خير أيام الدنيا ... ماذا يشرع
فيها؟

عبد الحكيم بن محمدبلال

منرحمة الله (تبارك وتعالى) أن فاضل بـيـن الأزمـنــة، فـاصـطـفـى واجتبى منها ما شاءبحـكـمـتــه، قــــال (عـــز وجل): ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُمَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ..)) [القصص: 68] وذلك التفـضـيــل مــن فـضـلـه وإحسانه؛ ليكون عوناً للمسلم على تجديد النشاط، وزيادة الأجر، والقرب من الله(تعالـى). ونـظــرة في واقع الكثير تنبئك عن جهل كبير بفضائل الأوقات، ومن أكبرالأدلة على ذلك: الغـفـلــة عن اغتنامها، مما يؤدي إلى الحرمان من الأجر.والأمرالذي يحتاج إلى وقفة تأمل: التباين الكبير بين كـــون عشر ذي الحجة أفضل أيامالدنيا، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل فيما سواها، وبين واقع الناسوحالهم في تلك العشر، فالكثير لا يحرك ساكناً، والأكثر لم يقم الأمــر عنده ولميقعد، ومن مظاهر ذلك مثلاً هجر سُنّة التكبير المطلق وهي من شعائر تلكالأيام.وعلى الرغم من أن هذه الأيام أعظم من أيام رمضان، والعمل فيها أفضل، إلاأنه لا يحصل فيها ولو شيء مما يحصل في رمضان؛ من النشاط في عمل الآخــــرة، ولاغرو، فالفارق بين الزمنين واضح، فقد اختص رمضان بما لم تختص به العشر، ومنذلك:وقوع فريضة الصوم فيه، وهي (فريضة العام) على كل مسلم، مع ما يكون فيها منتربية للمسلم، وزيادة لإيمانه، بخلاف الحج فهو فريضة العمر.ارتباط رمضان بنزول القرآن فيه مما جعله شهر القرآن، وذلك له أثر كبير في إقبال الناس فيه على كتابالله الكريم.الترغيب الخاص بقيام لياليه، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقيام الـعـشـــــر، وتحري ليلة القدر.وهذه الأمور الثلاثة جعلت لرمضان جوّاًخاصًّا متميزاً تنقلب حياة النّاس فيه، وتتغير أيًّا كان نوع ذلك التغير.مايحصل في رمضان من تصفيد الشياطين، وفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النيران، ممايكون له أعظم الأثر في انبعاث الناس للعبادة وحماسهم لها. فيكون ذلك حافزاً للعلماءوالدعاة والأئمة والخطباء ليخاطبوا قلوب الناس، ما دامت مقبلة على الخير.كل ذلك وغيره يجعل هذه العشر ابتلاءً وامتحاناً للناس، فلا يحصل فيها من المعونة على الخيركما يحصل في رمضان، والموفق من وفقه الله، فشمر وجد واجتهد.
فضل عشر ذي الحجة:قددل على فضلها أمور (1):
الأول:قال (تعالى): ((وَالْفَجْروَلَيَالٍ عَشْرٍ)) [الفجر: 1، 2] قال غير واحد: إنها عشر ذي الحجة، وهو الصحيح(2). ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء فيتعيينها.الثاني:أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شهد أنها أعظم أيام الدنيا، وجاء ذلك فيأحاديث كثيرة منها: قوله (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)(3).
وقوله : (ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليهمن العمل فيهن، من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) (4)، والمراد في الحديثين: (أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيرهمن أيام السنة، سواء أكان يوم الجمعة أم لا، ويوم الجمعة فيه أفضل من الجمعة فيغيره؛ لاجتماع الفضلين فيه) (5).
الثالث:أنه حث على العمل الصالح فيها،وأمر بكثرة التهليل والتكبير.الرابع:أن فيها يوم عرفة ويومالنحر.الخامس:أنها مكان لاجتماع أمهات العبادة فيها، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة،والحج، ولا يتأتى ذلك في غيرها (6).
أنواع العمل الصالح في أيام العشر:وحيث ثبتت فضيلة الزمان ثبتت فضيلة العمل فيه، وأيضاً فقد جاءالنص على محبة الله للعمل في العشر، فيكون أفضل، فتثبت فضيلة العمل منوجهين.وأنواع العمل فيها ما يلي:الأول:التوبة النصوح:وهي الرجوع إلى الله (تعالى)،مما يكرهه ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً، ندماً على ما مضى، وتركاً فيالحال، وعزماً على ألا يعود. وما يتاب منه يشمل: ترك الواجبات، وفعل المحرمات. وهيواجبة على المسلم حين يقع في معصية، في أي وقت كان؛ لأنه لا يدري في أي لحظة يموت،ثم إن السيئات يجر بعضها بعضاً، والمعاصي تكون غليظة ويزداد عقابها بقدر فضيلةالزمان والمكان؛ قال (تعالى): ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَىاللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً)) [التحريم: 8]، وقد ذكر ابن القيم (رحمه الله تعالـى):أن النّصْـح فـي التوبـة يتضمن ثلاثة أشياء:استغراق جميع الذنوب، و إجماعالعـزم والصدق، و تخليصها من الشوائب والعلل، وهي أكمل ما يكون من التوبة (7).
الثاني:أداء الحج والعمرة:وهما واقعان في العشر، باعتبار وقوعمعظم مناسك الحج فيها، ولقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في هاتين العبادتينالعظيمتين، وحث عليهما؛ لأن في ذلك تطهيراً للنفس من آثار الذنوب ودنس المعاصي،ليصبح أهلاً لكرامة الله (تعالى) في الآخرة.الثالث:المحافظة علىالواجبات:والمقصود: أداؤها في أوقاتها وإحسانها بإتمامها على الصفة الشرعيةالثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ومراعاة سننها وآدابها. وهي أول ماينشغل به العبد في حياته كلها؛ روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قالرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنتهبالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقربإليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به،ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بيلأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكرهمساءته) (8).
قال الحافظ: (وفي الإتيان بالفرائض على الوجهالمأمور به: امتثال الأمر، واحترام الآمر، وتعظيمه بالانقياد إليه، وإظهار عظمةالربوبية، وذل العبودية، فكان التقرب بذلك أعظم العمل) (9). والمحافظة على الواجبات صفة من الصفات التي امتدح الله بها عبـاده المؤمنين، قال(عز وجل): ((وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)) [المعارج: 34]،وتتأكد هذه المحافظة في هذه الأيام، لمحبة الله للعمل فيها، ومضاعفةالأجر.الرابع:الإكثار من الأعمال الصالحة:إن العمل الصالح محبوب لله (تعالى) في كلزمان ومكان، ويتأكد في هذه الأيام المباركة، وهذا يعني فضل العمل فيها، وعظم ثوابه،فمن لم يمكنه الحج فعليه أن يعمر وقته في هذه العشر بطاعة الله (تعالى)، من:الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغير ذلك من طرق الخير، وهذا من أعظم الأسبابلجلب محبة الله (تعالى).الخامس:الذكر:وله مزية على غيره من الأعمال؛ للنص عليه في قوله (تعالى): ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَارَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ)) [الحج: 28] قال ابن عباس: أيام العشر (10)، أي: يحمدونه ويشكرونه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، ويدخلفيه: التكبير والتسمية على الأضحية والهدي (11)، ولقوله:(فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).السادس:التكبير:يسن إظهار التكبيرفي المساجد والمنازل والطرقات والأسواق، وغيرها، يجهر به الرجال، وتسر به المرأة،إعلاناً بتعظيم الله (تعالى).وأما صيغة التكبير فلم يثبت فيها شيء مرفوع، وأصحما ورد فيه: قول سلمان: (كبروا الله: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً).وهناك صيغ وصفات أخرى واردة عن الصحابة والتابعين (12).
والتكبير صار عند بعض الناس من السنن المهجورة، وهي فرصةلكسب الأجر بإحياء هذه السنة، قال : (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً) (13). وقدثبت أن ابن عمر وأبا هريـرة كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناسبتكبيرهما (14). والمراد: يتذكر الناس التكبير، فيكبرون بسبب تكبيرهما، والله أعلم.والتكبير الجماعي بصوت واحد متوافق، أو تكبير شخص تردخلفه مجموعة: من البدع التي ينبغي على المسلم الحريص على اتباع سنة النبي -صلى اللهعليه وسلم- اجتنابها والبعد عنها، أما الجاهل بصفة التكبير فيجوز تلقينه حتى يتعلم،فإن قيل: إن التكبير الجماعي سبب لإحياء هذه السنة، فإنه يجاب عليه: بأن الجهر بالتكبير إحياء للسنة، دون أن يكون جماعيًّا، ومن أراد فعل السنة، فإنه لا ينتظرفعل الناس لها، بل يكون أول الناس مبادرة إليها، ليقتدي به غيره.السابع:الصيام:عن حفصة (رضي الله عنها) قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي -صلى الله عليه وسلم-: صيامعاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة) (15). والمقصود: صيام التسع أو بعضها؛ لأن العيد لا يصام، وأما مااشتهر عند العوام ولا سيما النساء من صيام ثلاث الحجة، يقصدون بها اليوم السابعوالثامن والتاسع، فهذا التخصيص لا أصل له.الثامن:الأضحية:وهي سنة مؤكدة في حق الموسر، وقال بعضهم كابن تيمية بوجوبها (16)، وقد أمر الله بهانبيه -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)) [الكوثر: 2]فيدخل في الآية صلاة العيد، ونحر الأضاحي، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-يحافظ عليها، قال ابن عمر (رضي الله عنهما): أقام النبي -صلى الله عليه وسلم-بالمدينة عشر سنين يضحي (17).
التاسع:صلاة العيد:وهي متأكدةجدًّا، والقول بوجوبها قوي (18) فينبغي حضورها، وسماع الخطبة،وتدبر الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر وعمل صالح.يوم عرفة:وقد زاد هذااليوم فضلاً ومزية على غيره، فاستحق أن يخص بحديث مستقل يكشف عن أوجه تفضيلهوتشريفه، ومن تلك الأوجه ما يلي:أولاً:أنه يوم إكمال الدين وإتماما لنعمة:روى البخاري (19): قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤونآية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً، فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت،وأين كان رسول الله حين أنزلت: يوم عرفة، إنا والله بعرفة، قال سفيان: وأشك كان يومالجمعة أم لا: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْنِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً)) [المائدة: 3]. وإكمال الدين في ذلكاليوم حصل؛ لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل، فكمل بذلك دينهملاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها، ولأن الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم (عليهالسلام)، ونفى الشرك وأهله، فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد. وأماإتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة، فلا تتم النعمة بدونها، كما قال الله لنبيه:((لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ))[الفتح: 2] (20).
ثانياً:أنه يومعيد:عن أبي أمامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يوم عرفة، ويوم النحر،وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) (21).
ثالثاً:أن صيامه يكفر سنتين:قال عن صيامه: (يكفر السنة الماضيةوالباقية) (22).
رابعاً:أنه يوم مغفرة الذنوب، والعتق منالنار:عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهمالملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟) (23) قال ابن عبد البر: (وهويدل على أنهم مغفور لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب، إلا بعد التوبـةوالغفـران، والله أعلم) (24).
الأعمال المشروعة فيه:
أولاً:
صيام ذلك اليوم:ففي صحيح مسلمقال: (...صيام يوم عرفة أَحْتَسِبُ على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التيبعده...) (25). وصومه إنما شرع لغير الحاج، أما الحاج فلا يجوزله ذلك. ويتأكد حفظ الجوارح عن المحرمات في ذلك اليوم، كما في حديث ابن عباس، وفيه:(إن هذا اليوم من مَلَك فيه سمعه وبصره ولسانه: غُفر له) (26). ولا يخفى أن حفظ الجوارح فيه حفظ لصيام الصائم، وحج الحاج، فاجتمعت عدة أسباب معينةعلى الطاعة وترك المعصية.
ثانياً:الإكثار من الذكر والدعاء:قال النبي -صلىالله عليه وسلم-:(خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) (27)، قال ابن عبد البر: (وفي الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفةمجاب في الأغلب، وأن أفضل الذكـر: لا إله إلا الله) (28). قالالخطابي: (معناه: أكثر ما أفتتح به دعائي وأقدمه أمامه من ثنائي على الله (عز وجل)،وذلك أن الداعي يفتتح دعاءه بالثناء على الله (سبحانه وتعالى)، ويقدمه أمام مسألته،فسمي الثناء دعاء...) (29).
ثالثاً:التكبير:سبق في بيان وظائـف العشر أن التكبير فيها مستحب كل وقت، في كل مكان يجوز فيه ذكر الله (تعالى).وكلام العلماء فيه يدل على أن التكبيرنوعان:الأول:التكبير المطلق: وهو المشروع فيكل وقت من ليل أو نهار، ويبدأ بدخول شهر ذي الحجة، ويستمر إلى آخر أيامالتشريق.الثاني:التكبير المقيد: وهو الذي يكون عقب الصلوات، والمختار: أنه عقب كل صلاة،أيًّا كانت، وأنه يبدأ من صبح عرفة إلى آخر أيام التشريق (30).
وخلاصة القول: أن التكبير يوم عرفة والعيد، وأيام التشريق يشرع في كل وقت وهو المطلق، ويشرع عقب كل صلاة وهو المقيد.يوم النحر:لهذا اليوم فضائل عديدة: فهو يوم الحج الأكبر (31). وهو أفضل أيام العام؛لحديث: (إن أعظم الأيام عند الله (تبارك وتعالى): يوم النحر، ثم يوم القرّ) (32) وهو بذلك أفضل من عيد الفطر، ولكونه يجتمع فيه الصلاة والنحر،وهما أفضل من الصلاة والصدقة (33).
وقد اعتبرت الأعياد في الشعوب والأمم أيام لذة وانطلاق، وتحلل وإسراف، ولكن الإسلام صبغ العيدين بصبغة العبادة والخشوع إلى جانب الفسحة واللهو المباح (34). وقد شرع فييوم النحر من الأعمال العظيمة كالصلاة، والتكبير، ونحر الهدي، والأضاحي، وبعض من مناسك الحج ما يجعله موسماً مباركاً للتقرب إلى الله (تعالى)، وطلب مرضاته، لا كماهو حال الكثير ممن جعله يوم لهو ولعب فحسب، إن لم يجعله يوم أشر وبطر، والعياذ بالله.أيام التشريق:وهي الأيام الثلاثة التالية ليوم النحر (35)، وهي التي عناها الله (تعالى) بقوله: ((وَاذْكُرُوا اللَّهَفِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ))[البقرة: 203]، كما جاء عن ابن عباس (36)، وذكر القرطبي أنه لا خلاف في كـونـهـــا أيام التشريق(37). وهي أيام عيد للمسلمين؛ لحديث: (يوم عرفة، ويوم النحر، وأياممنى: عيدنا أهل الإسلام) (38). وقد نهي عن صيامها، وهي واقعة بعدالعشر الفاضلة، فـتـشــرف بالمجاورة أيضاً، وتشترك معها بوقوع بعض أعمال الحج فيها،ويدخل فيها يوم النحـــــر، فيعظم شرفها وفضلها بذلك كله (39). كما أن ثانيها وهو يوم القر، وهو الحادي عشر أفـضـــل الأيـام بعــد يـوم النحـر،وهـذه الأيام الأربعة هي أيام نحر الهدي والأضاحـي على الـراجـح من أقوال أهل العلم؛ تعظيماً لله (تعالى)، وهذا مما يزيدها فضلاً، وهذه الأيام من أيام العبادةوالذكر والفرح، قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أيام التشريق أيام أكلوشرب، وذكر لله) (40)، فهي أيام إظهار الفرح والسرور بنعم الله العظيمة، وفي الحديث إشارة إلى الاستعانة بالأكل والشرب على ذكر الله، وهذا من شكرالنعم (41). وذكر الله المأمور به في الحديث أنواع متعددة منها:1 - التكبير فيها: عقب الصلوات، وفي كل وقت، مطلقاً ومقيداً، كما هو ظاهرالآية، وبه يتحقق كونها أيام ذكر لله (42).

2- ذكر الله (تعالى)بالتسمية والتكبير عند نحر الهدي والأضاحي.3 - ذكره عند الأكل والشرب، وكذا أذكارالأحوال الأخرى.4 - التكبير عند رمي الجمار.5 - ذكر الله (تعالى) المطلق (43).
هذه ذكرى، أسأل الله أن ينفع بها، وأعوذ بالله من أن يكونأهل البدع أجلد في بدعهم، وأنشط في باطلهم، من أهل الحق في فعل الخير والاستقامةعلى السنة.الهوامش :1)انظر: (مجالس عشر ذيالحجة) للشيخ / عبد الله بن صالح الفوزان.2)تفسير ابن كثير،جـ4 ص505.3)أخرجه البخاري، ح/969، و الترمذي، ح/757، واللفظله.4)أخرجه أحمد، جـ2ص75، 132، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.5)فتح الباري، جـ2ص534.6)انظر:المصدر السابق.7)انظر: مدارج السالكين، جـ1 ص316، 317.8)أخرجه البخاري، ح/6502.9)فتح الباري، جـ11ص351.10) صحيح البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيامالتشريق.11) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية، جـ24 ص225.12) فتح الباري، جـ2 ص536، وقال الحافظ: (وقد أحدث في هذا الزمانزيادة لا أصل لها).13) أخرجه ابن ماجة، ح/209، وانظر: صحيح سننابن ماجة، ح/173.14) البخاري، كتاب العيدين، باب العمل في أيام التشريق.15) انظر: المسند، جـ6 ص287.16)انظر: مجموع الفتاوى، جـ23 ص162، 164.17) المسند، جـ2 ص38،وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، والترمذي، ح/1559، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، ح/261.18) انظر: الفتاوى، جـ23 ص161.19) ح/4606.20) انظر: لطائف المعارف،ص486،487.21)رواه أبو داود، ح/2419، وانظر صحيح سنن أبي داود،ح/2144.22) أخرجه مسلم، ح/1163.23) أخرجهمسلم، ح/1348.24) انظر: التمهيد لابن عبد البر، ج1ص120.25) مسلم، ح/1162.26) المسند، ج1ص329، وصحح أحمدشاكر إسناده، ح/3042.27) الترمذي، ح/2837، ومالك، ج1ص422،ح/246، وصححه الألباني.28) التمهيد،ج6ص41.29) مجالس عشر ذي الحجة، لعبد الله الفوزان، ص970.30) انظر: الفتح، ج2ص535، والفتاوى ج24ص220.31) سن أبي داود، ح/1945، وانظر: صحيح سنن أبي داود، ح/1714، والبخاري، ح/4657تعليقا.32) سنن أبي داود، ح/1765، وانظر: صحيح سنن أبي داود،ح/1552، ويوم القر هو: اليوم الذي يلي يوم النحر ، سمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى.33) لطائف المعارف، ص482، 483.34) انظر: الأركان الأربعة، ص60.35) وسميت أيام التشريق؛ لأن الناس يشرقون فيها لحوم الهدي والأضاحي، أي: يقددونها وينشرونها في الشمس.36) البخاري تعليقا، وله إسناد صحيح ، الفتح ج2ص530.37) تفسير القرطبي، ج3ص3.38) أخرجه أبو داود،ح/2419، وانظر صحيح سنن أبي داود، ح/2114.39) انظر: فتحالباري، ج2ص532، 533.40) أخرجه مسلم، ح/1141.41) انظر: لطائف المعارف، ص504.42) انظر: نيلالأوطار، ج3ص389.43)انظر: لطائف المعارف، ص501، 502.

موقع صيد الفوائد