( تعاملنا مع السيرة النبوية وحاجتنا إليها ) :

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، ( وبعد ) :
فإن السيرة النبوية ليست مجرد حكاية لتشنيف الآذان ، وإمتاع النفوس ، لكن السيرة النبوية بيان وتقرير لأمور ستة تكمن حاجتنا لدراستها فيها ، وينبغي أن يكون تعاملنا مع السيرة على أساسها :

الأول : بيان أحكام وتشريعات الإسلام ( النظرية ) ، وبيان كيفية العمل بها ( كان قرآنا يمشي على الأرض ) ( العملية ) .

الثاني : بيان حقيقة الإسلام ، وبيان شموله أمور الدنيا وأمور الآخرة ، فالسيرة تجسيد عملي وبيان واقعي حركي للإسلام الذي لا يقبل الله سواه من العباد فيما يتعلق بالفرد والمجتمع والأمة ،
للمعتقد والتوحيد ، والشعائر والنسك والذكر ، والأخلاق والآداب ،
وما يخص الرجال ، وما يخص النساء ، وما يعمهما ،
وما يتعلق بالبيوت ومنها ما يتعلق بالزواج والطلاق والعلاقة بين الأزواج على تنوع أحوالها في الحياة والممات ، وتربية الأولاد ، وعلاقة الأولاد بوالديهم ورحمهم وغيرهم ،
وما يتعلق بالطريق والمسجد وغيرهما من أماكن ومواضع اللقاءات والاجتماعات بين الناس ،
وما يتعلق بالتعامل مع القرابات والأرحام والجيران ، والمؤمنين مع بعضهم البعض على اختلاف درجاتهم وأوضاعهم في المجتمع المؤمن ، وما يجب بينهم من ولاء وبراء في الله على أساس دينه ،
وما يتعلق بالتعامل مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ومع الكفار والمشركين والمنافقين وأضرابهم ،
وما يتعلق بالمطعومات والمشروبات والبيوع والتجارات والصناعات والزراعات ،
وما يتعلق بالأموال والدماء والأنفس والأعراض وغير ذلك ،
وما يتعلق بسياسات المجتمع المؤمن وإدارته الداخلية كالأمن والقضاء والاقتصاد والاجتماع والفنون والابتكارات والعلوم والتقنيات ،
وما يتعلق بسياساته الخارجية عموما ، وجيشه ، ومن ذلك أحوال السلم والحرب ، والمعاهدات ، والسفارات ، والتبادلات .

الثالث : أن الدنيا والآخرة طريق واحد أوله في الدنيا وآخره في الآخرة ، ولا يراد شيء من أمور الدنيا لذاته ، ولا يراد اعتقاد أو قول أو حال إلا ابتغاء وجهه وإن كان جبليا أو عاديا أو مباحا ، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبين الشخصية المسلمة المطوعة دنياها لآخرتها ، والمتمتعة كذلك بهذه الدنيا والآخذة لها فيما يقيمها على عبودية ربها سبحانه : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) ، ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) ، ( فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) .

الرابع : أن النظرة الصحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله الواجب حبه واتباعه صلى الله عليه وسلم المرسل إلى الناس بوحي من ربه سبحانه لا يطرأ عليه ومحال أن يوصف بنقص أو عيب أو قصور ، جاء بهذا الوحي من ربه تعالى لتدين الأرض جميعها به له سبحانه لا ليكون مجالا لاختيارهم ، ولا يعني ذلك انتفاء حرية اختيار العبد ، لكن يعني عدم إقرار غير الإسلام .

الخامس : بيان علاقتنا بنبينا صلى الله عليه وسلم وأنه لاسلامة لمن اتبع غيره واتخذ غير منهاجه منهاجا .

السادس : فهم سنن الله القدرية الكونية وحسن التعامل معها ؛ مما يؤثر في اتباع الحق واليقين به والثبات عليه ،
وحسن التعامل مع المستجدات الواقعية خاصة فيما يتعلق بعداء أهل الباطل وكيدهم لهم .
وملخص ذلك :
١ - السيرة امتزاج أحكام الإسلام النظرية والعملية ، فهي بيانهما في قصة حياته صلى الله عليه وسلم .
٢ - السيرة بيان شمولية الإسلام أحكام الدنيا والآخرة ، فهي بيان كيفية إصلاحهما بالإسلام المتمثل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم المرسل به .
٣ - تجسيد الشخصية المسلمة المطوعة دنياها لآخرتها .
٤ - النظرة الصحيحة لصاحب السيرة صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المرسل بوحي من ربه الواجب طاعته واتباعه والتحاكم إليه ، وليس مجرد رجل عظيم أو عبقري أو إصلاحي ، ومن ذلك إهمال أنه مؤيد من ربه تعالى بالمعجزات .
٥ - بيان العلاقة بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم وأنها علاقة رسالة ونبوة واتباع وطاعة ، فلا نسلم في دنيانا ولا في آخرتنا بمخالفته ومعصيته والإحداث في دينه .
٦ - فهم السنن الكونية والواقع والمستجدات الحادثة ، ومن ذلك فهم حكمة وقوع الابتلاء بأهل الإيمان ، وكيد أعدائهم بهم ، مما يفيد في اليقين والصبر والثبات ، مع أخذ الحذر .
نفعنا الله بنبيه صلى الله عليه وسلم ، وأقامنا دوما على حسن الاتباع .