لدي طموح كبير وهمة عالية.. لكن يعتريني الفتور!!
أجاب عنها : همام عبدالمعبود


السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سوف أكتب كل ما عندي حتى أجد حلا لمشكلتي؛ أنا شاب عمري 27 عامًا، ووزني 110 كيلو جرام، ومتزوج وأعمل في شركة (stc)، يبدأ العمل فيها من الساعة التاسعة والنصف صباحًا، حتى الخامسة والنصف مساءاً، وأعمل أيضا مؤذن.
لدي طموح وهمة، ولكن لا أعرف من أين أبدأ، ومن طموحاتي حفظ كتاب الله، وقراءة الكتب، وتعلم العلم الشرعي، حتى أعبد الله على علم وبإخلاص، وأدعو الناس الى طريق الحق، كل يوم َأعمل جدولا يتناسب مع ظروف عملي، ولكن ما يمر أسبوع أو أسبوعين إلا وأفتر وأرجع أغير الجدول بجدول آخر!.
استمريت على هذا الحال 3 سنوات، وما خرجت منها إلا بحفظ 17 جزء، وقراءة كتاب واحد والآن دب الفتور في قلبي، حتى لم استطع ختم القرآن قراءةً، ولا قراءة الكتب، ولا قيام الليل، ولا السنن الرواتب، وعلى هذا الحال لي الآن 9 شهور، ولكنني الآن محافظ على الصلوات الخمس (أنقطع عن فرض أو فرضين في الأسبوع)، والأذكار، والجلوس في حلقة القرآن، وأخاف من الإنقطاع عن هذا الخير.
جدولي اليومي كالتالي: أصلي الفجر، وأحفظ ورد الحلقة (بدأت أتكاسل)، وبعد ذلك أنام حتى وقت الدوام، وأداوم وأرجع من العمل؛ فأغتسل وأسترح حتى المغرب، وأذهب بعد المغرب إلى الحلقة، وأجلس مع أهلي قليلا بعد العشاء، وبعدها أنام من 11 حتى الفجر.
وأفكر حاليًا بمواصلة الدراسة؛ هل أدرس العلم الشرعي في الجامعة، أم أواصل في مهنتي (كهربائي) من كلية التقنية؟، وتفكيري في العلم الشرعي لأني أفتقتده في دراستي، لأني متخرج من الثانوية الصناعية، حيث كنا لا ندرس مادة الدين، إلا كتاب واحد كل سنة، وكذلك في الكلية.
هكذا الأفكار تأتيني يوميًا؛ مرة أقرأ في كتاب، ومرة أحفظ متن، ومرة أحفظ في القرآن، ومرة أدرس، حتى جلست في مكاني، متى يأتيني الفرج؟، كتبت هذا نفسي الباحثة عن الصواب، وأعتذر على الإطالة، وتشتت المعلومات.




الجواب:
أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك؛ وركزت في جدولك اليومي، فلاحظت الآتي:
1- أن وزنك (110 كيلو جرام) كبير بالنسبة إلى سنك (27 عامً)؛ وأنصحك ألا تستسلم لهذا الأمر، وأن تتمرد عليه، وأن تمارس رياضة من الرياضات المحببة إلى نفسك والتي تساعدك على التخلص من (30 – 40) كيلو جرامًا من وزنك، وأيسرها رياضة المشي أو الجري لمدة ساعة أو نصف ساعة يوميًا، المهم العزيمة والانتظام والاستمرار، وهو ما سيكون عاملا مساعدًا على ترقية حالتك النفسية، ودافعًا لإنجاز ما تطمح إليه من أهداف.
2- ما تطمح إليه من (حفظ كتاب الله، وقراءة الكتب، وتعلم العلم الشرعي)؛ أمر مشروع، تثاب عليه بمجرد أن تنتويه، فعَنْ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رَضيَ اللَّه عَنْهُ- قَالَ: سمعت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه وسلم) يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمَنْ كانت هجرته إِلَى اللَّه ورسوله فهجرته إِلَى اللَّه ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إِلَى ما هاجر إليه متفق عَلَى صحته". (رواه البخاري، ومسلم).
3- مرض "فتور الهمة"؛ الذي ينتابك، وتشكو منه، هو مرض طبيعي ينتاب كل البشر، ولا يكاد ينجو منه أحد، فالنفس البشرية بشكل عام مفطورة على التقلب؛ حيث تأخذها الهمة تارة، ثم تفتر وتمل تارة ثانية، ثم تعود لتنشط من جديد لتلحق بقطار الهمة، وهكذا...، فلا يوجد إنسان مهما كان همته 100%، فعن أبي هريرة- رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ- قال قيل: يا رَسُول اللَّهِ ما يعدل الجهاد في سبيل اللَّه؟ قال: لا تستطيعونه فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: لا تستطيعونه ثم قال: مثل المجاهد في سبيل اللَّه كمثل الصائم القائم القانت بآيات اللَّه لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله متفق عَلَيهِ. (وهذا لفظ مسلم). وفي رواية البخاري: أن رجلاً قال: يا رَسُول اللَّهِ دلني على عمل يعدل الجهاد. قال: لا أجده ثم قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ فقال: ومن يستطيع ذلك!
4- لاحظت من رسالتك عدم وجود صحبة صالحة، فجدولك نمطي، روتيني، ليس فيه جديد، ولا شك أن الصديق الصدوق، والصاحب الصالح، خير معين على الطاعة، خاصة في هذا الزمان، فأنصحك ونفسي بصحبة الصالحين، وأن تقتطع من يومك ساعة واحدة، تقضيها مع أصحابك وأصدقائك، وستجد من بينهم من يعينك على الاستمرار في طاعاتك، شريطة أن تحسن اختياره، وأوصيك بصحبة الصالحين، أصحاب الأيادي المتوضئة، والقلوب النقية، والنفوس السوية، فقديما قالوا (الصاحب ساحب)، فعن أبي موسى الأشعري- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير. فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة". (متفق عَلَيْهِ).
5- تفكيرك في مواصلة الدراسة أمرٌ محمود؛ فلا يزال المسلم يتعلم حتى يدخل القبر، أما عن سؤالك: هل أدرس العلم الشرعي في الجامعة، أم أواصل في مهنتي (كهربائي) من كلية التقنية؟، فالحق أنني من المؤمنين بمبدأ (التخصص وتقسيم العمل)، فمن كانت له مهنة أو حرفة، فليجتهد في تعلم فنونها ودروبها، حتى يتقنها ويصير فيها خبيرًا، شريطة أن تكون مهنة مشروعة أي ليس فيها مخالفة شرعية، على ألا تنس نصيبك من تعلم العلم الشرعي؛ الذي هو بالأساس ليس تخصصك، بما يصلح دينك، ويجعلك قادرًا على أداء العبادات والطاعات المفروضة عليك على أكمل وجه، فالمجتمع المسلم بحاجة للكهربائي المحترف كما هو بحاجة للطبيب الحاذق، تمامًا كحاجته للعالم والفقيه.
6- أما عن قولك عن المدارس الثانوية الصناعية (كنا لا ندرس مادة الدين، إلا كتاب واحد كل سنة، وكذلك في الكلية)؛ فهي مأساة تعاني منها غالب أو جل الدول العربية، حيث فقدنا البوصلة؛ فوضع لنا أعداؤنا مناهجنا الدراسية، فغيبوا الدين ومناهج التربية الإسلامية عن أبنائنا، فضلا عن كون الدين مادة غير أساسية، لاتضاف إلى المجموع، ولا يوجد اهتمام بها، ولا بمدرسيها، فضلا عن وضعها في آخر الجدول الدراسي اليومي مع إتاحة الفرصة للطلاب للانصراف وتركها بحجة أنها مادة غير أساسية ولا تضاف للمجموع، وذلك في معظم نظم التعليم في وطننا العربي، أما في الكليات (غير الشرعية) فإنها لا تدرس البتة أية مناهج للتربية الإسلامية، فينسى الطلاب ما تعلموه – إن كانوا قد تعلموا شيئًا عن الدين- ويخرج الطالب من الجامعة وهو شبه جاهل، لا يعرف شيئًا عن دينه، اللهم إلا من كان له مصدر آخر لتعلم دينه.!
7- أنصحك ونفسي- قبل الختام- بالتركيز في مهنتك، وتطوير أدائك فيها، حتى تصل إلى أعلى درجات الاحتراف، فتنفع دينك ووطنك بحرفتك، مع محافظتك على هذه الهمة العالية والرغبة الشديدة في إتمام حفظ كتاب الله عز وجل، وتعلم العلوم الشرعية – قدر استطاعتك- مع تذكر أن المطلوب منك كمسلم – غير متخصص- أن تعرف دينك جيدًا، لتفهم الواجبات الشرعية المطلوبة منك، فتؤديها على خير وجه، وأن تتخير صديقًا صدوقًا، وصاحبًا صالحًا، يعينك على الطاعة، ويساعدك على التغلب على الفتور، الذي هو ظاهرة طبيعية تنتاب كل البشر، كما أحيي فيك سؤالك عن أمر دينك، وما يصلحه.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يتقبل منك نيتك الطيبة وأن يثيبك عنها خيرًا، وأن يصرف عنك الفتور، وأن يعينك بإخوة صالحين وأصدقاء مخلصين على طاعته ونيل رضاه، كما نسأله سبحانه أن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.