أماه
سعد بن عبد اللّه البريك



الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله - تعالى - حق التقوى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).
معاشر المؤمنين: حديثنا اليوم عن نبع الحنان والرعاية، وأنموذج الإيثار والعطاء، إنها الجندي المجهول الذي يسهر الليالي، يرعى ضعفنـا ويداوي أسقامنا ويشبع جوعنا ويطفئ ظمأنا.
حديثنا اليوم عمن يمنح بلا منة، ويعطـي بلا تلكؤ، ويضحي دون تردد.
إنها إشراقة النور التي تضيء الظلمة إذا اسودت الدنيا في أعيننا، وفي حضنها انفراج الهموم إذا انعقدت في وجوهنا، إنها ملهمة الشعراء عبر كل العصور وفي كل الأزمنة، والمداد الذي سُطرت به أروع القصائد وأجمل النظم في حبها، لكن كل قصائد الدنيا لا توفيها شيئاً من حقها بعد أن كلت الأقلام وعجزت الكلمات أن تصوغ معاني البر والوفاء لها.
ليس في العالم وِسَادَةٌ أنعم من حضنها، وليس فيه مدرسة أكبر من قلبها، العز إذا وقفنا عند قدميها نقبلهما، والوفاء كل الوفاء في الاشتغال بخدمتها، إن اشتقنا إليها ديناراً بادلتنا الشوق قنطاراً، وإن ذكرناها بدعوة صالحة جأرت إلى ربها تدعو لنا ليلاً وناراً.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك)) رواه البخاري ومسلم.
وقبل هذا سطَّر القرآن منقبة عظيمة من مناقب واحد من أولي العزم من الرسل، عيسى ابن مريم الذي انطقه الله في المهد ليعلن للعالم بره بوالدته بعد توحيد ربه، فقال: (وَبَراً بِوَالِدَتِي وَلَم يَجعَلني جَباراً شَقِياً).
كان رجل يطوف بالبيت حاملاً أمه يطوف بها، فسأل ابن عمر - رضي الله عنهما -: هل أديت حقها؟ فقال: لا، ولا بطلقة واحدة.
لا تقر العين حتى تكتحل برؤيتها ولا تهدأ النفس حتى تقبل جبينها، إن غابت بكى البيت وتسرب الحزن إلى أرجائه، وإن حضرت أضاءت شمعة الحب طاردة ليل العناء ودمع الفراق.
أمَّاه، يا شمعةَ الحبِّ التي طردَتْ *** ليل العناءِ ولم نُبْصِرْ لها لَهَبَا
يكاد يقتلني شوقي الكبيرُ إلى *** سماع صوتِك، صوتاً لحنُه عَذُبَا
لمَّا تنادين باسمي يزدهي حُلُمٌ *** به أرى كلَّ ما ينأى قد اقتربا
يا شمسَ منزلنا، لا زلتِ ساطعةً *** تمزِّقين دُجَى آلامنا إِرَبا
أمَّاه، صبرُكِ في الدنيا غَدَا مَثَلاً *** فما رأيناه في دربِ الجراح كَبَا
كذلك الأُمُّ يَلْقى قَلْبُها عَنَتاً *** من الحياة، ولولا الصَّبْرُ لانشعبا
ما الأُمُّ إلاَّ ينابيعُ الحنانِ جرى *** معينُ وجدانِها الصافي لمن شَرِبا
ببرِّها تَفْتَح الجنَّاتُ ساحتَها *** وتمنَحُ اللؤلؤَ المكنونَ والذَّهَبا
بابٌ إلى جنَّةِ الفردوسِ يُدْخلنا*** طوبى لمن طرق الأبوابَ واحتسبا
يَزكو الثَّرى تحتَ رجليها فلا تَرِبَتْ *** يَدَا مُقبِّلِ رجليها، ولا تَرِبَا
إذا كان بر الوالدين عظيم، فإن بر الأم أعظم من بر الأب، وكلٌّ عظيم، وإذا كان غضب الوالدين شديد فإن غضب الأم أشد من غضب الأب وكلٌّ شديد.
لأن الأمّ عانت الحمل أشهراً طويلة، وعانت آلام الولادة والمخاض، وأرضعت بالليل والنهار دون كلل أو ملل، وسهرت إذا سهرنا وتعبت إذا تعبنا وأطعمتنا وسقتنا وحضنتنا وداوت جراحنا وبكت لبكائنا وضحكت لضحكنا، تعذرنا قبل أن نعتذر وتصفح قبل أن نندم.
فهي أحق بالبر من غيرها، وأولى بالرعاية ممن سواها، وإجابة الدعوة مكتنفة في رضاها.
كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا أتى أمداد اليمن سألهم: فيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس بن عامر، قال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن، كان به أثر برص فبرا منه إلا موضع درهم، له والدة هو بار بها، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل))، فاستغفر لي، فاستغفر له فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي.
الأم بحر العطاء وحبل الوفاء، كل التوفيق في برَّها، وكل السعادة في إرضائها، من أراد رضا الله فليبرها طاعة لله، ومن طمع بكرامة الله فليكرمها لوجه الله.
بلغ من حرص زين العابدين على بر أمه أن لا يأكل في قصعة واحدة معها، فسئل عن ذلك، فقال: أخشى أن تسبق يدي يدها إلى طعام اشتهته أو وقعت عيناها عليه.
حتى لو كانت الأم مشركة فإن الواجب هو برها وصلتها والإحسان إليها: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً).
قال أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: ((نعم صلي أمَّك)) رواه البخاري.
الأم تضحي براحة جسدها لنرتاح، وتجود بنور عيونها لنبصر وتعطي من عافيتها لتترجم أحلامنا حقيقة واقعة.
يقول وكيع بن الجراح إمام المحدثين في زمانه: قالت أم سفيان لابنها: يا سفيان: اذهب فاطلب العلم وأنا أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه.
الأُمُّ مَـدْرَسَـةٌ إِذَا أَعْـدَدْتَهَا *** أَعْـدَدْتَ شَعْبـاً طَيِّـبَ الأَعْـرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعَهَّدَهُ الحَـيَا *** بِـالـرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّـمَـا إِيْــرَاقِ
الأُمُّ أُسْتَاذُ الأَسَاتِذَةِ الأُلَى *** شَغَلَـتْ مَـآثِرُهُمْ مَـدَى الآفَـاقِ
نظراتها الحانية تغمر القلب سعادة وانشراحاً، وتمنح الروح طاقة ونشاطاً، إذا كبرنا ازددنا طفولة بين يديها، وإذا شابت مفارقنا ازددنا تعلقاً بها وحاجة إليها. فقلبها الحنون يطرد همومنا، ولمساتها الحانية تبلسم أخاديد الأيام في وجوهنا.
أوجب الواجبات أكرام أمي *** إن أمي أحق بالإكرام
حملتني ثقلا ومن بعد حملي *** أرضعتني إلى أوان فطامي
ورعتني في ظلمه الليل حتى *** تركت نومها لأجل منامي
قال الله - عز وجل -: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً). نهى - سبحانه وتعالى - عن الإيذاء بالفعل أو بالقول حتى ولو كان كلمة "أفٍ" نهى عنها؛ لأنها تحمل معنى الضجر.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...)).
والعقوق كما عرفه العلامة ابن حجر - رحمه الله - هو: أن يحصل لهما أو لأحدهما أذىً ليس بالهيِّن عُرفًا. أ. هـ. وقد يكون هذا الإيذاء بالفعل أو بالقول أو بالإشارة.
تقول أم عجوز شاكية عقوق ولدها لها: حملته في بطني 9 شهور وأبوه توفى بعد ولادته بشهور، وأعطيته حبي وحناني وعندما بلغ سن الزواج زوجته، لكن طلق زوجته بعد 5 سنوات بعد ان أنجبت له بنتاً وولداً، ثم تزوج بأخرى، فربيت ابنه وبنته من زوجته السابقة، وكنت أخدم زوجته الجديدة لكونها مدرَّسة ونفسي راضية بذلك، وبعد فتره أصبحت تتبرم من الطعام الذي أصنعه، وتتهمني بأنني لا أهتم بالبيت، ثم طلبت خادمة وتكفلت بمعاشها، ولما جاءت الخادمة صرت ضيفة ثقيلة على زوجة ابني، الذي اتهمني بالتدخل في شؤون الخادمة وأني أتلفظ معها بألفاظ لا تليق.
وأصبح لا يكلمني وأخرجني إلى الملحق خارج البيت، وأسكن الخادمة مكاني لحاجتهم لها كما يقولون وخوفهم عليها، وأما أنا فلم يعد لهم فيَّ حاجة.
تقول: تحملت ورضيت لأنه ابني وأنا أحبه وتحملت لأجل ابنته وولده من زوجته الأولى.
وفي أحد الأيام.. ذهبت لزيارة ابنتي التي تعيش في مدينة أخرى وعندما عدت وجدت فراشي وأغراضي خارج الغرفة..
وعندما سألتهم عن السبب قالوا إنهم يبنون الغرفة لتكون مستودعاً لأغراضهم، فقلت: إلى أين اذهب؟، فقالت زوجة ابني: اذهبي إلى أي مكان إلا البيت وأرض الله واسعة، وابني يقف خلف زوجته لم يتحرك ولم ينطق بكلمة، فاتجهت إلى الجيران وطرقت الباب وأخبرت الجارة بما حدث فبكت الجارة ورحبت بي في المنزل. وفي الصباح اتصلتُ بابنتي الأخرى وطلبت منها أن تأخذني لأسكن عندها، لكنها اعتذرت لأن زوجها يتضايق من وجودي وأغلقت الهاتف، فبكيت وبكتب جارتي معي، ثم قام أحد المحسنين في الحي بتوفير سكن لي، وزارني أهل الحي كلهم إلا ابني ن ومرضت مرضاً شديداً وزارني كل الجيران إلا ابني، ولا زلت أنتظر زيارته وقلبي يتقطع ألماً وحسرة.
غَذَوْتُكَ مَوْلُـودًا وَعُلْتُـكَ يَافِعًا *** تُعَلُّ بما أجْنَي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
إذَا لَيْلَةٌ نَابَتْكَ بِالشَّجْوِ لَمْ أَبِتْ *** لِشَكْوَاكَ إِلاَّ سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بالَّذِي *** طُرِقْـتَ به دُوني فَعَيْنِيَ تَهْمُلُ
تَخَافُ الرَّدى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإنَّني *** لأَعْلَمُ أَنَّ الْمَوتَ حَتْمٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمَّا بلَغْتَ السِّـنَّ والغَـايَـةَ التِي *** إِليْها مَدَى ما كُنتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جَـزَائِي غِلْـظَةً وَفَظَـاظـَةً *** كَأَنَّك أَنْـتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
الأم حسنة الأيام، وأميرة المشاعر، وملكة الأحاسيس تعجز الكلمات والسطور والمجلدات والأسفار عن الوفاء بحقها، إنها بحر يزخر بأنبل معاني الحب والعطف والحنان، من دعاها باسمها فهو الوقح، ومن مشى أمامها فهو العاق، ومن تجهم في وجهها فهو الظالم ومن شبع قبلها فهو الجاحد، ومن عصى أمرها فهو الآبق، ومن تكبر عليها فهو الذليل، ومن ترفع عليها فهو الوضيع.
قال أبو يوسف - رحمه الله -: "كان أبو حنيفة يحمل والدته على حماره إلى مجلس عمرَ بنِ ذر كراهة أن يرد قولها، وقال أبو حنيفة: ربما ذهبتُ بها إلى مجلسه وربما أمرتني أن أذهب إليه وأسألَه عن مسألة فآتيه وأذكرُها له وأقول له: إن أمي أمرتني أن أسألك عنها، فيقول: وأنت تسألني عن هذا؟ فأقول: هي أمرتني فيقول قل لي، كيف هو: يعني الجواب، حتى أخبرك، فأخبره بالجواب، ثم يخبرني به، فآتيها وأخبرها عنه بما قال".
وقال عبدالله بن جعفر المروزي - رحمه الله - قال: "سمعت بنداراً - رحمه الله - يقول: أردتُ الخروج لطلب العلم، فمنعتني أمي فأطعتها فبورك لي فيه، قال: فجمعت حديث البصرة ولم أرحل براً بأمي".
وقال جعفر الخلدي: كان الأبار من أزهد الناس، استأذن أمه في الرحلة لطلب العلم إلى قتيبة في خراسان، فلم تأذن له، ثم ماتت فخرج حتى وصل بلخ، وقد مات قتيبة، فكانوا يعزونه على هذا، فقال: هذا ثمرة العلم إني اخترت رضا الوالدة".
إن بر الأم وبركة دعائها من أسباب التوفيق. عن رفاعةَ بنِ إياس قال: رايتُ الحارث العُكْلي في جنازة أمه يبكي، فقيل له: تبكي؟ قال: ولمَ لا أبكي وقد أُغلق عني بابٌ من أبواب الجنة؟.
وقال هشام بن حسّان: قلت للحسن: إني أتعلّم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء. قال الحسن: تعشّ العشاء مع أمك تقرُّ بهِ عينها، أحبُّ إلى من حجّةٍ تحُجُها تطوُّعاً.
وقال ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: إني لا أعلم عملاً أقرب من برّ الوالدة.
وعن محمد بن سيرين قال: بلغت النخلة في عهد عثمان - رضي الله عنه - ألف درهم، قال فعمد أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - إلى نخلة فعرّقها فأخرج جُمّارها فأطعمه أمّه، فقالوا: ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم والجُمّارُ لا يساوي درهمين؟ قال: إن أمي سألتنيه ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا أعطيتُها.
وكان طلق بن حبيب يُقبِّلُ رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيتٍ وهي تحتَه إجلالاً لها.
وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - إذا غدا من منزله لبس ثيابه، ثم وقف على باب أمه فيقول: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته، فترد عليه بمثل ذلك فيقول: جزاك الله عني خيراً كما ربيتني صغيراً. فتقول أمه: وأنت يا بني فجزاك الله عني خيراً كما بررتني كبيرة، ثم يخرج فإذا رجع قال مثل ذلك.
ويروى أن أم مسعر استسقت من ابنها مسعر الماء في الليل، فقام فجاءها بالماء وقد نامت، وكره أن يذهب فتطلبه ولا تجده، وكره أن يوقظها، فلم يزل قائماً والإناء معه حتى أصبح.
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال: يا أمير المؤمنين، أمي عجوز كبيرة، أنا مطيتها، أجعلها على ظهري، وأنحن عليها بيدي، فهل أديت شكرها؟، فقال عمر: لا، قال الرجل: لِمَ يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: إنك تفعل ذلك بها، وأنت تتمنى موتها لكي تستريح، وكانت تفعل ذلك بك وهي تدعو الله - عز وجل - أن يطيل عمرك.
ومن مات والداه أو أحدُهما وقد قصر ببرهما في حياتهما، فإن باب البر مفتوح. فالدعاء لهما من البر، والدقة عنهما من البر، وإنفاذ عهدهما من البر، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما من البر، وإكرام أصدقائهما من البر.
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَا رُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا)) رواه أبو داود.
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اهد ضالنا، اللهم من ضل وتنكب الصراط، اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً.
اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا - صلى الله عليه وسلم -، اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).
اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون