الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، ( وبعد ) :
فإن السيرة على صاحبها الصلاة والسلام هي التجسيد العملي والبيان الحركي للإسلام الذي أوجبه الله تعالى على عباده ، والإسلام دين يشمل كل جوانب الحياة بل والممات ، كما قال تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ،
فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي الترجمة المأثورة لحياته صلى الله عليه وسلم من قبل مولده إلى وفاته ، التي امتزج فيها قوله وفعله - ومن ذلك غزواته ومعاملاته - وتقريراته وشمائله - وهي صفاته الخلقية والخلقية - ومعجزاته ،
هذه السيرة هي المبينة لهذه التشريعات وهذه الأحكام كلها ،
فنجد في سيرته صلى الله عليه وسلم نصوص الإسلام النظرية وهي أقواله صلى الله عليه وسلم وما في حكمها ، ونجد فيها بيان وكيفية العمل بها ،
ونجد فيها ما يتعلق بالفرد ، وما يتعلق بالبيت والمجتمع والدولة والأمة ،
فنجد في سيرته صلى الله عليه وسلم كيف الاعتقاد الصحيح والإيمان ، وكيف التوحيد ، وكيف تكون الشعائر والنسك والذكر ،
نجد فيها البيان العملي للأخلاق والأدب ،
ونجد كذلك كيف تكون العلاقات كالعلاقة بين الأزواج ، والعلاقة بين المؤمنين مع بعضهم البعض ، والعلاقة بينهم وبين أهل الكتاب وإخوانهم وأضرابهم من المنافقين والمشركين ، وكيف تقام قضية الولاء والبراء ،
وعلاقة المؤمن بالجيران ، وأولي القربى والأرحام ،
نجد بيان أحكام المطعومات ، والبيوع والتجارات ، وأمور إدارة الحياة كلها على اختلافها وتنوعها ،
نجد فيها كيف صلاح البواطن ، وكيف يكون الهدي الظاهر ،
نجد فيها بيان أحكام الأموال والدماء والأعراض والأنفس ،
نجد فيها بيان الأحكام الخاصة بالذكور ، والخاصة بالإناث ، والمشتركة ،
يجد فيها المربي والفقيه والمفسر والداعية والمجاهد والسياسي والحاكم زاده ،
نعرف بها تأويل القرآن ، ونفهم مناسبات النزول ، ومناسبات ورود الأحاديث ،
ندفع بمعرفتنا بالسيرة توهم تناقض النصوص ، وكيف ننزل النص منزله وفي أي حالة نطبقه ،
والسيرة بيان سياسة المجتمعات وإدارتها ،
بالسيرة نفهم ملفات تتعلق بالدول المسلمة كالأمن والقضاء والاقتصاد والاجتماع والسياحة والإعلام والفنون والعلوم ،
نعرف بيان سياسة الدول المسلمة الداخلية والخارجية ، وما يتعلق منها بحالة السلم وحالة الحرب .
فالسيرة بيان الإسلام الذي لايقبل الله من أحد دينا غيره : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ،
وبيان كيف الدعوة إليه ، والجهاد في سبيل الله تعالى لإقراره في الأرض ،
السيرة بيان لحق المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته ، وكيف يكون صلى الله عليه وسلم أولى للمؤمن من نفسه ، والسيرة بيان كيفية الذب عنه صلى الله عليه وسلم وعن آله وصحبه ،
في السيرة دحض الباطل ورد الشبهات ،
في السيرة حل المشكلات ومعالجة للأخطاء ،
في السيرة بيان أصناف الناس ، وكيف التعامل معهم ،
في السيرة كيف نتعامل مع المستجدات في الواقع المتغير عبر الزمان ،

إذن فالسيرة المطهرة بيان لحقيقة الإسلام وشموليته ، وبيان لشخصية المسلم كيف يصطبغ به باطنا وظاهرا ، فمعرفة السيرة ضرورة ملحة وحاجة شديدة لمن أراد فوز وسعادة الدارين ، فلا ينبغي التعامل مع السيرة النبوية المشرفة إلا على أساس أنها منهج بيان الإسلام العملي ، ووحي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وجب على المسلمين الأخذ به ؛ لذلك حذرهم تعالى فقال : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) ،
وعليه فينبغي أن تقرأ السيرة قراءة تربوية تحت خمس نقاط ، هي :
١ - تحديد الهدف الأكبر والغاية الأعظم .
٢ - تحديد هدف المرحتين المكية والمدنية الخاصين بكل مرحلة للوصول إلى الهدف الأكبر .
٣ - فقه المقدمات والإعداد فيما يتوافق والمرحلتين .
٤ - كيفية البناء والتربية فيما يتوافق والمرحلتين .
٥ - دراسة المعوقات والعقبات في المرحلتين ، وكيفية التعامل معها ومعالجتها .
وللحديث بقية إن شاء الله .