السحر وخطورته


د. أحمد محمد لوح


من الأمراض الخطيرة التي انتشرت في مجتعاتنا التي من أشد الأمراض فتكا بالإنسان، داء عضال، تفشى بين الرجال والنساء، والفقراء، والأغنياء، والأميين، والمتعلمين، والمرضى، الأصحاء البؤساء والوجهاء، العالة والرؤساء، إنه الداء الخطير الذي تفشى بين الناس عامة وخاصة إلا من رحم ربي، إنه خطر عظيم، خطر على العقيدة، خطر على الفرد، خطر على الأسرة، خطر على المجتمع، خطر على الأمة بأسرها، خطر على الدين والثقافة والاقتصاد.

إنه كما ينبغي على الأمة أن تعرف الأمراض التي تصيب الأبدان وتفتك بالصحة؛ فكذلك ينبغي لهم أن يعرفوا وأن يهتموا بالأمراض التي تمس الدين، بل قد تذهبه بالكلية، ولاشك أن أمراض العقائد والقلوب، أشد ضرراً من أمراض الأبدان؛ لأن مرض الأبدان لا يعدو أن يكون أثره في الدنيا، بينما مرض العقائد ومرض القلوب، يكون أثره في الدنيا والآخرة. وإن من أشد الأمراض التي قد استشرت وانتشرت مرض السحر وإتيان السحرة، ومن هنا وجب على أهل العلم وحملة العقيدة أن يدفعوا عن حمى الإسلام ويذبوا عن حياضِه، وأن يوعوا الناس بأمور دينهم ودنياهم، ولاسيما في هذه الأزمان التي قد تنوعت فيها أمراض العصر؛ ففي كل عام نصبح بلون جديد من الأمراض، وبالتالي كثر المشعوذون والسحرة والدجالون بحجة معالجة المرضى وتطبيبهم؛ فانتشر السحرة والمشعوذون في كل مكان حتى في الدول التي يُدَّعى أنها متقدمة.

حقيقة موجودة

والسحر حقيقة موجودة، ولها تأثير في واقع الناس، ولو لم يكن موجوداً وله حقيقة لما وردت النواهي عنه في الشرع والوعيد على فاعله، والعقوبات الشرعية، على متعاطيه؛ فكم فرق السحرة بين زوج وزوجته، وبين صديق وصديقه، وتاجر وتجارته، وموظف ووظيفته، وكل هذا حقيقة لا مكابرة فيها.

أنواع السحر

لقد عرف من خلال تتبع أحوال السحرة والمسحورين أن للسحر أنواعاً كثيرة؛ من حيث تأثيره على المسحور؛ فمنه سحر التفريق الذي قال الله فيه: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}، ومنه سحر العطف الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم التولة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم : «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» (رواه أحمد وأبو داود). التولة: هو ما يصنعونه ويزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل، إلى امرأته، ومن السحر أيضاً سحر التخييل كأن يرى الشيء الثابت متحركاً، والمتحرك ثابتاً كما قال -تعالى- عن موسى -عليه السلام: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى}.

من نواقض الإسلام

اعلموا أن السحر من نواقض الإسلام الكبرى؛ فمن تعاطى السحر أو عمل به؛ فهو كافر خالد مخلد في نار جهنم ما لم يتب قبل فوات الأوان، ذكر الله -تعالى- عن اليهود أنهم أعرضوا عن دين الرسول صلى الله عليه وسلم وذهبوا ليتعلموا السحر ويعملوا به، وكفروا. {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان}.

قال القرطبي -رحمه الله-: قال محمد بن إسحاق: لما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم سليمان في المرسلين، قال بعض أحبارهم: يزعم محمدٌ أن ابن داود كان نبياً! والله ما كان إلا ساحراً فأنزل الله -عز وجل-: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا} أي ألقت إلى بني آدم أن ما فعله سليمان من ركوب البحر واستئجار الطير والشياطين كان سحراً، والساحر لا يكون ساحراً حتى يكفر بالله، وقد أخبرنا ربنا -تبارك وتعالى- أن الذي يعلم الساحر السحر، إنما هم الشياطين.


الكفر بالله -تعالى

ولا يتمكن الساحر من ذلك حتى يكفر بالله العظيم ويستعين بالشياطين من دون الله؛ فليس الساحر بنفسه هو الذي اخترع السحر، بل إن الشياطين هم الذين علموه {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر}، وقد تواتر النقل بالاستقراء والتجربة والمشاهدة عمن بحث في أحوال السحر والسحرة في إثبات العلاقة والتبعية والانقياد والعبودية بين السحرة والشياطين.

يتقربون للشياطين

فالسحرة يتقربون للشياطين بما تحبه الشياطين من كل شيء بعقيدة فاسدة، وأعمال خيالية وأكل للمحرمات، والخبائث وتقرب بالنجاسات ووقوع في الموبقات، وبعد هذا كله إذا اجتاز الساحر امتحانًا يجربه الشيطان عليه بأكل نجاسة وصرف عبادة، ووقوع في أمر لا يجوز ولا يليق، حينئذٍ يوقن الشيطان أن تلميذه من السحرة قد جاوز المرحلة؛ فيبدأ يسخر له من شياطين الجن من يعينه على إحداث الخلل والمرض والزلل.

قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير -رحمه الله تعالى- في تفسيره: أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا ابن وهب أخبرنا ابن أبي الزناد حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قدمت عليّ امرأة من أهل دومة الجندل، جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك، تسأله عن أشياء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به.

أخاف أن أكون قد هلكت

وقالت عائشة -رضي الله عنها- لعروة: يا ابن أختي فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها؛ فكانت تبكي حتى إني لأرحمها وتقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت، كان لي زوج فغاب عني فدخلت على عجوز فشكوت ذلك إليها فقالت: إن فعلت ما آمرك به فأجعله يأتيك؛ فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين فركبت أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن شيء حتى وقفنا ببابل، وإذا برجلين معلقين بأرجلهما؛ فقالا: ما جاء بك؟ قلت: نتعلم السحر؛ فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري فارجعي؛ فأبيت وقلت: لا، قالا: فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه؛ فذهبت ففزعت ولم أفعل فرجعت إليهما فقالا: أفعلتِ؟ فقلت: نعم، فقالا: هل رأيت شيئاً؟ فقلت: لم أر شيئاً فقالا: لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فأبيت، فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه؛ فذهبت فاقشعررت وخفت ثم رجعت إليهما وقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟ قلت: لم أر شيئاً؛ فقالا: كذبت لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك، فأبيت، فقالا: اذهبي إلى التنور فبولي فيه؛ فذهبت إليه فبلت فيه، فرأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني فذهب في السماء وغاب حتى ما أراه؛ فجئتهما؛ فقلت قد فعلت، فقالا: فما رأيت قلت: رأيت فارساً مقنعاً خرج مني، ذهب في السماء وغاب حتى ما أراه فقالا: صدقت، ذلك إيمانك خرج منك اذهبي.

فقلت للمرأة والله ما أعلم شيئاً، وما قالا لي شيئاً؛ فقالت: بلى لم تريدي شيئاً إلا كان، خذي هذا القمح فابذري؛ فبذرت وقلت: أطلعي فأطلعت وقلت: أحقلي، فأحقلت، ثم قلت أفركي، فأفركت، ثم قلت: أيبسي، فأيبست ثم قلت: أطحني فأطحنت ثم قلت: اخبزي فأخبزت، فلما رأيت إني لا أريد شيئاً إلا كان سقط في يدي، وندمت، والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئاً ولا أفعله أبداً. رواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن سليمان به مطولاً كما تقدم وزاد بعد قولها: ولا أفعله أبداً فسألت: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حداثة وفاة رسول الله وهم يومئذ متوافرون؛ فمادروا ما يقولون لها وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلمه، قال هشام: إنهم كانوا من أهل الورع والخشية من الله، قال الحافظ ابن كثير: وهذا إسناد جيد إلى عائشة -رضي الله عنها.

إياك وإتيان الساحر

وإذا عرفت الساحر فلا يجوز لك المجيء إليه؛ فإن جئته لم تقبل لك صلاة أربعين يوماً. روى مسلم في صحيح عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : «من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ».

أسباب كثرة السحرة

ومن أسباب كثرة السحرة، ضعف الإيمان وعدم التوكل على الله، ومنها كثرة الطمع والحرص على الدنيا، وعن جندب مرفوعاً: «حد الساحر ضربة بالسيف»(رواه الترمذي). وقال: الصحيح أنه موقوف، وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت.

السحر كفر

من خلال هذه الآيات والأحاديث، تبين لك أن السحر كفر، وأن الساحر كافر، وأن من يأتي الساحر فهو على خطر عظيم، وهو على شفا الكفر -عياذاً بالله- من ذلك، ألا تخاف يا أخي من أن تخسر الدنيا والآخرة, ألا تتوكل على الله ربنا وخالقنا المتصرف في شؤوننا الذي ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء، وهذا الداء دواؤه العلاج الرباني وليس العلاج الشيطاني، قال -تعالى-: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}، {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو}.

ثم اعلموا أن آثار السحر عائدة على الفرد والمجتمع، وهي مهلكة تفسد العقول، وتسبب البطالة والكسل، وتقتل روح الإبداع في الأمة.

الوقاية من السحر

أما الوقاية منه؛ فبإكثار الذكر ومداومة الطاعة والاستقامة على الخير، والإعراض عن المحرمات، وترك الموبقات، وإن تحفظ الله بفعل أوامره وترك نواهيه يحفظك في دنياك وأخراك، وكذلك الإكثار من قراءة القرآن وقراءة الأوراد والأذكار في الصباح والمساء، والمحافظة على آية الكرسي، وقراءة المعوذتين وسورة الإخلاص؛ ففي الحديث أنه من قرأها في صباحه ومسائه ثلاث مرات كفته من كل سوء، ومن قرأ آية الكرسي لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان يومه ذلك، ومن حافظ على ذلك كله حفظه الله.


وإذا أصيب أحد الناس بهذا المرض، أعني أصيب بالسحر؛ فعليه بالرقية الشرعية؛ فإن الإنسان إذا اعتقد اعتقاداً جازماً أن الله جعل الشفاء في كتابه وأن الله قادر على شفائه، وأنه لا يملك أحد من البشر شيئاً من ذلك؛ فإنه يرجى له الشفاء -بإذن الله-، والرقية هي قراءة الآيات، والأذكار الشرعية، مع النفث على المريض، ولا تكون الرقية شرعية حتى تجتمع فيها ثلاثة شروط: أن تكون بالقرآن والأحاديث أو بكلام نافع، أن تكون بلغة مفهومة، أن يكون خاليا من الشرك وذرائعه.