم أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون الجمحي"[3].
أولاده:
وأولاده من صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي: أبو بكر وواقد، وعبد الله وأبو عبيدة، وعمر وحفصة وسودة، ومن أم علقمة المحاربية: عبد الرحمن، وبه يكنى، ومن سرية له: سالم وعبيد الله وحمزة، ومن سرية أخرى: زيد وعائشة، ومن أخرى: أبو سلمة وقلابة، ومن أخرى: بلال، فالجملة ستة عشر"[4].
إسلامه ومبايعته للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
"أسلم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم، واستصغر يوم أحد، فأول غزواته الخندق، وهو ممن بايع تحت الشجرة"[5].
الذين روى عنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -:
"روى علماً كثيراً نافعاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبيه وأبي بكر، وعثمان وعلي، وبلال وصهيب، وعامر بن ربيعة، وزيد بن ثابت، وزيد عمه، وسعد وابن مسعود، وعثمان بن طلحة، وأسلم، وحفصة أخته وعائشة، وغيرهم"[6]، وروى عنه خلق كثير[7].
ثناء السلف عليه - رضي الله عنه -:
عن جابر بن الله - رضي الله عنها - قال: "ما رأيت أحداً، وما أدركت أحداً إلا وقد مالت به الدنيا، أو مال بها إلا عبد الله بن عمر"[8].
وقال سعيد بن المسيب: "لو كنت شاهداً لأحد حي إنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر"[9].
وعن نافع قال: "لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - لقلت: هذا مجنون! "[10].
"قال ابن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر.
وعن حذيفة قال: ما منا أحد يفتش إلا يفتش عن جائفة، أو منقلة إلا عمر وابنه.
وعن عائشة: ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر.
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه.
وقال أبو إسحاق السبيعي: كنا نأتي ابن أبي ليلى وكانوا يجتمعون إليه، فجاءه أبو سلمة بن عبد الرحمن، فقال: أعمر كان أفضل عندكم أم ابنه؟ قالوا: بل عمر، فقال: إن عمر كان في زمان له فيه نظراء، وإن ابن عمر بقي في زمان ليس له فيه نظير.
وقال قتادة: سمعت ابن المسيب يقول: كان ابن عمر يوم مات خير من بقي.
وعن طاووس: ما رأيت أورع من ابن عمر.
وقال ابن الحنفية: كان ابن عمر خير هذه الأمة.
وقال نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تركنا هذا الباب للنساء))، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات"[11].
وفاته:
"توفي عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - سنة ثلاث وسبعين، وفيها توفي عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه"[12].
وجاء في سير أعلام النبلاء: "عن سالم بن عبد الله: مات أبي بمكة، ودفن بفخ سنة أربع وسبعين، وهو ابن أربع وثمانين، وأوصاني أن أدفنه خارج الحرم، فلم نقدر؛ فدفناه بفخ في الحرم في مقبرة المهاجرين"[13].
كلام جميل في وصف عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -:
"عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن العدوي خال المؤمنين، من أملك شباب قريش عن الدنيا، هاجر مع أبيه عمر - رضي الله عنهما -، كان آدم طوالا له جمة مفروقة تضرب قريبا من منكبيه، يقص شاربه، ويشمر إزاره، يصفر لحيته، أعطي القوة في العبادة، وفي البضاع، كان من التمسك بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسبيل المبين، وأعطي المعرفة بالآخرة، والإيثار لها حق اليقين، لم تغيره الدنيا، ولم تفتنه، كان من البكائين الخاشعين، وعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الصالحين، استصغره عن بدر فغلبه الحزن والبكاء، وأجازه يوم الخندق، فأذهله عن الأمن والتكى، نقش خاتمه عبد الله لله"[14].
مواقف عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - الاحتسابة:
- احتسابه - رضي الله عنه - على صديق له تكلم في القدر ومقاطعته له:
فقد كان لابن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر: "إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر؛ فإياك أن تكتب إلي؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر))"[15].
- احتسابه - رضي الله عنه - على من يحسِّن منكر السلطان:
وذلك أنه لقي ناساً خرجوا من عند مروان، فقال: "من أين جاء هؤلاء؟ قالوا: خرجنا من عند الأمير مروان، قال: وكل حق رأيتموه تكلمتم به، وأعنتم عليه، وكل منكر رأيتموه أنكرتموه، ورددتموه عليه؟ قالوا: لا والله، بل يقول ما يُنكَر، فنقول: قد أصبت، أصلحك الله، فإذا خرجنا من عنده قلنا: قاتله الله ما أظلمه، وأفجره، قال عبد الله: كنا بعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعد هذا نفاقاً لمن كان هكذا"[16].
- احتسابه - رضي الله عنه - على الحجاج:
عن خالد بن سمير قال: "خطب الحجاج على المنبر، فقال: إن ابن الزبير حرف كتاب الله، فقال له: ابن عمر: كذبت، كذبت، كذبت، ما يستطيع ذلك، ولا أنت معه، فقال له الحجاج: اسكت؛ فإنك شيخ قد خرفت، وذهب عقلك، يوشك شيخ أن يؤخذ، فتضرب عنقه، فيجر قد انتفخت خصيتاه، يطوف به صبيان أهل البقيع"[17].
وقد قام ابن عمر إلى الحجاج وهو يخطب، فقال: "يا عدو الله، استحل حرم الله، وخرب بيت الله، فقال: يا شيخاً قد خرف، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسودته، فأخذ حربة مسمومة، وضرب بها رجل ابن عمر، فمرض ومات منها، ودخل عليه الحجاج عائداً، فسلم، فلم يرد عليه، وكلمه فلم يجبه"[18].
وعن سعيد بن جبير قال: "لما أصاب بن عمر الخبل الذي أصابه بمكة، فرمي حتى أصاب الأرض، فخاف أن يمنعه الألم، فقال: يا بن أم الدهماء، اقض بي المناسك، فلما اشتد وجعه بلغ الحجاج، فأتاه يعوده، فجعل يقول: لو أعلم من أصابك لفعلت وفعلت، فلما أكثر عليه، قال: أنت أصبتني؛ حملت السلاح في يوم لا يحمل فيه السلاح"[19].
- احتسابه - رضي الله عنه - على المدَّاحين:
عن عطاء بن أبى رباح: "أن رجلاً كان يمدح رجلاً عند ابن عمر، فجعل ابن عمر يحثو التراب نحو فيه، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيتم المدَّاحين؛ فاحثوا في وجوههم التراب)"[20].
وفي رواية أخرى: "كان رجل يمدح ابن عمر، قال: فجعل ابن عمر يقول هكذا -يحثو في وجهه التراب-، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا رأيتم المدَّاحين؛ فاحثوا في وجوههم التراب)"[21].
عن نافع وغيره: "أن رجلاً قال لابن عمر: يا خير الناس، أو يا ابن خير الناس، فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله - تعالى -وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه"[22].
- احتسابه على من أراد استنقاص الصحابة:
فعنه - رضي الله عنه - قال: "جاءني رجل من الأنصار في خلافة عثمان، فكلمني، فإذا هو يأمرني في كلامه بأن أعيب على عثمان، فتكلم كلاماً طويلاً، وهو امرؤ في لسانه ثقل، فلم يكد يقضي كلامه في سريح، قال: فلما قضى كلامه، قلت له: إنا كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي: أفضل أمة رسول الله بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وإنا والله ما نعلم عثمان قتل نفساً بغير حق، ولا جاء من الكبائر شيئاً، ولكن هو هذا المال؛ فإن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه أولي قرابته سخطتم، إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم؛ لا يتركون لهم أميراً إلا قتلوه"[23].
وعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: "جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوماً جلوساً، فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: قريش، قال: من الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر، قال: فقال: يا ابن عمر، إني سائلك عن شيء؛ فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، أتعلم أن عثمان فرَّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال: أتعلم أن عثمان تغيب عن بدر، فلم يشهدها؟ قال: نعم، أتعلم أن عثمان تغيب عن بيعة الرضوان، فلم يشهدها؟ قال: نعم، فكبر، قال: الله أكبر، فقال ابن عمر: تعال أبين لك كل ما سألتني عنه؛ أما فراره يوم أحد، فأشهد أن الله قد عفا عنه، وغفر له، وأما تغيبه عن بدر، فإنه كانت تحته ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمرضت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لك أجر رجل شهد بدراً، وسهمه)، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بعثه مكانه بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان إلى مكة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى: (هذه يد عثمان)، فضرب بها على يده - صلى الله عليه وسلم -، وقال: (هذه لعثمان)، قال ابن عمر للرجل: اذهب بهذا الآن معك"[24].
وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: "لا تسبوا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره"[25].
- احتسابه - رضي الله عنه - على من كانوا سبباً في قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما -:
فعن ابن أبي نعم قال: "كنت شاهداً لابن عمر، وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا! يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -! وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (هما ريحانتاي من الدنيا)"[26].
- احتسابه على الناس أيام الفتنة في بيان حرمة دم المسلم:
عن الحسن قال: "لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر، فقالوا: أنت سيد الناس، وابن سيدهم، والناس بك راضون؛ اخرج نبايعك، فقال: لا والله، لا يهراق فيَّ مِحْجَمة من دم، ولا في سببي ما كان فيَّ روحٌ"[27].
- احتسابه رضي الله عته على الحسين بن علي - رضي الله عنهما - ألا يصدِّق شيعة العراق:
روى الخطابي في كتابه العزلة بسنده إلى الشعبي أنه حدث عن ابن عمر: "أنه كان بماله، فبلغه أن الحسين - رضي الله عنه - قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ثلاثة أيام، فإذا معه طوامير وكتب، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: لا تأتهم، فأبى، فقال: إني محدثك حديثاً أن جبرائيل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا، وإنكم بضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع، قال: فاعتنقه ابن عمر وبكى، وقال: استودعك الله من قتيل"[28].
رضي الله عن عبد الله بن عمر وعن والده وعن جميع الصحابة الكرام، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم.
__________________
[1] معجم الصحابة لابن قانع (2/82).
[2] سير أعلام النبلاء (3/203-204).
[3] المصدر السابق (3/204).
[4] المصدر السابق (3/238).
[5] المصدر السابق (3/204).
[6] المصدر السابق (3/204)
[7] انظر سير أعلام النبلاء (3/204-208).
[8] معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/1705).
[9] فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل (2/895).
[10] معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/1707).
[11] بتصرف من سير أعلام النبلاء (3/211-213).
[12] الوفيات لابن قنفذ (1/2).
[13] سير أعلام النبلاء (3/231).
[14] بتصرف يسير من معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/1705).
[15] رواه أبو داود برقم (4613)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3669).
[16] رواه أحمد برقم (5350)، وصححه الألباني وغيره في تحقيق المسند (9/273).
[17] الطبقات الكبرى (4/184).
[18] سير أعلام النبلاء (3/230).
[19] الطبقات الكبرى (4/185).
[20] رواه البخاري في الأدب المفرد (1/124)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (569).
[21] رواه أحمد برقم (5651)، وقال الأرناؤوط وغيره: صحيح لغيره، انظر تحقيق المسند (9/496).
[22] حلية الأولياء لأبي نعيم (1/307).
[23] فضائل الصحابة لابن حنبل (1/94).
[24] المصدر السابق (1/506).
[25] رواه ابن ماجه برقم (162).
[26] رواه البخاري برقم (5994).
[27] سير أعلام النبلاء (3/226).
[28] العزلة لخطابي (1/15-16)