أختاه كوني خير متـاع

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين , أمابعد :
قال الله تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواحا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الروم 21 . لو تأملنا قليلا في قوله تعالى : \" خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها \" قال سبحانه : ــ ( من أنفسكم ) أي ليس من جنس آخر , وهذا أدعى للألفة , والتفاهم , والمحبة , والإحترام , والتقدير, والكلمة الطيبة , والطمأنينة , للتقارب الروحي والسكن النفسي , والأنس بين الزوجين , إذ أنهما يقيما علاقة ينبغي أن تكون متينة , وسلوكيات وتصرفات رصينة , أساسها المودة والرحمة , يكمل أحدهما الآخر, هدفهما واحد , ألا وهو : إقامة البيت المسلم , الأسرة المسلمة , المؤمنة , التقية , التي تقيم الإسلام , تقيم كلمة التوحيد فيه \" لا إله إلا الله محمدا رسول الله \" عاليا بكل معانيها , في جو من المحبة المتبادلة , والتعاون الدائم البناَء لإسعاد بعضهما بعضا, وإسعاد من حولهما .
أسرة تحتاج إلى تخطيط وإدارة فعَالة , تتحسس نقاط الضعف , وتحسن العلاج , أسرة قوامها الرجل يعينه على ذلك المرأة الصالحة التي وصفها الله تبارك وتعالى أنها تعمل ضمن كونها إمرأة ترضى بالمقدور , وتتفهم حقيقة الأمور . قال الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء 34 . إن المرأة نظرا إلى طبيعتها كأنثى , تكون سعيدة إذا آوت إلى \" ركن شديد \" إلى رجل ذا شخصية قوية , يواجه بها المجتمع من حولها , تحتاج إلى رجاحة عقله , واتزانه , وتحتاج إلى رعايته وحمايته . فينبغي عليها أن تقدر أهمَية دور الرجل بما منَ الله تعالى عليه من حق القوامة ... قوامة التشريف والتكليف , ومن أهمية أولاه الله تعالى إياها في حياتها . وما عليها إلا أن تكون راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها ، زوجة صالحة ، أمَا صالحة ، قدوة صالحة ، تزوَد المجتمع المسلم بعناصر صالحة . فاحذري أختاه يا من امتنَ الله تعالى عليك بنور الهداية ... بنور الإسلام ... أن تسلكي سبل المغضوب عليهم ، والضالين الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ، وآثروا لذة فانية بنعيم مقيم ، سيرا وراء التقدمية والحرية والشعارات البراقة ، فما تركوا من فضيلة إلا حاولوا طمسها ، ولا رذيلة إلا زينوها وزخرفوها .
احذري يا أختاه أن تسلكي سبل الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ، ، فإن وراءك يوما يجعل الولدان شيبا . لقد جاء الإسلام بتشريع متكامل بنَاء لجميع شؤون الحياة ، فكما جعل الله تبارك وتعالى غذاء للأجساد , فقد جعل غذاء للأرواح تسمو به وتسعد , إن هذا الدور وهذه الأهمية للرجل ، تشريع جاء من لدن حكيم عليم , لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . فقد جعل للحياة الزوجية مكانة عظيمة , وعلاقة سامية , مبينا أدق خصائصها , في كتاب الله تارك وتعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , موجها طرفيها لما فيه سعادة الدارين الدنيا والآخرة . قال بن عباس رضي الله عنهما : تضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة , ثمً تلا قول الله تعالى : ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) طه 123 ــ 126 . فما بال معدلات الطلاق ارتفعت ارتفاعا مذهلا ؟؟ . يقول أحد القضاة : إنَ ما يتم تسجيله من حالات الطلاق في اليوم الواحد , أكثر مما يسجل من حالات الزواج .
إنَ الذين يسعون إلى متاع زائل سرعان ما يملَون , ويدركون أن الأمر ليس كما يشتهون . فتنقلب عليهم الأمور . فهم في حيرتهم يتخبطون , أما من منَ الله عليه بنورالبصيرة , فإنه يسعى إلى تحكيم المنهج الرباني في اختيار الصاحب بالجنب ـ شريك الحياة ـ ... وفي اختيار خير متاع . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا متاع , وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) مختصر مسلم 797 . وفي رواية عن عبد الله بن عمرو للإمام أحمد ومسلم والنسائي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا كلها متاع , وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ) صحيح الجامع 3413 . فما هي صفات المرأة الصالحة ؟؟ قال الله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضَل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليَا كبيرا ) النساء 34 .
أ : ــ الإيمان والإتباع : ــ إن المرأة الصالحة التي وصفها الله هي المرأة المسلمة , المؤمنة بالله تبارك وتعالى , الموحدة التي لا تشرك بالله شيئا ، التي تقدم كلام ربها على هوى النفس , وعلى كل كلام . ، المتبعة لهدي رسولها الله صلى الله عليه وسلم . تحب أهل الطاعة بقدر طاعتهم , وتبغض أهل الكفر والبدع والمعاصي بقدر معصيتهم . فالصلاح توحيد واتباع . بهما تدرك سعادة الدارين الدنيا والآخرة . وهذا يحتاج إلى إرادة قوية فعالة , ومجاهدة لحب الدنيا , وحب الشهوات , وتزيين الشياطين , وأعداء الدين من الإنس والجن , يحتاج إلى المودَة والرحمة ، إلى ضبط للنفس , وصدق للنية . يحتاج إلى التعاون والتخطيط البنَاء بين الزوجين , لوضع هدف مشترك بينهما يسعيان إلى تحقيقه , وذلك بمعرفة كل منهما ما له وما عليه من حقوق وواجبات يسعد بعضهما بعضا , فيسعدان بإذن الله تعالى ويسعدان من حولهما . يتحسسان نقاط الضعف ــ إن وجدت ــ ويعالجانها بواقعية وصبر , وثبات , وعدم يأس , ضمن أسرة مسلمة , مؤمنة تقية قوَامها الرجل . أسرة تقيم الإسلام , وكلمة التوحيد \" لا إله إلا الله محمدا رسول الله \" عاليا على وجه الأرض بكل معانيها . قال الله تعالى : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة لا يظلمون نقيرا ) النساء 124.
ب : ــ الطاعة بالمعروف : ــ وذلك لقوله تعالى : \" قانتات : طائعات \". تعلم المرأة عظم الأمانة التي ائتمنت عليها , وعظم حق زوجها عليها , فتسارع إلى طاعته بالمعروف , طاعة لله تبارك وتعالى , فلا تصوم نافلة وزوجها شاهد إلا بإذنه ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ، ولا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه ، تحرص على الأدب معه , وحسن الخلق , فإن ذلك لا يحط من شأنها , بل هو احترام للنفس ورفع لقدرها , ترفع فيه الدرجات ويغضَ الطرف عن العيوب . عن عبدالله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله , لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي تفس محمد بيده , لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله , حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ) صحيح الجامع 5295 . الإرواء 1998 . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) متفق عليه وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امراته إلى فراشه ، فتأبى عليه ، إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها ) رواه مسلم . وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت إليه حقه ) صحيح رواه الحاكم . صحيح الجامع 3148 . وفي رواية لإبن أبي شيبة , والبزار بإسناد جيد ــ بزيادة ــ ( ... أو انتثر منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت إليه حقه ) . ما أبلغها من موعظة !! وقد رأينا وسمعنا عن أخوات ــ هداهن الله تعالى ــ رفعن التكليف كثيرا مع الأزواج , فارتفع الصوت عليهم , وارتفعت الأيدي !! , فكنَ كما أرادهنَ أعداء الدين , متمردات متحررات حتى من القيم والأخلاق , سلعا رخيصة في الشوارع والأسواق , ووسائل الإعلام . وما كان ذلك ليكون إلا لسوء التربية , والبعد عن المنهج الرباني , وتخلَي الأزواج وأولياء الأمور عن حق منحهم الله تعالى إياه , \" ألا وهو حق القوامة \" فما رعوه حق رعايته . إلا ما رحم ربي . فعن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا ) صحيح الجامع 7192 . ج : ــ حسن التبعل وذلك بأن تحرص على إسعاد الزوج والتلطف معه وإشعاره بالمحبة والتقدير ، والإهتمام بالمظهر والزينة والطيب له ضمن حدود الشرع الحكيم ، عن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاء , فمن السعادة : المرأة الصالحة تراها فتعجبك , وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك , والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك , والدار تكون واسعة كثيرة المرافق , ومن الشقاء : المرأة تراها فتسوؤك وتحمل لسانها عليك , وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك , والدابة تكون قطوفا , فإن ضربتها لأتعبتك , وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك , والدار تكون ضيقة قليلة المرافق ) صحيح الجامع 3056 . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير النساء التي تسره إذا نظر , وتطيعه إذا أمر, ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ) الصحيحة 1838 , صحيح الجامع 3298 . وعن عبدالله بن سلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير النساء من تسرك إذا أبصرت , وتطيعك إذا أمرت , وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك ) صحيح الجامع 3299 . ما أروع أن تكون وسيمة , عاقلة , عفيفة , نظيفة ، صيَنة , هينة , ليَنة , متواضعة , ودود , فكل كلمة طيبة , وكل بسمة, وكل عفو , وكل عطاء , وكل عناء , تحتسبه في ميزان حسناتها ، لا تحتقر من المعروف شيئا . عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تحقرن من المعروف شيئا , ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) مختصر مسلم 1782 . شتان بين وجه عبوس مقطب منفَر كأن هموم الدنيا على كاهل صاحبه ، وبين وجه طلق ذا بسمة حنون لها أثر رائع في فتح القلوب ، وراحة النفوس ، وتحقيق المراد . إن الزوجة الصالحة حسنة الخلق ، حسنة المعاشرة ، متوددة إلى زوجها ، تعود عليه بالخير ، فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( .... ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة ؟؟ الودود الولود , العؤود على زوجها التي إذا ظلمت قالت : هذه يدي في يدك . لا أذوق غمضا حتى ترضى ) صحيح الجامع 2604 . وأوصت أم ابنتها عند زواجها فقالت : ـ [ أي بنية لا تغفلي عن نظافة بدنك فإن نظافته تضيئ وجهك ، وتحبب فيك زوجك ، وتبعد عنك الأمراض والعلل ، وتقوي جسمك على العمل ، فالمراة التفلة تمجها الطباع ، وتنبو عنها العيون والأسماع ، وإذا قابلت زوجك فقابليه فرحة مستبشرة فإن المودة جسم روحه بشاشة الوجه . د : ــ هادئة , متزنة لها أسلوب راق في الدخول إلى العقل والقلب , باحترام الذات , وحسن الإنصات ، وامتصاص الغضب ، والإرشاد غير المباشر ، من خلال الأخلاق والمبادئ الصادقة النابعة من الأمن الداخلي في أعماق النفس ، والمراقبة لله تبارك وتعالى ، إنها إذا صنعت جوَدت , وإذا غضبت حلمت , وإذا تكلمت بيَنت . فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَ من البيان لسحرا ) رواه البخاري . ما أجمل أن تراعي أختاه أدب الكلام , والتخاطب , وحسن الإنصات , مع أولى الناس بك , وأقربهم إليك بعد الله تبارك وتعالى ــ لتكوني خير متاع ــ . فإنه ــ السحر الحلال ــ . مراعية ما يلي : ــ
1 : ــ الموازنة بحيث يتناسب الكلام مع الموضوع , في التطويل والتقصير , والتدرج بالأولويات , الأهم فالمهم , فإن الناس يملَون ممن يكثرون الكلام , ولا يتركون لغيرهم فرصة للحديث , ولا يحسنون الإصغاء ولا الإستماع . ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس إصغاء وإنصاتا , كانت تأتيه العجوز فينصت إليها , وتأتيه الجارية والمرأة , والرجل , وذا الحاجة فينصت إليهم , وكان من أحسن الناس عشرة لأهل بيته , وله منزلة عظيمة في قلوب أصحابه رضي الله عنهم أجمعين . سمعته السيدة خديجة رضي الله عنها وقد أتاها فزعا أول البعثة ، فهدأت من روعه ، وأثنت عليه ، وواسته بمالها ، وآنسته بتأييد ابن عمها ورقة بن نوفل ، فكانت نعم الزوجة لخير الأزواج .
2 : ــ مراعاة الظروف في الحديث ، فإن لكل مقام مقال ، وذلك بمشاركتة الوجدانية بأفراحه وأحزانه , واحترام شعوره في رضاه وغضبه , ومشاركنه اهتماماته ورغباته , وتقدير جهوده , والثناء عليه . فإن النفوس جبلت على حب الثناء , وعبارات المحبة ، والتشجيع ، والإشتياق , والعرفان بالجميل , والإحترام المتبادل , مهما طالت العشرة بالزوجين . ويخطئ كلاهما جدا إن لم يلقوا بالا لهذه الأمور التي يظنون أنها تافهة ، لا قيمة لها مع تطاول الزمان ، مع أنها كالدم يسري في العروق ، يجدد للحياة الزوجية رونقها وحيويتها وشبابها . وعجبي لا يكاد ينقضي من أزواج يعيشون تحت سقف واحد لا أقول كجيران ، لا والله قد تكون علاقة الجيران أفضل !! لأنهم يعرفون أنهم جيران ، أما هؤلاء فلا هم بجيران ولا هم بأزواج ، أمام الناس أزواج !! وعندما يخلون فهم غرباء كأن لا يمت أحدهم للآخر بصلة !! وقد يكونوا مطلقين منذ سنين ، لكن رضوا بما هم عليه حتى لا يقال ... !! كم تنتهك حرمات ، بحتى لا يقـــــــــــــ ــــــــــال ... ؟؟ !! . يخطئ جدا من لا همَ له من كلا الزوجين إلا السيطرة ، والتحقير , والإستفزاز ، والسب ، والشتم , لا همَ له إلا رضا ه , وإجابة رغباته , دون مراعاة لشعائر الدين , أو لمشاعر الآخرين . وهذا ما تعاني منه الكثير من النساء ، تظن إحداهن أنها اعتلت عرش قلب زوجها , واطمأنت بذلك , وأقفلت عليه في قفص وهمي , لكن سرعان ما يتحطم , بتمرد الأسير على عتبات الأيام , ويذوب الجليد , ويبدو زيف الأوهام ، فتعض أصابع الندم ، حين لا ينفع الندم !! . إن من أعظم حقوق الزوج على زوجته , شكر نعمته , فهو الذي أنفق وآوى , فلا ينبغي أن تقابل الإحسان بالإساءة . فعن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها قالت : مرَ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في جوار أتراب لي , فسلم علينا وقال : ( إياكنَ وكفر المنعَمين . فقلت : يا رسول الله وما كفر المنعَمين ؟ قال لعل إحداكنَ تطول أيمتها من أبويها , ثمَ يرزقها الله زوجا , ويرزقها منه ولدا , فتغضب الغضبة فتكفر , فتقول : ما رأيت منك خيرا قط ) أخرجه البخاري رحمه الله تعالى . الصحيحة 823 . وعجبا لمن تجحد نعمة الزوج فتكفرها , وهي محتاجة له ... لا غنى لها عنه , خاصة إذا كان يستر عورتها , ويسدَ جوعتها , ويحصنها ، ويحسن صحبتها وعشرتها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينطر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه ) الصحيحة 288 .
3 : ــ قد نختلف ، لكن لا ينبغي أن نفترق ، لنبحث نقاط التوافق أولا ، ثم مواضع الخلاف ، دون كيل الإتهامات ، وكثرة اللوم والعتاب . أختاه : احرصي على الإستماع أكثر من الكلام ، وأنشري الطمأنينة أثناء الحوار مع الزوج , وذلك ببيان الأفكار وتوضيحها بهدوء , من خلال الكلمة الطيبة , والإبتسامة , والنظرة الحانية , وبسط الوجه , وكظم الغيظ , وضبط حركة اليدين , وكف الأذى ، سواء بالقول أو الفعل , وحتى لا يشعر الطرف الآخر أنه سينتقل إلى مشادة أو جدال ، فقد يكون ذلك سببا في هروبه من البيت , بحثا عن السعادة المفقودة . أو سببا في الإنطواء على نفسه , وعدم الرغبة في الكلام أو الإستماع , مما يسبب الكآبة والملل . والإنشغال بالصحبة , أو الإستغراق في العمل ــ كما هو حال كثير من الأزواج في أيامنا هذه ــ !! . وما أجمل هذه الوصايا التي أوصى بها خارجة لما زوَج ابنته قائلا : خذ العفو مني تستديــــمي مودتي ........................ ولا تنطقي في سورتي حين أغضب ولا تنــــقريني نقـــــرة الدف مرة ........................ فإنك لا تدري كيـــــــــــف المغـيَب فإني رأيت الحب في القلب والأذى ........................ إذا اجتمعا لم يلبث الحـــب يذهـــب
4 : ـ لاتعرضي عنه إن تكلم , فالنظر أحيانا يعبَر كما يعبَر الكلام , والإعراض استهانة , دعيه يبثَ همومه , دعيه يكمل كلامه .... لا تتلقَفيه , لا تقاطعيه قبل بيان المراد , لا تتسرعي في لحظة غضب أو عصبية , فتبني عليه أحكام !! . فإن احتاج الأمر إلى نصيحة أو تعليق , فلا تكوني آمرة , ولا تكثري من الأسئلة واللَوم , \" لم\" , \" و لا \", \" ولماذا \" وأين \" , \" وكيف \" ؟ وكأنه تحقيق . فالحوار والتعليق فن حبذا لو نتعلمه !! . وابتعدي عن الأسئلة التي تسبب له الحرج والضيق ، لا تنبشي في الماضي وما فيه من أسرار سابقة , ولا تتبعي آثاره وما فيه من خصوصيات لاحقة , فإن بدا لك الخبر فخذي منه وممن حولك العبر . احذري الخوض في المواقف الشخصية المخجلة له ، أو لأقاربه إن وجدت , واحذري التفكه بها لإذلاله ، خاصة أمام الناس .لأن ذلك يوغر الصدور ، ويؤدي إلى الغيبة والنميمة ، فإنها الحالقة التي تحلق الدين . يؤدي إلى قيل وقال ، مما يفسد عليك المآل ... قلق وترقب , وسوء عشرة , وسوء ظن ، وسوء علاقات ، وتراكم هموم , ثم إلى ضعف الأسرة ووهنها , ثم ضعف المجتمع وفساده . فإن كانت هناك مشكلة , فليحرص كلا الزوجين على حلها بدون تدخل الأهل قدر الإستطاعة ، وعليهم باتباع الهدي الرباني بقوله تعالى : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليَا كبيرا ) النساء 34 . فإن لم تثمر الموعظة ، ولا التهذيب النفسي أو الجسدي ، فحكم من أهله وحكم من أهلها ، و ليكن الهدف من التوسط التوصل في الحوار إلى حل وسط يؤدي إلى الوفاق , لا إلى تأجيج المشاكل ثمَ الفــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــراق !! .
5 : ــ احفظي عليه سره ، وإسألي عن اهتماماته , بادري إلى الأمور التي يحبها وتفرحه ، وابتعدي عما يحزنه ويكرهه ، فعن معاذ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو تعلم المرأة حق الزوج ، لم تقعد ما حضر غداؤه وعشاؤه ، حتى يفرغ منه ) الصحيحة 2166 . وقد أوصت أسماء بنت خارجة الفزاري إبنتها عند زواجها قائلة : [ يا بنيتي إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك ، ولكنها تذكرة للعاقل ، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عن الزوج ولكن النساء للرجال خلقن ، ولهن خلق الرجال .يا بنيتي إنك خرجت من العش الذي فيه عشت إلى فراش لا تعرفينه ، وقرين لا تألفينه فكوني له ارضا يكن لك سماء ، وكوني له مهادا يكن لك عمادا ، وكوني له أمة يكن لك عبدا . لا تلحفي عليه فيقلاك. ولا تتباعدي عنه فينساك ، إن دنا منك فاقتربي ، وإن نأى عنك فابعدي عنه ، احملي عني عشر خصال تكن لك ذخرا وذكرا : الصحبة بالقناعة . والمعاشرة بحسن الطاعة . والحفظ لموضع أنفه وسمعه وعينه ، فلا يشمن منك إلا طيبا ، ولا يسمعن إلا حسنا ، ولا ينظر إلا جميلا . والتفهم لوقت طعامه ، والهدوء عند منامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوم مبغضة . والرعاية على عياله وحشمه ، فإن الإحتفاظ بالمال حسن التقدير ، والرعاية على العيال والحشم حسن التدبير . ولا تفشي له سرا ، ولا تعصي له أمرا فإن أفشيت سره لم تأمني غدره ، وإن عصيت أمره أوغرت صدره . ثم اتقي مع ذلك الفرح أمامه إن كان ترحا ، والحزن عنده إن كان فرحا ، فإن الخصلة الأولى من التقصير ، والثانية من سوء التدبير . وكوني اشد ما تكونين إليه موافقة ، يكن لك أطول ما يكون مرافقة . واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك فيما أحببت وكرهت ، والله يختار لك الخير وهو الموفق وعليه الأتكال ] . انتهى . يقلاك : ـ يكرهك . أوغرت صدره : ـ أغضبته . تؤثري : ـ تفضَلي . على أن يكون ذلك فيما يرضي الله تبارك وتعالى فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعة الزوج بالمعروف وحذر من عصيانه ، وقد استهانت الكثيرات في زماننا هذا ... فعن بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما : عبد آبق من مواليه ، حتى يرجع ، وامراة عصت زوجها ، حتى ترجع ) صحيح الجامع 136 .
ولنا في الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن أسوة حسنة . فعن عمَة حصين بن محصن رضي الله عنه قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجه فلما فرغت قال : ( أذات زوج أنت ؟ قلت : نعم , قال : كيف أنت له ؟ قلت ما آلوه إلا ما عجزت عنه , قال : أنظري أين أنت منه , فإنما هو جنتك ونارك ) الترغيب 3/74 . صحيح الجامع 1509 . إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، يقلبها كيف يشاء ، والنفس تدعو إلى الطغيان ، وصحبة السوء ، وتزيين الشيطان ، بالمرصاد ،
فيا أختاه ... يا من تريدين الله والدار الآخرة راجعي نفسك ، أنظري أين أنت من زوجك ، فإن طاعته بالمعروف ، سبب من أسباب دخولك الجنة ، ومعصيته سبب في دخول النار ، وغضب الجبار ، ولعنة الملائكة ، ودعاء الحور العين ، وعدم قبول الصلاة التي هي عمود الدين . واعلمي أن معصيتك لزوجك قد تكون سببا في انتهاكه للمحرمات وفعل الفواحش والمنكرات ، والتي انتشرت ــ والعياذ بالله ــ حتى بين الأرحام ، فتبوئي بإثمك وإثمه . نسال الله تعالى العافية والثبات . فلم لا تبادري أختاه وتكوني خير متاع ؟؟؟ ... فالدنيا كلها متاع , وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة . أسأل الله تعالى أن يجعله متاعا دائما ، ونعيما مقيما في الحباة الدنيا وفي الآخرة .


بقلم وتقديم : أم عبدالله نجلاء الصالح