المرأة في القرآن الكريم


بقلم : ا.د. فاضل السامرائي .
السلام عليكم ورحمه الله :


قال تعالى :


((
وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِيوَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ14
))



ما دلاله اختيار لفظ ((
والديه )) بدلا من (( ابويه
)) ؟؟

الوالدان :
مثنى الوالد والوالدة.

وهو تغليب للمذكر كعادة العرب في التغليب إذ يغلبون المذكر , كالشمس والقمر يقولون عنهما (القمران) .

والأبوان هما الأب والأم ولكنه أيضا بتغليب المذكر ولو غلب الوالدة لقال الوالدتين، فسواء قال بأبويه أو بوالديه فهو تغليب للمذكر.

ولكن لماذا اختار الوالدين ولم يقل الأبوين؟


لو نظرنا إلى الآية لوجدناه يذكر الأم لا الأب:

حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ


فذكر أولا ا لحمل والفطام من الرضاع (وفصاله) ولم يذكر الأب أصلا .


ذكر ما يتعلق بالأم (الحمل والفصال) وبينهما الولادة .


والوالدان من الولادة، والولادة تقوم بها الأم

إذن:
أولا (المناسبة) فعندما ذكر الحمل والفصال ناسب ذكر الولادة.

ثانيا:
ذكره بالولادة وهو عاجز ضعيف، ولولا والداه لهلك فذكره به.


ثالثا :
إشارة إلى انه ينبغي الإحسان إلى الأم أكثر من الأب، ومصاحبة الأم أكثر من الأب، لأن الولادة من شأن الأم وليست من شأن الأب.


لذلك فعندما قال (بوالديه) ذكر ما يتعلق في الأصل بالأم، ولذلك فهذه الناحية تقول :

ينبغي الإحسان إلى الوالدة قبل الأب وأكثر من الأب .


ولذلك لا تجد في القرآن الكريم البر أو الدعاء أو التوصية إلا بذكر الوالدين لا الأبوين .

( اشاره الى الاهتمام بالام اكثر عن البر او الدعاء او التوصيه )



أمثلة :

"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ
إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً 23"
الاسراء


" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوَالِدَي ْنِ
إِحْسَاناً 36"
النساء

" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
وَبِالْوَالِدَي ْنِ
إِحْسَاناً 151"
الأنعام

وكذلك البر والدعاء والإحسان


"رَبَّنَا اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِي نَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ 41"
ابراهيم

" رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوَالِدَيَّ
وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً28"
نوح


"وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ
حُسْناً 8"
العنكبوت


" وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ
بِوَالِدَيْهِ
إِحْسَاناً 15"
الاحقاف

و
بشكل عام ..

لم يرد استعمال (الأبوين) في القرآن الكريم إلا مرة في المواريث، حيث نصيب الأب أكثر من نصيب الأم، أو التساوي في الأنصبة .


لكن في البر والتوصية والدعاء لم يأت إلا بلفظ الوالدين إلماحا إلى أن نصيب الأم ينبغي أني كون أكثر من نصيب الأب .

كما ان لفظ (الأبوان) قد يأتي للجدين :

"وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى
أَبَوَيْكَ
مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ 6"
يوسف


ويأتي لآدم وحواء:

"يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ
مِنَ الْجَنَّةِ 27"

الأعراف

فاختيار الوالدين له دلالات مهمة .

ثم هو هنا – في الايه الاولى - لم يأت بالأب أصلا بل قال ( حملته أمه وهنا ..) ولم يرد ذكر للأب أبدا، لذلك كان اختيار الوالدين انسب من كل ناحية .


قد يقول قائل
:

إن هذا الأمر يخلف في قصة سيدنا يوسف عندما قال:

"وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ
عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً100"

يوسف


فاختار الأبوين

الجواب:
لم يتخلف هذا الأمر، فعندما قال رفع أبويه لم يتخلف وإنما هو على الخط نفسه، وذلك لما يلي:

ـ أولا:
في قصة يوسف لم يرد ذكر لأم مطلقا
ورد ذكر الأب فهو الحزين وهو الذي ذهب بصره .. الخ


ولم يرد ذكر للام أصلا في قصة يوسف

ـ ثانيا
في هذا الاختيار أيضا تكريم للأم لأنه قال:

"وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً100"


فالعادة أن يكرم الابن أبويه، ليس أن يكرم الأبوان الابن


ولكن هنا هم خروا له سجدا


فالتكريم هنا حصل بالعكس من الأبوين للابن
ولذلك جاء بلفظ الأبوين لا الوالدين إكراما للام فلم يقل:

ورفع والديه .

وفيها إلماح آخر أن العرش ينبغي أن يكون للرجال
فلما قال أبويه هنا ففيه تكريم للأم، ويلمح أن لعرش ينبغي أن يكون للرجال .

ويناسب ما ذكر عن الأب إذ القصة كلها مع الأب، فهو الأنسب من كل ناحية .





وهنا قد يَرِدِ سؤال:

إن الأم هي التي تتأثر وتتألم أكثر وتحزن فلماذا لم يرد ذكرها هنا؟

ألم تكن بمنزلة أبيه في اللوعة والحسرة؟


لا .. المسألة أمر آخر، أم يوسف ليست أم بقية الإخوة، هي أم يوسف وأخيه فقط، ولذلك فيكون كلامها حساسا مع إخوته، أما يعقوب عليه السلام فهو أبوهم جميعا، فإذا عاتبهم أو كلمهم فهو أبوهم، أما الأم فليست أمهم، فإذا تكلمت ففي الأمر حساسية، وهذا من حسن تقديرها للأمور فكتمت ما في نفسها وأخفت لوعتها حتى لا تثير هذه الحساسية في نفوسهم .


وهذا من حسن التقدير والأدب، فلننظر كيف يختار القرآن التعبيرات في مكانها ويعلمنا كيف نربي ونتكلم مع أبنائنا .