تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

    قال بن القيم رحمه الله - الجهادُ أربع مراتب:
    جهادُ النفس،
    وجهادُ الشيطان،
    وجهادُ الكفار،
    وجهادُ المنافقين.
    فجهاد النفس أربعُ مراتب أيضاً:
    إحداها: أَنْ يُجاهِدَها على تعلُّم الهُدى، ودين الحق الذى لا فلاح لها، ولا سعادة فى معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه ، شقيت فى الدَّارين.
    الثانية : أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لم ينفعْها.
    الثالثة: أن يُجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمِهِ مَنْ لا يعلمهُ، وإلا كان مِن الذين يكتُمون ما أنزل الله مِن الهُدى والبينات، ولا ينفعُهُ علمُهُ، ولا يُنجِيه مِن عذاب الله.
    الرابعة : أن يُجاهِدَها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانِيينَ، فإن السلفَ مُجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن يُسمى ربَّانياً حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، فمَن علم وَعَمِلَ وعَلَّمَ فذاكَ يُدعى عظيماً فى ملكوتِ السموات.
    وأما جهادُ الشيطان، فمرتبتان،
    إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقى إلى العبد مِن الشبهات والشُّكوكِ القادحة فى الإيمان.
    الثانية: جهادهُ على دفع ما يُلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهواتِ، فالجهادُ الأول يكون بعده اليقين، والثانى يكون بعدَه الصبر. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ، وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فأخبر أن إمامة الدين، إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهواتِ والإرادات الفاسدة، واليقينُ يدفع الشكوك والشبهات.
    وأما جهادُ الكفار والمنافقين، فأربع مراتب:
    بالقلب،
    واللِّسان،
    والمالِ،
    والنفسِ،
    وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان.
    وأما جهادُ أرباب الظلم، والبِدعِ، والمنكرات، فثلاث مراتبَ:
    الأولى: باليدِ إذا قَدَرَ، فإن عَجَزَ، انتقل إلى اللِّسان، فإن عَجَزَ، جاهد بقلبه، فهذِهِ ثلاثةَ عشرَ مرتبةً من الجهاد، و"مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النَّفَاقِ"----[زاد المعاد في هدي خير العباد]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان.
    جزاكم الله خيرا، فليكن ما يكتبه أو ينقله أعضاء المجلس سيوفا حاده على شبهات المنافقين وعلى ما ينشره الكفار من شهوات في بلاد المسلمين، فليكن ما يكتبه أو ينقله الأعضاء تذكره للمسلمين قال تعالى: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}.


    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرا، فليكن ما يكتبه أو ينقله أعضاء المجلس سيوفا حاده على شبهات المنافقين
    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على حميتك لحمى الدين --
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
    ( لا ريب أن جهاد هؤلاء .. من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات ، وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب ؛ فإن جهاد هؤلاء من جنس جهاد المرتدين ، والصديق وسائر الصحابة بدؤوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب ؛ فإن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين ، وأن يدخل فيه من أراد الخروج عنه ، وجهاد من لم يقاتلنا من المشركين وأهل الكتاب - من زيادة إظهار الدين ؛ وحفظ رأس المال مقدم على الربح .
    وأيضا فضرر هؤلاء على المسلمين أعظم من ضرر أولئك ، بل ضرر هؤلاء من جنس ضرر من يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب ، وضررهم في الدين على كثير من الناس أشد من ضرر المحاربين من المشركين وأهل الكتاب ، ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب ؛ فلا يحل لأحد أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم ، بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ، ولا يحل لأحد أن يعاونهم على بقائهم في الجند والمستخدمين ، ولا يحل لأحد السكوت عن القيام عليهم بما أمر الله به ورسوله ، ولا يحل لأحد أن ينهى عن القيام بما أمر الله به ورسوله ، فإن هذا من أعظم أبواب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى ، وقد قال الله تعالى لنبيه
    ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) التوبة/73 ، وهؤلاء لا يخرجون عن الكفار والمنافقين . والمعاون على كف شرهم وهدايتهم بحسب الإمكان له من الأجر والثواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، فإن المقصود بالقصد الأول هو هدايتهم ، كما قال الله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) آل عمران/110 .
    قال أبو هريرة : كنتم خير الناس للناس ، تأتون بهم في القيود والسلاسل حتى تدخلوهم الإسلام [ البخاري 4557 بنحوه ] .
    فالمقصود بالجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هداية العباد لمصالح المعاش والمعاد ، بحسب الإمكان فمن هداه الله سعد في الدنيا والآخرة ، ومن لم يهتد كف الله ضرره عن غيره )
    [ مجموع الفتاوى 35/159-160] .
    سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :ما السبيل الأرشد لمواجهة الحرب التي تشن على الإسلام من بعض أبناء المسلمين أنفسهم؛ سواء كانوا من العلمانيين أو من غيرهم ؟ فأجاب
    ( الواجب على الأمة الإسلامية أن تقابل كل سلاح يصوب نحو الإسلام بما يناسبه ، فالذين يحاربون الإسلام بالأفكار والأقوال يجب أن يبين بطلان ما هم عليه بالأدلة النظرية العقلية ، إضافة إلى الأدلة الشرعية ، حتى يتبين بطلان ما هم عليه .
    والذين يحاربون الإسلام من الناحية الاقتصادية يجب أن يدافعوا ، بل أن يُهاجموا إذا أمكن بمثل ما يحاربون به الإسلام ، ويبين أن أفضل طريقة لتقويم الاقتصاد على وجه عادل هي طريقة الإسلام ، والذين يحاربون الإسلام بالأسلحة ، يجب أن يقاوموا بما يناسب تلك الأسلحة ، ولهذا قال الله تعالى :
    ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) التوبة/73 .
    ومن المعلوم أن جهاد المنافقين ليس كجهاد الكفار ، لأن جهاد المنافقين يكون بالعلم والبيان ، وجهاد الكفار يكون بالسيف والسهام ) .
    [ فتاوى علماء البلد الحرام ص 1733 ].----------قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "زاد المعاد": "وكذلك جهاد المنافقين إنما هو تبليغ الحجة... فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة وورثة الرسل، والقائمون به أفرادٌ في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه، وإن كانوا هم الأقلين عدداً، فهم الأعظمون عند الله قدراً". وقال: "والجهاد بالحجة واللسان مقدّم على الجهاد بالسيف والسنان". -------------- وقال رحمه الله - ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض ، مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه ، كان للرسل - صلوات الله عليهم وسلامه - من ذلك الحظ الأوفر ، وكان لنبينا - صلوات الله وسلامه عليه - من ذلك أكمل الجهاد وأتمه . --- ---- قال الإمام المُجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله : " ومن أفضل الجهاد : جهاد المنافقين في زمن الغربة " الدرر السنية [6/8] -----------------وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع": "وينقسم الجهاد إلى ثلاثة أقسام: جهاد النفس، وجهاد المنافقين، وجهاد الكفار المبارِزين المعاندين... أما النوع الثاني: فهو جهاد المنافقين، ويكون بالعلم، لا بالسلاح؛ لأن المنافقين لا يقاتَلون... ولما كان جهاد المنافقين بالعلم، فالواجب علينا أن نتسلح بالعلم أمام المنافقين، الذين يوردون الشبهات على دين الله؛ ليصدوا عن سبيل الله، فإذا لم يكن لدى الإنسان علم، فإنه ربما تكثر عليه الشبهات والشهوات والبدع، ولا يستطيع أن يردها". وعليه: فإن مجاهدة المنافقين -وما أكثرهم في هذا الزمان!- فرضٌ على العلماء، وتكون بالعلم والبيان، ودَحض شبهاتهم، مع بيان تهافتها وبطلانها؛ بالأدلة العقلية والنقلية، وهو ما يحتاج إلى التسلح بالعلم والإنصاف، مع اتِّباع الكتاب الله والسنة وأقوال السلف الصالح

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

    لذلك تجد خطابهم موجها إلى العوام أو تجد السب والشتم موجها للمشايخ وطلابهم،، نحتاج لرفع همة طلاب / طالبات العلم في نشر التوحيد والعلم الشرعي بين الناس لأن هناك من يوجه لهم كلمات تثبطهم، وهذا مشاهد على الشبكة وبرامج التواصل، لا حول ولا قوة إلا بالله.


    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    نحتاج لرفع همة طلاب / طالبات العلم
    نعم بارك الله فيك -----قال الإمام " ابن القيم" ـ رحمه الله تعالى : " إن الله سبحانه وتعالى لما اقتضت حكمته ورحمته إخراج آدم وذريته من الجنة ، أعطاهم أفضل منها ، وهو ما أعطاهم من عهده الذي جعله سببـًا موصِّلاً لهم إليه ، وطريقـًا واضحـًا بيِّن الدلالة عليه ، من تمسك به ؛ فاز واهتدى ، ومن أعرض عنه شقي وغوى ، ولما كان هذا العهد الكريم ، والصراط المستقيم ، والنبأ العظيم ، لا يُوصَل إليه أبدًا إلا من باب العلم و الإرادة ، فالإرادة باب الوصول إليه ، والعلم مفتاح ذلك الباب المتوقف فتحُه عليه ، وكمال كل إنسان ، إنما يتم بهذين النوعين " همة تُرقِّيه " ، و " علم يُبصِّرُه ويهديه " ، فإن مراتب السعادة والفلاح ، إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين ، أو من إحداهما ، إما أن لا يكون له علم بها ، فلا يتحرك في طلبها ، أو يكون عالمـًا بها ، ولا تنهض همته إليها ، فلا يزال في حضيض طبعه محبوسـًا ، وقلبه عن كماله الذي خُلِق له مصدودًا منكوسـًا ، قد أسام نفسه مع الأنعام راعيـًا مع الهَمَل ، واستطاب لِقيعات الراحة والبطالة ، واستلان فراش العجز والكسل ، لا كمن رُفع له عَلَم فشمَّر إليه ، وبورك له في تفرده في طريق طلبه فلزمه ، واستقام عليه ، قد أبت غلبات شوقه إلا الهجرة إلى الله ورسوله ، ومقتت نفسه الرفقاء إلا ابن السبيل يرافقه في سبيله .
    ولما كان كمال الإرادة بحسب كمال مرادها ، وشرفُ العلم تابعـًا لشرف معلومه ، كانت نهاية سعادة العبد الذي لا سعادة له بدونها ، ولا حياة له إلا بها ؛ أن تكون إرادته متعلقة بالمراد الذي لا يبلى ولا يفوت ، وعزمات همته مسافرة إلى حضرة الحي الذي لا يموت ، ولا سبيل له إلى هذه المطلب الأسني ، والحظ الأوفى ؛ إلا بالعلم الموروث عن عبده ورسوله وخليله وحبيبه الذي بعثه لذلك داعيـًا ، وأقامه على هذا الطريق هاديـًا ، وجعله واسطة بينه وبين الأنام ، وداعيـًا لهم بإذنه إلى دار السلام ، وأبى سبحانه أن يفتح لأحد منهم إلا على يديه ، أو يقبل من أحدٍ منهم سعيـًا إلا أن يكون مبتدئـًا منه ، ومنتهيـًا إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أهـ


    قال " ابن القيم " ـ رحمه الله ـ : " كمال الإنسان مدراه على أصلين ، معرفة الحق من الباطل ، وإيثار الحق على الباطل ، وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة ؛ إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين ، وهما اللذان أثنى الله سبحانه على أنبيائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ في قوله تعالى : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار )(ص/45) ، فالأيدي : القوة في تنفيذ الحق ، والأبصار : البصائر في الدين ، فوصفهم بكمال إدراك الحق ، وكمال تنيفـذه ، وانقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام ، فهؤلاء أشرف الأقسام من الحق ، وأكرمهم على الله تعالى .
    القسم الثاني : عكس هؤلاء ، من لا بصيرة له في الدين ، ولا قوة على تنفيذ الحق ، وهم أكثر هذا الخلق ، وهم الذين رؤيتهم قذى العيون ، وحُمَّى الأرواح ، وسقم القلوب ، يُضيقون الديار ويغلون الأسعار ، ولا يُستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار .
    القسم الثالث : من له بصيرة في الهدى ومعرفة به ، ولكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ، ولا الدعوة إليه ، وهذا حال المؤمِن الضعيف ، والمؤمنُ القوي خير وأحب إلى الله منه.
    القسم الرابع : من له قوة وهمة وعزيمة ، لكنه ضعيف البصيرة في الدين ، لا يكاد يميز أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، بل يحسب كل سواء تمرة ، وكل بيضاء شحمة ، يحسب الورم شحمـًا ، والدواء النافع سمًّـا .
    وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين ، ولا هو موضع لها سوى القسم الأول، قال الله تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )(السجدة/24) ، فأخبر سبحانه أنهم بالصبر واليقين بآيات الله نالوا الإمامة في الدين ، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين ، وأقسم بالعصر " الذي هو زمن سعي الخاسرين والرابحين " على أن من عداهم فهو من الخاسرين ، فقال تعالى : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )[العصر/1 ـ 3] "أهـ .
    ومن كانت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله ، ورجي له النفوذ ، وقوي على رد القواطع والموانع بحول الله وقوته ، فإن القواطع كثيرة ، شأنها شديد ، لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد ، ولولا القواطع والآفات لكانت الطريق معمورة بالسالكين ، ولو شاء الله لأزالها ، وذهب بها ، ولكن الله يفعل ما يريد ، " والوقت ـ كما قيل ـ سيف فإن قطعته ، وإلا قطعك " ، فإذا كان السير ضعيفـا ، والهمة ضعيفة ، والعلم بالطريق ضعيفـًا ، والقواطع الخارجة والداخلية كثيرة شديدة ، فإنه جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وشماتة الأعداء ، إلا أن يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب ، فيأخذ بيده ويخلصه من أيدي القواطع ، والله ولي التوفيق "أهـ .--------------------------------


    فليس الشأن فيمن يقوم الليل ، إنما الشأن فيمن ينام على فراشه ، ثم يصبح ، وقد سبق الركب بعلو همته ، وطهارة قلبه ، وقوة يقينه ، وشدة إخلاصه ، وفي ذلك قيل :
    من لي بمثل سيرك المــدلل تمشي رويدًا وتجيء في الأول
    وما أحسن قول الشاعر مخاطبـًا الحجيج ، وقد انطلقوا للحج :
    يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سِرتم جُسـومـًا وسرنا نحن أرواحا
    إنا أقمنا على عُذرٍ وعـن قـدَر ومن أقام على عُذرٍ كمـن راحــا

    وقد يتفوق المؤمن بهمته العالية كما بيَّن ذلك الصادق المصدوق ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله : " سبق درهم مائة ألف " ، قالوا : " يا رسول الله كيف يسبق درهم مائة ألف ؟! " ، قال : " رجل كان له درهمان ، فأخذ أحدهما ، فتصدق به ، وآخر له مال كثير ، فأخذ من عرْضها مائة ألف "(رواه أحمد وغيره ، وإسناده حسن) .
    لماذا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خيرٌ ؟

    " والسبب الذي يجعل كثيرًا من الناس يطلبون الأدنى من الأمور ، ويقصدون ما لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعـًا ـ فساد العلم ، وكثرة الجهل ، وضعف الهمَّة ، فكلما صحَّ العلم ، وانتفى الجهل ، وصحَّت العزيمة ، وعظمت الهمَّة ، طلب الإنسان معالي الأمور ، فبعض الناس همُّـه لقمـة يسدُّ بها جوعته ، وشربة روية تذهب ظمأه ، ولباس يواري سوأته ـ وهو مذهبٌ ذمَّ أهل الجاهلية أصحابه ، وفي مثل هؤلاء يقول حاتم طيِّئ :
    لَحَـى اللهُ صُعْلُـوكًا مُنَـاهُ وهَمُّـهُ مِنَ العيْشِ أن يَلْقى لُبُوسًا ومطْعَمًا
    يرى الخُمْصَ تَعْذِيبـًا وإن يلْقَ شَبْعَةً يَبِتْ قلبُهُ مِنْ قِلَّةِ الهـمِّ مُبْـهَـمًا
    ومن الناس من يكون مطلبه التمتع بمتاع الحياة الدنيا كحال طَرَفَة بن العبد " ، الذي قال عن غايته من الحياة :
    ولولا ثلاثٌ هُـنَّ مِنْ عِيشَـةِ الفَـتَى وجَدِّكَ لم أحْفِلْ مَتى قـامَ عُـوَّدي
    فَمِنْهُـنَّ سَبْقـي العَاذِلاتِ بِـشَـرْبةٍ كُمَيْتٍ مَتَى مَـا ما تُعْلَ بالماء تُزبِدِ
    وَكَـرِّي إذا نادَى المُضَافُ مَحَنَّـبـًا كَسيـد الغضـَا نبَّهْـتَهُ المُتَـوَرِّدِ
    وتَقْصِيرُ يَوْمِ الدجنِ والدَّجْنُ مُعْـجِبٌ بِبَهْكَنَـةٍ تحت الخِـبـَاءِ المُعَمَّـدِ
    كثير من الناس همُّـه من دنياه همُّ هذا الشاعر المسكين ، شربة خمر ، والتمتع بامرأة حسناء ، وقليل من الناس تنهض همته إلى الدفاع عن الخائف المستجير .
    وهذا " جميل بثينه " شاعر قصر همته على ملاحقة النساء يجيب من أمره بالجهاد في سبيل الله :
    يقـولون جاهدْ يا جميلُ بغـزوةٍ وأي جهـاد غيـرهنَّ أريـدُ
    لكل حديـثٍ بينهـنَّ بشـاشـةٌ وكـلُّ قتيـلٍ عندهـنَّ شهيدُ
    وقد يكون مسعى الناس ومطلبهم أمورًا يعدُّ طالبها سامي الهمَّة عالي القصد كحال امرئ القيس ، عندما أفاق من سكره وعبثه على زوال ملك أبيه ، فانقلب جادًا طالبـًا إعادة هذا الملك :
    ولوْ أنَّ ما أسْعَى لأدْنَى مَعِيشَـةٍ كَفَـانِي ولمْ أطْـلُبْ قلِيلٌ مِنَ المَـالِ
    ولكِنَّمـَا أسْعَى لِمَجْـدٍ مُـؤثَّـلٍ وقد يُـدْركُ المـَجْـدَ المُـؤَثَّلَ أمْثالي
    ولقد طال تطلابه للملك ، حتى قضى نحبه في طلبه :
    بَكَى صَاحِبي لَمَّا رأى الدَّرْبَ دُونَهُ وأيْقَـنَ أنَّــا لاحِقـان بِقَيْـصَـرَا
    فَقُـلْـتُ لـهُ لا تَبْـكِ عَيْنُـكَ إنَّمَا نُـحَـاوِلُ مُـلْكًا أوْ نَمُـوتَ فَنُعْـذَرا
    لقد ضيَّع حياته أولاً في المتع والشهوات ، وقضى شطر عمره الثاني في طلب الملك الضائع ، وانتهت حياته ، ولم يحصِّل مطلوبه ، ومات كما مات المتنبي من بعده ، طلبا الملك والإمارة ، فأعياهما الطلب "أهـ .بتصرف .
    وما أكثر الذين طلبوا الملك للرياسة ، وألحوا في طلبه ، فحامت حوله همتهم ، وطافت به عزيمتهم .
    كان " الأبيوردي " يدعو عقب كل صلاةٍ " اللهم مَلِّكني مشارق الأرض ومغاربها " ، وله في ذلك الأشعار الفائقة التي تكشف عن شخصية ونفسية شديدة الشبه بشخصية المتنبي .
    وقيل لـ " يزيد بن المهلب " : " ألا تبني دارًا " ؟ ، فقال : " منزلي دار الإمارة أو الحبس " .
    وقال آخر :
    وعِش مَلِكًا أو مُت كريمًا وإن تمت وسيفُـك مشهور بكَفِّك تُعذرِ

    تفَـاوتُ الهِـمَّمِ حتَّـى بينَ الحيَواناتِ :

    فـ " العنكبوت " من حين يولد ينسج لنفسه بيتـًا ، ولا يقبل مِنَّـة الأم ، و " الحية " تطلب ما حفر غيرها ، إذ طبعها الظلم ، و " الغراب " يتبع الجيف ، والصقر لا يقع إلا على الحِّي ، و " الأسد " لا يأكل البايت ، و " الفيل " يتملق حتى يأكل ، و " الخنفـساء " تُـطْـرَدُ فتعـود .
    قال المُتَلَمِّـسُ :
    إن الهـوانَ حِمـارُ البيت يألَفْـه والحُـرُّ يُنـكِـره والفيـلُ والأسَـدُ
    ولا يٌقيــم بـدار الذلِّ يألَـفها إلا الذليــلان عَيْـرُ الحي والوتـدُ
    هذا على الخَسْف مربوط برُمَّتِهِ وذا يُـشَـجُّ فمـا يأوِي لــه أحـدُ

    تفاضُل الناسِ بتفاوتِ هممهِمْ :
    قال الله تعالى : ( إن سعيكم لشتَّـى )[الليل/4]
    والهمـة رزق من الله عز وجل ، والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، ومن حكمته سبحانه أن فاضل بين خلقه في قواهم العملية ، كما فاضل بينهم في قواهم العلمية.

    على قدر أهل العـزم تأتي العزائـم وتأتي على قـدر الكـرام المـكارمُ
    وتعظم في عين الصغير صغـارُها وتصغـر في عين العظيم العظائـم

    اجتمع عبد الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، ومصعب بن الزبير ، وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة ، فقال لهم " مصعب " : " تمنَّوا " ، فقالوا : " ابدأ أنت " ، فقال : " ولاية العراق ،و تزوُّج " سُكَينة ابنة الحسين " ، و " عائشة بنتَ طلحة بن عبيد الله " ، فنال ذلك ، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم ، وجهّـزها بمثلها ، وتمنى " عروة بن الزبير " الفقه ، وأن يُحمل عنه الحديثُ ، فنال ذلك ، وتمنى " عبد الملك " الخلافة ، فنالها ، وتمنى " عبد الله بن عمر" الجنة .
    ويدل على تفاوت الهمم أن من الناس من ينشط للسهر في سماع سمر ، ولا يسهل عليه السهر في سماع القرآن الكريم ، ومنهم من يحفظ بعض القرآن ، ولا يتوق إلى التمام ، ومنهم من يعرف قليلاً من الفقه ، ومنهم قنوع بصلاة ركعتين في الليل ، ومنهم من يطلب معالي الأمور ، دون أن تكون له إرادة وسعي في تحقيقها ، فهذا مغتر بالأماني الكاذبة :
    وما نيل المطـالب بالتمنِّـي ولكـن تُـؤْخذُ الدنيـا غِـلابـا
    وما استعصى على قومٍ منال إذا الإقــدام كـان لهم ركابـا

    ولو علت بهم الهمم لجدَّت في تحصيل كل الفضائل ، ونَبَتْ عن النقص ، فاستخدمت البدن ، كما قال الشاعر :
    ولكـل جسـم في النُّـحـول بَلِـيَّـةٌ وبــلاء جسمـي من تفـاوت همتي
    وقال " المتنبي " :
    وإذا النـفــوس كُــنَّ كبـــارًا تعبـت في مـرادهـا الأجســـامُ
    وآخر يقول :
    وقائــلةٍ : لِـمْ غيـرتك الهـمومُ وأمـرك ممـتثـل فـي الأُمَــمْ
    فقلـتُ : ذرينـي عـلى غُصَّتـي فـإن الهمــومَ بقــدر الهِـمَـمْ
    وقال الإمام " ابن دقيق العيد " :
    الجسـم يُـذيبـه حقـوق الخدمـة والقـلب عذابـه علـوُّ الهـمـهْ
    والعمـرُ بذاكَ ينْقَـضِي فـي تعـبٍ والراحـة ماتت فعليـها الرحمـهْ


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

    قال الشيخ صالح ال الشيخ - إن رفع الأمة مما تعيش فيه يحتاج إلى أسباب كثيرة تبذل وتيسّر السبل لها، ومن ذلك أن يكثر طلبة العلم لشدة الحاجة اليوم إلى ورثة الأنبياء، فإن هذه الأمة لم يكن فيها نبي بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل خُتمت الرسالات والنبوات بمحمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ولكن بقي ورثة محمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وهم أهل العلم وحملة العلم وطلبة العلم، فإنهم أهل الوِراثة الحقيقة.وصحّ عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أنه قال «العلماء ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فإنه من أخذه أخذ بحظ وافر» لهذا كانت الحاجة ماسة إلى التربية العلمية لكي تقوى الأمة ويبقى فيها العلم النافع المستقى من الكتاب والسنة على نهج سلف الأمة، هذا العلم النافع قوّة وفيه إرغام للأعداء كما قال ابن الوردي في لاميته: «في ازدياد العلم إرغام العداء *** وجمال العلم إصلاح العمل…»

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    الثانية: جهادهُ على دفع ما يُلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهواتِ، فالجهادُ الأول يكون بعده اليقين، والثانى يكون بعدَه الصبر. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ، وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فأخبر أن إمامة الدين، إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهواتِ والإرادات الفاسدة، واليقينُ يدفع الشكوك والشبهات.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة


    وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين ، ولا هو موضع لها سوى القسم الأول، قال الله تعالى : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )(السجدة/24) ، فأخبر سبحانه أنهم بالصبر واليقين بآيات الله نالوا الإمامة في الدين ، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين ، وأقسم بالعصر " الذي هو زمن سعي الخاسرين والرابحين " على أن من عداهم فهو من الخاسرين ، فقال تعالى : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )[العصر/1 ـ 3] "أهـ .
    ومن كانت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله ، ورجي له النفوذ ، وقوي على رد القواطع والموانع بحول الله وقوته ، فإن القواطع كثيرة ، شأنها شديد ، لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد ، ولولا القواطع والآفات لكانت الطريق معمورة بالسالكين ، ولو شاء الله لأزالها ، وذهب بها ، ولكن الله يفعل ما يريد ، " والوقت ـ كما قيل ـ سيف فإن قطعته ، وإلا قطعك " ، فإذا كان السير ضعيفـا ، والهمة ضعيفة ، والعلم بالطريق ضعيفـًا ، والقواطع الخارجة والداخلية كثيرة شديدة ، فإنه جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وشماتة الأعداء ، إلا أن يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب ، فيأخذ بيده ويخلصه من أيدي القواطع ، والله ولي التوفيق "أهـ .--------------------------------

    سعادة العبد في الصبر و اليقين الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله:

    https://safeYouTube.net/w/KV7q
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي رد: الجهادُ أربع مراتب - بن القيم


    "‏قال الله عن المؤمنين﴿بعضهم أولياء بعض﴾

    ‏وقال عن الكفار﴿بعضهم أولياء بعض﴾
    ‏وقال عن أهل الكتاب﴿بعضهم أولياء بعض﴾
    ‏ولكن قال عن المنافقين ( بعضهم من بعض )؛ لأنه ليس بينهم ولاية لبعض ولا ينوون نُصرَة بعض، فهم لم يلجأوا للنفاق إلا للؤمهم وانعدام مروءتهم، فما أسرع ما بتبرّأون من بعض.".[د.بندر الشراري]



    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •