قال شيخ الإسلام : والذات موصوفة بغاية الكمال الممكن؛ فإن كان كمالها في أن يكون ما فيها بالقوة هو بالفعل من غير إمكان ذلك ولا كون دوام الإحداث هو أكمل من أن لا يحدث عنها شيء كما قد يقوله هؤلاء الفلاسفة فيجب أن لا يحدث عنها شيء أصلا ولا يكون في الوجود حادث وإن كان كمالها في أن تحدث شيئا بعد شيء لأن ذلك أكمل من أن لا يمكنها إحداث شيء بعد شيء ولأن الفعل صفة كمال والفعل لا يعقل إلا على هذا الوجه ولأن حدوث الحوادث دائما أكمل من أن لا يحدث شيء ولأن هذا الذي بالقوة هو جنس الفعل وهذا بالفعل دائما.
منهاج السنة (1|207)----------------------------قال شيخ الإسلام : فإن قال : إن نوع الفعل يجب أن يكون مسبوقاً بالعدم .
قيل له : من أين لك هذا ، وليس في الكتاب والسنة ما يدل عليه ، ولا في المعقول ما يرشد إليه ؟ وهذا يستلزم أن يصير الرب قادراً على نوع الفعل بعد أن لم يكن قادراً عليه ، فإنه إن لم يزل قادراً أمكن وجود المقدور ، فإن كان المقدور ممتنعاً ثم صار ممكناً صار الرب قادراً بعد أن لم يكن ، وانتقل الفعل من الامتناع إلى الإمكان من غير حدوث شيء ولا تجدده ، فإن الأزل ليس هو شيئاً معيناً ، بل هو عبارة عن عدم الأولية ، كما أن الأبد عبارة من عدم الآخرية ،فما من وقت يقدر إلا والأزل قبله لا إلى غاية .
الصفدية (1|65)------------------قال شيخ الاسلام-فقد تبين أن مع القول بجواز حوادث لا أول لها، بل مع القول بوجوب ذلك، يمتنع قدم العالم أو شيء من العالم، وظهر الفرق بين دوام الواجب بنفسه القديم الذي لا يحتاج إلى شيء، وبين دوام فعله أو مفعوله وقدم ذلك فإن الأول سبحانه هو قديم بنفسه، واجب غنى، وأما فعله فهو شيء بعد شيء.فإذا قيل: هو قديم النوع وأعيانها حادثة. لزم حدوث كل ما سواه وامتناع قدم شيء معه، وأنه يمتنع أن يكون شيء من مفعولاته قديماً، إذ كل مفعول فهو مستلزم للحوادث، والإلزام حدوث الحوادث بلا سبب، وترجيح أحد المتماثلين بلا مرجح، لأنه لا يكون قديماً إلا بفعل قديم العين لا قديم النوع، وفعل قديم العين للحادث ممتنع ولملازم الحادث ممتنع، وفعلان قديمان مقترنان أحدهما للحادث والآخر لملازم الحادث ممتنع، فتبين امتناع قدم فعل شيء من العالم على كل تقدير، لأن وجود المفعول بدون الفعل المشروط فيه ممتنع "وقد عُرف أيضاً أن وجود العالم منفكاً عن الحوادث ثم إحداث الحوادث فيه أيضاً ممتنع، فثبت امتناع قدمه على كل تقدير.ويمكن تقدير حدوث كل العالم بالنظر إلى نفس الفاعل المؤثر فيه، مع قطع النظر عن العالم - خلاف ما يزعمه ابن الخطيب وطائفة - أن القائلين بالقدم نظروا إلى المؤثر، والقائلين بالحدوث نظروا إلى الأثر.وذلك أن يقال: قد ثبت أنه موصوف بصفات الكمال، وان الكمال الممكن الوجود لازم له واجب له، وأنه مستلزم لذلك.وحينئذ فيقال: الفاعل الذي يمكنه أن يفعل شيئاً بعد شيء ويحدث الحوادث أكمل ممن لا يمكنه الإحداث، بل لا يكون مفعوله إلا مقارناً له، بل يقال هذا في الحقيقة ليس مفعولاً له، إذ ما كان لازماً للشيء لا يتجدد فهو من باب صفاته اللازمة له، لا من باب أفعاله، فإن ما لزم الشيء ولم يحدث ويتجدد لم يكن حاصلاً بقدرته واختياره، بل كان من لوازم ذاته، وما كان من لوازم ذاته لا يتجدد ولا يحدث كان داخلاً في مسمى ذاته كصفاته اللازمة له، فلم يكن ذلك من أفعاله ولا من مفعولاته.وإذا كان كذلك فتقدير واجب بنفسه أو قديم أو قيوم أو غني لا يفعل شيئاً ولا يحدثه ولا يقدر على ذلك تقدير مسلوب لصفات الكمال، وكون الفعل ممكناً شيئاً بعد شيء أمر ممكن في الوجود، كما هو موجود للمخلوقات، فثبت أنه كمال ممكن ولا نقص فيه، لاسيما وهم يسلمون أن الجود صفة كمال، فواجب لا يفعل ولا يجود ولا يحدث شيئاً أنقص ممن يفعل ويجود ويحدث شيئاً بعد شيء، وإذا كان كمالاً لا نقص فيه وهو ممكن الوجود، لزم أن يكون ثابتاً لواجب الوجود وأن يكون ثابتاً للقديم، وان يكون ثابتاً للغنى عما سواه، وأن يكون ثابتاً للقيوم.وإذا كان كذلك فمن كانت هذه صفته امتنع وجود المفعول معه، لأنه لووجد معه للزم سلب الكمال، وهو الإحداث شيئاً بعد شيء، والفعل الدائم للمفعولات شيئاً بعد شيء، وإذا كان نفس الكمال الذي يستحقه لذاته يوجب أن يفعل شيئاً بعد شيء، ويمتنع أن يقارنه شيء من المفعولات فيكون لازماً له ثبت حدوث كل ما سواه وهو المطلوب ا 0هـ.وقال في (2/23) :ولهذا كان المانعون من هذا إنما منعوا منه لاعتقادهم امتناع الفعل في الأزل، إما لامتناع حوادث لا أول لها عندهم، أو لأن الفعل ينافي الأزلية، أو لغير ذلك. وعلى كل تقدير فإنه يمتنع قدم شيء بعينه من العالم. وكذلك إذا قدر أن الفعل دائم، فإنه دائم باختياره وقدرته، فلا يكون الفعل الثاني إلا بعد الأول، وليس هو موجباً بذاته في الأزل لشيء من الأفعال، ولا من الأفعال ما هو قديم أزلي.والأفعال نوعان: لازمة ومتعدية فالفعل اللازم لا يقتضي مفعولاً، والفعل المتعدي يقتضي مفعولاً، فإن لم يكن الدائم إلا الأفعال اللازمة، وأما المتعدية فكانت بعد أن لم تكن، لم يلزم وجوب ثبوت شيء من المفعولات في الأزل.وإن قدر أن الدائم هو الفعل المتعدي أيضاً والمستلزم لمفعول، فإذا كان الفعل يحدث شيئاً بعد شيء، فالمفعول المشروط به أولاً بالحدوث شيئاً بعد شيء، لأن وجود المشروط بدون الشرط محال، فثبت أنه على كل تقدير لا يلزم أن يقارنه في الأزل لا فعل معين ولا مفعول معين، فلا يكون في العالم شيء يقارنه في الأزل، وإن قدر أنه لم يزل فاعلاً سبحانه وتعالى، فهذه الطريقة قرر فيها ثبوت القديم المحدث للحوادث، وحدوث كل ما سواه، من غير احتياج إلى طريقة الوجوب والإمكان، ولا إلى طريقة الجواهر والأعراض ا0هـ.وبعد كل هذا البيان نخلص أن القدم النوعي للعالم هو جواز استمرار المخلوقات من غير انقطاع لأن هذا نتيجة لديمومة فعل الله سبحانه ولهذا قال في (1/281) :وإن كان أفعاله دائمة شيئاً بعد شيء ليس فيها واحد قديم وكذلك مفعولاته بطريق الأولى، فإن المفعول تابع للفعل فلا يكون في أفعاله ولا في مفعولاته شيء قديم وإن كانت دائمة لم تزل فإن دوام النوع وقدمه ليس مستلزماً قدم شيء من الأعيان ا 0هـ.وقال في (2/144) :وإذا كان ذلك الفعل يوجد شيئاً فشيئاً كان المفعول كذلك بطريق الأولى، لامتناع تقدم المفعول على فعله، فلا يكون فعل دائم معين، فلا يكون مفعول معين دائم ا0هـ.والمفعول هو المخلوق كما قال في (2/88) :والثاني: ما يكون مخلوقا بائناً عن الله فهذه هي المفعولات ا0هـ -وعلى هذا لم يخرج شيخ الإسلام عن معنى القدم الاصطلاحي في نوع الفعل ونوع المفعول لأن النوع إذا كان مستمراً فالنوع لم يسبق بعدم كما سبق أن وضحنا.وهنا أمر مهم ينبغي أن يضاف وهو ان الأزل ليس شيئاً محدوداً فقال في (2/46) : وليس في الأزل شيئاً محدوداً كان فيه فاعلاً للجميع ا0 -----قال في (1/283) : وليس الأزل وقتاً محدوداً بل هو عبارة عن الدوام الماضي الذي لا ابتداء له الذي لم يسبق بعدم الذي ما زال ا0هـ.----كتاب قدم العالم وتسلسل الحوادث
[كَامِلَةُ الكَوارِي]https://al-maktaba.