أيتها الأمهات عفوا
محمد فتحي النادى



أيتها الأمهات! عفوًا، لقد كان للصحوة الإسلامية المباركة أثرها العظيم في عودة الروح الإسلامية وبعثها من جديد، وجعلها حية في قلوب الناس توجه أفعالهم وأقوالهم.
وكان لهذه الروح الإسلامية دور لا يغفل في مواجهة الدعاوى التغريبية التي يروج لها-بقصد أو بغير قصد-من بهرتهم الحضارة الغربية ببهرجها وزينتها.
وبدأت المظاهر الإسلامية تظهر من جديد رغم الجهود الجبارة التي بذلت-وما زالت تبذل- لاجتثاث المسلمين من جذورهم، وجعلهم مسخًا مشوهًا لا قيمة لهم في دنيا الناس.
ومن أهم تلك المظاهر عودة الحجاب وظهوره على الساحة بقوة بعد أن جاءت فترة من الفترات على بعض البلاد العربية لا تكاد ترى فيه إلا المتبرجات السافرات.
ولكن رغم هذا هناك سلبيات كثيرة ظهرت في مجتمعاتنا جعلت هذا الحجاب لا يمثل مضمونًا، ومظهرًا لا يمثل جوهرًا.
من أهم هذه السلبيات ترك الأمهات المحجبات بناتهن البالغات متبرجات سافرات دون أن يحرك هذا المظهر منهن شعرة واحدة، وكأنه أمر عادي لا يمثل ضررًا، ولا يشكل خطرًا على المجتمع.
فأين توجيه الأمهات بناتهن نحو قول الله - عز وجل -: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)(1)، وقوله: (يأيها النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)(2).
وأين أنتن من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسماء بنت أبي بكر حين دخلت عليه وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال لها: ((يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لن يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا)) وأشار إلى وجهه وكفيه(3).
وإذا سألت الأم عن سبب غضها الطرف عن هذا الأمر تعللت بعلل واهية، منها:
أن البنت ما زالت صغيرة.
أو دعها تتمتع بزهرة شبابها، ولا يجب علينا أن نحرمها من التمتع بجمالها، وعندما تكبر سترتدي الحجاب.
أو تقول: عندما تتزوج بنتها سترتدي الحجاب.
وهل تطلب الأم لبنتها الحلال بما حرم الله؟!..
إن مسئولية الأم تجاه بناتها مسئولية خطيرة جدًا عليها أن تتنبه لها، ولتعلم أنها ستسأل عن تفريطها هذا أمام الله - عز وجل -.
روى مسلم، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل عليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته حديثها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار))(4).
قال القرطبي: "في هذا الحديث ما يدل على أن البنات بلية، ثم أخبر أن في الصبر عليهن والإحسان إليهن ما يقي من النار"(5).
ثم إن الأمهات المحجبات عليهن أن ينشرن سمت الإسلام في أقرب الناس إليهن ولاسيما بناتهن.
خرج الحافظ أبو نعيم في الحلية من حديث الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت له بنت فأدبها وأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، وأسبغ عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له سترًا وحجابًا من النار))(6).
وعلى الأمهات أن يحذرن من أحابيل الشيطان ومزالقه فهو عدو لا تنام له عين ولا يهدأ له بال، فهو يزين للأم أنها بترك حبل ابنتها على غاربها تكون بذلك قد أسدت لها خدمة جليلة حيث ساعدتها على سرعة الحصول على (ابن الحلال) الذي ينظر إلى استرسال الشعور، ودعج العيون، ودقة السيقان، وامتشاق القوام، ولكنها غفلت بذلك عن أنها تورد ابنتها المهالك.
فعلى الأم أن تعوّد بنتها الصغيرة على الحجاب في الصغر حتى تكبر الفتاة وهي تعلم أن جمالها لا يحق لأحد أن يتمتع به إلا من أحل الله لها من الأزواج، ولا تترك جسدها عرضة لنظرات الذئاب المتلصصة التي تبغي الانحراف والاعوجاج.
أيتها الأمهات، بالتربية الإسلامية السليمة ينشأ جيل سليم قوي يعرف وظيفته في الحياة.
أيتها الأمهات، عليكن بالروح الإسلامية وجعلها جذوة متقدة في قلوبكن وقلوب بناتكن.
أيتها الأمهات، طلب الزواج يكون بالستر والعفاف، ليس بالتبرج والسفور.
أيتها الأمهات، اتقين الله ولا تضيعن بذور هذا المجتمع الذي نحتاج إليه؛ لدفع مسيرتنا إلى الأمام.
روى مسلم، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو)) وضم أصابعه([7]) [.
____________
(1) النور: 31.
(2) الأحزاب: 59.
(3) أخرجه أبو داود(1404)، والبيهقي (2/226و7/86) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة، وقال أبو داود عقبه: " هذا مرسل. خالد بن دريك لم يدرك عائشة". وسعيد بن بشير ضعيف كما في "التقريب"(1/292)، لكن للحديث طرق أخر يتقوى بها ويحسن، وهي مفصلة في "حجاب المرأة المسلمة" للشيخ الألباني(ص24-25).
(4) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة والآداب"، باب: فضل الإحسان إلى البنات (ح2629).
(5) تفسير القرطبي (10/118).
(6) حلية الأولياء (5/57).
(7) أخرجه مسلم في كتاب "البر والصلة والآداب"، باب: فضل الإحسان إلى البنات، (ح2631)