أحكام المسجد الحرام




بوأ الله - عز وجل - للبشرية بيته الحرام، وجعله مهوى لأفئدتهم، واتجاهاً لعبادتهم، ومقصداً لهم، وقبلة في صلاتهم؛ لذا خصه بأحكام دون غيره من المساجد لتظهر ميزته، وتعلو مكانته، ويقصده الحاضر والباد، والذكر والأنثى.
والمسجد الحرام يطلق ويراد به الحرم المكي وهذا هو الغالب، وقد يراد به الحرم، وقد يراد به مكة، ولكثرة الآثار الواردة في فضل مكة نجد الأحناف والشافعية والحنابلة يقولون: إن مكة أفضل البلاد على الإطلاق، وقد جاء في الحديث أن عبد الله بن عدي بن الحمراء - رضي الله عنه - سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول: ((والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك؛ ما خرجت))[1]، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمكة: ((ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك))، وبهذا القول قال الجمهور، وابن وهب، وحبيب من أصحاب مالك، والمشهور عن مالك أنه يرى المدينة أفضل من مكة لحديث: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) رواه البخاري (1196) ومسلم (1391).
وبسبب فضائل مكة وفضائل الحرم المكي اختُص بأحكام يخالف فيها غيره من المساجد والأراضي، ومن أبرز تلك الأحكام:
1- أنه يستحب ألا يدخله أحد إلا بإحرام، ولو كان لا يريد حجاً أو عمرة، وقيل: يجب الإحرام.
2- وأنه يَحرُم صيده على جميع الناس حتى على أهل الحرم والمُحِلِّين.
3- وأنه يُمنع جميع من خالف دين الإسلام من دخوله مقيماً أو ماراً عند جماهير العلماء.
4- ولا تحل لقطته للتملك، وإنما تحلُّ لمن يطلب صاحبها وينشده.
5- وتغلظ الدية بالقتل فيه لأن الذنب فيه أغلظ وأشد من غيره.
6- ويَحرُم دفن المشرك فيه، ولو دفن فيه نُبِشَ ما لم يتقطع.
7- ويحرم إخراج أشجاره وترابه إلى الحل، ويُكره إدخال أحجار الحل وترابه إليه.
8- وهو المكان المختص بذبح الهدي به.
9- وصلاة النافلة فيه لا تكره في أي وقت من الأوقات، ويستوي في ذلك مكة وسائر الحرم، ويدل عليه عمل الصحابة فقد روى البخاري أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس، وطاف عمر بعد صلاة الصبح فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى" انظر فتح الباري لابن حجر (5/296).
10- وأنه لا دم على المتمتع والقارن إذا كان من أهله.
11- وإذا نذر الإنسان قصده، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى؛ لزمه الذهاب، بخلاف غيرها من المساجد فإنه لو نذر الذهاب إلى مسجد معين فإن ذهابه إلى أي مسجد يكفي عنه؛ وبذلك قال الفقهاء إلا أبو حنيفة - رحمه الله -.
12- ويحرم استقبال الكعبة ببول أو غائط، وفي ذلك خلاف عند الفقهاء معروف.
13- ويضاعف أجر الصلوات وسائر الطاعات فيه.
14- وتستحب صلاة العيد في المصلى إلا إذا كانوا بالحرم؛ فإن الصلاة في المسجد الحرام أفضل.
15- ولا تقام الحدود، ولا يستوفى القصاص فيه عند بعض الفقهاء.
16- ويكره حمل السلاح بمكة لغير حاجة لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
17- وحجُّ الكعبة كل سنة فرض كفاية على الأمة الإسلامية، ولو كان الحاج واحداً.
نسأل الله - تعالى - الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ به من النار وما قرب إليها من قول وعمل، والحمد لله رب العالمين.

[1] أخرجه أحمد برقم (18242)، وابن ماجة برقم (3108) والترمذي برقم (3925) وقال: "حديث حسن غريب صحيح"
منقول