بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي جَعَلَ الضَرْبَ في فِجاج الأرْض، ذاتِ الطولِ وَالعَرْض، مِن وَسَائِل الارْتِقاء، إلى بُلوغ المَقاصِد وتــَقــَصّي حَقائق ِ الأشياء، ثمّ الصلاة ُ والسلام، على سيّد الأنام، ومِصباح ِ الظــَلام، المظلـَّـل ِ مِن حَرِّ الهَجير بالغـَمام، الذي شرّف اللهُ تعالى به الوُجود، وأوْضَحَ بيُمن بَعثــَــته من شريعة الإسلام الرُسومَ وَالحُدود، سيّدِنا ونبيّنا محمّدٍ الصادق ِ الأمين، وعلى آلِه الأطـْهار ِ المَيامين، وأصْحابه أجمعين .
وبعدُ: فيقولُ أسيرُ ذنبه، الراجي عفوَ رَبّه: العبدُ القاصِرُ المقصّرُ (نوّاف)، آمَنـَه ذو المَواهِبِ وَالألطاف، من كلِّ ما يَحْذرُ وَيَخاف: كان من عادتي أنا العبدُ الفقير ، المعترف دائماً بالتقصير، أنْ أمْتــَطيَ غَواربَ الاغتِراب، للظـَفـَر بما أبْتــَغيهِ مِن نـَيل الأمانيِّ وَحُصول الآارب، جاعلاً نــُصْبَ عَيْني التأسّي بــِسِــيَـر ِ أعْـلام النـُبـَلاء، وأمَاثِل الفـُضَلاء، مِن سـَـلـَـفِنا الصالح، وإنْ عَبَسَ في تــَحقيق ِ الأمْـنيَّةِ وَجْهُ الدَهْر ِ الكالِح، لكنْ ثِقـَتي وَرَجَائي بما يُيـَسـِّـرُهُ مَن بيَده مَقاليدُ الأمُور، مِن كلِّ ما هُوَ بَعيدُ المَنال ِ مَعسور، لاسيَّمَا لِطالِبِ العِلمِ الشَريف، المَنـْصُوص ِ عَلى فـَضْلِهِ وَفـَضْل ِ حامِليهِ فِي مَأثوراتِ دِينِنا الحَنيف، كلُّ ذلكَ شَحَذ صَارمَ عَزْمِ هِمّتي، فِي سَبيل ِ تحقيق بـُِغـْـيَتي، وَلـَم تــَحُلْ دونَ هذا القـَرار ِالحازمِ عَـقــَــبَة ٌ كـَأداء، بَعْدَ الوُثوق ِ بـِعـِنايَةِ باسِطِ الأرْض ِ وَرَافِع ِ السَماء، لِمَن صَحَّحَ النيّة َ وَمَحَضَ الرَجَاء، فـَتــَوَكـّلتُ عَلى الواحِدِ الأحَد والفـَرْد ِالصَمَد، والتوكّلُ عليهِ هُو الغايَة ُ وَالمُعْتــَمَد :
تــَوَكــُّـلي عَلـَيْهِ نِعْمَ العَوْنُ لِي
فـَمُنـْـتــَهَ ى النـُجْح ِ مَعَ التــَوَكـُّل ِ
فاسْتــَعـَـنتُ اللهَ تعَالى وَمَا لِي سِوَى هِدايَـتِهِ مِنْ دَليل، وهو حَسْبي وَنِعْمَ الوكيل، وَعَزَمْتُ عَلى الرَحِيل، مِن مَرابع ِالرياض إلى نـَهْر ِ النيل، مَعَ مَا يَعتلِجُ بَينَ جَوانِحي مِن أ ُوَار ِ مُفارَقةِ أبناءِ جـِلـْدَتي وَمُبارَحَةِ عِراص ِ بَلـْدَتي.
وَمَا كانَ كلُّ مَا عَراني، وَاسْــتــَولى عَلى كِياني، مِنَ الأشْجان وَالأحْزان، بالذي يَـثـْني عـَزْمَتي، ويَكـْعَمُ نـَهَمَ هِمَّـتي عن هِجْرَتي، للارتِواءِ مِنْ مَناهِل ِ العِلـْم وَالعِرفان، فاسْـتــَمِعْ لِمَا أتـْلـُوْهُ عَليكَ مِنْ مَاجَرَيَاتِ هذِهِ الرحْلـَة، واعْـتــَـبـِرْ بـِما وَرَدَ فِي المَأثور ِ مِنْ أنَّ (مَثـَلَ المُؤمِنِ كـَمَثـَـلِ النـَحْلـَة) فقد أقـْلـَعَتْ بنا الطائِرة، وَلـَمْ تــَــفـْـتــَأ بسُرْعَتِها الفـَائِقةِ لِسُحُبِ السَمَاءِ مَاخِرة، حَتـّى هَبَطَتْ فِي مَطار القاهِرة، ذاتِ الآثار ِ الباهِرة، والمَعالِمِ الزاخِرَةِ الزاهِرة، ومِنـْها طارَتْ إلى المَغـْرِب، وَلـَو كـُُـشِفَ الغَيبُ للمُتقدِّمينَ عنـْها لقالوا: هِيَ عَنقاءُ مُغـْرِب، إلى أنْ انـْـتهى بنا المَطافُ إلى الدار البَيضاء، وقرَّتْ نـَواظرُنا بمَـقــْـل ِ مَعالِمِها الحِسان الوِضاء، فـَمَكـَـثـْـتُ بَعْضَ الوَقتِ فِي المَطار، أنـْتـَظِرُ قــُدومَ القـَطار، لإيصالي إلى البَلـَدِ الذي يَمَّمْتُ وَجهيَ شـَطـْرَهُ لاكتسابِ المَعارفِ وَنـَيل الأوْطار، ومِن ثــَمَّ اتـَّجَهْتُ إلى فـَاس، المُعَطـِّرَةِ بـِنـَشرِ أشـْذاءِ رَوْضِها الأ ُنـُفِ الأنـْفاس، حَمَاهَا اللهُ تعالى مِنْ كـُلِّ خَطـْبٍ وَبَاس، وَكانَ قد بَناهَا المَولى الشريفُ إدْريس، الذي هُوَ بَيْنَ أشْرافِ عَصْرِهِ وَاسِطـَة ُ العِقـْدِ النـَفيس، وهو الذي نـَشـَرَ العُلومَ فيها فـَقـَامَتْ بها سُوقٌ رائجة ٌ للدرسِ والتدريس، وَفيها أوّلُ جَامعةٍ للإسْلام، كما يشهَدُ بذلكَ الخاصُّ وَالعام، وَقـَد أخْرَجَتْ لنا في قديمِ الدهْرِ وَحَديثِهِ الكثيرَ الطيِّبَ مِنْ العُلماءِ الأعْلام، فاسْتــَـقبــَـ لـَني الأحْباب، في هاتِيكَ الرِحاب، بكلِّ تِرحاب، وقــَـدَّموا لي أطعِمة ً كثيرة، لشَهْوَةِ الأكلِ بِلَذائِذِ مَا حَوَتـْهُ مُثيرة، كانَ مِنْ ضِمْنِها الحَريرَة، وَبَعدَ أن ِ شربنا الشاهيَ المَغربي، وناهِيكَ بشرابٍ يَلتــَذ ُّ باحتِسائِهِ الأعْجَميُّ وَالعَرَبي، وَلهُم في كيفيَّةِ صَبِّهِ طَريقة، غريبة ٌُ عَريقة، يُرفـَعُ الإبريقُ فوقَ الراس، ثمَّ يُصَبُّ مِنْ بُعْدٍ عَلىَ الكاس، وَهِيَ بَلدة ٌ عَجيبة، وأجْواؤُها غريبَة.
جُلتُ في الشوارع ِ وَالأزقــَّـةِ وَالمَحال، وَرَأيتُ المَبانيَ القـَديمة َ الراسِخة َ رُسوخَ الجِبال، على مرِّ العُصورِ وَاختلافِ الأحْوال.
ثمَّ لازَمتُ شَيخَنا الشَريفَ الكـَتـّاني، الذي هُوَ فِي عُلـُوِّ الإسْنادِ بَيْنَ أقرانِهِ مَا لـَهُ مِنْ مُداني، وَالتـَمَسْتُ مِنهُ قِراءَة َ صَحيحِ البُخاري عَلى التوالي، فـَخـَتـَمْتـُه في أيامٍ وَليالي، ثمَّ أنـْهَيْتُ مُوَطـَّـأ مَالِك، وصَحيحَ مُسلمٍ كذلك، وَكذا كِتابَ الشِفا للقاضي عِياض، وَغيرَه مِنْ كـُتـُبِ أهْلِ المَعرفةِ وَالتـُقى والعِلمِ الفيّاض، وقد أتمَمْتُ عليه الكتابَ المذكورَ في أرْبَعَةِ أيّام، مَعَ الدَأبِ الحَثيثِ عَلى الحُضورِ وَالالتزام، كما هُوَ شأنُ ذوي الطـُموحِ مِنَ التـَلامِذة، في مُثافـَنـَةِ كِبارِ المَشايـِخِ وَالأساتِذة، وقد مَنـَحَني مِن وَقتِهِ الكثير، وَكانَ نـَفـَعـَنـَا اللهُ بعِلمِهِ وَتقواهُ لا يتـَّـكِئُ في أثناءِ قِراءَتي عَلى السَرير، تـَأدُّباً مَعَ حَديثِ جَدِّهِ النبيِّ الرَسول، وَلا يُسْتـَغرَبُ ذلكَ مِن سَليلِ المُرتضى وَالبَتول، وَهُوَ الآنَ قـَدْ جَاوَز التِسعِينَ مِن عُمُرِهِ المُبارَكِ المَديد، مَتـَّعَهُ اللهُ تعالى بمَوفورِ الصحَّةِ وَالعَيشِ الرَغيد.
وَلا تسألْ عَنْ زَوْجَتِهِ الأصِيلَةِ الشَريفة، المُؤمِنَةِ الصَالِحةِ العَفيفة، فإنَّ مِقوَلَ البَيَان، لـَيَعْجُزُ عَن وَصفِ مَا غَمَرَتـْني بهِ مِنَ الإحْسان.
وَمِنهُ ذهَبْتُ إلى الصِقـَلـِّي الضَرير، صَاحِبِ البَيان وَالتحرير، وَهوَ عُرَيْضيُّ النـَسَب، وَمِنْ سَرَاةِ أهْلِ العِلـْمِ وَالحَسَب، ذَرِبُ اللِسان، قـَويُّ البَنان، ثابـِتُ الجَنان، لهُ مَنظوماتٌ عَديدَة، فِي السِيرَة والفِقهِ والعَقيدة، قرأتُ عَليهِ مِنـْها ما تــَيَسَّر، وَأوْضَحَ لِي مِن غـَوَامِضِها مَا تــَعَسَّر.
وَبَعدَها اسْتأذنتــُهُ للوَداعِ وَالفِراق، فـَقال: لانفترّقَ إلاّ عَلى ذَواق.
ثمّ زُرتُ بَقيّة َ عُلماءِ فاس، وَهُم في العُلومِ وَالمَعَارِفِ مَراجعُ الناس، وَاسْتــَنـَرْت ُ مِنْ سَنا بَرَكاتِهمْ بـِسَنيِّ الأقباس، ومَلأتُ حَقائبي مِن ثِمارِ أفكارِهِم بما تــُزري قيمتــُهُ بأثمان ِالجَواهِرِ وَالـْمَاس.
ثمّ قـَصَدْتُ بَلدَة َ طـَنجة، ذاتَِ الرَونـَق ِ وَالبَهْجَة، وَهيَ أقدمُ مُدُن ِ المَغرب الأقـْصى، ووصْـفُ جَمالِها لايُستقصى، لكنْ يُؤخذ ُ عَليها صُعوبة ُ التـَنـَقـُّل، مَعَ مَا هيَ عَليهِ مِنَ الجَمال، وَكأنـَّما أدْرَكتـْها عَينُ الكمال، فصَنـَّفتُ في ذلكَ رسَالة ً لطيفة تصفُ مَا لاقيتــُهُ في هذهِ البلدةِ المُنيفة، وَوَسَمتــُها بعُنوانٍ يَدلُّ عَلى المُعَنـْوَن، إذ ْ لـَمْ أجـِد أوفى منهُ وأبْيَن، وهُوَ (ذِكرُ المَتاعبِ وَالمَآسي، فيما لقِيتــُهُ بطنجَة َمِنْ قِلـّة الطكاسي) وقد جريتُ في استعمالِ كلمةِ (الطكاسي) على المشهورِ الشائِع، وَلمْ أتـَحَرََّ فيه الفَصيحَ الناصِع، إيغالاً في التـَنكيتِ والتـَطريف، مَعَ كونِهِ أقربَ إلى أذواقِ العَصْريّينَ في مَقام التعريف، فلا تـَنـْحُ عَلـَيّ باللـَوم والتـَـثريب، وقد عَرَفـْتَ ما فيه من التوجيهِ المُصيب.
وَفي هذه البَلدةِ الضاربَةِ الأعْراق، بتـُراثِها الثمين ِ إلى أبعَدِ الآمادِ بالاتـِّفاق، صَانـَها اللهُ مِن عَبَثِ الشـُطـّارِ والسُرّاق، سُرِقَ هاتِفِي النـَقـّال، وَاتـَّهَمْتُ بهِ البَقـّال، فـَانـْـقـَطـَع َ الاتـّصال، وسَاءَتِ الأحْوال، وَفـَقـَدَني الصَحْبُ والخِلاّن، وَقَلِقَ عَلـَيَّ الأهلُ والإخوان.
ثمّ لازمْتُ شَيخَنا البقالي، صَاحِبَ الدُرَر واللآلي، وهُوَ الآن يَدْلـُفُ إلى المِئةِ مِن عُمُرِهِ المَيمُون، فـَحَيَّ هَلا بهِ مِنْ عالِمٍ ثِقـَةٍ ثـَبْتٍ مَأمون، ومِن لطائفِ أحوالِه، وَعَجَائِبِ خِصالِه، أنـَّه يَعِظ ُ العوامَّ بَينَ المَغربِ وَالعِشاء، وَبَعدَها يقدِّمُ لهُم العـَشاء، يُذكـِّرُهُم وَهُوَ واقفٌ مع بلوغِهِ غاية َ الهَرَم، وليس ذلكَ بمُستكثرٍ عَلى مَن اتــَّـقى اللهَ تعالى وَبحَبْلِهِ اعْتـَصَم،
(وَإذا حَلـَّتِ الهـِدَايَة ُ قـَلباً
نـَشـَطـَتْ لِلـْعِبَادَةِ الأعْضَاءُ)
وَلهُ عَلـَيَّ فـَواضلُ عِدّة، مَعَ قِصَرِ المُدَّة، مِنـْها أنـَّه أنـْعَمَ بالرضا بقِراءَتي عليهِ المُوَطــَّــأ وَالشمائِل، وَمَا خَطـَّـهُ ابنُ سُنبُل مِنَ الأوَائِل .
ثمّ رَحَلتُ إلى الرباط، وَهيَ عَاصِمَة ُ المَملكةِ وَمَركزُ البَلاط ، فسَكنتُ قـُربَ مَكتبةِ الأمَان، وَهيَ مِنَ المَكتباتِ النادرةِ فِي هذا الزمَان، فـَطـَـفِقـْتُ أبحَثُ عَن بُيُوتِ العُلـَماءِ وَالمَشايخ، مِن كلِّ حَِبْرٍ هُو في عُلومِ الفِقهِ وَالحَديثِ كالطودِ الراسِخ، وَكانَ مِنْ ذلكَ أنْ حَاوَلتُ الاتـِّصالَ بالسيّدِ الربَاطي، فـَأخبَرَتني حَرَمُهُ بأنـَّه ُصارَ من الأمواتِ، فـَنـَصَحْتُ لـَها بالاحْتِساب، ففيهِ مَزيدُ الأجْرِ وَالثوَاب.
ثمَّ زُرْتُ الشَيخَ ابنَ مَنصور، فـَاسْتقبلـَني وَمُحَيـّاهُ طافِحٌ بالابتِهاجِ وَالسُرور، وَأهْداني مِن مُؤلـَّفاتهِ النافِعة، وَتـَحقيقاتِهِ اليانِعَة، جٌملة ً مِنَ الآثارِ وَالأعْلاق ِ النـَفيسَةِ البَديعَة، المُزدانـَةِ بالفـُصولِ الضافيةِ عَن أحْوالِ أعْلامِ التأريخِ وَالشريعَة، فـَممّا أهْداني، وَبـِهِ حَباني فـَأحْرَزَ شُكري لـَهُ وَامتِناني، كِتابُهُ (أعْلام المَغرب) وَهوَ سِفـْرٌ قـَيِّمٌ شـَائِقٌ مُمْتِعٌ مُطرب، عَن فَـَضلِهِ الجَمِّ وَسَعَةِ اطـّلاعِهِ مُعْرب، حَوى كثيرا ً مِن التراجُم، لأهْلِ العِلمِ وَالأدَبِ مِمَّن ليْسَ لـَهُم في مِضْمارِ الفـَضيلـَةِ مُزاحِم، وَكانَ قدْ شـَغـَلَ رئاسَة َ الديوان، وَجَالَ في الكثيرِ مِنَ البُلدان، وَهُوَ الآنَ مُؤرِّخُ المَمْلكةِ المُشارُ إليهِ بالبَنان، وَقدْ طابَقَ الخـَبَرُ مِنهُ العـِـيان،
(وَمَن وَعى التأريخَ في صَدْرهِ
أضَافَ أعْماراً إلى عُمْرهِ)
ثمَّ عَكـَفتُ في خِزانةِ المَخطوطات، وَهيَ في دُورٍ عامِرات، وَقدِ اعـْـتـَنى بها القائِمونَ عَلـَيها كلَّ العِنايَة، وَأوْلـَوْها المَزيدَ مِنَ الصيانةِ وَالرعَايَة.
وبنبينٌ العلاَّمة ، مديرُ الخزانة ، وَوِشاحُ الفـَضلِ وَالتواضُعِ أعلى قدره وَزانـَه .
ثمَّ زُرتُ شَيخَ القـُرّاءِ مُحمَّدَ بنَ المَكـّيّ، وَتـَنـَسَّمْتُ نـَوَافِحَ أرَجـِهِ المِسْكِيّ، وَكانَ قـَليلَ الكـَلامِ وَالجِدال، إلاّ فيما يَقـَعُ مِن إشكال، فقرأتُ عَليهِ الجَزَريَّة َ وَتـُحْفـَة َ الأطفال، وَفـَتـَحَ لي مِن مُبهَمَاتِ هذا الفنِّ الأقفال.
وممنْ دلني على بيوت العلماء والشيوخ ، من أهْلِ العلم والرسُوخ ، حمزةَ الكتاني ، وليس له في الفضلِ والفضيلةِ ثاني ، وهو باحثٌ أصيل ، عالمٌ نبيل .
ثمَّ قـَصَدتُ مَدينة َ سَلا، وَمَن حلَّ فيها عَنِ الأوطانِ سَلا، فـَزُرتُ الأديبَ النجّار، طيِّبَ الحَسَبِ والنِجار، ثمَّ انتقلتُ إلى بَلدَةِ الجََديدَةِ المُعرِقةِ بمَجدِها الطارفِ وَالتليد، عَن طريقِ (السكـّة الحَديد) فلازمتُ شيخَنا الحَجوجي مُلازَمَة َ الظِلّ، فـَهـَمـَعـَتْ عَلـَيَّ هَوامِعُ إكرامِهِ بالوابلِ لا بالطـَـلّ، وقرأتُ عليهِ بَعضاً مِن كـُتـُبِ والدِهِ الشـَيخِ الإمام، العلاّمةِ المُسْنِدِ الهُمام.
وقــُبَيلَ الرَحيل، عَراني هَمٌّ ثقيل، ففِي وَقتِ السَحَر، ضَاعَتْ تـَذكِرةِ السَفـَر، وَأُلزمْتُ بالغـَرامَة، فـَدَفـَعتـُها بكلِّ كـَرامَة، ثمّ ألـْـفـَـيـْـتـ ـُـها في الكِتاب، فعَاتبتُ نـَفسي وَلاتَ حِينَ عِتاب.
هذه المَقامَة ُ الوَجيزة ُ قدْ تـَمَّتْ، وَببَعضِ الأحْداثِ قدْ ألـَمـَّـت. فخُذهَا مُبادِرا، ولمُنشِئِها بالخَيرِ ذاكِرا، وانْظُر لَها بعَينِ الرضا وَالقـَبول، وَذلِكَ مِنكَ ـ أيّها الأخُ الكريمُ ـ مُنتهى الرَجاءِ وَغايَة ُ المَأمول.
كـَتـَبَهَا أفقـَرُ العَبيد، الراجي مِن اللهِ تعالى التأييدَ وَالتسدِيد، أقلُّ طـَلـَبَةِ العِلم ِ الطامِحُ مِنهُ إلى المَزيد ، نـَوّافُ ابنُ الرَشيد .

نُشرت بجريدة الرياض يوم الجمعة 1 / رجب / 1429 هـ على هذا الرابط
http://www.alriyadh.com/2008/07/04/article355942.html
نواف بن محمد بن عبدالله آل رشيد Alrasheed_777@hotmail.com