تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 47

الموضوع: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (أبو بكر الصديق)

    جهاد الترباني


    "ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر"
    "ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر"
    (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم)
    لم يكن في نيَّتي أن أرتب أسماء العظماء المائة في أمة الإسلام على حسب فضلهم ومقامهم، فليست هذه هي الغاية من هذا الكتاب على الإطلاق، والواقع أنني قررت أن أسلك مسلكًا في الكتابة لا يراعي فارق الزمان أو فارق المكان فضلًا على أن يراعي فارق العظمة بينهم، فبعد أن استثنيت من هذا الكتاب الأنبياء والرسل الذين هم أعظم الخلق بدون أي منازع، صار الأمر عندي سيّان في ترتيب العظماء بما أراه مناسبًا لإنجاز هذا العمل الأدبي، حتى وإن تأخر ذكر أحد العظماء المائة الذي يفوق من قبله فضلًا ومكانة في الإسلام.


    إلّا أن القلم يخجل قبل صاحبه أن يكون على رأس أول كتابٍ من نوعه عن عظماء أمة الإسلام مخلوقٌ غير أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه وأرضاه، وكأني برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في فراشه الأخير وهو يأمر المسلمين أن يكون أبو بكر هو الإمام المقدَّم قائلًا: «ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر»، لذلك أصبح لزامًا علي أن أضع استثناءً وحيدًا في ترتيب المائة في هذا الكتاب بحيث يكون أولهم هو أعظمهم في نفس الوقت، بل هو الإنسان الأعظم بعد الأنبياء، فهو أول من سيدخل الجنة من البشر بعد الأنبياء، بعد أن كان أول إنسان حمل شعلة التوحيد التي تركها الأنبياء لينير بها ظلام الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها، ليكون هذا الرجل صاحب السبق في تحمل عبء الدعوة التي أوكلت لأول مرة في التاريخ إلى البشر العاديين دون الأنبياء.
    وأبو بكر الصديق هو صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الإسلام وبعده، والإنسان الوحيد الذي اختاره اللَّه من فوق سبع سماوات ليصحب رسوله في الهجرة، وأبو بكر هو أول رجلٍ في التاريخ يؤمن برسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو أول أعظم عشرة رجال وطأت أقدامهم الأرض بعد الأنبياء، وأبو بكر هو الرجل الذي حمل عبء الدعوة على عاتقه منذ أول يومٍ أسلم فيه ليسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة، وأبو بكر هو أبو السيدة عائشة رضي اللَّه عنها وأرضاها، وأبو بكر هو أول خليفة لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.


    والحقيقة أن عظمة أبي بكر رضي اللَّه عنه وأرضاه وإن كانت قد برزت بعد إسلامه بشكل لافت، إلا أنها لم تكن وليدة اللحظة، فقد كان أبو بكر من خيرة رجال مكة قبل الإسلام، فهو أحد العشرة الذين قُسِّمت بينهم أمور مكة في جاهليتها، وقد عُهد إليه أمرُ الديات والكفالات في قريش، فكان لزامًا على كل من أراد أن يستدين شيئًا في مكة أن يطلب كفالة أبي بكر الصديق أولًا.


    ولأن فضل أبي بكر الصديق لا يخفى على أحد من المسلمين، ولأن ذِكرَ جميع مظاهر عظمة هذا الرجل يعتبر من رابع المستحيلات، فقد ارتأيت من باب الإيجاز أن أذكر فضلين اثنين فقط للصِّديق، لو لم يقدم أبو بكر سواهما للإسلام لكفياه لكي يتربع على قمة صرح العظماء إلى يوم يبعثون، ولن أسترسل في ذكر الجانب الديني لهذا الرجل، فقد كتب من هو خير مني عنه وما زالوا يكتبون، ولكني سأحاول أن أذكر سبب عظمة هذا العظيم الإسلامي من جانب إنساني بحت، هو أقرب إلى الحياد التاريخي منه إلى التحيز، وإن كنت لا أزعم أبدًا الحياد التام وأنا اكتب عن صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
    الفضل الأول لأبي بكر الصديق عليَّ وعليك وعلى سائر المسلمين بل وعلى سائر البشر هو وقوفه حائلًا منيعًا أمام انحدار العنصر البشري إلى ظلمات الجهل والتخلف بعد انقطاع الوحي السماوي وانتهاء زمن الأنبياء والرسل إلى الأبد، فلقد بعث اللَّه الأنبياء بدعوة التوحيد عبر جميع العصور،

    فآمن بهم من آمن وكفر بهم من كفر، ولكن أغلب أولئك المؤمنين وذريتهم انحرفوا عن جادة الصواب بعد موت أنبيائهم، فحرَّفوا رسالة اللَّه عن قصد أو غير قصد بعد أن ضاعت الكتابات الأصلية لهذه الرسالات، فأشرك معظم العرب بعد موت إبراهيم باللَّه الواحد واتخذوا لأنفسهم أصنامًا ظنًا بهم أنها تقربهم إلى اللَّه، وعبد النصارى عيسى عليه السلام بعد أن رفعه اللَّه، بل إن بني إسرائيل عبدوا العجل لمجرد غياب موسى عنهم لمدة أربعين يومًا فقط! واتخذ قوم نوح أولياء اللَّه الصالحين أربابًا من دون اللَّه بقصدٍ أو بدون قصد، ظنًا منهم أنهم يتقربون بذلك إلى اللَّه، فصارت المرأة تدعو الأموات دون اللَّه لكي يرزقها بالذرية، وصار الرجل المهموم يذهب للميت لكي يفرج عنه الغم والكرب، بل وصل الشطط ببعض الناس لكي يطوفوا حول قبور أنبيائهم وأولياء اللَّه الصالحين، فصاروا للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان!
    ولمّا كانت رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- هي آخر رسالة تبعث للبشر، أصبح ضياع هذه الرسالة أو تحريفها ضياعًا للمستقبل البشري وأسباب كينونته، والحقيقة أن ذلك كاد أن يحدث فعلًا لولا أن سخّر اللَّه لبني الإنسان رجلًا اسمه عبد اللَّه بن عثمان أبي قحافة بن عامر التيمي القرشي، وهو نفسه الرجل الذي عُرِف في التاريخ باسم "أبي بكر الصديق" (لتبكيره في الدخول في الإسلام وتصديقه لحادثة الإسراء والمعراج من أول لحظة!)، فوقف هذا العملاق العظيم بعد موت حبيب روحه ورفيق دربه، ليبين للمسلمين أعظم قاعدة عرفتها البشرية بعد الأنبياء، قاعدة تكتب واللَّه بحروف من ذهب:
    "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت"


    الفضل الثاني لأبي بكر يكمن في انتصاره على جيوش الروم والفرس في آن واحد!
    فقد حاول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياته أن يصل برسالة التوحيد إلى شعوب العالم بأسره، وفعلًا قام باستخدام الوسائل السلمية في دعوة البشر، فأرسل رسله إلى ملوك الأرض برسائلٍ تدعوهم إلى عبادة رب الناس وترك استعبادهم للناس، إلا أن أولئك الملوك رأوا في الإسلام ما يتناقض مع ظلمهم وجبروتهم على شعوبهم المستضعفة، فقاموا بقتل الرسل، وحجب رسالة الإسلام عن شعوبهم المستضعفة، فأعلنوا الحرب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمزق كسرى الفرس المتغطرس (خسرو الثاني) رسالة أعظم إنسان عرفته الأرض، وأوعز إلى عامله في اليمن باعتقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما إمبراطور الروم (أغسطس هرقل) فقد حارب الإسلام رغم إيمانه بصدق نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (كما سنرى لاحقًا في خضم هذا الكتاب)، لذلك قام أبو بكر الصديق جزاه اللَّه كل خير بعملٍ لم يسبقه إليه أحد في تاريخ الفاتحين، فالمعلوم أن ثمة قاعدة عسكرية ثابتة منذ قديم الزمان ما زالت تدرَّس في الكليات العسكرية الحديثة، ألا وهي "تجنب فتح أكثر من جبهة واحدة في القتال العسكري! "، فلقد انهزم (نابليون بونابرت) عندما فتح جبهة ثانية مع "روسيا القيصرية"، وتمزق جيش (أدولف هتلر) شر ممزق عندما فكر في فتح جبهة "ستالين غراد" الشرقية،

    ولكن أبا بكر الصديق كان هو الإنسان الأول في تاريخ الأرض الذي كسر هذه القاعدة العسكرية بقتال جيوش أكبر إمبراطوريتين في الأرض في نفس الوقت، فبعد أن رفض أباطرة الفرس والروم السماح لدعاة الإسلام بنقل رسالة التوحيد للشعوب المستضعفة، قام أبو بكر الصديق بتسيير كتائب النور بفرسانٍ جلهم من أن أصحاب محمد بن عبد اللَّه، فدكَّ الصِّديق حصون كسرى على الجبهة الشرقية بجيشٍ تحت قيادة البطل الأسطوري (خالد بن الوليد)،
    وزلزل أبو بكر ديار الروم على الجبهة الغربية بجيشٍ تحت قيادة العملاق (أبي عبيدة عامر بن الجراح)، وما هي إلا سنيّاتٍ قليلة من إعلان أبي بكر الحرب على أعظم إمبراطوريتين عرفهما التاريخ في وقتٍ متزامن حتى أصبحت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم بأسره.
    الجدير بالذكر أن أبا بكر الصدِّيق رضي اللَّه عنه وأرضاه لم يكن آخر من كسر تلك القاعدة العسكرية، فلقد قام قادة آخرون بكسرها بكل نجاح (جميعهم بدون استثناء من أمة الإسلام!) ليقف علماء التاريخ العسكري عاجزين عن حل تلك الأحجية السحرية!
    فلقد دارت تلك الأحجية السحرية أيضًا حول رجلٌ ظهر في أقصى بلاد المغرب الإسلامي بعد أكثر من 1300 عام من موت أبي بكر الصديق، فلم يكتف ذلك الرجل بقتال إمبراطوريتين فقط، بل قام بقتال أعظم ثلاث إمبراطوريات في العالم آنذاك!
    فمن يكون ذلك الرجل العظيم الذي أنجبته أمة الإسلام والذي أصبح اسمه رمزًا لثوار العالم في الأرض كلها؟ وكيف استلهم منه ثوار آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية معنى الكفاح المسلح؟ وكيف اعتبره ثوار فيتنام أستاذًا لهم في معركتهم ضد الإمبريالية العالمية؟ وما حكاية معركة (أنوال) الأسطورية التي كانت وبلا شك يومًا من أيام اللَّه الخالدة؟ وما هو لغز تلك البرقية السرية المشفَّرة التي وصلت إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عام 1947 م من ميناء صنعاء اليمني؟
    يتبع. . . . .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (002) الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي



    جهاد الترباني


    "أيها الأمير... لقد أتيت إلى القاهرة خصيصًا لكي أتعلم منك" (الثائر الشيوعي تشي جيفارا 1960م).
    "إن هذا إلرجل الذي ينادي باسمه أهل اَسيا وأفريقيا والهند، ويتغنون باسمه... إن هذا الرجل الذي يقاتل باسم الإسلام ويعيد امارة المؤمنين والخلافة الإسلامية، هو الخطر القادم على البلاد الأوروبية" (السير كورتي عضو مجلس العموم البريطاني 1921م).
    "دخلت على عبد الكريم في خندق أمامي، والطائرات الإسبانية والفرنسية تقذف المنطقة بحمم هائلة فوجدته مبتسمًا مرحًا مقبلأ يضرب ببندقيته الطائرات، فتعجبت من هذه الظاهرة البشرية الفريدة!" (الصحافي الأمريكي فانسن شون 1926م).

    لم يصدق (عبد الرحمن عزام باشا) أول أمين لجامعة الدول العربية عينيه، وهو يقرأ تلك البرقية السرية التي وصلته من مجموعة من المجاهدين العرب في اليمن في يوم من أيام عام 1947م:
    (عاجل وسري للغاية... لقد نزلت بميناء عدن اليوم سفينة فرنسية تحمل على متنها شيخًا أسيرًا مكبلًا بالسلاسل، يشتبه أن يكون هو ذلك البطل الإسلامي الأسطوري الذي اختفى منذ عشرين عامَا، والسفينة في طريقها الآن إلى فرنسا وستمر غدًا بميناء بورسعيد المصري، لذا وجب التنبيه!) وما أن فرغ عزام باشا من قراءة هذه البرقية حتى طلب على الفور مقابلة مستعجلة مع (الملك فاروق) لمناقشة أمر هذه البرقية الخطيرة التي وصلته للتو من مضيق باب المندب، فدار نقاش سري بين عزام باشا والملك فاروق في قصر إقامته،
    وما هي إلّا لحظات حتى صدر قرار إلى الضباط المصريين في قناة السويس باعتراض طريق تلك السفينة الفرنسية وإحضار ذلك الشيخ الكبير إلى القصر الملكي في القاهرة للتأكد من هويته، وبعدها بأقل من أربع وعشرين ساعة أحضر الضباط المصريون إلى الملك شيخا بلحية بيضاء كالثلج يمشى بخطوات ثابتة رغم بطئها، تبدو من بين قسمات وجهه الغائرة مظاهر للعظمة والسمو لا تخفى على أحد، يلبس لباسًا أبيض غاية في البساطة، وتظهر على يديه وساقيه الهزيلتين علامات لسلاسل وأكلال وكأنها نُحتت في جلده نحتًا، فلمّا أصبح هذا الشيخ بين يدي الملك فاروق سأله ملك مصر عن هويته، فرفع الشيخ الكبير رأسه ونظر نحو الملك بعينين كعيني الصقر الجارح ثم قال بكل شموخ وثقة: "أنا الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي".
    نُغوّر قليلًا في التاريخ، ونتحول إلى الغرب من القاهرة وبالتحديد إلى بلدة (أغادير) في الريف المغربي الإسلامي في سنة 1301هـ/ 1883م، هناك يُرزق شيخ قبيلة من قبائل الأمازيغ البربر يدعى الشيخ "عبد الكريم الخطابي" مولودًا يسميه تبركًا على اسم رسول اللّه محمد صلى الله عليه وسلم ليقرر هذا الشيخ تربية ابنه تربية صالحة منذ نعومة أظافره، وفعلًا قام بتعليمه اللغة العربية وتحفيظه القراَن بنفسه، ثم أرسله إلى جامعة "القرويين" في مدينة "فاس" ليتعلم هناك الحديث والفقه الإسلامي، وما هي إلا سنوات حتى أصبح "محمد بن عبد الكريم الخطابي" قاضي القضاة في مدينة "مليلية" المغربية وهو ما يزال في عمر الشباب. في هذا الوقت كانت ظروف المغرب الإسلامي أصعب من أن يتخيلها إنسان، فلقد أدركت الدول الاستخرابية (الاستعمارية)، أن بلاد المغرب الإسلامي تعتبر بمثابة مصنع للأبطال عبر التاريخ، فمنها خرج مجاهدو دولة "المرابطين" إلى الأندلس، ومنها أبحرت قوات دولة "الموحدين" إلى أوروبا، ومنها انطلقت كتائب النور الإسلامية أول مرة إلى أوروبا تحت قيادة (طارق بن زياد) فقررت تلك الدول إنهاء هذا الخطر الإسلامي، فعقدت دول أوروبا موتمر "الجزيرة الخضراء" عام 1906م بمشاركة 12 دولة أوروبية، ولأول مرة في التاريخ يظهر اسم "أمريكا" لتكسر بذلك الولايات المتحدة الأمريكية "مبدأ مونرو" الذي ينص على: "عدم التدخل الأمريكي في السياسة الدولية"، كل هذه الدول اجتمعت من أجل انهاء هذا الكابوس الإسلامي المستمر إلى الأبد، فكان القرار النهائي لهذا المؤتمر: تقسيم بلاد المغرب الإسلامي!
    العجيب أن تلك الدول لم تكتفِ بتقسيم مملكة المغرب الإسلامي فحنسب، بل قسمتها بطريقة خبيثة لم تعرفها شعوب الأرض من قبل، بحيث تضمن تفككها بشكل نهائي، فأخذت فرنسا القسم الجنوبي من مملكة المغرب "موريتانيا"، ثم أخذت إسبانيا القسم الذي يليه في الشمال "الصحراء الغربية"، ثم مرة أخرى فرنسا إلى الشمال من الصحراء "وسط المغرب الحالي" ثم إسبانيا إلى الشمال أيضا في الساحل الشمالي للمغرب "الريف المغربي"، وبين هذا وذاك احتلت ألمانيا وبريطانيا مدنًا هنا وأخرى هناك، وظن الجميع أنهم بذلك أنهوا الوجود الإسلامي في بلاد المغرب الأبد، ولكن الشيخ عبد الكريم الخطابي وابنه محمد جزاهما اللّه كل خير كان لهما رأي اَخر، فبدءا بتجميع القبائل المتناحرة على راية الإسلام الواحدة، ومراسلة الخليفة العثماني في عاصمة الخلافة، عندها قتل الإسبان الشيخ المجاهد عبد الكريم الخطابي رحمه اللّه، وأسروا ابنه الشيخ محمد، ووضعوه في أحد السجون في قمة جبل من جبال المغرب، وبطريقة أسطورية لا توصف، استطاع البطل بن البطل أن يصنع حبلًا من قماش فراشه، ليحرر به نفسه من نافذة السجن، ولكن الحبل ولسوء الحظ لم يكن بالطول الكافي ليصل بالخطابي من قمة الجبل إلى الأرض، ليقفز بطلنا من ارتفاع شاهق على الصخور الصمّاء، لتكسر بذلك ساقيه وُيغمى عليه من سدة الصدمة، قبل أن تكتشف سلطات السجن أمره وتعيده إلى السجن.

    وبعد حين من الأسر خرج الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي من السجن ليكوِّن من رجال قبائل الريف المغربي جيشاً من ثلاثة اَلاف مقاتل فقط، مبتكرًا بذلك فنًا جديدًا من فنون القتال العسكري كان هو أول من استخدمه في تاريخ الحروب تحت اسم "حرب العصابات"، وقد استخدم كل ثوار العالم بعد ذلك هذا الفن العسكري القائم على فنون المباغتة والكر والفر. ثم ابتكر الأمير محمد نظامًا اَخر في المقاومة اعترف الزعيم الفيتنامي (هوشيمنه) أنه اقتبسه من الأمير الخطابي في قتال الفيتناميين للأمريكيين بعد ذلك بسنوات، هذا النظام هو نظام حفر الخنادق الممتدة تحت الأرض حتى ثكنات العدو، وبذلك استطاع هذا البطل الإسلامي تلقين الجيش الإسباني درساً جديدًا في كل يومٍ من أيام القتال. ولما تضاعفت خسائر الإسبان في الريف الإسلامي قام ملك إسبانيا (ألفونسو الثالث) عشر بإرسال جيشٍ كامل من مدريد تحت قيادة صديقه الجنرال (سلفستري)، والتقى الجمعان في معركة "أنوال" الخالدة، جيش إسباني منظم مكون من 60 ألف جندي مع طائراتهم ودباباتهم مقابل 3 آلاف مجاهد مسلم يحملون بنادق بدائية فقط، ولكن هذان خصمان اختصموا في ربهم، فئة تقاتل في سبيل اللّه، وأخرى تقاتل في سبيل الأرض والصليب، فكان حقًا على اللّه نصر المومنين، وفعلأ انتصر الثلاثة آلاف مجاهد تحت قيادة الأسطورة الخطّابية على جيش كامل من 60 ألف مقاتل صليبي، وقتل المسلمون 18 ألف إسباني، وأسروا عشرات الآلاف من الغزاة، ولم يسلم من الهلاك والأسر إلّا 600 جندي إسباني هربوا إلى إسبانيا كالكلاب الفزعة، ليقصّوا أهوال ما رأوا في الريف المغربي على ملكهم، ليأسس الأمير الخطابي بعد ذلك "إمارة الريف الإسلامية" في شمال المغرب الإسلامي، وخلال 5 أعوام من إمارته قام الخطابي بتعليم الناس الدين الإسلامي الصحيح الخالي من الشعوذة والدروشة، ثم قام بإرسال البعثات العلمية لدول العالم، وتوحيد صفوف القبائل المتناحرة تحت راية الإسلام.
    وكما هو متوقع بعد كل صحوة إسلامية..... اجتمعت دول الصليب مرة أخرى (وهي التي لا تجتمع إلّا في قتال المسلمين!) بعد أن أحست بخطر الدولة الإسلامية الوليدة التي لو بقيت لغيرت مسار التاريخ، فكوَّنوا تحالفًا من نصف مليون جندي أوروبي بدباباتهم وطائراتهم وبوارجهم الحربية، ليحاربوا به 20 ألف مجاهد فقط، فكانت المفاجأة الكبرى! لقد انتصر المجاهدون تحت قيادة الأمير المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي في جميع الجولات التي خاضوها، فأوقعوا الخسائر تلو الخسائر في صفوف الغزاة، مما اضطر جيوش أوروبا المتحالفة أن تشتري ذمم بعض شيوخ الطرق الصوفية المبتدعة، فقام هولاء الخونة بقتال الأمير الخطابي الذي كان يحارب من قبل البدع الصوفنة من الرقص والدروشة وإقامة الموالد التي لم ينزل اللّه بها من سلطان، فأصدروا فتوى تحرم القتال مع الخطابي، قبل أن تقوم طائرات فرنسا وإسبانيا بإلقاء الأسلحة الكيميائية والغازات السامة على المدنيين، في نفس الوقت الذي حاصر فيه الأسطول الإنجليزي سواحل المغرب، فقاتل الخطابي أمم الأرض مجتمعة من خونة وصليبيين، ولم يبقَ معه من المجاهدين إلَا 200 مقاتل عاهدوا الله على الشهادة تحت قيادته، فقاتل أولنك النفر كالأسود حتى يأس الصليبيون من هزيمتهم، فلجؤوا عندها إلى أسلوب قديم، لقد لجأ الصليبيون إلى طلب الصلح مع الأمير محمد مع إعطاء المسلمين الضمانات الموثقة على سلامة كل المجاهدين وإتاحة سبل العيش الكريم لأهل المغرب بكل حرية واستقلال.
    وكعادتهم..... نكص الصليبيون بعهودهم، فقاموا بخطف الأمير الأسطورة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ونفيه إلى جزيرة في مجاهل المحيط الهندي، ليس لسنة أو اثنتين، بل لعشرين سنة متصلة قضاها هذا البطل في أسر دعاة حقوق الإنسان، في أسر من خرجوا للعالم بشعار الثورة الفرنسية: (Liberté, Égalité, Fraternité) (حرية، مساواة، إخاء)، فأي حرية تدَّعونها أيها المجرمون في حبس شيخ ضعيف مدة عشرين سنة؟! وأي مساواة تتكلمون عنها وأنتم تقتلون نساء المسلمين وأطفالهم بغازاتكم السامة القذرة؟! وأي إخاء تسخرون به من عقول المغفلين بحضارتكم القائمة على دماء الضعفاء من البشر؟! فإن كان قتلكم للضعفاء من بني البشر حضارةً.... فسحقًا إذًا لكم ولحضارتكم تلك!
    وبعد.....كانت هذه بعض سطورٍ عن ملحمة إسلامية خالدة، هي غاية في البطولة لقائد إسلامي عظيمِ ضحى بزهرة شبابه لرفع راية لا إله إلا اللّه - محمد رسول اللّه، ومما يحزن النفسَ ويدمي الفؤاد، أن معظم شبابنا ما سمعوا باسمه قَط، على الرغم من أن كثيرًا منهم متيمون بأبطالٍ لم يحاربوا إلا من أجل مصالح دنيوية ومبادئ شيوعية، فلو علم شبابنا ممن يعلقون صور الثائر الشيوعي (تشي جيفارا) أنه أتى للقاهرة ليتعلم من بطل الإسلام الأسطوري محمد بن عبد الكريم الخطابي، لتغير رأي شبابنا في تاريخهم الذي نسوه أو أنسوه (بضم الألف)، فصاحبنا هذا لم يكن صحابيًا، بل لم يكن عربيًا البتة.


    جهاد الترباني

    المصدر: كتاب العظماء المائة









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    ( 003)السيدة هاجر


    جهاد الترباني

    نصيب نساء الإسلام يفوق النصف بين عظماء هذه الأمة، إمّا بأفعالهن أو أفعال أبنائهن الذين تربوا على أيديهن، فلم أقصد أبدًا بكتاب العظماء المائة ذِكرَ عظيمي الإسلام دون عظيماته، وإنما قصدت الجمع بينهم بصيغة الجمع "العظماء"، وهكذا فعلت العرب عند جمع الذكور والإناث معًا، وهكذا أفعل أنا.
    فأمة الإسلام أمة ممتدة لا تعرف حدودًا للعنصر البشري، فضلًا من أن تعرف حدودًا لزمان أو مكان، فالعظماء في هذه الأمة تجمعهم ثلاث صفات أساسية شكلت هويتهم الفريدة وميزتهم عن باقي البشر: (الوحدانية في العقيدة - والتنوع في العنصر- والسمو في الهدف) فعلى الرغم من أن السيدة هاجر قد ماتت قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بمئات السنين، إلّا أنها تنتمي لنفس العقيدة ونفس الدين، ألا وهو دين الإسلام، الدين الذي دعا إليه آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحق وإسرائيل ولوط وموسى وعيسى، فالدين عند اللّه هو الإسلام، أما غير ذلك من أديان فهي أديان ابتكرها البشر لأنفسهم، فسمى البوذيون أنفسهم بهذا الاسم نسبة لفيلسوفهم (غوتاما بوذا)، وأطلق اليهود هذا الاسم على دينهم نسبة إلى (يهوذا بن يعقوب) أحد أسباط بني إسرائيل، والمسيحيون نسبوا أنفسهم إلى الرب الذي يعبدونه (المسيح بن مريم عليه السلام)، أما أتباع محمد بن عبد اللّه فلم يسموا أنفسهم (المحمديين)، بل لم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن اسم لهم، فلقد سمّاهم اللّه من فوق سبع سماوات بـ (المسلمين)، فالمسلم هو كل من يُسلم نفسه للّه.
    وعظيمتنا التي نحن بصدد الحديث عنها تنتمي لهذه الأمة العظيمة، أما عنصرها فهو عنصر رائع كان وما زال يخَزج العديد من عظماء أمة الإسلام، إنه العنصر المصري أو القبطي، ولفظة القبط تعني سكان وادي النيل، وفي تعريب للكلمة اليونانية أَيْجبْتيوس التي تعني مصري! وليس كما يظن البعض أن القبطي هو المسيحي أو النصراني المصري، فالغالبية العظمى من الأقباط هم أقباط مسلمون! ومن هذه الأرض بالتحديد وُلدت بطلتنا القبطية التي كانت جارية في مصر إبان عهد الهكسوس، قبل أن يتزوجها إبراهيم عليه السلام لتنجب له إسماعيل عليه السلام ليكون فيما بعد أبًا للعرب العدنانيين (العرب المستعربة) الذين خرج منهم أفضل مخلوق خلقه اللّه في الكون، محمد صلى الله عليه وسلم، فالمصريون إذا هم أخوال العرب!
    المهم في القصة أن اللّه أمر خليله إبراهيم أن يصطحب هاجر ورضيعها إسماعيل من فلسطين إلى وادٍ غير ذي زرع في الحجاز عند جبال فاران، هناك أمر اللّه نبيه إبراهيم أن يترك امرأته ورضيعها ليقصد هو فلسطين راجعًا، عندها سألت هاجر زوجها وعينيها تملوها الدهشة من قرار زوجها الغريب، فلم يجب إبراهيم زوجه بشيء، فسألته هاجر: "الله أمرك بهذا؟!" فهز إبراهيم رأسه بالإيجاب، وهنا يخرج جواب من فيهِ هذه السيدة العظيمة ليكون سببًا في خلودها في ذاكرة الزمان إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها فقالت بكل ثقة: "فلن يضيعنا الله إذًا!".
    وسرّ عظمة هذه المرأة يتمثل بتطبيقها لشرطي النصر: الإيمان والعمل! فهاجر وثقت أولاً باللّه عز وجل، ثم قامت بعد ذلك بكل ما في استطاعتها من سعي بين الصفا والمروة لإنقاذ ابنها الرضيع الذي كان يئن من ألم الجوع والعطش، حينها علم اللّه أن هذه المرأة قامت بتنفيذ الشرطين اللازمين للنصر: الإيمان والعمل، وعندها -وعندها فقط- أتى الأمر الإلهي اليسير: كن! حينها خرجت من بين أقدام الطفل الذي أوشك على الهلاك عينُ ماءٍ تحمل في كل قطرة من قطراتها حكاية النصر والبقاء، لتجري هذه العين بشكل إعجازي من بين الصخور الصماء في مكة إلى يومنا هذا، وكأن اللّه يقول لنا إن ينبوع النصر لا ينضب أبدًا!
    وفي زماننا هذا وجب على كل مسلم أن يتخيل نفسه في مكان هاجر عليها السلام، وأن يتخيل أن الأمة الإسلامية الآن هي ذلك الطفل الذي يبكي ويوشك على الهلاك في تلك الصحراء القاحلة التي لا يبدو فيها أي مظهر من مظاهر الحياة، فإذا قام كل واحد منا بتنفيذ الشرطين اللازمين للنصر والبقاء (الإيمان والعمل)، فكنا مؤمنين أولًا بأن أمتنا لا بد لها وأن تنهض، ثم قام كل واحدٍ منا بواجبه لإنقاذ وإحياء هذه الأمة التي هي الرضيع الذي يئن من الألم، فلا شك وقتها أن النصر سيكون حليفنا في النهاية، حتى لو كان ما نقوم به يبدو للاَخرين شيئًا من العبث، فقد كانت أمنا هاجر تقوم بنفس هذا (العبث) في بحثها عن أسباب الحياة بين الصفا والمرة لسبع مرات!

    من أجل ذلك استحقت السيدة هاجر أن تكون من أعظم عظيمات أمة الإسلام، لتصبح هذه الجارية المصرية أمًا للعرب والمسلمين، فيصبح لزامًا على المسلمين تحرير بلاد أمهم من رجس الشرك أولًا ثم من ظلم الإمبراطورية الرومانية ثانيًا!




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (004)أرطبون العرب" (عمرو بن العاص)




    جهاد الترباني

    (أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بنُ الْعَاص)
    (محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-)
    (لقد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب)
    (عمر بن الخطاب)
    (واللَّه يا مسيلمة إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب)
    (عمرو بن العاص)
    كنت يومها صبيًا يافعًا في الصف التاسع في إحدى مدارس مدينة رفح الفلسطينية، يومها وقفت أمام أستاذي وقلت له والغيظ يملؤني: لماذا نضيع الوقت بدراسة قصة رجل بهذه الصفات؟!
    كان قلبي يومها مشبعًا بالغضب وأنا اقرأ قصة ذلك الرجل الذي طفحت كتب المناهج الدراسية بحكايات غدره وخيانته، ففشلت كل محاولات أستاذي لتغيير قناعاتي تلك عن ذلك الرجل، وكَبِرْت، وكبرَ معي طعني بذلك الرجل، غير أنني أحمد اللَّه عز وجل الذي ألهم بصيرتي وأمَّد في عمري حتى جاء اليوم الذي أكفر به عن خطيئتي تلك لأكتب عن رجل من أشرف الناس وأصدق الناس وأعظم الناس:
    "لقد جاء الوقت يا ابن العاص كي أطلب منك العفو بهذه الكلمات القليلة، سائلًا المولى عز وجل أن لا يخزني يوم القيامة أمامك يا أبا عبد اللَّه، وأن يجمعني بك في حضرة صاحبك، محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، إنه ولي ذلك والقادر عليه"
    والحقيقة أن ذلك الظن السوء بعمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه لم يكن نابعًا من فراغ، فلقد كنت وقتها ضحية من ضحايا ما أحب أن أطلق عليه نظرية "الغزو التاريخي" هذا الغزو ليس غزوًا بالدبابات أو الطائرات أو حتى بالأفكار كالغزو الثقافي، بل هو أخطر من ذلك بكثير، فالغزو التاريخي لا يحارب الواقع فقط، وإنما يحارب الماضي الذي بُني عليه الحاضر، ونظرية الغزو التاريخي تتلخص بأن يدمر الغزاة أسباب وجودنا أصلًا على ساحة التاريخ، وذلك بالتشكيك والطعن برموز الأمة،

    فينتج عن ذلك بالضرورة تشكيك بالروايات التي نقلها لنا رموزنا أو التي نقلت عنهم بالأساس، قبل أن يقوم الغزاة بتسليط الضوء على مراحل الضعف التي مرت بها الأمة أو حتى اختلاق قصص وهمية تشوه صورة تاريخنا في أعيننا، ليقوم أولئك الخبثاء بتحويل أبطالنا إلى قتلة قذرين وعلمائنا إلى أشخاصٍ مجانين وفي أحسن الأحوال إلى شطبهم جميعًا من ذاكرة التاريخ نهائيًا!
    في نفس الوقت يقوم نفس الغزاة بتمجيد أبطال وهميين في تاريخهم أو حتى في تاريخنا، فيتحول (عمرو بن العاص) صاحب رسول اللَّه إلى مجرم حرب بينما يتحول المجرم (نابليون بونابرت) إلى فاتح عظيم تخلده كتبنا الدراسية، ويصبح (عباس بن فرناس) مخترع الطيران عالمًا مجنونًا بينما يُمَّجَد (آينشتاين) صاحب مشروع القنبلة النووية التي قتلت مئات الآلاف من الأبرياء،
    وفي أفضل الحالات يعمل نفس الغزاة بالعمل على محو اسم بطلٍ حقيقي قلّما رأت الأرض مثله كالبطل (أحمد بن فضلان) -الذي سنأتي على ذكره في هذا الكتاب- ليُشطب اسم هذا البطل من ذاكرة بطولاتنا، ويوضع مكانه اسم بطل خرافي مثل (السندباد) أو (علاء الدين) أو حتى (علي بابا)، فلا يتبقى لنا بذلك في تاريخنا الممتد إلّا قادة مجرمين، أو علماء مجانين، أو أبطالًا وهميين لم يصبحوا أبطالًا إلّا بمصابيح سحرية أو بُسطٍ طائرة! وبهذا لا يبقَ لك إذا كنت مسلمًا وأردت أن تصبح بطلًا إلّا أن تشد الرحال إلى قفار الصحراء القاحلة أو غياهب الكهوف المظلمة علّك تجد مصباح علاء الدين الذي من خلاله -ومن خلاله فقط- يمكن لك أن تصبح بطلًا ومسلمًا في آنٍ واحد! وبعد أن يزرع فيك الغزاة هذا الاعتقاد الخطير، فإن مفهوم القدوة يسقط من عينيك من دون أن تحس أنت بذلك، وعندها وبكل سهولة. . . . نسقط أنا وأنت كالثمار العفنة!

    وعمرو بن العاص هو أحد الذين شُوِّهت صورتهم بشكل كبير، بل إني أزعم أن هذا الرجل هو ثاني أكثر رجل شُوِّهت صورته من قبل غزاة التاريخ، لم يسبقه بكثرة التشويه إلّا عظيم آخر من عظماء أمة الإسلام سوف أذكره في قلب هذا الكتاب، وسأفرد له

    صفحات هي الأكثر على الإطلاق بين قائمة المائة!
    أمّا عن سبب اختيار عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه بالذات لتكال له كل تلك التهم والشبهات، فيكمن في كون عمرو بن العاص هو الفاتح الفعلي للقدس أهم مدينة عند غزاة التاريخ، قبل أن يضيف إليها أرض مصر، هذا البلد المهم الذي يُكوِّن مع أرض الشام المباركة الدعامتين الأساسيتين للإسلام عبر التاريخ كما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة، هذه الأسباب تبين بشكل لا يدعو للشك هوية المشوهين لتاريخ هذا الرجل، إنهم الصليبيون، وإن كانت الأدوات في الغالب هي بعض المثقفين العرب مدفوعي الأجر، وطبعًا لا ننسى الأداة الرخيصة التي سنراها تتكرر في هذا الكتاب بشكل غريب وعجيب في كل الخيانات القذرة التي تعرضت لها أمة الإسلام من الأندلس إلى الهند. . . الشيعة الروافض!

    ولعل رواية التحكيم الشهيرة التي تتكرر في مناهجنا المهترئة، هي من أهم أسباب طعني القديم في هذا البطل الإسلامي العظيم، وتزعم هذه الرواية أن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قد انتدبا أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص ليتباحثا في شأن الصلح، فاتفق الاثنان على خلع علي ومعاوية، فقال أبو موسى أمام الناس إني أخلع عليًا كما أخلع هذا الخاتم، وعندها قام عمرو بن العاص بخيانة أبي موسى وقال إني أثبت معاوية كما ألبس هذا الخاتم في إصبعي، ثم قام الأول بنعت الثاني بالكلب، فقام الثاني بنعت الأول بالحمار. . . انتهت الرواية!
    أقول أنا: إن هذه الرواية وإن كانت قد وردت بالفعل في أهم كتاب للتاريخ الإسلامي "تاريخ الطبري" إلّا أن هذه الرواية لا تصح سندًا ولا متنًا، والسند هو التسلسل البشري للرواة من الراوي الأول وحتى الراوي الذي كتب الرواية، أما المتن فهو القصة نفسها، والحقيقة أن الطبري رحمه اللَّه أكد في بداية كتابه أنه لم يدون في كتابه الروايات الصحيحة فقط، بل قام بتدوين كل الروايات، الصحيحة منها والمكذوبة، تاركًا مهمة تصحيحها لفرسان التاريخ من بعده، غير أن الطبري جزاه اللَّه كل خير قام بتدوين سند كل رواية بكل دقة، ورواية التحكيم تلك بها راوٍ يُسمى بأبي مخنف لوط بن يحيى، وأبو مخنف هذا شيعي رافضي كذاب طعن به كل الرواة فقال عنه ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال عنه ابن حجر: إخباري تالف لا يوثق به، ووصفه ابن معين بقوله: ليس بشيء كذاب ساقط!

    إذًا فالرواية لا تصح أبدًا من ناحية السند، أمّا متن الرواية فقد صيغ بطريقة غبية تبين حماقة واضعها، فمعاوية لم يكن خليفة أصلًا لكي يعزله عمرو! بل إن موضوع الخلافة لم يكن في الحسبان أساسًا في صراع علي ومعاوية -رضي اللَّه عنهما-، وإنما كان الخلاف بينهما على كيفية الثأر لابن عم معاوية عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه من المنافقين الذين قتلوه غدرًا،
    فكان علي يرى أن الوقت لم يكن مناسبًا لقتل أولئك الخونة في الحين واللحظة، بينما كان معاوية يرى أنه يجب القضاء على جيش الخونة في العراق، ثم إن هذه الرواية الحمقاء لا تحتاج لأكثر من إدراك طفل تخرج قريبًا من الحضانة ليعرف أن سبَّ الآخرين ونعتهم بالكلب والحمار لا يصدر إلّا من أطفال قليلي الأدب خرجوا من بيت تنعدم فيه الأخلاق، وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص صحابيان جليلان خرجا من بيت أعظم مربٍ في التاريخ، خرجا من بيت محمد بن عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

    أما الرواية الكاذبة الأخرى فهي رواية: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا). والتي يرددها كثير منّا مفتخرًا بعدل عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-! هذه الرواية رواية باطلة، وأكررها بملء فمي، هذه رواية باطلة سندًا ومتنًا، ليس لأن عمر بن الخطاب كان ظالمًا يستعبد الناس، بل لأن هذه الرواية تقصد الإساءة لعمرو بن العاص أكثر من مدح عمر بن الخطاب، فهذه الرواية تزعم أن ابنًا لعمرو ابن العاص ضرب أحد المصريين، فشكاه ذلك المصري للخليفة عمر بن الخطاب، فقام عمر بمعاقبة عمرو بن العاص وابنه معًا ثم قال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ انتهت هذه الرواية الخبيثة.


    أقول أنا: هذه القصة منقطعة السند وسندها واهٍ، ويظهر هذا الانقطاع في السند حيث ذكرها ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" هـ 290 بقوله: (حُدثَنا) بصيغة المبني للمجهول، وهذا ما ينسف هذه الرواية الكاذبة نسفًا، ثم إن متن هذه الرواية لا يقل غباءً عن الرواية السابقة، فمنذ متى كان عمر يأخذ الحق من والد المخطئ وهو يعلم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى؟! إذًا هذه رواية باطلة قصُد منها تشويه صورة عمرو بن العاص وأبنائه بالتحديد، وذلك لأن ابنًا من أبناء عمرو يدعى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص كان أول من كتب أحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودوّن سنته، فإذا زرع غزاة التاريخ مثل هذه الروايات عن أبناء عمرو بن العاص، سقطت إذًا السنة وسقط الإسلام بعدها!


    ولكن ما الذي جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص؟ وما سر هذا الإيمان العميق الذي امتلأ به قلب بطلنا العظيم من لحظة إسلامه الأولى؟ ومن هو ذلك الرجل الغامض الذي أسلم على يديه عمرو بن العاص؟ وكيف خرج هذا الرجل من أدغال أفريقيا لينسج خيوط علاقة روحانية أشبه بالخيال بينه وبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الرغم من أنهما لم يتقابلا أبدًا وجهًا لوجه؟!
    يتبع. . . . .




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


    (005) النجاشي


    جهاد الترباني

    (الجندي المجهول في أمة الإسلام) النجاشي (أصحمة بن أبجر)
    «اخرجوا فَصَلّوا على أخٍ لكم مات بغير أرضكم»
    (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)


    سيلاحظ القارئ الكريم أنني أستخدم فعل المضارع: "يتبع" في نهاية الحديث عن كل عظيم من عظماء أمة الإسلام المائة الوارد ذكرهم في هذا العمل، وقد يفسر البعض ذلك بمحاولة الكاتب إضفاء جوٍ من التشويق والإثارة في طيات هذا العمل الأدبي، وهذا ما لا أنفيه، إلّا أن السبب الرئيسي لوصل كل عظيم منهم بالعظيم الذي يليه بالفعل المضارع "يتبع" هو إثبات حقيقة تاريخية أصيلة في هذه الأمة، ألا وهي أن أمة الإسلام أمة لا تموت أبدًا ما بقيت الأرض، أمة متصِّلة، متحدة، مترابطة بشكل يدعو إلى العجب في كثير من الأحيان، لدرجة لا يمكن أن يفسرها المرء إلّا بشيء واحد فقط: أنها أمة مختارة من اللَّه الحكيم!


    فتأمل معي هذه القصة العجيبة لتفهم قصدي جيدًا، ملك نصراني من ملوك أفريقيا يتبع الكنيسة الإسكندرية بالتحديد، هذا الملك يسلم ويؤمن بنبي عربي لم يره في حياته البتة، فيأتيه رجل عربي كافر من نفس مدينة ذلك النبي ليزوره، وغرضه من تلك الزيارة هو محاربة ذلك النبي وأصحابه، ليسلم ذلك الرجل ليس على يدي النبي الذي كان يراه ليل نهار في مدينته وإنما على يدي ذلك الملك الأفريقي الذي لم يرَ النبي أصلًا!!! ثم يتحول هذا الرجل العربي إلى بطلٍ من أبطال الإسلام، فيقوم بعد ذلك بإدخال الإسلام إلى مدينة الإسكندرية التي كان يتبع كنيستها ذلك الملك نفسه قبل أن يسلم!!! أمّا ذلك النبي فهو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمّا ذلك الرجل العربي فهو عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه وأرضاه، وأمّا ذلك الملك الأفريقي المسلم فهو أصحمة بن أبجر نجاشي الحبشة جزاه اللَّه كل خير.


    وإذا كنتَ قد استغربت من هذا الترتيب الإلهي العجيب فتأمل معي ترتيبًا آخر أعجب منه بكثير، والذي يستشعر المرء من خلاله يد اللَّه التي هيأت الظروف لنبيه المصطفى حتى قبل ولادته، فهناك بعيدًا عن مكة وصحراء العرب، في أدغال مملكة الحبشة (أثيوبيا وأريتريا وشمال الصومال حاليًا) وفي إحدى الليالي المظلمة، قتل بعض المتآمرين (أبجر) نجاشي الحبشة (النجاشي لقب يُطلق على كل ملك يحكم الحبشة!)، ثم جعل أولئك المتآمرون ملكًا آخر على الحبشة، وباعوا ابن الملك المقتول لأحد تجار الرقيق،
    وفي ليلة من الليالي الممطرة خرج الملك الجديد خارج قصره، وبشكل عجيب غريب، نزلت صاعقة من السماء وهو بين جنوده فأصابته من دونهم، فوقع قتيلًا في التو واللحظة، فسادت الفوضى بلاد الحبشة، فعلموا أنها لعنة حلت عليهم من اللَّه، فبحثوا عن ابن الملك الأول ليعيدوه للحكم، فعرفوا أنه في متن سفينة مبحرة إلى بلاد العرب حيث سيباع هناك عبدًا، فأدركوا السفينة قبل رحيلها، ليجدوا ابن الملك قبل أن يبحر إلى بلاد العرب لكي يباع هناك عبدًا، فقاموا بتحريره ومن ثم اجلسوه على عرش أبيه الذي اغتصبوه من قبل، هذا الغلام كان يسمى (أصحمة بن أبجر) وهو نفس الملك الذي اشتهر لدى المسلمين باسم النجاشي!

    وربما يكون هذا الظلم الذي وقع للنجاشي في طفولته هو سبب مقته للظلم، لذلك اشتهر النجاشي بعدله بين الناس، الأمر الذي دعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لكي يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة بعد أن اشتد إيذاء المشركين لهم، عندها بعثت قريش (عمرو ابن العاص) الذي كان صديقًا قديمًا للنجاشي لكي يستردهم، ولكن المفاجأة حدثت عندما قذف اللَّه الإيمان في قلب النجاشي، ليخفي النجاشي إسلامه عن قومه، ليس خوفًا على الكرسي، إنما خوفًا من أن يفتك النصارى باللاجئين المسلمين الذين كانوا يمثلون تقريبًا نصف عدد المسلمين على وجه الكرة الأرضية، فقد بعثهم الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- خصيصًا للحبشة وأبقاهم بها 15 سنة لكي يحملوا رسالة الإسلام للبشر في حالة إذا ما قتل المشركون رسولَ اللَّه وصحابته الكرام، فيكون هناك من يحمل راية الإسلام في الأرض إذا ما أصابهم مكروه.


    هذا التخطيط الإستراتيجي طويل المدى لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أدركه تمام الإدراك

    النجاشي أصحمة، فكان من الضروري على النجاشي أن يكتم إسلامه حرصًا على استمرارية الدعوة، فلقد رأى النجاشي من بطارقة النصارى حَنَقَهم بهذا الدين الذي يدعو إلى وحدانية اللَّه وترك عبادة المسيح، فخشي أن يثوروا عليه ويعزلوه (كما فعلوا مع أبيه من قبل!)، فيضيع بذلك حليف قوي لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان بإمكانه دعم الدولة الإسلامية الناشئة، بل في أسوأ الأحوال، يمكن له استضافة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا ما اقتضت الحاجة، في حالة انهيار دولة المدينة.

    هذه الأسباب دعتني لإطلاق لقب (الجندي المجهول في أمة الإسلام) على النجاشي (أصحمة ابن أبجر)، الملك الأفريقي الذي لا يعرف أغلبنا أصلًا أنه مسلم، ليبقى النجاشي مرابطًا في الحبشة بعيدًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
    وبعد سنوات من النصرة السرية للمسلمين مات النجاشي رحمه اللَّه قبل أن يكحل عينيه برؤية الرجل الذي آمن به وصدقه من دون أن يراه، ليعلم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخبر موته وهو في المدينة قبل أن يجمع الصحابة ليصلي عليه صلاة الغائب، لتنتهي بذلك قصة أول ملكٍ من ملوك الأرض يؤمن برسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، قصة أول ناصر لهذا الدين من ملوك الأرض!


    المفارقة العجيبة في قصة هذا العظيم الإسلامي، أن النجاشي رحمه اللَّه كان التابعي الوحيد الذي أسلم على يديه أحد الصحابة وهو عمرو بن العاص -رضي اللَّه عنه-!
    فلماذا لم يكن أصحمة بن أبجر رحمه اللَّه صحابيًّا؟ ومن هم الصحابة؟ ولماذا خرج علينا في السنوات الأخيرة رجالٌ لا همَّ لهم في الحياة إلّا الطعن بالصحابة في الغداة والعشي؟ وما هو سر الحملة الشرسة على أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ومن هو المستفيد الأول من تلطيخ سمعة الصحابة وتشويه صورتهم في أذهان عامة المسلمين؟ ولماذا كان الصحابة بالإجماع أفضل البشر بعد الأنبياء؟
    يتبع. . . . .

    {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (006) الصحابة


    جهاد الترباني

    "يا رسول اللَّه. . . واللَّه لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! (المقداد بن عمرو)

    ليس غريبًا أن يظهر عظيم من العظماء في أمة من أمم الأرض، فقد ظهر (جنكيز خان) في أمة المغول، وظهر (الإسكندر الأكبر) في الإغريق، و (بسمارك) في الألمان، و (غاريبالدي) في إيطاليا، وظهر غيرهم الكثير من القادة والمفكرين الذين غيروا من حال شعوبهم، فتحولوا إلى عظماء في التاريخ، حتى ولو كانت عظمتهم في عيون شعوبهم فقط!


    ولكن أن يظهر جيل كامل من العظماء في نفس الأمة، وفي وقت واحد، دفعةً واحدة، لا ليغيروا من حال أمتهم فحسب، بل ليغير اللَّه بهم حال الأرض بمن عليها إلى يوم القيامة، إننا لا نتحدث عن عظيم واحد فقط، إننا نتحدث عن جيل فريد من نوعه، جيل لم ولن تعرف الإنسانية بعظمته ما بقي الدهر، إننا نتحدث عن أصحاب محمد بن عبد اللَّه، إننا نتحدث عن جيل الصحابة!


    والصحابي: هو كل من لقي الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مسلمًا ومات على ذلك. هؤلاء العظماء وصفهم اللَّه العظيم بوصف قمة في الروعة، في آية قرآنية عجيبة هي غاية في العجب، وسبب العجب في تلك الآية أنها الآية الوحيدة في كتاب اللَّه الكريم التي تجمع في كلماتها حروف اللغة العربية مجتمعة!! فما من حرف من حروف لغة الضاد إلى وقد ورد في تلك الآية، أما عن سر تنوع الحروف في هذه الآية فسنحاول التعرف عليه بعد ذكر هذه الآية الجميلة التي وردت في سورة الفتح:
    {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: 29].


    ولكي يتسنى لك الاستمتاع بمعنى هذه الآية الجميلة في وصف الصحابة الكرام ينبغي عليك أن تتخيل هذا التصوير الرباني الجميل، تخيل أن هناك نبتة صغيرة أخرجت من حولها نباتات مساندة أحاطت بالنبتة الأصلية من كل جانب، فشدت من صلابتها وساندتها وآزرتها، وبمعونة هذه النباتات المساندة أصبحت تلك النبتة الصغيرة قوية متينة فاستوت وارتفعت عاليًا في السماء، لتتحد تلك النبتة الأصلية بتلك النباتات الفرعية، ليتكون بذلك بنيان جديد قوي ثابت، قلبه تلك النبتة الأصلية، وجدرانه تلك النباتات الفرعية التي انبثقت منها، فارتفع ذلك البنيان عاليًا بكل ثقة، لدرجة أن المزارعين إذا مرّوا به أعجبوا به أيما إعجاب،

    أمّا إذا مرَّ به كافر فإنه ينظر إليه بغيظ من شدة صلابته وقوته وثباته، وواللَّه ليس هناك وصف في أي لغة من لغات الأرض يصف الصحابة رضوان اللَّه عليهم أكثر من هذا الوصف الإلهي الرائع، فمحمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو تلك النبتة الأصلية التي انبثق منها الصحابة الكرام، فأحاطو به من كل جانب ليآزروه ويساندوه، فاستغلظ بهم واستوى على سوقه وهم محيطون به، فتكون هذا البنيان الثابت الذي قلبه هو محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- وجدرانه الصلبة هم صحابته الكرام، أمّا الزراع الذين يريدون الزراعة الحقيقية فعلًا (وهم المؤمنون الحقيقيون)، فإنهم يتأملون في ذلك الزرع الثابت ليتعلموا منه أساس الزراعة الصحيحة (وهذا دليلٌ على وجوب اتباع نهج الصحابة!)،
    أما الكفار فإنهم يغتاظون من روعته وقوته، فإذا ما علمت أن فلانًا كان صحابيًا من صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وكان في قلبك مثقال ذرة من غيظ على أحد منهم، فاعلم جيدًا أنك في خطر كبير، لأنك ممن ينطبق عليهم قول رب العالمين: {ليغيظ بهم الكفار}!

    والآن أصبح واضحًا للعيان لماذا تشن الحملات الإعلامية على صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فالصحابة هم الجدار المتين الذي يحيط بالقلب الأصلي -رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فإذا تمكن هؤلاء الغزاة من تدمير الجدار المنيع لهذا البنيان القوي، سيصبح المجال مفتوحًا لمهاجمة القلب، وللتوضيح أكثر ينبغي القول أنه لو تركنا المستشرقين ومن معهم من

    المنافقين يهاجمون ويشككون بالصحابة، فإن الهجوم لن يلبث أن يصل إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فالهدف الأول لهؤلاء الغزاة هو قلب ذلك البنيان، ألا وهو محمد رسول اللَّه!

    فالطعن بأي صحابي مهما كان اسمه، يعرض الإسلام للخطر، فهؤلاء النفر هم الذين نقلوا القرآن والسنة، أي أن الصحابة هم الذين نقلوا الدين الإسلامي لنا! فإذا شككنا بالناقل، شككنا إذًا بالمنقول! وإذا ما قبلنا بالطعن بهؤلاء العظام فإن ما نقلوه إلينا من قرآن وسنة ليس صحيحًا، إذًا فهذا الإسلام الذي بين أيدينا ليس هو الإسلام الصحيح، فلو قبلنا بالطعن الذي يُوجه للصحابة، ضاع الإسلام، وضعنا نحن معه في نهاية المطاف!


    وواللَّه لو أن أحدًا سبَّ صاحبًا لك لقفزت من مكانك وصفعته على وجهه، فويحكم ما بالكم بأصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟! ألا يستحقون دفاعًا منّا يعادل دفاعهم عن صاحبهم الذي دافعوا عنه بأرواحهم؟ إن الدفاع عن الصحابة هو الدفاع عن الإسلام نفسه، فهؤلاء العمالقة لم يكونوا عظامًا من فراغ، بل كانوا نتاجًا لثلاثة عوامل أساسية كوَّنت شخصية الفرد منهم قبل أن يتحول كل واحدٍ منهم إلى عظيم من عظماء جيل الصحابة:


    أولًا: الاختيار الرباني: اختار اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- من بين كل البشر ليحمل آخر رسالة منه إلى الخلق أجمعين، ولمّا كان هذا الرسول بشرًا له عمر محدد، فقد كان حقًا على اللَّه أن يختار له من يعينوه على إتمام رسالته في حياته، ثم حمل تلك الرسالة بعد مماته إلى باقي شعوب الأرض من دون تبديل أو تحريف، وإلّا فلن تكون للَّه عز وجل على الناس حجة في وصول الرسالة الصحيحة إليهم! ولا يحتاج المتأمل لقصص الصحابة إلى كثير من الذكاء لكي يدرك تمام الإدراك أن اللَّه اختار بذاته العلية الصحابة اسمًا اسمًا لكي يقوموا بدورهم الذي خُلقوا من أجله،

    فالأوس والخزرج لم يكونوا أصلًا من سكان المدينة، بل هم من قبيلة الأزد التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سد مأرب، فمن الذي دفعهم لاختيار يثرب التي سوف يهاجر إليها رسول اللَّه بعد ذلك بسنوات؟! ومن الذي جعل سد مأرب ينهار من الأساس؟ وسلمان الفارسي -رضي اللَّه عنه- انتقل في مغامرة عجيبة من بلاد فارس إلى الشام فالعراق فتركيا بحثًا عن الحقيقة الأزلية دون أي جدوى، وبعد أن عجز سلمان من الوصول إلى الحقيقة بنفسه، قامت مجموعة من قطاع طرق باختطافه ونقله
    من دون أي اختيار له إلى يثرب تحديدًا!!!
    ثانيًا: التربية المحمدية: لعل من أبرز ما تميز به الصحابة عن بقية الخلق في كل العصور أنهم تعلموا مباشرةً من المعلم الأول للإنسانية محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأصبحوا بذلك أعظم تلاميذ في التاريخ لأعظم أستاذ في الدنيا، فوَرد الصحابةُ النبعَ صافيًا من دون أي شائبة، ووردناه نحن مختلطًا بالشوائب، لذلك كان فهمم للكتاب والسنة أصح من فهمنا بالضرورة، ذلك أنهم عاشوا بالفعل مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأصبح فهمم للكتاب والسنة هو الفهم الصحيح للدين، وأصبح لزامًا علينا أن نفهم الكتاب والسنة بفهمهم هم لا بفهمنا نحن، فإذا فسر الصحابة آية من الآيات على شكل من الأشكال، وفسرها أحد من المسلمين بعدهم على نحو آخر، فإن تفسير جمهور الصحابة هو التفسير الصحيح بدون أدنى شك، فالصحابة هم الذين عايشوا الآيات لحظة نزولها وعرفوا أسباب تنزيلها وحيثيات مضمونها، فتطبيق الصحابة للقرآن والسنة هو التطبيق الصحيح للإسلام.


    ثالثًا: الجهاد النفسي: بتنا نسمع في الآونة الأخيرة من بعض شباب جيل الصحوة مقولة متكررة: افتحوا لنا باب الجهاد! ولا شك أن أولئك الشباب قد قرأوا قصص البطولات العظيمة التي كان يقوم بها أبطال الصحابة، فأرادوا أن يقتدوا بهم بدعوتهم لفتح باب الجهاد، ولكن الحقيقة التي غابت عن ذهن شبابنا أن الأمر ليس بهذه البساطة على الإطلاق، فالأجدر على كل واحدٍ منا أن يسأل نفسه قبل التفكير بالقتال إن كان يصلي صلاة الفجر في وقتها ناهيك إن كان يصليها في المسجد، إن كان يقوم الليل للَّه سبحانه وتعالى، إن كان يستطيع أن يترك مشاهدة المباراة لفريقه الوطني عندما يؤذن المؤذن للصلاة، إن كان يمارس الرياضة أو كان يستطيع الجري أصلًا، إن كان يستطيع مجرد الإقلاع عن التدخين قبل أن يجاهد؟!!

    الطريف أن الكثير من الشباب -وعلى الرغم من صدق نواياهم في طلب الجهاد- يظنون أن الأمر لا يتطلب أكثر من حمل السلاح لكي يصبح الواحد منهم بطلًا كأبطال الصحابة في بدر وأحد، والواقع أن درب الجهاد طويل طويل لعل آخره هو حمل السلاح (وليس أوله كما يظن البعض!)، فالصحابة الكرام لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من بطولة وخلود إلّا بعد جهاد قاسٍ هو أعظم من الجهاد الذي يطلبه شبابنا هذه الأيام، إنه الجهاد النفسي، فالحديد الصلب لا يصبح صلبًا إلا بعد خروجه من بوتقة النار الملتهبة.

    فقد كان جلد (مصعب بن عمير) يتخشف في مكة بعد إسلامه قبل أن يستطيع حمل راية الإسلام في أحد، فالصحابة لم يحتاجوا لأكثر من سنة واحدة في المدينة لينتصروا في بدر، بينما احتاجوا لـ 13 سنة في مكة لكي يصنعوا من أنفسهم رجالًا أقوياء لا يهابون الموت، ولعلك تستغرب أن قيام الليل كان فرضًا من الفروض في بداية الدعوة الإسلامية، بل إن حمل السلاح للقتال كان ممنوعًا طوال الفترة المكية، ذلك لكي يتسنى لهم مواصلة التدريب النفسي الطويل الأمد. . . جهاد النفس!
    وإن كان الصحابة هم أعظم البشر بعد الأنبياء، فإن كتيبة بعينها من الصحابة كانت وبحق أعظم كتيبة في تاريخ الإنسانية منذ أبي البشر آدم وإلى يوم القيامة. فمن تكون تلك الكتيبة الرَّبانية التي غيَّرت من وجه التاريخ البشري إلى أبد الآبدين؟
    يتبع. . . . .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


    (007) البدريون



    جهاد الترباني

    «لعل اللَّه اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»
    (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم)

    في عام 480 قبل الميلاد قام 300 محارب من مملكة "إسبرطة" اليونانية بصد جيش جرار يتكون من أكثر من 50 ألف مقاتل فارسي خرجوا لاحتلال بلاد اليونان. ورغم أن المعركة انتهت بمقتل جميع المحاربين الثلاثمائة في وادي "ثرومبلاي" على سواحل اليونان، إلا أن الإغريق لا يزالون يحفظون لهؤلاء الأبطال بسالتهم وتضحيتهم،
    وبات (ليونايدوس) قائد هذه الكتيبة الفدائية بطلًا قوميًا في اليونان إلى يوم الناس هذا. وعلى الرغم من تضخيم اليونان لهذه القصة ومزجها بالأساطير الإغريقية القديمة إلّا أنني أرى أن لهم كل الحق بتعظيم أبطالهم الذين صدّوا غزو جيش جرار من الغزاة الفرس (حتى ولو كان عدد الجيش الفارسي مبالغًا فيه من الناحية التاريخية!).

    ولكن الشيء الثابت تاريخيًا، أن هناك 314 رجلًا ظهروا بعد تلك الحادثة بألف سنةٍ، لينتصروا في معركة فاصلة في تاريخ البشرية غيرت خارطة العالم إلى الأبد، ليدمروا بانتصارهم هذا الإمبراطورية الفارسية إلى الأبد، ثم تندحر بعدها الإمبراطورية الرومانية العظمى بفضل ذلك الانتصار بالتحديد. 314 رجلًا فقط غيَّروا مسار التاريخ في ملحمة إنسانية خالدة فرَّقت بين الحق والباطل إلى يوم القيامة،

    سمّاها اللَّه في كتابه الكريم بيوم الفرقان، فكانت هذه المعركة وبحق أعظم معركة عرفتها الإنسانية على مر العصور والأزمنة، وكان هؤلاء الفرسان أعظم فرسان عرفتهم البشرية. . . . إنها معركة بدر الكبرى، التي سُمي أبطالها باسم البدريين.
    وربما يقول قائل أن هؤلاء الرجال الـ 314 مجاهد إنما قاموا بالانتصار فقط في معركة محدودة في بقعة مجهولة في صحراء العرب لا تكاد ترى على الخارطة، وأن الإمبراطورية الفارسية الساسانية سقطت بعد ذلك بـ 20 عامًا وبالتحديد بعد معركة "نهاوند" في عهد عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-،

    وأن الإمبراطورية البيزنطية سقطت بعدها بأكثر من ثمانية قرون في عهد محمد الفاتح رحمه اللَّه، ولكن تصور معي أن كسرى الفرس وقيصر الروم كانا يعلمان بأمر أولئك الفرسان الـ 314، وما سيمثلونه بعد ذلك من تهديد لإمبراطورياتهم الضاربة الجذور في عمق التاريخ، فهل كانت جيوش الفرس والروم ستتركهم وشأنهم؟ هل كانت دعوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- ستصل إليَّ وإليك لو أن هؤلاء الرجال تقاعسوا قيد أنملة عن التضحية والفداء؟
    بل هل كانت الإنسانية تستحق الوجود أصلًا إذا ما هُزم هؤلاء الرجال؟ إذا كنت تعتقد أن معركة بدر كانت مجرد معركة وقعت بين 314 رجلًا من المسلمين و 1000 رجلٍ من الكفار، فاستمع إلى قول الصادق الأمين محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى في أَمر تلك الكتيبة البدرية، فقد رفع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يديه عاليًا في السماء وأخذ يناجي ربَّه قائلًا:
    «اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض»
    هل عرفت قيمة هؤلاء الـ 314 الآن؟ هل كنت ستعرف شيئًا عن الإسلام من دونهم؟ قال تحفظ أسماء هؤلاء العظماء الذين غيروا مجرى الإنسانية؟ هل تعرف أسماء 100 منهم، 50 منهم، 20 منهم؟ هل تعرف أسماء الـ 14 شهيدًا من هؤلاء الفرسان الذين استشهدوا ليصل هذا الدين إليك وأنت جالسٌ في بيتك؟ هل قرأت أو سمعت في حياتك الطويلة عن رجل اسمه (معوذ بن عفراء)؟ كم اسمًا من أسماء المغنيين تعرف؟! كم اسمًا من أسماء اللاعبين تحفظ؟!!


    كانت هذه مجرد سطورٍ قليلة عن أعظم جيش عرفته الإنسانية منذ نشأتها، جيش البدريين، فإذا كان الغرب فرَّق التاريخ بكل بساطة باستخدام لفظتي "ad"، و" ac"، فإن ربَّ الغرب والشرق فرَّق التاريخ بمعركة بدر الكبرى، فرَّقها بـ "يوم الفرقان"!
    أولئك البدريون، علم اللَّه بصدق ما في قلوبهم، فأمدهم بجيش من الملائكة مسوَّمين يقاتلون معهم في المعركة، فأمدهم بخمسين، ألف ملكٍ هم أعظم ملائكةٍ في التاريخ، لا لشيءٍ سوى أنهم شاركوا البدريين في هذه المعركة الخالدة.
    ولكن هناك شيءٌ غريبٌ في هذه القصة!
    فجميع الملائكة بدون استثناء، والذين نزلوا عند آبار بدر، تمثلوا على صورة بطلٍ واحد من الأبطال الـ 314! فمن هو هذا الإنسان الذي نزل جبريل عليه السلام بصورته ليقاتل على الأرض؟

    أو قل من هو ذلك الفدائي الأسطوري الذي نزل جيش كامل من الملائكة الكرام على صورته وشكله؟ وما هو سر اختيار اللَّه له بالذات من بين كل البشر ليكون صاحب هذا الشرف؟ فما هي حكايته في "بدر"؟ وما هي حكايته في "أحد"؟ وما هي حكايته في "اليرموك"؟ وما هي حكايته في "مصر"؟ وقبل هذا وذاك. . . . ما هي حكايته العجيبة في شوارع "مكَّة" وهو طفلٌ صغير؟

    فهيّا بنا لنسبر أغوار ابن عمة محمد، وابن أخ خديجة، وابن أخت حمزة، وابن عمة علي، وزوج بنت أبي بكر، هيّا بنا لنبحر في بحار العشرة المبشرين بالجنة، هيّا بنا لنكشف الستار عن قصة الحواري!
    يتبع. . . . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (009) طلحة بن عبيد اللَّه


    جهاد الترباني

    {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
    «هذا ممن قضى نحبه»
    (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)

    هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام، وأحد الستة أهل الشورى الذين توفى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ، إنه طلحة الخير كما سماه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم أحد، وطلحة الفياض كما سماه في موضع آخر، وطلحة الجود كما سماه في موضع ثالث، إنه طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه وأرضاه.

    طلحة هذا الذي لا يعرفه الكثير منّا والذي لم نقرأ عنه في مناهجنا شيئًا حال دون وقوع أكبر جريمة كانت ستعرفها الإنسانية في التاريخ، ولمعرفة السبب الذي جعل من طلحة شهيدًا يمشي على الأرض، ينبغي عليك أن تتحول بقلبك إلى الجزيرة العربية، لتدع روحك ترافق أبا بكرٍ الصديق -رضي اللَّه عنه- وهو يلهث راكضًا كما لم يركض أحد من قبل متجهًا إلى جبل أحد محاولًا مسابقة الزمن قبل فوات الأوان، قبل أن يفقد صديق عمره وقد أحاط الكفار به من كل جانب، هناك كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أحرج ساعة في حياته، فلقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- محاصرًا من الكفار وقد عزموا على قتله، ليس حوله إلّا تسعة أبطال مسلمين سقط منهم سبعة دفاعًا عنه، ليبقى بجانبه مدافعان اثنان، أحدهما سنكتشفه في نهاية هذا الكتاب، والآخر سيكتشفه أبو بكر لنا الآن!


    فقد أخذ أبو بكر يسارع الخطى وأنفاسه تكاد تنقطع، ليلمح من بعيد وهو يمد ناظريه قبالة صديقه رجلًا يتحرك كالشبح ويقاتل كالنمر ذودًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمام رهط من فرسان قريش، فتُرمى على رسول اللَّه السهام فيتلقاها، وترمى عليه الرماح فيتصدى لها، فيتمنى أبو بكر أن يكون هذا الأسد هو نفسه ذلك الذي في باله، فإذا كان هو الذي في باله فإن صاحبه لا بد أن يكون في أمان بحراسة ذلك الصنديد المغوار،

    عندها قال أبو بكر في نفسه: "كن طلحة فداك أبي وأمي!. . . كن طلحة فداك أبي وأمي! " وصدق ظن الصديق، لقد كان هذا الفدائي هو الشخص الذي يتمناه، إنه طلحة ابن عبيد اللَّه! هناك كان طلحة يقاتل ببسالة ما عرفت كواسر الأرض مثلها يدافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بجسده وروحه ووجدانه، فقد كانت السهام تتطاير نحو الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ليقفز طلحة كالنمر نحو الرسول محيطًا به ليتلقى السهام بنفسه، قبل أن يرجع مرة أخرى لمقاتلة الكفار بسيفه والدماء تتصبب من كل مكان في جسده.

    وفجأة. . . ينطلق سهم خارق من أعظم رام سهامٍ عرفته العرب نحو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مباشرةً، فتلمح عين طلحة السهم وهو يقاتل المشركين، فيسرع كالبرق الخاطف ليسبق هذا السهم قبل أن يصل إلى أعظم إنسان خلقه اللَّه في الكون، وبينما السهم يخترق الفضاء متوجهًا بنجاح نحو صدر الرسول وإذ بيد طلحة تمتد لتحضن السهم احتضانًا في شرايينها، عندها نظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يد طلحة والدماء تسيل من عروقها ليقول له: «لو قلت بسم اللَّه لرفعتك الملائكة والناس ينظرون»

    وبينما رسول اللَّه ينظر إلى تلميذه بشفقه وحنان، وصل أبو بكر ومعه أبو عبيدة يريدان حمايته، ليقول لهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحنان الوالد وهو ينظر إلى ولده الحبيب: "دونكم أخاكم فقد أوجب" عندها لم يصدق الصدِّيق عينيه! فلقد وجد أبو بكر جسد طلحة ملطخًا بالدماء حتى أخمص قديمه وبه بضع وستون جرحًا ما بين ضربة وطعنة ورمية دفاعًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

    هل كنت تعلم شيئًا عن عظمة طلحة والزبير؟ أعلمت الآن لماذا قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "طلحة والزبير جاراي في الجنة؟ " إذا لم تكن تعلم شيئًا عنهما من قبل فعليك أن تعلم أن أعداء الأمة يعرفون تاريخنا أكثر منا، بل يعلمون جيدًا من هم أبطالنا ورموزنا الذين غفلنا نحن عنهم، ففي صيف عام 2009 قام رئيس دولة إيران الفارسية (أحمدي نجادي) بسب طلحة والزبير على الهواء مباشرة أثناء حملته الانتخابية!
    فلماذا يكره نجادي رئيس دولة إيران جاري رسول اللَّه في الجنة؟ ومن هم الصفويون الجدد؟ وما هي مخططاتهم؟ ومن هو ذلك الصقر التركي الذي انطلق من جبال الأناضول ليدكَّ حصون الصفويين المجوس دكًّا على رؤوسهم؟ وما هي حكايته البطولية؟
    يتبع. . . . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (010) سليم الأول

    جهاد الترباني


    " مدمر دولة الصفويين" (سليم الأول)
    " وبعد. . . . .


    فإن علماءنا ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إسماعيل الصفوي بصفتك مرتدًا عن الإسلام وأوجبوا على كل مسلم أن يدافع عن دينه وأن يحطم الهراطقة في شخصك أنت وأتباعك البلهاء! "


    سليم الأول
    نحن على موعدٍ جديدٍ مع فارس من نفس طينة الصحابة، وللأسف فإن أغلبنا لم يسمع عنه البتة، والحق أنّي أجد بعضًا من العذر لهؤلاء (وقد كنت منهم)، نظرًا لإغفال المناهج الدراسية ذكر عظماء أمتنا بسبب جهل من وضعوها بهم، أو لأسباب أخرى، وإن كنت شخصيًا أرجح تلك الأسباب الأخرى!


    أمّا إذا أردت أن تعلم مدى عظمة هذا الرجل وما قدمه للمسلمين، فاطرح سؤالًا بسيطًا على نفسك لا أشك أبدًا بأن إجابتك ستكون عليه بالإيجاب. . . هل تحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟!
    إذًا فاعلم أن رسولك هذا الذي تحب كان على وشك أن يُنبش قبره بعد أن تُحتل مدينته، وكان ذلك سيتم فعلًا لولا أن سخر اللَّه للإسلام هذا الصقر الكاسر: السلطان العثماني سليم الأول رحمه اللَّه، بطل معركة "جالديران" الخالدة. وقبل أن نغوص في بحار بطولات سلطاننا العظيم يجب علينا أولًا أن نؤصل للمسألة، فالحكم على الشيء فرعٌ من تصوره، فعلينا أولًا إدراك مدى الخطر الكبير الذي تصدى له هذا السلطان، ألا وهو خطر دولة الصفويين الخبيثة!


    فمن هم الشيعة الصفويون؟ ولماذا يحملون هذا الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين حتى وصل بهم حدَّ السماح بنبش قبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ وما سر سبِّ زعماء إيران الحاليين لصحابة رسول اللَّه وزوجاته؟ ولماذا تحتفل إيران إلى يومنا هذا بمقتل الفاروق عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-؟ ولماذا رمَّمت إيران عام 2003 م في مدينة "كاشان" الفارسية ضريح أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر؟


    أعترف أن هذا الموضوع شائك بعض الشيء، وقد يثير نوعًا من الضيق لدي بعض المسلمين المتعاطفين مع إيران وزعمائها الذين لا يتركون وسيلة إعلام إلا وأكدّوا فيها نصرتهم لقضايا المسلمين العادلة ومعاداتهم لإسرائيل بل ونيتهم لإزالتها من الوجود، إلّا أنني أقصد وجه اللَّه وحده بهذه السطور كائنًا في ذلك ما هو كائن، ولقد كنت شخصيًّا وحتى سنوات قليلة مضت أدافع عن الجمهورية (الإسلامية) الإيرانية لدرجة جعلتني أتهم فيها كل من يشكك في نوايا هذا النظام (الذي يدافع عن قضية وطني فلسطين) بالخيانة والعمالة، إلّا أنني كنت أتساءل كثيرًا في قرارة نفسي. . . لماذا نسمع كل يوم تهديدًا لإيران ولا نرى حربًا عليها؟ وزاد من حيرتي تلك ما سمعته على لسان وزير خارجيتها (منوشهر متكي) بقيام إيران بمساعدة الغزاة على احتلال أفغانستان والعراق، ومما يثير الدهشة فعلًا هو سماعي لتصريحات (نجادي) اليومية لنصرة الأقصى وفي نفس الوقت نراه يكرِّم العالم الشيعي (جعفر مرتضى العاملي) لتأليفه كتاب "المسجد الأقصى أين؟" والذي ينص فيه أن مكان المسجد الأقصى الذي أسرى إليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس في القدس، وأنه ليس للقدس أي أهمية دينية، فلا داعي إذًا للدفاع عنها، فالأقصى ليس موجودًا هناك!! أمّا الخبر الذي جعلني أتيقن أن في الأمر شيئًا غامضًا هو ذلك التقرير الذي قرأته باللغة الإنجليزية في صحيفة الديلي التيليغراف البريطانية (The Daily Telegragh) الصادرة بتاريخ 3 - 10 - 2009 م، ذلك التقرير يبين من خلال صورة التقطها أحد المصورين عن قرب لجواز الرئيس الإيراني وهو يحمله خلال إحدى الحملات الانتخابية أن اسم عائلة رئيس إيران ليس (أحمدي نجادي) كما هو معروف، بل هو (سابورجيان) كما هو واضح في صورة الجواز، وسابورجيان يا سادة هو اسم لعائلة يهودية من يهود الفرس!!! كل هذا دفعني لكي أفتش في صفحات خلت من التاريخ علّي أجد تفسيرًا لما يدور من حولنا من ألغاز!


    البداية كانت في مدينة "تبريز" سنة 907 هـ يوم أن تحول رجل فارسي صوفي اسمه (إسماعيل بن حيدر الصفوي) إلى المذهب الشيعي الرافضي الاثني عشري (وهنا يجدر التنبيه بأن المتصوفة المبتدعين هم أقرب الناس إلى الانجرار إلى ما هو أخطر من ذلك!)، المهم أن الصفوي قام بمزج المعتقدات المجوسية الفارسية بالمعتقدات الشيعية المنحرفة، ثم قام بعدها بتغيير مذهب أغلب الفرس والعرب الذين احتل مناطقهم من مذهب أهل السنة والجماعة الذي كانوا عليه إلى مذهب الشيعة الروافض، وقد تسنى له ذلك بعد أن قتل أكثر من مليون مسلم في بغداد وغيرها من المناطق التي احتلها (وهذا ما يفسر تشيع كثير من أهل العراق وفارس وأذربيجان ومنطقة الإحساء في الجزيرة العربية إلى يوم الناس هذا!). في نفس الوقت أراد البرتغاليون الصليبيون بقيادة (ألفونسو البوكرك) احتلال المدينة المنورة ونبش قبر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ومقايضته بالقدس، وكعادة الشيعة الروافض عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، تطوع الصفويّون مجانًا لمساعدة الصلييبيين في تنفيذ تلك الخطة الحقيرة، فتحالفوا مع البوكرك الصليبي لضرب دولة المماليك وجرها إلى الشرق لكي يكون المجال مفتوحًا للبرتغاليين الصليبيين في البحر الأحمر لنبش قبر محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في المدينة.


    وعندها ومن بين قمم هضبة الأناضول في آسيا الصغرى، برز صقر عثماني كاسر اسمه (سليم الأول)، فبعد أن أدرك هذا السلطان العثماني خطورة الموقف، قرر أن يدافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ميِّتًا كما دافع الصحابة عنه حيًّا، فأسرع هذا الصقر التركي بالهجوم المضاد. فهل تحرك السلطان بجيشه لمحاربة الصليبيين وترك الشيعة الخونة من باب أنه يجب التركيز أولًا على أعداء الأمة الخارجيين وأننا جميعًا مسلمون؟ الحقيقة أن السلطان سليم الأول كان قد تربى تربية قرآنية خالصة، فلم يأخذ وقتا طويلًا لتحديد من هو العدو الحقيقي الذي يجب البوجه نحوه، فالسلطان يذكر ما ورد في الآية الرابعة من سورة المنافقين:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}، فأدرك لماذا عرّف اللَّه كلمة العدو بـ "الـ" التعريف في وصفه للمنافقين، فالله لم يقل "هم عدو فاحذرهم" لأن المنافقين هم الخطر الحقيقي الأول للمسلمين في كل زمان وإلى يوم القيامة!


    وفعلًا. . . . توجه السلطان شرقًا نحو شيعة الفرس الصفويين الذين يدَّعون الإسلام كذبًا وتقية لضربه من الداخل، وفي يوم 2 رجب 920 هـ انتصر السلطان سليم الأول في معركة "جالديران" الخالدة على الشيعة الصفويين، وقام رحمه اللَّه بدك "تبريز" عاصمتهم الحصينة، فمزق جيوشهم شرّ ممزق، وفرَّ الشيعي الصفوي القذر الذي خطط لنبش قبر أعظم الخلق تاركًا زوجته وعرضه وراءه من شدة انحطاطه الأخلاقي ووضاعة أصله المجوسي، فسباها السلطان وزوَّجها لجندي من عامة جنوده، وخلص المسلمين من شر الصفويين القدامى قبل أن يظهر الصفويون الجدد على يد الخميني الذي كتب كيف يجوز للشيعي قتل المسلمين السنة ونهب أموالهم كما ورد في كتابه تحرير الوسيلة (1/ 352) "بل الظاهر جواز أخذ ماله أينما وجد، وبأي نحو كان"!


    إذًا فقد اتضح الأمر، وحُلَّ لغز الشيعة الصفويين، واتضحت تصرفات إيران المتناقضة، وهذا كله بفضل دراسة التاريخ، ولذلك ندرسه، فليس الغرض من دراسة التاريخ هو مجرد سرد القصص والاستمتاع بها، بل الهدف الأساسي من دراسة التاريخ هو فهم الواقع، فأحداث التاريخ تفسر لنا طلاسم الحاضر!


    الجدير بالذكر أن الإسبان الصليبيين قاموا في أيام حكم السلطان البطل سليم الأول بقتل وتعذيب المسلمين الأندلسيين الذين بقوا في بلادهم، فغضب السلطان العثماني الغيور على دماء المسلمين أشدّ الغضب، وقرر أن يخيِّر جميع النصارى واليهود الذين استضافتهم أرض الخلافة العثمانية بين الإسلام والطرد، ولكن (زمبيلي علي مالي أفندي) وهو شيخ الإسلام ومفتي الدولة العثمانية رفض ذلك الأمر وأبلغ السلطان بأنه أمر لا يجوز حتى ولو كان المسلمون يذبَّحون في بلاد الصليبيين، فلا إكراه في الدين الإسلامي أبدًا، فوافق السلطان على رأي العالم الجليل، وترك النصارى واليهود يعيشون بأمان في أرض المسلمين بينما المسلمون يُذبّحون في أرض الصليبيين،

    فاللَّه اللَّه ما أعظم الإسلام! واللَّه اللَّه ما أعظمها من حضارة تلك التي بناها المسلمون! فواللَّه لو لم يكن في تاريخ المسلمين غير هذا الموقف لسليم الأول رحمه اللَّه لكفانا أن نرفع رؤوسنا في علياء السماء لنجيب بكل قوة على من يحاول اتهام الإسلام بالإرهاب، فهذا هو تاريخنا، فأرونا ماذا يكون تاريخكم!

    هل عرفت الآن قيمة الخلافة العثمانية التي دُرِّسناها في المدارس باسم الاحتلال التركي؟! إن كنت لم تدرك بعد فضل العثمانين على المسلمين، فانظر ماذا فعل بطلنا سليم الأول لإنقاذ المسلمين الأندلسيين الذين كانوا يعذبون ويقتلون من قبل الصليبيين الإسبان في الأندلس.

    لقد قام الخليفة سليم الأول باستدعاء رجل ألباني إلى قصره، ليكلفه بمهة سرية أقل ما يقال عنها أنها مهمة مستحيلة!!!

    فما هي حكاية تلك المهة المستحيلة؟ ومن هو ذلك الرجل الألباني الغامض الذي تخرج من مدرسة الإسلام بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف العثمانية ليصبح أسطورةً حية لا تزال استوديهات هوليود الأمريكية إلى يومنا هذا تنتج أفلامًا عنه فاقت أرباحها مئات الملايين من الدولارات؟!
    يتبع. . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


    (011) عمالقة البحرية الإسلامية "بربروسا"

    جهاد الترباني

    " عمالقة البحرية الإسلامية" (الأخوان بربروسا)
    " قد كان بجوارنا الوزير المكرم المجاهد في سبيل اللَّه خير الدين وناصر الدين وسيف الإسلام على الكافرين، علم بأحوالنا وما نجده من عظيم أهوالنا. . . . فاستغثنا به فأغاثنا، وكان سبب خلاص كثير من المسلمين من أيدي الكفرة المتمردين، نقلهم إلى أرض السلام وتحت إيالة طاعة مولانا السلطان"


    (رسالة بعث بها أهالي "غرناطة" إلى السلطان سليمان القانوني 1541 م)
    كلما تقدمت "أكثر فأكثر في هذا الكتاب، وقلبت في صفحات التاريخ المنسية، زادت قناعة كانت قد تجسدت لدي بأن تاريخنا الذي نجهله نحن يعرفه تمام المعرفة أعداء هذه الأمة! هؤلاء القوم درسوا تاريخنا جيدًا بينما وقعنا نحن في الفخ الذي نصبوه هم لنا، فنسينا تاريخنا وأبطالنا، حتى سقطنا في براثن الجهل والتخلف. وإن كنت تظن أن هذا الاستنتاج ما هو إلا خيال كاتب مهووسٍ بنظرية المؤامرة، فاسأل أي شخص شاهد فلمًا من أفلام قراصنة البحار التي تنتجها "هوليود" عن اسم أشهر قرصان يظهر في الأفلام والقصص وحتى مسلسلات الأطفال، حينها لن يستغرق ذلك الشخص زمنًا طويلاً بالتفكير حتى يجيبك بأنه القرصان ذو اللحية الحمراء والعين الواحدة واليد المقطوعة والقدم الخشبية (بربروسا)!

    والحقيقة التي لا يراد لنا أن نعرفها أن بربروسا هذا الذي يصورونه لنا بهذه الصورة المخيفة ما هو إلّا بطل إسلامي قل نظيره في تاريخ الإنسانية جمعاء، رجل كله عزة وكرامة، ومنعة وسؤدد، مجاهد في سبيل اللَّه، لم يكن قرصانًا متعطشًا للدماء كما يصورونه، بل كان بطلاً يعمل لإنقاذ دماء آلاف المسلمين التي كان يسفكها أجدادهم المجرمون!
    والقصة تبدأ بذلك اللقاء الذي جمع السلطان العثماني (سليم الأول) رحمه اللَّه بقائد بحري فذ اسمه (عروج)، وهو قائدٌ عثماني من أب ألباني وأم أوروبية أندلسية هربت بدينها من إرهاب محاكم التفتيش الصليبية في أقبية كنائس إسبانيا، شاء اللَّه أن تنجو هذه الأم البطلة من معسكرات التعذيب الصليبية في الأندلس لتقص عليه وعلى إخوته قصص التعذيب البشعة التي تعرض لها أخوالهم في الأندلس، وتروي لهم حكايات المقاومة الشعبية الإسلامية الباسلة لمسلمي الأندلس الذين رفضوا عبادة الصليب على عبادة اللَّه، فزرعت هذه الأم المجاهدة روح الجهاد في نفوس أبنائها منذ نعومة أظافرهم، وهنا يأتي دور الأم المسلمة صانعة الأبطال! المهم أن الخليفة العثماني الشهم سليم الأول استدعى القائد عروج وأطلعه على رسائل الاستغاثة التي بعث بها مسلمو الأندلس من أقبية الكنائس المظلمة، فأوكل إليه سليم الأول مهمة هي في عُرف الدنيا مهمة مستحيلة، وأعطاه التوجيه الإستراتيجي لهذه المهمة:


    المهمة المستحيلة
    (1) الإبحار من أقصى شرق البحر المتوسط في تركيا إلى أقصى غرب المتوسط في الأندلس ومحاربة أساطيل الجيوش الصليبية مجتمعة (إسبانية وبرتغالية وإيطالية وسفن القديس يوحنا).
    (2) التمكن من اختراق كل تلك الحصون البحرية والتي تبني جدارًا بحريًا حول الأندلس والتمكن من الرسو الآمن في إحدى المدن الأندلسية المحتلة من قبل القشتاليين الصليبيين.
    (3) تدمير الحامية البحرية الإسبانية لتلك المدينة وشل قوة العدو الدفاعية والتحول إلى اليابسة وخوض حرب شوارع ضد القوات البرية الإسبانية في أزقة تلك المدينة وشوارعها.
    (4) تحرير المدينة الأندلسية من جديد ورفع راية الإسلام العثمانية على قلاعها ومباغتة الكنائس بصورة مفاجئة للحيلولة دون هروب القساوسة الكاثوليك الذين يعرفون أماكن غرف التعذيب السرية.
    (5) البحث في جميع أقبية الكنائس المظلمة بشكل فوري قبل أن يتم تهريب المُعذبين المسلمين والتمكن من العثور على الغرف السرية التي يُعذّب فيها المسلمون.
    (6) بعد العثور على غرف التعذيب السرية يتم تحرير المسلمين مع مراعاة عدم نقلهم من الأقبية حتى غياب الشمس لتجنب إصابة الأسرى بالعمى نتيجة عدم رؤيتهم للشمس منذ سنين.
    (7) يتم نقل الأسرى حملًا إلى السفن الإسلامية العثمانية، مع مراعاة الحالة البدنية الفظيعة التي وصلوا إليها، مع تجنب تعرض جلودهم الهزيلة للتمزق أثناء الحمل.
    (8) إخلاء المدينة على وجه السرعة، مع مراعاة أن لا تستمر العملية منذ الرسو في الميناء وحتى الإقلاع أكثر من 6 ساعات لتجنب الاشتباك مع قوات المدد للعدو الآتية من المدن المجاورة.
    (9) الإبحار تحت جنح الظلام والتمكن من شل حركة العدو البحرية أثناء رحلة الرجوع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العودة هذه المرة لن تكون نحو تركيا، وإنما ستكون نحو الجزائر من طريق آخر لإسعاف الأسرى بأسرع وقت من جهة، ولخداع بحرية العدو من جهة أخرى.
    انتهت المهة!


    سليم الأول
    هل رأيت أو سمعت أو قرأت عن مهمة مستحيلة في تاريخ البشر أصعب من هذه المهمة؟!
    الغريب أن القائد عروج قام بتنفيذ هذه المهمة بنجاح منقطع النظير! والأعجب من ذلك أنه قام وإخوته بتكرارها مرَّات ومرَّات، فأنقذ أولئك الإخوة الألبان جزاهم اللَّه كل خير عشرات الآلاف من أرواح المسلمين الأندلسيين. فذاع صيت القائد الإسلامي عروج في بحار الدنيا كلها، وتناقلت شوارع أوروبا الكاثوليكية قصصًا متناثرة عن بطولة بحار عثماني يبحر كالشبح المرعب فلا يستطيع أحد صده أبدًا، أما الأندلسيون المسلمون فقد أسمَوْه (بابا أروج) أو (بابا أروتس) أي (الأب عروج) في لغة الأندلسيين الأوروبيين، وذلك من فرط احترامهم وتقديرهم لهذا البطل الذي خلّصهم من ويلات محاكم التفتيش، فحرف الإيطاليون (بابا أروتس) إلى (بَربَروس) وتعني بالإيطالية الرجل صاحب اللحية الحمراء، ولعل هذا هو سر امتلاك القرصان الذي يظهر فيأفلامهم لحيةً حمراء!


    المهم أن القائد عروش اصطحب معه في جهاده إخوته اسحق وإلياس وخسرف (خير الدين). فاستشهد إلياس رحمه اللَّه في جهاده وقام خير الدين بمحاربة الحكام العملاء مع الصليبيين الإسبان في بلاد الجزائر، بينما سقط عروج في أسر فرسان القديس يوحنا في جزيرة "رودس"، ولكن البطل عروج وبعملية خيالية استطاع أن يحرر نفسه، ثم قام بالتسلل بحرًا إلى إيطاليا، وهناك استولى على سفينة من سفن الجيش الصليبي بعد أن قتل كل من فيها من الجنود الصليبيين، ثم أبحر بها وحده من إيطاليا إلى مصر، فقابل السلطان المملوكي (الغوري) رحمه اللَّه، فأهداه الغوري سفينة بعتادها ومجاهديها، لينطلق بها المجاهد الفذ عروش إلى الجزائر ليلقى أخاه خير الدين، ليواصل الأخوان مسيرة الجهاد في سبيل اللَّه بسفنهم القليلة المتواضعة، وما هي إلا أشهر قليلة حتى أصبح اسم "الأخوان بربروسا" اسمًا يرعب سفن الصليبيين الغزاة في كل بحار الأرض، قبل أن يتمكن أحد الخونة من الحكام الموالين لإسبانيا بفتح أبواب مدينة "تلمسان" للصليبيين، ليطلب الإسبان من القائدِ عروج ومن معه من المجاهدين الاستسلام أو الهرب، فأبى القائد البطل عروج وجنوده الأتراك الهروب أو الاستسلام، وفضلوا أن يلقوا اللَّه شهداءً في سبيله، فقاتل عروج بكل ما تحمله البسالة من معنى بيد واحدة بعد أن كان قد فقد يده الأولى من قبل وهو يجاهد في سبيل اللَّه لإنقاذ نساء المسلمين وأطفالهم، فلمّا علم الإسبان أن القائد عروج هو الذي يقاتل بنفسه، بعثوا بالإمدادات العسكرية من مدريد لتحاصر هذا البطل من كل اتجاه وهو يقاتل بيد واحدة وهو ينظر إليهم وقلبه هناك في الجنة حيث ينتظره الشهداء الذين سبقوه، فأحاط به الصليبيون بسيوفهم في كل موضع قبل أن ينهالوا على جسمه بسيوفهم الغادرة تقطيعًا وتمزيقًا، ليرفع القائد عروج نظره إلى السماء متذكرًا ابتسامات الأطفال الأندلسيين الذين كانوا يبادلونه إياها عندما كان ينقذهم ويعيدهم إلى أحضان أمهاتهم. وبينما الصليبيون يغرسون سيوفهم في قلبه رفع القائد عروج إصبعه عاليًا وحرك شفتيه وهو يقول:
    أشهد أن لا إله إلا اللَّه. . . . وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه
    وسقط القائد المجاهد عروج الشيء الذي يدعو للاشمئزاز من عباد الصليب هو أن الصليبيين لم يكتفوا بقتله وتمزيقه إربًا إربًا، بل قام أولئك القراصنة بقطع رأسه ليأخذوها معهم ليطوفوا بها في مدن أوروبا الكاثوليكية التي دُقت بها أجراس الكنائس احتفالًا كلما مر رأس القائد الكابوس الذي كان يذيقهم ألوان الذل والهوان (بربروسا).
    ولكن ليس المهم في أمة الإسلام من يحمل الراية، بل المهم أن تبقى الراية مرفوعة دائمًا!
    ففي كل وقت يسقط فيه بطل من أبطال أمة الإسلام، يولد في هذه الأمة الولود بطل جديد! فبعد سقوط القائد عروج برزت على السطح بطولات قائدٍ عظيم في أمة الإسلام، إنه القائد البطل (خير الدين بربروسا) شقيق القائد عروج والذي صمم على الثأر لدم أخيه المجاهد رحمه اللَّه، فجهز سفنه واتجه بها مباشرةً إلى تونس ليدمر السفن الإسبانية هناك، فحرر تونس من الصليبيين وأذنابهم، ثم توجه بجنوده العثمانيين الأتراك فحرر الجزائر، ولم يكتفِ بذلك بل قام باحتلال "جزر البليار" الإسبانية بعد أن دمر الأسطول الإسباني هناك. ولمّا سمع البابا (بولس الثالث) في روما بانتصارات هذا القائد المسلم أعلن من "الفاتيكان" حالة النفير العام في جميع أرجاء أوروبا الكاثوليكية، فتكوّن تحالف صليبي ضخم من 600 سفينة تحمل نحو ستين ألف جندي، تحت قيادة قائد بحري أسطوري هو أعظم قائد بحري عرفته أوروبا في القرون الوسطى وهو (أندريا دوريا) وذلك لإنهاء الإسلام كلية في البحر المتوسط، بينما تألفت القوات العثمانية الإسلامية من 122 سفينة تحمل اثنين وعشرين ألف جندي فقط. 4 من جمادى الأولى 945 هـ 28 من سبتمبر 1538 م التقى الأسطولان في معركة "بروزة"، وبالرغم من تفوق الصليبيين بالعدة والعتاد، إلا أن القائد خير الدين بربروسا قائد بحرية المسلمين انتصر انتصارًا كبيرًا، ودمر خير الدين بربروسا الأسطول الأوروبي المتحالف تدميرًا كليًّا، فهرب أسطورتهم المزيفة "أندريا دوريا" من ميدان المعركة التي لم تستمر أكثر من خمس ساعات، وما ذكرت كتب التاريخ شيئًا عنه بعد تلك الهزيمة المخزية!

    معركة بروزة البحرية (أكبر معركة بحرية في تاريخ الإسلام)
    1 - فرسان المالطية ... التحالف الصليبي
    2 - جيوفانى أندريا دوريا
    3 - فيرونى غانزاغ
    4 - أندريا دوريا
    5 - ماركو جيرمينى، فيكنزو كابيللو
    6 - أليساندرو كونادليرو
    فرانسيسكو دوريا
    1 - سيدى على الرئيس
    2 - خير الدين بارباروس
    جعفر الرئيس، سنان الرئيس
    3 - صالح الرئيس
    4 - طورغوط الرئيس
    البحرية الإسلامية
    العثمانية المجاهدة

    وبعد هذا الانتصار الإسلامي الضخم، عمَّت حالة من الفزعَ والهلعَ أرجاء الإمارات الصليبية، وأصبحت البحرية الإسلامية العثمانية سيدة البحر المتوسط بلا منازع لثلاثة قرون متَّصلة، ووصل خبر انتصار القائد المجاهد خير الدين بربروسا إلى بلاد المسلمين في كل مكان، فعلت صيحات اللَّه أكبر في مآذن مكة والمدينة والقدس وبومباي ودمشق والقاهرة وسمرقند وجميع ديار المسلمين، وصلى المسلمون هناك صلاة الشكر احتفالًا بنصر اللَّه المؤزر على يد القائد المجاهد خير الدين بربروسا. واستقبل الخليفة العثماني الشهم بن الشهم سليمان القانوني بن السلطان سليم الأول خبر هذا النصر بالسجود شكرًا للَّه بعد أن أتم ما بدأه والده المجاهد سليم الأول رحمه اللَّه من إنقاذ المسلمين في الأندلس، فقام بتعيين خير الدين بربروسا أميرًا عامًا للأساطيل الإسلامية العثمانية المجاهدة في كل بحار الدنيا.


    ولم يكتفِ بربروسا بما صنعه من مجد للإسلام في تلك المعركة الخالدة، فقام مباشرةً بحملات مكثفة لإنقاذ المسلمين في الأندلس من تعذيب محاكم التفتيش، فأبحر في البحر الأبيض المتوسط جيئةً وذهابًا لنقل اللاجئين المسلمين الأندلسيين، فأنقذ وحده ما يزيد عن 70 ألف مسلم ومسلمة بمن فيهم من أطفال ونساء وشيوخ، حتى كان أهل الأندلس هم من أطلق عليه اسم (خير الدين) بدلًا من اسمه الحقيقي (خسرف) عرفانًا له بالجميل.
    فرحم اللَّه القائد خير الدين بربروسا، ورحم اللَّه أخاه البطل عروج من قبله، وجميع إخوته المجاهدين، فواللَّه إن الإخوة بربروسا كانوا نِعم الإخوة، لم يتنافسوا على تركة ورثوها عن أبيهم أو لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، بل تنافسوا أيهم يسبق لنصرة الإسلام وإنقاذ المسلمين الأبرياء. وإن كان هؤلاء الأبطال قراصنةً فأكرم بهم قراصنة، ولكنهم واللَّه ما قصدوا البحر طمعًا في كنز مدفون في قاع المحيطات، أو سفينة غارقة في غياهب البحار، بل قصدوا البحر طمعًا في ما هو أثمن من كل كنوز الدنيا. . . . الجنة!
    وبعد. . . كانت هذه سطورًا لأبطالنا المنسيّين، فلقد آن الأوان لنا أن نزيل الغبار عن صفحات تاريخنا لنخرج منها قصص أبطالنا العظماء ونقدمها لشبابنا، فلقد انتهى الزمان الذي كنا نقرأ فيه ما كتبه أعداء الأمة لنا، وجاء زمان نكتب نحن فيه تاريخنا بأنفسنا، وإن كنتُ الآن أدرك سر رعب الغرب من اسم "بربروسا" في أدبياتهم، إلا أننا نرفض رفض البتة تشويه صور أبطالنا ووصمهم بالقرصنة، أما من كان متشوقًا من الغرب بقصص القراصنة والمجرمين فليبحث عن أصل مؤسس أكبر بنوك أمريكا "بنك مورجان" وليقرأ قصص القرصان "مورجان الأمريكي" وكيف كان يقتل الهنود الحمر ويستولي على أموالهم ليبنى بها هذا البنك القائم إلى يوم الناس هذا! أمّا أبطالنا العظماء. . . فخط أحمر!!!


    ولكن. . . في خضمِّ هذا الصراع الإسلامي الصليبي في غرب العالم الإسلامي، ما الذي كان يخطط له من بقي من الشيعة الصفويين في الشرق الإسلامي؟ وهل غيَّر الشيعة الصفويون عادتهم القذرة في الخيانة والغد؟ أم تراهم تركوا المسلمين مشغولين في الغرب لينفذوا هم مخططهم الإرهابي الخطير في الشرق؟ وما هي قصة معركة "موهاكس" العظيمة التي تعتبر من دون أي شك يومًا من أيام اللَّه الخالدة؟ ومن هو الخليفة العثماني العظيم الذي فاق ملكه ملك الإسكندر الأكبر؟
    للإجابة عن هذه التساؤلات ينبغي علينا أن نبحر لإحدى سفن الأسطول الإسلامي العثماني الضخم إلى عاصمة الإسلام وقتها "إسطانبول"، لنتابع معًا حكاية عظيم جديدٍ من عظماء الإسلام شبَّه كثيرٌ من المؤرخين مُلكه بمُلك نبي اللَّه سُليمان عليه السلام والذي كان بطلنا يحمل نفس اسمه. . . . سُليمان!
    يتبع. . . .









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (012) سليمان القانوني


    جهاد الترباني


    {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
    أنا سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملّي وقرمان الروم وولاية ذي القدرية وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة والمدينة والقدس وجميع ديار العرب والعجم وبلاد المجر والقيصر وبلاد أخرى كثيرة إفتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر وللَّه الحمد. . . . واللَّه أكبر أنا السلطان سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد. (إلى "فرنسيس" ملك ولاية فرنسا، وبعد. . .)


    يسميه الغرب في أدبياتهم بـ "سليمان العظيم" " Suleiman the Magnificent" ويعتبره كثير من المؤرخين أعظم ملك عرفته البشرية في تاريخ الأرض ضم إلى ملكه أعظم عواصم القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، فضم إلى الخلافة الإسلامية "أثينا" و"بلغراد" و"بودابست" و"بوخارست" و"القاهرة" و"تونس" و"الجزائر" و"مكة" و"المدينة" و"القدس" و"دمشق" و"بيروت" و"اسطانبول" و"تبريز" و"بغداد" و"صوفيا" و"رودس" وغيرها من عواصم الأرض، وقال عنه المؤرخ الألماني الشهير (هالمر): كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه!


    السلطان سليمان القانوني هو ابن السلطان سليم الأول الذي سبق وأن ذكرنا بعضًا من مظاهر عظمته، ووافق هذا الشبل ذلك الأسد، فهو مجاهد قل نظيره في تاريخ الإسلام، فتح البلاد وعمرها، ونشر العدل، وسن القوانين العثمانية العليا (سبب تسميته بـ "القانوني")، وقام بترميم القدس على أحسن حال، وأصاح من حال مكة والمدينة، وعمَّر الطرق، وأنشأ المدارس، تقلد منصب الخلافة وهو في السادسة والعشرين من عمره فقط، فظن الأعداء أنه لقمة سائغة، وطمعوا في أرض الخلافة الإسلامية، إلا أنه خيَّب أملهم، فباغتهم بهجوم مضاد، ففتح مدينة "بلغراد" المنيعة التي استعصت على (محمد الفاتح) من قبل،

    مما دفع محمد الفاتح لتركها وهو يدعو ربه على أسوارها قائلاً: "اللهم افتح هذه المدينة على يدي رجلٍ من نسلي"، فكان سليمان هو ذلك الرجل الذي فتحت بلغراد على يديه، قبل أن يتجه القانوني بحرًا مع جنده إلى جزيرة "رودس" حيث "فرسان القديس يوحنا" أو "فرسان المعبد" الذي عاثوا فسادًا في البحر المتوسط تخريبًا وقتلاً للمسلمين، بعد أن طردهم صلاح الدين الأيوبي من برّ القدس من قبل، ليدمر سليمان دولة رودس إلى الأبد، فيجعل من رودس خرابًا على أهلها (هرب فرسان القديس يوحنا بعد ذلك إلى جزيرة "مالطا" وما زالوا يحكمون هذه الجزيرة حتى يومنا هذا!).
    حينها أدرك ملوك أوروبا أنهم أمام صقرٍ تركيٍ جديد من نفس طينة الفاتح، فتسابق ملوك أوروبا إلى دفع الجزية إلى عاصمة الخلافة في إسطانبول، إلّا أن ملكًا واحدًا منهم ويُدعى (لويس الثاني) وهو ملك المجر قام بقتل رسول الخليفة العثماني الذي ذهب لجلب الجزية، مما دفع القانوني للتوجه بنفسه بصحبة مائة ألف من المجاهدين الأبطال من القوات الخاصة العثمانية "فرسان الانكشارية" نحو المجر لتأديب ملكها، عندها أعلنت الكنيسة في روما حالة الطوارئ القصوى في أرجاء أوروبا، فقدم البابا صكوك الغفران لكل من يشارك في قتال المسلمين، فتجمعت جيوش "المجر" و"كرواتيا" و"التشيك" و"إسبانيا" و"ألمانيا" و"صربيا" في جيش واحد عرمرم في وادي "موهاكس" لقتال المسلمين.
    وفي فجر يوم المعركة صلى الخليفة العثماني سليمان القانوني الفجر بجيشه، ثم نظر إليهم بكل فخر وقال لهم:
    "وكأني برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينظر إليكم الآن! "
    فانفجر الجند بالبكاء، وتعانقوا مع بعضهم البعض وتعاهدوا على الموت في سبيل اللَّه واللقاء في الجنة، ليلتقي الجيشان في موهاكس فى 20 ذى القعدة عام 932 هـ الموافق 28 أغسطس عام 1526 م، هناك التقى الجمعان، لينتصر المسلمون بقيادة الخليفة سليمان القانوني، وينهزم الجيش الصليبي المتحالف شر هزيمة، ويفر لويس الثاني فزعًا ليغرق في مياه "الدانوب"!
    العجيب في قصة موهاكس أن المسلمون اكتشفوا صدفة في قلب سهول أوروبا في المجر خيانة شيعية جديدة! وكأن القوم لا يملون من خيانة المسلمين!! فلقد اكتشف جنود الإنكشارية أن الصفويين الشيعة كانوا يعاونون سرًا (كعادتهم) الصليبيين من وراء خطوط القتال، عندها أمر القانوني جنوده إلى التوجه شرقًا لتأديب الشيعة، ليكتشف المسلمون من جديد أن الشيعة قد نبشوا قبر الإمام "أبو حنيفة النعمان" في بغداد ونادوا في الأسواق أنه على كل من يريد أن يقضي حاجته فليقضها عند قبر إمام أهل السنة والجماعة أبي حنيفة! عندها انقض المسلمون بقيادة البطل التركي سليمان القانوني انقضاض الأسود على كلاب الصفويين، فدكوا حصونهم دكًا عنيفًا حتى طهروا بَغداد من رجس الشيعة الصفويين لمدة تزيد عن خمس قرونٍ. . . . قبل أن يعودوا إليها من جديد في عام 2003 م!


    بعد هذه الانتصارات العظيمة استمر القانوني في خلافة رسول اللَّه في الأرض طيلة 46 عامًا قضاها في جهاد حتى آخر رمق في حياته، قبل أن يستشهد وهو يجاهد في سبيل اللَّه رغم كبر سنه، فجزاك اللَّه كل خير أيها القانوني لما قدمته للإسلام والمسلمين.


    الجدير بالذكر أن الخليفة سليمان القانوني كان يستفتح رسائله بالآية الكريمة {إنه من سليمان وإنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} تيمنًا بنبي اللَّه سليمان الذي بُعِث في بلاد الشام.


    هذه الأرض المباركة. . . . أخرجت للأمة بطلًا جديدًا حمل نفس اسم هذا السلطان العثماني العظيم، ليلقن مرتزقة نابليون بونابرت درسًا في معنى العزة والفداء! فمن يكون ذلك السليمان؟ وما الذي يدفع "متحف الإنسان" في باريس إلى الاحتفاظ بجمجمته إلى يوم الناس هذا؟!!
    يتبع. . . . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (13) سليمان الحلبي

    جهاد الترباني




    " ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام"
    "ألا إن عقر دار المؤمنين الشام"
    (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)
    نتحول الآن إلى عظيمٍ من عظماء بلاد الشام المباركة، مع شابٍ عظيمٍ ضحى بزهرة شبابه في سبيل الإسلام، ولكن قبل أن نسرد حكايته البطولية دعونا نرجع إلى عام 1798 م، ولنترك بلاد الشام قليلاً ولنتجه إلى أرض الكنانة مصر، هناك على شواطئ الإسكندرية تتقدم سفن غازية بقيادة القائد الفرنسي الإيطالي الأصل (نابليون بونابرت) في حملة عسكرية درسناها في مناهجنا باسم مزيف ألا وهو "الحملة الفرنسية على مصر" والحقيقة التي أخفاها عنا واضعو تلك المناهج المتعفنة أن اسم هذه الحملة الحقيقي هو "الحملة الصليبية الفرنسية على مصر"! فلقد آن الأوان لهذه الأمة أن تسمي الأمور بمسمياتها الحقيقية من دون أي مجاملة أو مذلة، وإن كان أحد في شك من صليبية هذه الحملة فليتابع معي بداية القصة ولينظر إلى ما صنعه أولئك القتلة بالمصريين، أقصد هنا بالمسلمين فقط من المصريين!


    في البداية أظهر نابليون أنه لم ياتِ إلّا لنشر الحضارة والرقي في أرجاء مصر، فبعث برسالة إلى شريف مكة (غالب بن مسعود) وإلى مشايخ وأعيان الأزهر يزعم فيها بأنه قد هدم الكنائس في أوروبا، وأنه خَلَعَ بابا روما قبل قدومه إلى مصر، وأنه عاشقٌ للنبي محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل هو -أي نابليون- نصير للدين الإسلامي! إلّا أن هذه الخدعة القديمة لم تنطوِ على الموحدين من أهل المحروسة، فاشتعلت شرارة "ثورة القاهرة الأولى" ضد الفرنسيين، عندها ظهر الفرنسيون على حقيقتهم، واتضح أن دعاة الثقافة والحضارة ما زالوا يحملون في صدورهم إرثًا صليبيًا قبيحًا،

    فاقتحم الفرنسيون الأزهر بخيولهم، وداسوا على كتاب اللَّه بأقدامهم، ونصبوا المدافع على "جبل المقطم" ودكوا أحياء مصر القديمة، وحولوا حي "بولاق" إلى أنقاض، وهدموا المساجد على مصليها. عندها هب رجال الأزهر الشرفاء يجاهدون في سبيل اللَّه، فقتل الصليبيون الفرنسيون في يومٍ واحدٍ ألفين من خيرة علماء الأزهر! وعند هذه اللحظة بالتحديد أدرك المسلمون أنهم يواجهون غزوًا صليبيًا لا يختلف عن سابقيه، فالمسمى واحد وإن اختلفت الأسماء، ومما زاد من يقين المسلمين بصليبية هذه الحملة، ما يرويه المؤرخ المصري (الجبرتي) في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" عن كيفية التعاون الصليبي الخائن (يعقوب حنا) مع المحتلين ضد أبناء بلده مصر، وكيف كوَّن فيالقًا من الخونة الصليبيين من سكان البلد الأصليين من أمثاله لمعاونة الفرنسيين في اقتحاماتهم لبيوت مواطنيهم من المسلمين المصريين!

    وبعد أن اعتقد نابليون أنه استطاع وأد الانتفاضة المصرية، رجع إلى فرنسا ليكمل سجله الإجرامي في الشعوب الأوروبية، تاركًا القيادة لمجرم حرب آخر اسمه (كليبر)، هذا القائد الفرنسي كان صليبيًا حتى النخاع، فما إن أمسك بزمام الأمور بعد سلفه حتى أظهر الفرنسيون فجورهم بوضوح صارخ، فحولوا مساجد مصر إلى بيوت دعارة لتسلية جنودهم الأوغاد، واغتصبوا الفتيات المسلمات أمام آبائهن، وقتلوا الأطفال الرضع أمام أمهاتهم، وظن الجميع أن الإسلام قد انتهى في مصر.


    وعندها. . . .
    هبَ المجاهدون من كل مكان يرفعون راية "لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه" في كل أرجاء مصر، وتحولت مصر إلى كتلة من نار في وجه الغزاة، وانتفض المصريون المجاهدون في صعيد مصر وساحله في وجه الفرنسيين، وأغار فرسان المماليك الأبطال على الصليبيين في كل مكان، وأبحرت وفود من مجاهدي الحجاز من مكة والمدينة إلى الشاطئ المصري لنصرة إخوانهم المسلمين، وتسلل آلاف المقاتلين الأتراك سرًا إلى القاهرة للمشاركة في الجهاد الذي أعلنه خليفة رسول اللَّه العثماني (سليم الثالث)، وتحولت مساكن الطلاب المغاربة في الأزهر إلى ثكنات للمقاومة الشعبية، أمّا رواق الشوام في الأزهر، فحدث عنه ولا حرج، فلقد تطوع أبناء الشام الإسلامي في صفوف المقاومة الشعبية المصرية، وكان من بينهم الأبطال شابٌ كردي من مدينة "حلب" قتل الصليبيون الفرنسيون أستاذه الشيخ المصري المجاهد (الشرقاوي)، ودنسّوا الجامع الأزهر بخيولهم أمام ناظريه، فامتلأ صدر هذا الشاب الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره غلًا على أولئك القتلة المجرمين، فقرر أن ينفذ عملية فدائية نوعية، تتطلب منه أن يضحي بروحه لإنجاحها!


    كان اسم هذا الشاب (سليمان الحلبي)، هذا الشاب الكردي البطل قرر اقتحام القصر العسكري والهجوم على مركز قيادة الجيش الفرنسي بمفرده في عملية معقدة يقتل في نهايتها القائد العام للقوات الغازية الصليبية، وفعلًا نفذ سليمان الحلبي هذه العملية الفدائية بكل نجاح، وخلص المسلمين والإنسانية من شر مجرم حرب اسمه (جين بابتسه كليبر).


    ولكن انظر ما الذي صنعه دعاة الحرية والتقدم بسليمان الحلبي بعد ذلك!

    لقد أحرقوا يده حتى ظهر عظم يده منها، ثم أحرقوا ثلاثة من الفلسطينيين من أبناء "غزة" أمامه وهم أحياء بعد أن ثبت تعاون أولئك الغزيين الأبطال معه في الإعداد لقتل كليبر، أما هو رحمه اللَّه فقد قتله دعاة الرقي والحضارة بأن وضعوا أداة حادة تدخل من مؤخرته لتمزق أحشاءه تمزيقًا من الداخل وهو حي ليتركوه على هذا الحال مصلوبًا عدة أيام تنهشه الطيور الجوارح، الغريب أن أولئك المجرمين لم يكتفوا بما فعلوه ببطلنا حيًا، فأخذوا جمجمته ميتًا ليحتفظوا بها في متحف الإنسان في باريس " Musee de IHomme"، كاتبين تحتها بفرنسية " Criminel" أي "مجرم"!!!
    والحقيقة أن الشيء الذي يدعو للاشمئزاز بالفعل ليس إجرام الفرنسيين القدماء، بل في ما يفعله الفرنسيون "الجدد" الذين ما زالوا يحتفظون بجمجمة هذا المجاهد في متحفهم إلى يومنا هذا! وواللَّه ولو كنت مسئولًا عربيًا ما تركت أحدًا من دعاة الديمقراطية الفرنسية يناقشني في أمرٍ من أمور الحرية وحقوق الإنسان في بلداننا إلّا وناقشته عن أمر تلك الجمجمة التي يحتفظون بها في متحفهم!


    سليمان البطل لم يكن مجرمًا كما يصوره الفرنسيون، بل كان شابًا من خيرة شباب الإسلام، كل ذنبه أنه أراد أن يتعلم في جامعته الأزهر، فراعه قتل الفرنسيين لأستاذه المسن، واشمأز من تمزيق دعاة العلم لكتاب اللَّه المقدس، فانتقم من ظلم نابليون وملئه انتقامًا يليق بظلمهم وجبروتهم.

    أما المجرمون الحقيقيون، فهم قادتكم أيها الفرنسيون الذين قتلوا المدنيين الأبرياء، فإن أردتم فعلًا أن تعرفوا من هو المجرم حقًا، ففتشوا عنه بين أسماء أجدادكم القتلة!
    المضحك في هذه القصة، بل الشيء الذي يدعو للسخرية فعلًا. . . . هو أنني وجدت من خلاله إعدادي لهذه المادة التاريخية، أن المصادر الأجنبية -الإنجليزية منها والفرنسية على حد سواء- تزعم أن سليمان الحلبي ما قتل كليبر إلّا ليخلص والده من ضرائب فرضها عليه الأتراك! فيالكم من حمقى تستغفلون شعوبكم وتخفون عنهم جرائم جيوشكم، حتى باتت شعوبكم تتساءل عن السر الذي يدفع الغير إلى كرهكم!


    وبعد. . . . كان هذا فصلًا واحد من فصول قصة الإرهاب الفرنسي في بلاد الإسلام، هذا الإرهاب تصدى له مجاهد كردي شامي ضحى بزهرة شبابه في سبيل اللَّه ضد أولئك الإرهابيين الذين يتسلون الآن برؤية جمجمته في الغداة والعشي، فأي حقد لا يزال أولئك المتحضرون يحملونه في قلوبهم؟ وأي متعةٍ يجدونها بالنظر إلى جمجمة إنسانٍ حتى ولو كان مجرمًا في نظرهم؟! إنها ولا شك همجية صليبية قذرة!


    وإذا ما أردت أن تعرف المزيد من جرائم أولئك القتلة ولكن هذه المرة في بلاد أخرى من بلاد المسلمين، وإذا ما أردت أن تعرف قصة ملحمة بطولية جديدة لعظيم جديدٍ في أمة الإسلام لم يرضَ على نفسه ولا على شعبه ولا على دينه الدنية. . . . . فتابع معي!
    يتبع. . . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (014) "عملاق الجزائر" (الأمير عبد القادر الجزائري)

    جهاد الترباني


    (عبد القادر الجزائري)

    في البداية يجب أن أعترف أن تاريخ الجزائر القديم والحديث كان شيئًا غامضًا بالنسبة لي شخصيًا، بل إن تاريخ المغرب الأقصى بما يتصل به من تاريخ الأندلس، وتاريخ تونس بما تحمله جامعة الزيتونة من قصص وأخبار، كانا أوضح إلي من تاريخ الجزائر نفسه، بل لعل الجهل أوصلني في وقت من الأوقات للشك في عروبة هذا القطر وانتمائه للإسلام، والحقيقة أنّني عندما قلبت صفحات التاريخ عن قصة هذا البلد الضخم وجدت أن للجزائر تاريخًا أقل ما يقال عنه أن تاريخ يكتب بماء من الذهب!

    ولأن الحديث عن تاريخ الجزائر في نصرة دين اللَّه أمرٌ يطول شرحه، فإني سأركز في السطور القليلة الآتية على قصة بطلٍ من أبطال الجزائر حمل في وجدانه كل معاني الشهامة والبطولة والمروءة.
    يرجع بعض المؤرخين بدء الحملة الفرنسية على الجزائر لعام 1927 م، إلّا أنني أرى أن الحرب الفعلية على الجزائر بدأت مبكرًا جدًا، وبالتحديد في عام 1538 م، إنه تاريخ معركة "بروزة" الخالدة التي تحدثنا عنها سابقًا عندما ذكرنا انتصار العثمانيين بقيادة القائد البطل (خير الدين بربروسا) على أساطيل القوى الصليبية المتحالفة. بعد هذا الانتصار الضخم قام القائد بربروسا رحمه اللَّه ببناء أسطول إسلامي ضخم مقره الجزائر، وتحولت الجزائر إلى أقوى قوة بحرية في العالم كله تقود الإسطول العثماني الإسلامي الضخم، وصارت الجزائر تعرف باسم جديد هو: "دار الإسلام ودار الجهاد". ومنذ ذلك التاريخ تحولت اهتمامات الصليبيين إلى الجزائر بالتحديد، ويكفينا لكي ندرك مدى القوة التي وصلت إليها الجزائر تحت ظل الخلافة الإسلامية العثمانية أن نذكر أن (جورج واشنطون) أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية دفع جزية للمسلمين تقدر بـ 642 ألف دولار ذهبي و 1200 ليرة عثمانية دُفِعت للأسطول العثماني في نهاية القرن الثامن عشر، وذلك لكي يرضى العثمانيون بتوقيع معاهدة عدم الاعتداء على أمريكا! يُذكر أن هذه الاتفاقية هي الوحيدة في أرشيف الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكتب باللغة الإنجليزية وإنما بلغة عثمانية بحروف عربية بناءً على رغبة الخليفة العثماني شخصيًا،

    أما بريطانيا فكانت تدفع سنويا 600 جنيه للخزانة الجزائرية، وكانت الدانمارك تقدم للمسلمين في الجزائر مهمات حربية وآلات قيمتها 4 آلاف ريال شنكو كل عام مصحوبة بالهدايا النفيسة، أما هولندا فكانت تدفع لأسطول الخلافة العثمانية في الجزائر 600 جنيه، ومملكة صقلية 4 آلاف ريال، ومملكة سردينيا 6 آلاف جنيه، والولايات المتحدة الأمريكية تقدم آلات ومهمات حربية قيمتها 4 آلاف ريال و 10 آلاف ريال أخرى نقدا مصحوبة بهدايا قيمة، وتبعث فرنسا بهدايا ثمينة عند تغيير قناصلها، وتقدم البرتغال هدايا من أحسن الأصناف، وتورد السويد والنرويج كل سنة آلات وذخائر بحرية بمبالغ كبيرة، وتدفع مدينتا هانوفر وبرن بألمانيا 600 جنيه إنجليزي، وتقدم إسبانيا أنفس الهدايا سنويا. وعلى مدار ثلاثة قرون من سيطرة الأسطول الجزائري العثماني على البحر الأبيض انتظر الصليبيون الفرصة السانحة للانتقام من المسلمين، مما أدى بالدول الأوروبية إلى عرض القضية الجزائرية في مؤتمراتها، فبعد أن تم الإشارة إليها في مؤتمر "فيينا" تم عرضها في مؤتمر "إكس لاشابيل" عام 1818 م، وأصبح السؤال الذي يدور هنالك متى تحين هذه الفرصة للانقضاض على الجزائر؟ والحقيقة أن هذه الفرصة أتت في عام 1927 م وهو العام الذي دُمِّر فيه الأسطول الجزائري العثماني في "معركة نافرين" البحرية، الغريب أن الفرنسيين لم ينتظروا طويلًا، فتقدموا لاحتلال الجزائر في نفس ذلك العام!

    هذا هو سبب اختيار الجزائر بالذات، أمّا سبب اختيار فرنسا بالتحديد لكي تنوب عن بقية قوى الغزو الصليبي فيرجع لأسباب كثيرة سيأتي ذكرها في طيات هذا الكتاب عند الحديث على الحروب الصليبية ودور فرنسا فيها منذ أن بدأ البابا (أوربان الثاني) الدعوة لتلك لحروب الصليبية في مدينة "كليرمون" الفرنسية، ولمن كان يظن أن فرنسا ما دخلت الجزائر إلّا للقضاء على الجهل والفقر،

    فعليه أن يعلم أن نسبة المتعلمين في الجزائر في تلك الفترة كانت أكبر منها في فرنسا، بشهادة الرحالة الألماني (فيلهلم شيمبرا) الذي كتب حين زار الجزائر في شهر ديسمبر 1831 م: "لقد بحثتُ قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد تلك الشعوب الأوروبية". الأغرب من ذلك أن فرنسا كانت عاجزة عن سداد ديونها الكبيرة لدى الجزائر وقتها! أما من كان يعتقد أن فرنسا أصبحت علمانية الهوى بعد الثورة الفرنسية وأنها قد تخلت عن أحقادها الصليبية، فهو واهم أشد الوهم في اعتقاده هذا، ولعل ما جاء على لسان الفرنسيين أنفسهم ما يؤكد هذا القول، ففرنسا شعرت بعد ثورتها بأنها حامية الكاثوليكية وأن تحقيق الانتصار على حساب الجزائر إنما هو بمثابة انتصار للمسيحية على الدين الإسلامي، وهذا ما استخلصناه من قول القائد الفرنسي (كليرمون دي طونير) عندما فرض حصارا على السواحل الجزائرية عندما قال: "ربما يساعدنا الحظ بهذه المناسبة لننشر المدنية بين السكان الأصليين فندخلهم بذلك في النصرانية".
    وأيضا الوصف الذي قدمه قائد الحملة الفرنسية (دوبرمون) في الاحتفال الذي أقيم في "فناء القصبة" بمناسبة الانتصار حيث جاء فيه: "مولاي، لقد فتحت بهذا العمل الغزو بابًا للمسيحية على شاطئ أفريقيا". أما اليهود الذين استضافهم المسلمون الجزائريون بعد طردهم من الأندلس من قبل الكاثوليك، فقد ردّوا هذا الجميل للمسلمين بأن فتحوا بوابات العاصمة الجزائر للفرنسيين! حينئدٍ أظهرت فرنسا حقدها الصليبي على الإسلام بشكل صارخ، فلك أن تعلم أنه من أصل 112 مسجدًا في العاصمة الجزائر لوحدها لم يُبق الفرنسيون إلّا على 5 مساجد فقط والباقي قاموا بهدمه أو تحويله إلى مخازن أو إسطبلات، ثم منع الفرنسيون الحج تمامًا، وقام الجنود الفرنسيون بالنهب والسلب في بيوت المسلمين، حتى أنهم كانوا يأتون بالأساور في المعاصم بعد أن يقطعوا أيادي نساء المسلمين من دون أن يتركوا لهن وقتًا لنزع أساورهن! بل إن بعضًا من الفرنسيين كانوا يأتون بأقراط النساء بأذانهن بعد أن يقطعوها بالسكين!! أما لمن كان مغرمًا بـ "الإتيكيت الفرنسي" فعليه أن يقرأ هذه القصة الصغيرة التي تبين مدى الرقي الفرنسي،
    فعندما التجأ 800 مسلم جزائري إلى أحد كهوف الجزائر مصطحبين معهم ماشيتهم هربًا من بطش الجنود وخوفًا على الفتيات الجزائريات من الاغتصاب، قام دعاة الحضارة "الإيتيكتيون" بإشعال النيران في الكهف على من فيه، ليذهب شباب القرية في الصباح ليتفقدوا أوضاع أهاليهم، ليجدوا العجب!

    فلقد وجدوا جثث الأطفال المتفحمة بين بقايا الدواب المحترقة، فنار الفرنسيين لم تفرق بين الإنسان والحيوان في القتل، ثم وجدوا شيئًا جعل الكثير منهم يسقط مغمًا عليه من فظاعته ووحشيته، وجدوا جثة محترقة لرجل تتعلق يداه بقرني ثور متفحم يبدو أنه هاج من شدة الدخان، فاتجه نحو ذلك الرجل الذي صده بيديه، ولمّا أزاح الشباب جثة ذلك الرجل وجدوا من خلفها جثة لطفلة في حضن أمها وقد تفحمتا، لقد كان هذا الرجل زوجها الذي أراد أن يحمي طفلته وزوجته من ذلك الثور الهائج، فأمسك بقرنيه ليحميهم قبل أن تحترق العائلة والثور معًا بنار فرنسا!


    هذه المآسي لا أذكرها من باب نكء الجراح على فرنسا، ولكن أذكرها لسببين، الأول هو رفض فرنسا الاعتذار للجزائر عن جرائمها التي ارتكبتها في حق المسلمين في الجزائر، وبذلك تكون امكانية تكرارها على المسلمين واردة (وهذا بالفعل ما حدث بالبوسنة منذ أعوام قليلة عندما فكّت فرنسا الحصار على الكاثوليك الكروات وأمدتهم بالسلاح لقتل المسلمين في البوسنة!).

    أما السبب الثاني فإن ذكر هذا البطش والجبروت يساعدنا على تقدير عظمة بطلنا الأمير عبد القادر الجزائري الذي قاد الجهاد ضد المحتل الصليبي الفرنسي في هذه الظروف القاتمة، فلقد وحَّد الجزائري صفوف القبائل تحت إمرته وشرع بالنضال لطرد الغزاة، فأذاق الفرنسيين الويلات وكبدهم الخسائر الفادحة في معركة "المقطع" سنة 1835 م، واستمر الأمير عبد القادر في تكبيد الفرنسيين ألوان الهزائم قبل أن يأسره الفرنسيون، ليلقوا به في سجون باريس، قبل أن ينفوه إلى "إسطانبول"، ليستقبله خليفة المسلمين هناك ويكرمه، فينتقل الأمير بعدها إلى "دمشق"، وهناك في حاضرة الأمويين يبرز لنا لماذا أصبح الأمير عبد القادر الجزائري عظيمًا من عظماء الإنسانية، ففي عام 1860 م اندلعت فتنة دامية بين المسلمين والنصارى في دمشق، ويا للعجب. . .! لقد قام الأمير الجزائري بحماية النصارى وإيوائهم في بيته، الرغم مما فعله النصارى الفرنسيون بالمسلمين في أرضه!

    وفي 26 مايو 1983 م انتقل إلى رحمة اللَّه تعالى الأمير البطل عبد القادر الجزائري في منفاه في دمشق، لكي تستغل فرنسا فرصة غيابه وتحول الجزائر إلى مقاطعة فرنسية، بعد أن منعت فيها المحاكم الإسلامية، وقامت بطمس اللغة العربية واستبدالها باللغة الفرنسية. وفي ظل هذا الوضع القاتم وهذه الظروف السيئة التي تدعو إلى اليأس، وعندما اطمأنت فرنسا أنها أنهت الإسلام في الجزائر، وأنست الناس لغة محمد بن عبد اللَّه، ظهر من بين حطام الدمار، ورماد اليأس عظيمٌ إسلامي جديد، رفض القبول بالواقع المرير، فحمل راية الإسلام في علياء الجزائر، فحول أرض الجزائر إلى كتلة من لهب!
    يتبع. . . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (016) البربر الأمازيغ

    جهاد الترباني
    {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
    "من أعجب الأمور في التاريخ أن البربر الذين حاربوا المسلمين لخمس وعشرين سنة متصلة هم أنفسهم الذين حملوا راية الإسلام إلى الأندلس" (المارشال "برنارد مونتغمري" في كتابه الحرب عبر التاريخ).

    حديثنا الآن عن شعب عظيم من شعوب أمة الإسلام، هذا الشعب قدَّم للإسلام الشيء الكثير، إنه العنصر الإسلامي البطل الذي سكن شمال أفريقيا، إنه شعب البربر "الأمازيغ".
    والحقيقة أني تعمدت ذكر الاسمين الشهيرين لهذا الشعب البطل وذلك لغاية أقصدها، فقد اختلطت التصورات لدى البعض بقصد أو بغير قصد في أمر هذا العنصر الإسلامي الفريد، وتاريخيًّا فإن الرومان هم الذين أطلقوا اسم البربر على هذه القبائل الأمازيغية، بل إنهم أسموا كل من لم يكن من الرومان بربريًّا! فلفظة بربري ليست عيبًا أبدًا، بل هي شرف ما بعده شرف، فلو علم المسلمون ما قدمه هؤلاء البربر للإسلام والمسلمين لتمنى كل مسلم منا أن يكون بربريًا، وقد يخفى على البعض بأن خيرة علماء ومجاهدي هذه الأمة هم من البربر، و (ابن خلدون) مؤسس علم الاجتماع، و (عباس بن فرناس) مكتشف الطيران، و (يوسف بن تاشفين) مؤسس دولة المرابطين في الأندلس، والرحالة (ابن بطوطة) أعظم مكتشفي الإسلام، و (ابن البيطار)، والبطل (عبد الكريم الخطابي)، و (المعز بن باديس)، وغيرهم الكثير الكثير، هم جميعهم من البربر ويفتخرون بذلك، ونفتخر نحن بهم، بل هم تيجان رؤوسنا وأبطالنا الذين نرفع رؤوسنا بهم في علياء السماء، ولعل مباراةً لكرة القدم بين منتخبي الجزائر ومصر في تصفيات كأس العالم 2010 م فضحت قصورًا معرفيًا كبيرًا لدى العامة من الناس، ويجب أن نعترف هنا أن مشعلي هذه الفتنة من الطرفين قد نجحوا فعلًا بضرب الإسلام في العمق،

    بتفريقهم بين شعبين من أهم شعوب أمة الإسلام عبر التاريخ، وإني لا أشك قيد أنملة بأن من وصف البربر الأمازيغ بأقبح الأوصاف يعلم جيدًا من يكون هذا العنصر الإسلامي البطل، وأذكر من حكم طبيعة عملي الإعلامي ذلك المذيع الأحمق الذي قام بسب البربر علانية على الهواء، بل إني لا أنسى ذلك الرجل المسكين الذي حاول أن يحذرني شخصيًا من أولئك "الأمازين" بالنون وليس بالغين وكيف أنهم يحقدون على المسلمين! ومن خلال مراقبتي لشبكة الانترنت في تلك الفترة لاحظت بشكل واضح أصابع الاستخراب الفرنسي في أحد الجانبين وأصابعًا للصليبيين في الجانب الآخر لإشعال فتنة بين المسلمين،

    بل إن المضحك في الأمر أن الشيعة الرافضة -كعادتهم- حاولوا أن يذكوا نار تلك الفتنة! وإني أعتقد اعتقاد المتيقن أن من أراد الطعن بالبربر إنما أراد أن يطعن الإسلام في كبده، فقد فشلت فرنسا في التفريق بين العرب والبربر إبان فترة استخرابها للجزائر بتذكير البربر بأصولهم اللاتينية الأقرب للفرنسيين من العرب، إلّا أنهم فشلوا فشلًا ذريعًا، وما قصيدة ابن باديس البربري الأصل بأن شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب إلّا دليل على عظمة هذا الشعب الأصيل الذي رضي بلغة القرآن من دون أن ينسى أصله الشريف، وعلى الرغم من كل المحاولات المتكررة لتنصير هذا الشعب الإسلامي العملاق، نجد أن إخوتنا من البربر الأمازيغ ما زالوا متمسكين بالإسلام بشكلٍ دفع تلك الحركات التنصيرية إلى اليأس، لتدخل إيران في السنوات الأخيرة في سباق مع المنصرين تريد ردة الموحدين هناك ونشر التشيع بين صفوف الأمازيغ، مما حدا بالمملكة المغربية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في عام 2009 م، وذلك بعد اكتشاف خلايا صفوية تعمل على نشر التشيع بين صفوف فقراء البربر بواسطة الأموال والطرق القذرة، إلّا أن هذا الشعب البطل والحمد للَّه ورغم كل هذا ما زال يتجه يومًا بعد يوم نحو الإسلام الصحيح، وفشلت كل محاولات إبعاد البربر عن الدين الذي نشره أجدادهم الأولون في أدغال أفريقيا السوداء، وسهول أوروبا الخضراء.
    فما أعظم هذا الدين، وما أروعه!
    دين يأسر القلوب ويغزو الأرواح، فيحول من كان في البارحة خصمًا وعدوًا إلى أخ
    وصديق حميم، وواللَّه إني لا أعجب من أولئك الذين يحاولون تشويه هذا الدين، بل إن العجب كل العجب أن لا يقوم هؤلاء أنفسهم بتشويهه، فالإسلام دين عجيب يمزج في خلطة سرية بين بساطة المعتقد وكمال التشريعات كلَّ ما يضمن السعادة للإنسان، ولو ترك أولئك المشوهون الناسَ يعرفون حقيقة الإسلام وكنهه، لدخلوا في هذا الدين أفواجًا متتابعة، فكان التشويه للإسلام ضروريًا لكي لا يصل نقيًا إلى شعوبهم المستضعفة، فتضيع بذلك سيطرتهم على تلك الشعوب، فهذا الدين العجيب جعل من شعبٍ صلبٍ بالفطرة كالشعب الأمازيغي يتحول بشكلٍ كاملٍ إلى الإسلام، ليس ذلك فحسب، بل قام هذا الشعب بنشر هذا الدين في أوروبا!
    فمن هو ذلك البطل الأمازيغي العظيم الذي فتح الأندلس؟ وما حقيقة ذلك القول الذي نسب إليه وتعلمناه في مدارسنا: (البحر من خلفكم، والعدو من أمامكم)؟! ولماذا انتشرت هذه المقولة بيننا حتى أصبحت مثلًا بين المسلمين؟ وما قصة معركة "وادي برباط" الخالدة والتي أرَّخت لصفحة جديدة في كتاب ما زالت صفحاته تُكتب إلى يومنا هذا؟
    يتبع. . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (018) " القائد العابد" (موسى بن نصير)


    جهاد الترباني

    "واللَّه لو انقادوا إليَّ لقدتهم إلى رومية (روما) ولفتحها اللَّه على يدي إن شاء اللَّه"
    (موسى بن نصير)
    لكي أكون منصفًا. . . . لا بد أن أذكر أنني قرأت عن هذا القائد المجهول في كتب التاريخ المدرسية، ولكني أذكر أيضًا أنني لاحظت لمز الكتاب بأن موسى بن نصير هذا الذي كان واليًا للشمال الأفريقي إنما كان يغار من مولاه طارق بن زياد بعد فتحه للأندلس مما دفع القائد موسى للإسراع إلى الأندلس حتى يُنسب المجد إليه لا لطارق! وهنا أسأل نفس السؤال الذي سألته من قبل والذي سوف أسأله مِرارًا في صفحات هذا الكتاب: لمصلحة من يُشوَّه تاريخنا ويُصوَّر أبطالنا كأنهم أناس انتهازيون إن لم يكونوا مجرد مجرمين في بعض الحالات؟!


    ليس عندي من الشك أدناه أن من يشيع مثل هذه الروايات الكاذبة لا يقصد هؤلاء الأبطال بقدر ما يقصدك أنت بالتحديد!!! فهو يعلم أنه بذلك يجعل الفرد منا يمقت هذا التاريخ الذي يبدو أسودًا بفضلهم، والحقيقة أن تاريخنا إذا ما أزيح الغبار عنه -وهذا ما نحاول فعله في هذا الكتاب- فإننا سنجد تاريخًا مشرقًا ناصع البياض لم تعرف أمم الأرض تاريخًا مثله، عندها سيكون لشبابنا القدوة تلو القدوة، وعندها فقط ستأخذ الأمة بأسباب النصر التي أخذ بها أجدادنا لننتصر بعد ضعف، كما انتصروا هم بعد ضعف!


    والحقيقة التي أخفاها أولئك المزورون أن القارئ لترجمة موسى بن نصير من مصادرها الأصلية ككتاب "البداية والنهاية" لـ (ابن كثير) يجد أمامه بطلًا عجيبًا غير من مسار التاريخ، فقد تولى موسى بن نصير ولاية الشمال الأفريقي بأكملها وهي تعج بالفوضى والثورات، فلاحظ أن قبائل البربر ترتد عن الإسلام ثم تعود للإسلام مرةً أخرى وهكذا دواليك، فأدرك رحمه اللَّه أن السبب الرئيسي لارتداد البربر هو عدم فهمهم لتعاليم الشريعة الإسلامية التي أتت باللغة العربية التي لا يفهمونها أصلًا،

    فقام القائد موسى باستحضار التابعين من بلاد الشام واليمن ليعلموا الإسلام للأمازيغ ممن يعرفون العربية، ثم يقوم هؤلاء بدورهم بتعليم أبناء جلدتهم بلغتهم، وهكذا حتى يفهم الناس الإسلام بدون عجلة، فلمّا استتب الأمر في شمال أفريقيا كله جاء الدور لنشر الإسلام في أوروبا وتحرير أوروبا من حكم الرومان الذي كانوا يستعبدون كل شعوب أوروبا، ولكن كانت هناك مشكلة كبيرة، فلقد كان المسلمون يفتقدون للأسطول البحري، عندها قام القائد موسى ببناء ميناء "القيروان" لصناعة السفن، وبينما كان المسلمون يأخذون بأسباب النصر حدث شيء غريب! فلقد وصلت رسالة سرية إلى أمير طنجة طارق بن زياد مصدرها مدينة "سبتة" المغربية التي كانت تحت حكم ملك نصراني يسمى (يوليان)، فقد كان لهذا الملك بنت فائقة الجمال اسمها الأميرة (فلوريندا)، ابتعثها أبوها إلى قصور إسبانيا لكي تتعلم هناك، فهاجمها الملك (لوذريق) واغتصبها، فأرسلت برسالة إلى أبيها تشكو له ما جرى لها، فعرض هذا الملك النصراني على طارق بن زياد أن يسلمه مدينة سبتة وأن يعيره السفن اللازمة للفتح الإسلامي للأندلس وأن يرشده على الطرق المجهولة في جبال الأندلس مقابل القضاء على لوذريق، على أن يعطيه المسلمون ضيعًا كان يملكها الملك غيطشة إذا ما فتحوا تلك البلاد.
    إذًا فالسفن التي أبحر بها طارق إلى الأندلس لم تكن مُلكًا للمسلمين بل كانت مُلكًا ليوليان وجب على طارق إرجاعها له بعد الفتح، وهذا ما يفند رواية الحرق!

    وبعد أن انتصر طارق بن زياد في معركة "وادي مرباط" التي سبق وأن ذكرناها في معرض حديثنا عن طارق، أسرع القائد موسى بن نصير إلى الأندلس وهو شيخ قارب على الثمانين من عمره ليجاهد في سبيل اللَّه، بل إن القائد موسى أراد أن يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فرغم سنه المتقدمة أراد هذا العظيم الإسلامي أن ينفذ خطة يراها المؤرخون معجزة عسكرية! هذه الخطة كانت قد راودت الخليفة الراشد (عثمان ابن عفان) رضي اللَّه عنه وأرضاه من قبل، ألا وهي فتح "القسطنطينية" عاصمة الروم من الغرب بدلًا من الشرق! فبعد أن فتح هذا الشيخ الثمانيني "إسبانيا" و"البرتغال"، استأذن موسى بن نصير الخليفة الأموي (الوليد بن عبد الملك) بأن يفتح كل من "فرنسا"

    و"إيطاليا" و"سلوفينيا" و"كرواتيا" و"النمسا" و"صربيا" و"بلغاريا" ثم "اليونان" قبل أن يفتح "القسطنطينية"!! !
    المهم أن الخليفة الأموي جزاه اللَّه خيرًا رأى أن تلك المهمة قد تعرض حياة المسلمين للخطر، فرفض تلك الخطة، أما "القسطنطينية" فقد فتحها المسلمون بعد ذلك كما سنرى في هذا الكتاب،

    وأما القائد موسى فقد قال: "واللَّه ما هزمت لي راية قط، ولا بدد لي جمع، ولا نكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين"
    الطريف في الأمر أنه كما أن عمل طارق بن زياد كان في ميزان حسنات موسى ابن نصير، فإن حسنات الاثنين معًا كانت في ميزان صحابي جليل فتح بلاد فارس وفتح بلاد الشام وأبى اللَّه إلّا أن يجعله من المشاركين في فتح شمال أفريقيا والأندلس حتى بعد وفاته. . . فكيف ذلك؟


    فما هو أصل موسى بن نصير؟ ومن يكون ذلك الصحابي الجليل الذي أراد في يوم من الأيام قتل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليتحول بعد إسلامه إلى القائد الأعلى للقوات الإسلامية المقاتلة؟ ولماذا أصبحت خطط هذا القائد الإسلامي العظيم تدرَّس في جامعات الغرب العسكرية إلى يومنا هذا؟
    يتبع. . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ
    (019) القائد الأعلى للقوات الإسلامية المقاتلة (خالد بن الوليد)
    جهاد الترباني
    " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"
    من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فالحمد للَّه الذي فض خدمتكم وفرق كلمتكم ووهن بأسكم وسلب ملككم، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلي بالرهن، واعتقدوا مني الذمة، وأجيبوا إلي الجزية فإن لم تفعلوا. . . . فواللَّه الذي لا إله إلا هو. . . لأسيرن إليكم بقوم يحبون الموت كحبكم الحياة!
    (خالد بن الوليد)
    أستاذ العسكرية الإسلامية، والقائد الأعلى لقوات المسلمين المقاتلة ضد إمبراطورية فارس على الجناح الشرقي، والقائد الأعلى للقوات المجاهدة ضد إمبراطورية الروم على الجناح الغربي، والقائد الأعلى للجيوش الإسلامية الموحدة في حروب الردة، إنه قائد معركة "اليرموك" الخالدة، وقائد معركة "اليمامة" الباسلة، وقائد معركة "ذات السلاسل" التاريخية، وقاهر صحراء "الأنبار" القاحلة، وقائد معركة "مؤتة" المجيدة التي انتصر فيها بثلاثة آلاف مجاهد فقط ضد خُمس المليون من الروم وحلفائهم، إنه سيف اللَّه المسلول، إنه صاحب الذكر الحميد، والنصر المجيد، إنه البطل الإسلامي الصنديد. . . . خالد بن الوليد.


    قبل أن نخوض في بحار بطولات هذا البطل العظيم، أرى أنه من الأهمية بمكان أن نذكر شيئًا عن تاريخه قبل الإسلام، لنرى كيف يغير الإسلام الإنسان تغييرًا جذريًا، فيحوله من أكبر حاقد على الإسلام إلى سيف من سيوف اللَّه ينشر راية التوحيد في سائر الأرض. وخالد هو ابن (الوليد ابن المغيرة) أعظم رجل في قريش، والوليد هذا هو أحد الرجلين العظيمين الذين تمنى المشركون أن لو كان هو النبي في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.

    ورغم أن الوليد كان من أغنى أغنياء العرب، إلّا أن ابنه خالد لم يركن لثراء أبيه، فكان يذهب إلى الصحراء القاحلة يدرب نفسه على القتال والصلابة، فقد كانت عشيرة "بني مخزوم" التي ينتمي إليها خالد هي المسئولة عن الأمور العسكرية في مكة، هذا ما دعا خالدَ ليقود جيش المشركين إلى الانتصار في أحد، بل إن خالد أراد قتل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- شخصيًا عند "الحديبية"، إلا أن اللَّه عصم رسوله من سيف خالد يوم أن شرع صلاة الخوف.
    وبعد إسلامه شارك هذا البطل العربي كجندي بسيط في معركة "مؤتة" تحت قيادة ثلاثة أبطالٍ أسطوريين، ليتسلم خالد بن الوليد القيادة بعد استشهاد "الفرسان الثلاثة" (وسيرد ذكر شأن أولئك العظماء الثلاثة بالتفصيل تباعًا في هذا الكتاب)، فقام خالد بوضع خطة حربية اعتبرت معجزة من المعجزات العسكرية، هذه الخطة ما زالت تدرَّس في الكليات العسكرية في كل أنحاء العالم، فلقد انتصر خالد بثلاثة آلاف مجاهد أمام مائتي ألف مقاتل نصراني من الروم وحلفائهم من نصارى الشام! ولكي تدرك مدى براعة تلك الخطة وسبب اختيارها لتدرَّس في المعاهد العسكرية، ينبغي عليك أن تذهب معي بخيالك إلى جنوب الأردن، وبالتحديد إلى مؤتة على بعد 130 كم إلى الجنوب من العاصمة الأردنية "عمان"، هناك يتواجد مائتا ألف مقاتل من الروم ونصارى الشام المتحالفين معهم، وفي وسط هذه المعمعة توجد مجموعة محاصرة من العرب لا تكاد ترى من كثرة الروم من حولهم والذين يقدرون بـ 66 ضعفًا، ليقاتل المسلمون الروم حتى جاءت عتمة الليل، عندها جاءت ساعة الصفر للتنفيذ. . . .

    الخطة الخالدية
    أولا: جعل خالد بن الوليد الخيلَ تجري في أرض المعركة طوال الليل لتثيرَ الغبار الكثيف، لكي يتسنى له خداع الرومان بأن هناك مددًا قد جاء للمسلمين من المدينة!


    ثانيًا: غَيَّر خالد من ترتيب الجيش، فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، وحين رأى الرومان هذه الأمور في الصباح، ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيَّرت، أيقنوا أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين، فهبطت معنوياتهم تمامًا!


    ثالثًا: جعل خالد في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعةً من الجنود المسلمين فوق أحد التلال، منتشرين على مساحة عريضة، ليس لهم من شغل إلا إثارة الغبار والتكبير بصوت عالٍ لإيهام الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين من المدينة!


    رابعًا: بدأ خالد بن الوليد في اليوم التالي للمعركة بالتراجع التدريجي بجيشه إلى عمق الصحراء، الأمر الذي شعر معه الرومان بأن خالدًا يستدرجهم إلى كمين في الصحراء، فترددوا في متابعته، وقد وقفوا على أرض مؤتة يشاهدون انسحاب خالد، دون أن يجرءوا على مهاجمته أو متابعته!!


    هناك قذف اللَّه الرعب في قلوب القوات النصرانية المتحالفة من روم ونصارى العرب، فقد كانوا يحاربون ثلاثة آلاف بالأمس من دون أن يتغلبوا عليهم، فكيف إذا جاءت قوات إضافية إليهم من المدينة؟! عندها انتصر المسلمون على الروم، وفتح اللَّه على خالد وجنده هذا الفتح العظيم، وغنم المسلمون مغانم كثيرة من هذا الفتح، والغريب في الأمر أن عدد شهداء المسلمين في هذه المعركة هو 12 شهيدًا فقط من بينهم القادة الثلاث رحمهم اللَّه جميعًا، بينما يكفى لكي تقدر ضخامة عدد ضحايا الروم أن تعلم أن تسعة أسياف قد انكسرت في يدي البطل خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- وحده من كثرة الجماجم التي دقها بسيوفه حتى انكسر السيف بعد السيف في زنديه، آخذا في عين الاعتبار أن خالد بن الوليد كان يقاتل بسيفين في يديه تمامًا مثل الزبير بن العوام (ولم يعرف ذلك عن أحد غيرهما من المسلمين)، فهل لك أن تتخيل عدد الروم الصرعى تحت سيوف خالد التسعة قبل أن يقاتل بصفيحة (خنجر) يماني بقي معه؟ هذا بغض النظر عن العدد الذي قتله بقية الجيش المجاهد!


    ومن الأردن إلى نجد، وبالتحديد إلى اليمامة، هناك حيث ادَّعى (مسيلمة الكذاب) النبوة، أصبح مستقبل الإسلام في خطر لولا أن سخر اللَّه للإنسانية (أبا بكر الصديق) -رضي اللَّه عنه-، حيث طلب أبو بكر من الجيوش الإسلامية أن تتحد في اليمامة تحت قيادة خالد ابن الوليد، لينتصر المسلمون في موقعة اليمامة بقيادة هذا البطل العظيم. (وسترد قصة هذه المعركة الباسلة وقصة حديقة الموت بالتفصيل في ثنايا هذا الكتاب إن شاء اللَّه عند الحديث عن أحد العظماء المائة في أمة الإسلام).


    ومن نجد إلى العراق حيث الإمبراطورية الفارسية، يشتبك خالد بن الوليد مع الفرس في 15 معركة كانت كلها انتصارات للمسلمين بقيادته، كان من أعظمها معركة "ذات السلاسل" التي ربط فيها الفرس المجوس جنودهم بالسلاسل لكي لا يهربوا خوفًا من مجاهدي العرب، وهناك بالعراق يأسر خالد صبيًا نصرانيًا قبل أن يحرره المسلمون، هذا الصبي أسلم لما رأى سماحة الإسلام وعدله، فتحول من طالب صغير في أحد الكنائس النائية إلى قائد عظيم من قادة الإسلام المجاهدين، المفاجأة الكبرى تكمن في اسم هذا الغلام الذي أسلم بفضل خالد! لقد كان اسمه (نصير)، نصير هذا أنجب ولدًا أصبح فيما بعد واحدًا من أعظم قادة المسلمين عبر التاريخ. . . . موسى ابن نصير!


    وبعد "فارس" جاء الدور على "بيزنطة" ليلقنها ابن الوليد درسًا في فنون القتال الإسلامي، فلقد قرر أبو بكر رضي اللَّه عنه وأرضاه أن يرعب الروم النصارى بعد أن أرعب الفرس المجوس بخالد، عندها صرح الصدِّيق التصريح الخطير الذي كان بداية ملحمة عسكرية خالدة: (واللَّه لأنسين الروم وساوسَ الشيطان بخالد بن الوليد!)، ليصل هذا الأمر البكري إلى القائد خالد وهو في العراق، وهناك من بلاد الرافدين يقطع خالد بجيشه صحراء الأنبار القاحلة في عملية عبور خيالية، لتبدأ العمليات القتالية في الجبهة الغربية للقوات الإسلامية المجاهدة.


    والحقيقة أن الحديث عن خالد وبطولاته لهو أطول من أن يكتب في عدة صفحات خصصتها لكل عظيم من العظماء المائة، إلا أن قصص خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه وأرضاه في مفاوضاته مع (باهان) قائد الروم وبطولاته في "اليرموك" لهي قصص جديرة بالقراءة، أنصح أن يُرجع إليها من موقع قصة الإسلام " www.islamstory.com"

    ولكنني أجد أنه في ظل هذا الزمن الذي يُحارَب فيه الإسلام من كل حدب وصوب أصبح لزامًا علي أن أعقب على نقطة خطيرة للغاية ألا وهي: إن رحى معارك سيف اللَّه المسلول خالد بن الوليد ما زالت تدور حتى بعد موته بمئات السنين! فخالد بن الوليد يُحارَب الآن بعد موته وتشوه صورته في كثير من الكتب والأعمال الأدبية والفنية، فصارت الشبه تلقى جزافًا من قبل المستشرقين في حق هذا البطل، لتشويه تاريخ هذه الأمة قبل تشويه تاريخه بالذات،

    أما الفرس فلم يغفروا لخالد بن الوليد ما فعله بهم في سنة واحدة فقط، فبحثوا عن حادثة يمكن من خلالها إلقاء الشبه عليه، فوقفوا مكتوفي الأيدي أمام التاريخ المشرق لهذا البطل، فلقد مات خالد قبل الفتنة التي يستخدمها علماء الفرس الشيعة في خلق الخرافات للعن زوجات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، عندها قام الصفويون الجدد في السنوات الأخيرة بالتحديد باختراع قصة غبية تزعم أن عمر ابن الخطاب وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم وأرضاهم أجمعين قاموا باقتحام منزل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه ليضربوا بنت الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- السيدة فاطمة رضي اللَّه عنها وأرضاها، ليسقطوا جنينها وليكسروا ضلعها، الطريف في هذه الرواية المكذوبة التي تسمى عند الشيعة بـ (مظلومية الزهراء) أن بها أمرين يستحقان شيئًا من التأمل:

    أولًا: أن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه وكما ورد في كتب الشيعة كان في البيت مختبئًا عندما كانت امرأته تُضرَب من ثلاثة رجال غرباء، وحاشاه -رضي اللَّه عنه- أن يكون كذلك، فعلي بطل من أبطال المسلمين لا يقبل أن تُضرَب امرأته أمامه وهو ساكت يتفرج، ناهيك أن العرب وحتى قبل الإسلام وإلى يومنا هذا لا يتركون نساءهم لكي يفتحن الأبواب لرجال غرباء، مما يدل على أن راوي هذه الرواية المكذوبة ليس عربيًا أصلًا وأنه يظن أن نساء العرب كنسائهم (الفاتحات أبوابهن!)، ناهيك أن تلك السيدة الطاهرة التي يتحدث عنها أولئك الكذابون هي بنت أعز العرب ونبي الإسلام محمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وزوجة علي بن أبي طالب الفارس العربي الهاشمي القرشي الشهم.


    ثانيًا: أن الثلاثة - عمر بن الخطاب - خالد بن الوليد - سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم وأرضاهم هم نفس الثلاثة الذين أزالوا الإمبراطورية الفارسية الساسانية المجوسية من على وجه الأرض بتوفيق من اللَّه، فلا يحتاج العاقل لكثيرٍ من التفكير ليحدد هوية واضع خرافة "مظلومية الزهراء". . . . إنهم الفرس المجوس وأحفادهم من الصفويين الذين دلسّوا بها على الشيعة العرب، ولو علم أولئك العرب أن كلمة "المظلومية" من الأساس لا مكان لها في "لسان العرب" لـ (ابن منظور)، لغيروا رأيهم في تلك القصة التي وضعها الفرس ليثيروا بها الضغينة بين العرب شيعةً وسنة.


    والحق أقول أنني لا أستغرب أبدًا ذلك الحقد الصفوي على أبطال المسلمين، فلقد حكم الفرس المجوس شعوبًا وبلدانًا لآلاف السنين، قبل أن يدمرهم خالد بن الوليد ومن معه، ولكنني أعجب من الذين يبتلعون هذه الافتراءات ويصدقونها من المسلمين الموحدين، فبدلًا من أن يكون خالد بن الوليد بطلا من الأبطال يجاهد لنشر دين اللَّه في الأرض، يتحول بفعل كتابات الساقطين والعملاء المستشرقين إلى رجل ليس له دافع في القتال إلّا الجنس، فينكسر بذلك تاريخنا، ونتحول بذلك إلى أمة فاقدة للقدوة، فنكون أمةً سهلة الكسر قبل أن نُسحق تمامًا. . . . . وإلى الأبد!


    وقبل أن نعرج على قصة العظيم القادم في أمة الإسلام العظيمة لا بد من ذكر أهم انتصار في سجل هذا القائد العظيم، ألا وهو انتصاره على نفسه يوم أن عزله عمر ابن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فقد خاف الفاروق أن يفتتن المسلمون بخالد لكثرة انتصاراته فيعتقد المسلمون بذلك أن النصر من عند خالد وليس من عند الرب الخالد! ليتقبل خالد ابن الوليد ذلك القرار العمري بكل رحابة صدر، فيتحول بذلك إلى جندي بسيط في جيش الإسلام، بعد أن أدرك خالدٌ أن المهم أن تظل الراية مرفوعة دائمًا بغض النظر عمَّن يرفعها!


    ولكن من ذلك الرجل الذي أصبح قائدًا عامًا للقوات الإسلامية في جيش يضم رجلًا عظيمًا مثل خالد بن الوليد ومائة رجل من البدريين؟ وما هي حكايته العجيبة التي خلدها اللَّه بالقرآن من فوق سبع سماوات؟ ولماذا أصبح هذا الرجل أمين هذه الأمة؟
    يتبع. . . .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (020) أمين هذه الأمة (أبو عبيدة بن الجراح)



    جهاد الترباني
    لا أعرف ما الذي انتابني وأنا أهُّم بالكتابة عن هذا العظيم الإسلامي بالتحديد، شعورٌ غريب بالرهبة ممزوجٌ بالحب الخالص تجاه هذا الرجل، فعندما كنت صغيرًا كان مجرد سماعي لاسم (أبي عبيدة عامر بن الجراح) يُدخل في قلبي إحساسًا بالفخر والمجد، حتى قبل أن أعرف شيئًا عن بطولات هذا الإنسان الرائع،
    وها أنا أتجرأ الآن وأكتب عن تلك القامة العالية التي لطالما أبهرتني طفلًا، وليت شعري ما الذي أفعله؟ فما زال ذلك السؤال الذي راودني منذ أول نقش في سطور هذا الكتاب يطاردني: هل باستطاعتي فعلًا وصف تلك الهامات الشامخة التي ناطحت السحاب بسموها وعظمتها؟
    أعترف هنا، وبالذات عند هذا الرجل، أنني كنت مبالغًا جدًا في ثقتي بقلمي هذا عندما وُلدت في ذهني فكرة إنتاج كتاب تدور أحداثه حول مائة عظيم وعظيمة في أمة الإسلام، ولكنّي أحمد اللَّه عز وجل أنني لم أكتشف ضآلة حجم ذلك القلم وحامله إلّا بعد أن أبحرت في بحار قصصهم العظيمة، ومغامراتهم الشيقة، فكان مستحيلًا علي ترك عالمهم المليء بعجائب القصص التي كنت مولعًا بها منذ الصغر، فكان الحل الوحيد للتخلص من هذا المأزق هو أن أبحر بسفينة التاريخ الإسلامي عبر بحار أولئك العظماء المائة، مخترقًا بها حاجزي الزمان والمكان، حتى أصل بها إلى ميناء العظيم المائة، محاولًا قدر استطاعتي قطف زهرة واحدة من بستان كل عظيم منهم، أمّا من أراد جمع كل جوانب العظمة التي تحيط بهم، فليفتش على كتاب كتبه أي مؤرخ في أي عصر من عصور التاريخ، يضم في صفحاته جميع أوجه عظمة هؤلاء العظماء المائة أو حتى عظمة فرد واحد منهم فقط، ومن استطاع إيجاد ذلك الكتاب المستحيل. . . . فليدلَّني عليه!

    والحقيقة أن صعوبة المرحلة التي مر بها أبو عبيدة بن الجراح كانت أشد من أن يتصورها خيال أو يدركها عقل، ففي يوم بدر رأى أبو عبيدة رجلًا من المشركين في جيش قريش يحاول مبارزته، فحاول أبو عبيدة جاهداً أن يتجنب قتال ذلك الرجل بالذات، إلّا أن ذلك المشرك أخذ يتتبع أبا عبيدة في كل مكان يريد قتاله، وفي لحظة من اللحظات النادرة في تاريخ النفس البشرية كان الاثنان في مواجهة بعضهما البعض.


    فمن هو هذا الرجل الذي أراد مبارزة أبي عبيدة؟
    قبل أن نتعرف على هوية هذا الرجل المشرك لا بد أن نرى التصوير الرباني لهذه اللقطة العظيمة من عمر الأرض، فلقد بلغ من سمو هذه اللحظة أن خلدها اللَّه من فوق سبع سماوات في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، فأنزل اللَّه هذه الآية في حق أبي عبيدة عامر ابن الجراح: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.


    لقد كان ذلك المشرك هو الجراح أبو أبي عبيدة نفسه! فقتل أبو عبيدة أباه، أو قل قتل أبو عبيدة الكفرَ في أبيه، فلقد أدرك أبو عبيدة أنه بين خيارين اثنين لا ثالث لهما: الأهل أو الإسلام! فلم يكن صعبًا عليه أبدًا أن يختار، فلقد اختار أبو عبيدة الإسلام العظيم.


    ومن بدر إلى أحد. . . . . هل ما زلنا نتذكر كيف كان طلحة يدافع عن الرسول حينما كان خطر القتل يتهدده من كل جانب؟ حينها جاء من بعيد أبو بكر يجري بأقصى سرعته لينجد رفيق دربه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، والحقيقة أن أبا بكر لم يكن يجري لوحده وإنما لحق به من جهة المشرق رجل طويل القامة، نحيف الجسم، وصفه أبو بكر بوصف عجيب في حديث عائشة بقوله: "إنسان قد أقبل من قِبل المشرق يطير طيرانًا، فقلت: اللهم اجعله طاعة حتى توافينا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإذا أبو عبيدة بن الجراح! "، هناك رأى الاثنان أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أصيب في وجهه حتى دخلت في وجنتيه حلقتان من المِغفر (خوذة المحاربين)، فأراد أبو بكر نزعهما من وجه حبيبه الطاهر، إلا أن إبا عبيدة قال له: "أسألك باللَّه يا أبا بكر إلَّا تركتني" فعض أبو عبيدة الحلقة الحديدية التي في وجنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأخذ يشدها بأسنانه حتى نزعها فسقطت إحدى أسنان أبي عبيدة، ثم عض بأسنانه الحلقة الحديدية الثانية والدماء تجري من فمه حتى نزع الحلقة الحديدية الثانية وسقطت معها سن أخرى، فكان أبو عبيدة من الناس أثرمًا لفقدانه ثنيته في تلك الحادثة التي أنقذ فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.


    وفي اليرموك كان أبو عبيدة القائدَ الأعلى للقوات الإسلامية المقاتلة، فانتصر المسلمون تحت إمرته على نصف مليون من الروم، قبل أن ينتشر "طاعون عمواس" في أراضي الشام انتشار النار في الهشيم، عندها أراد الخليفة عمر بن الخطاب أن ينقذ أبا عبيدة من الموت المحقق بأي وسيلة ممكنة، فحاول أن يستقدمه إلى المدينة بأي حجة كانت ليبعده عن خطر الوباء، فبعث إليه: "إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غني بي عنك فيها، فعجِّل إلي"،

    فلما قرأ أبو عبيدة رسالة الخليفة ابتسم وعرف أن الفاروق يريد إنقاذه من الموت فكتب إلى عمر يقول له: "من أبي عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد. . . . إني قد عرفت حاجتك، فحللني من عزيمتك، فإني في جند من أجناد المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم"
    فلما قرأ عمر الكتاب أجهش بالبكاء فقيل له: مات أبو عبيدة؟! قال: لا، وكان قد (أي: وكأنه مات)، فبكى أهل المدينة على هذا البطل. وفعلًا ما هي إلّا أيام حتى انتشر الطاعون في جسد الأمين، في جسد رجل من أشرف الرجال، وأعظم الرجال، وأروع الرجال، فاستشهد أبو عبيدة بعد أن حمل راية لا إله إلا اللَّه، محمدٌ رسول اللَّه، إلى مدن الشام وقراها، فلا يسبح اللَّه شيخٌ في دمشق، ولا يُولد عالمٌ في حماة، ولا تصلي عجوزٌ في عمّان، ولا يُذكر اللَّهُ في صيدا، ولا يُرفع الأذان من فوق مآذن الأقصى، ولا يجاهد بطل في غزة، ولا يستشهد بطل في رام اللَّه، إلّا وكان لأبي عبيدة عامر بن الجراح مثل أجرهم لا ينقص من أجرهم شيء، فليرحمك اللَّه يا أمين هذه الأمة.

    ولكن ما قصة معركة اليرموك؟ ولماذا كان يوم اليرموك يومًا من أيام اللَّه الخالدة؟ ومن يكون ذلك العظيم الإسلامي الذي سأل أبا عبيدة سؤالًا عجيبًا قبل أن يذهب إلى الموت بقدميه؟ ولماذا بكى أبو عبيدة عند سماعه لذلك السؤال؟ من هو هذا البطل العظيم؟ وما سر اعتباره عظيمًا استثنائيًا في قائمة المائة؟
    يتبع. . . . .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ


    (021) (الغلام المجهول)

    جهاد الترباني


    واندلعت شرارة اليرموك. . . . .
    لا شك أن جميعنا قد سمع باسم أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وخديجة بنت خويلد، وعائشة، وصلاح الدين الأيوبي، وقطز، والبخاري، والشافعي، وأبي حنيفة، وابن بطوطة، وهارون الرشيد، وعمر المختار، وغيرهم الكثير من عظماء هذه الأمة،


    ولكن الحقيقة الغائبة عنّا أن هذه الأمة لم تقم على سواعد هؤلاء العظام فقط، فهناك طائفة منسية من العظماء الذين كان لهم نصيب الأسد في نهوض أمة الإسلام عبر جميع مراحلها، أعتقد اعتقاد الجازم أنها لا تقل أهمية عن طائفة المشاهير في أمة الإسلام، لذلك ارتأيت وأنا أكتب كتابًا تجرأت فيه على أن أتحمل عبء ذِكر عظماء أمة الإسلام المائة، أن أقف قليلًا أمام هؤلاء العظماء الذين لم يأخذوا حقهم من التأريخ في كتب التاريخ، فلقد جاء الوقت لكي نقف جميعًا وقفة وفاءٍ أمام هؤلاء المجهولين، والذين كانوا وبلا شك أساس نهضة هذه الأمة، إننا نتحدث عن الطائفة المنسية، إننا نتحدث عن العظماء المجهولين!


    وبافتراض أن قادة وعلماء هذه الأمة هم بناة هذه الحضارة الإسلامية العظيمة، فلا شك أن مجهولي هذه الأمة هم اللبنات الأساسية لهذا الصرح العظيم، فمن منّا يعرف أسماء الألف ومائتي شهيد من جيش خالد ابن الوليد الذين قُتلوا في اليمامة لكي يصل هذا الدين إلينا؟

    ومن منّا يعرف أسماء الثلاثة آلاف شهيد من جيش طارق بن زياد الذين حملوا الإسلام إلى الأندلس لأكثر من 800 عام؟ وما هي أسماء التلاميذ الذين كتبوا ما قاله فقهاء المذاهب الأربعة ثم نشروه في أصقاع الأرض في الوقت الذي ضاعت فيه مذاهب علماء آخرين؟
    وما هي أسماء الجنود المصريين الذين حاربوا التتار مع قطز؟ وما اسم التجار الحضارمة الذين حملوا الإسلام إلى اندونيسيا أكبر دولة إسلامية؟
    وما اسم أم صلاح الدين الأيوبي التي زرعت فيه روح البطولة؟ وما اسم زوجة الشيخ أحمد ديدات التي كانت تسهر على علاجه لتسع سنوات قضاها مشلولًا في فراشه؟
    وما اسم أبطال الإسلام الذين ضحوا بأرواحهم ليدمروا إمبراطورية فارس إلى الأبد؟ إنهم المجهولون العظماء في أمة الإسلام.
    لذلك أضع في هذه السطور قصة عظيمٍ واحدٍ منهم عرفانًا لكل هؤلاء بالجميل لما قدَّموه لأمة الإسلام في كل العصور.
    كل ما نعرفه عن بطلنا هذا أنه غلام دون العشرين من عمره، وأنه ينتمي إلى قبيلة الأزد القحطانية التي خرَّجت الكثير من عظماء هذه الأمة،

    وقصة بطولته في اليرموك تبدأ عندما خرج فارس ضخم من جيش الروم يطلب المبارزة قبل أن تبدأ المعركة كعادة الجيوش قديمًا، عندها ومن بين جيش المسلمين الذي يكفي أن نقول أنه كان يضم بين صفوفه 100 من البدريين، خرج غلامٌ من الأزد لا يعرفه أحد وهو دون العشرين، فجرى ناحية أبي عبيدة بن الجراح وقال له: يا أبا عبيدة إني أردت أن أشفي قلبي، وأجاهد عدوي وعدو الإسلام، وأبذل نفسي في سبيل اللَّه تعالى لعلي أرزق بالشهادة فهل تأذن لي؟ فهزت هذه الكلمات قلب أبا عبيدة بن الجراح، فأذن له، فمشى هذا الغلام الأزدي ليقابل مصيره ولكنه توقف فجأة. . . .
    فأدار وجهه تجاه أبي عبيدة وعيونه تشرق نورًا في لقطة أشك أن باستطاعة أي مخرج في العالم تصويرها، فنظر في عيني أبي عبيدة عامر ابن الجراح وقال له كلمات لا تنبع إلا من شباب أمة الإسلام:
    يا أبا عبيدة، إني عازمٌ على الشهادة، فهل تُوصيني بشيء أوصله إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ وما أن سمع أمين هذه الأمة هذه الكلمات أجهش أبو عبيدة في البكاء فقال له والدموع تبلل لحيته:
    "أَقْرِأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مني ومن المسلمين السلام وقل له يا رسول اللَّه. . . جزاك اللَّه عنّا خيرًا، وإنَّا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا"


    فانطلق ذلك الغلام الأزدي كلأسد الجارح نحو العملاق الرومي وقاتله حتى قتله، فأخذ فرسه وسلاحه وسلمهما إلى المسلمين، فعلت صيحات اللَّه أكبر في جيش الموحدين، ثم عاد الغلام من جديد إلى جيش الروم وصاح بهم صيحة هزت كيانهم: هل من مبارز؟ فخرج له فارس ثاني لا يقل ضخامة عن سابقه، فبارزه بطلنا فقتله، فتقدم رومى ثالث فقتله، ثم رابع فقتله، فتعجب الروم من أمر ذلك الغلام الذي يقبل على الموت بنفسه، ومع الفارس الروماني الخامس، تحققت أمنية ذلك الفتى المجهول في الشهادة، فقطع ذلك العلج الرومي رقبته، فطارت رقبة الغلام على الأرض، فاستشهد ذلك البطل المجهول ليوصل رسالة أبي عبيدة عامر بن الجراح إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولتبدأ فصول ملحمة إنسانية خالدة ما عرفت أرض الشام مثلها من قبل. . . . لقد بدأت معركة اليرموك!


    لقد بدأت هذه المعركة الباسلة، فاندفع جيش يقترب من نصف مليون مقاتل كأنهم سيل جارف نحو 32 ألف مسلم فقط، فأصبحت جحافلهم تندفع نحو المسلمين كأنها أسراب جراد تنتشر من كل اتجاه، فقاتل المسلمون بشراسة، إلّا أن أعداد جيش الإمبراطورية الرومانية كانت أكثر من أن تحصى، فلا يقتل المسلمون واحدًا منهم حتى يظهر عشرة مكانه! فمالت كفة الروم في المعركة، وحاصر الرومان جيش المسلمين من كل جانب، وأصبح المسلمون قاب قوسين أو أدنى من هزيمة ساحقة، وعند تلك اللحظة فقط يظهر دور العظماء،

    وعند تلك اللحظة فقط جاء دور عظيم جديد من عظماء أمة الإسلام المائة، هذا العظيم اتخذ أصعب قرار يمكن أن يتخذه الإنسان في حياته، فمن قلب معمعة المعركة قرر هذا العملاق الإسلامي إنشاء أول كتيبة من نوعها في تاريخ الإنسانية جمعاء، هذه الكتيبة عرفت في كتب التاريخ باسم "كتيبة الموت"!

    فما هي قصة هذه الكتيبة الفدائية؟ وكيف حوَلَّت مجرى المعركة بشكل عجيب؟ ومن هو ذلك البطل الإسلامي العظيم الذي كتب اسمه بحروف من نور في سجل الشرف الإسلامي؟ وما قصة شربة الماء التي مات ثلاثة من أبطال المسلمين قبل أن يشربوها؟
    يتبع. . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (022) عكرمة بن أبي جهل



    جهاد الترباني
    واشتعل لهيب اليرموك. . . . .
    إن هذا الرجل العظيم الذي نحن بصدد الحديث عنه يكفيه أن يخلَّد التاريخ عظمته من خلال اسمه فقط، ولا أدري إن كنت في حاجة للكتابة أصلًا عن ما قدمه هذا البطل الإسلامي للإسلام لكي أبرر أسباب ورود اسمه في قائمة المائة، فلولا أنني رأيت في قصة هذا البطل ملحمة للفداء لا تتكرر في تاريخ البشر كثيرًا، لاكتفيت بكتابة اسمه فقط وذِكر ملحوظةٍ صغيرةٍ بجانب اسمه تشير بأنه مسلم! فمجرد إسلام هذا الرجل يكفيه لكي يكون أحد العظماء المائة في أمة الإسلام، فهو ابن فرعون هذه الأمة (أبي جهل)!


    وحكاية هذا العملاق الإسلامي تبدأ من على متن سفينة في منتصف بحر هائج قبالة سواحل اليمن، فلقد هرب عكرمة بن أبي جهل من مكة هائمًا على وجه لا يعرف إلى أين يتجه بعد أن دانت مكة بأسرها لعدوه وعدو أبيه من قبل محمد بن عبد اللَّه، فأصبح عكرمة طريدًا في صحاري العرب، وضاقت به الأرض بما رحبت، فقرر أن يتجه إلى اليمن ويبحر بسفينة تأخذه إلى أي مكان يبعده عن أولئك المسلمين الذين لا يطيق حتى رؤيتهم، وبينما عكرمة بن أبي جهل على ظهر السفينة يتأمل البحر اللامتناهي الآفاق، جاءت مرحلة الاختيار الرباني له لكي ينضم إلى قافلة الصحابة العظماء، وأبى اللَّه إلّا أن يعيد ذلك الهارب من اللَّه إلى اللَّه!

    وبشكل غريب تحولت أمواج البحر الصافية تلك إلى أمواج عاتية تعصف بالسفينة، وعندما أدرك الربان أنهم غارقون لا محالة توجه نحو ركاب السفينة وبينهم عكرمة وقال لهم: اتركوا دعاء أصنامكم الآن واخلصوا الدعاء للَّه وحده، فإن آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئًا. فتعجب عكرمة من قول ذلك الرجل وقذف اللَّه في قلبه الإيمان وقال لنفسه: إذا كان الذي ينجيني في البحر هو اللَّه وحده، فلا بد إذًا أنه هو وحده الذي ينجيني في البر!
    اللهم إن لك علي عهدًا إن عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى أضع يدي في يده، وعندها هدأت الريح وسكن البحر، فرجع عكرمة إلى مكة، فلما رأى نبي الرحمة ابن أبي جهل ألدِّ أعدائه قادمًا نحوه وثب من غير رداء فرحًا به وقال: مرحبًا بالراكب المهاجر.
    فتحول قلب عكرمة بن أبي جهل من قلب رجلٍ مبغض حقود للإسلام والمسلمين إلى قلب رجلٍ لا يحب في الدنيا أكثر من هذا الدين الذي لطالما حاربه، فقرر عكرمة أن يتحول إلى جندي ينشر هذا الدين الذي لطالما حاربه، فلم يترك عكرمة بن أبي جهل بعد إسلامه غزوة مع رسول اللَّه إلا وشارك فيها، وفي عهد أبي بكر أصبح عكرمة قائدًا لجيش من جيوش الإسلام العظيمة التي حاربت الردة، قبل أن يتحول إلى قائد عظيم من قادة المسلمين في بلاد الشام.

    ثم جاءت المعركة التي خلدت اسمه في حروف من نور، هناك في وادي اليرموك عندما أوشك نصف مليون من الروم على تدمير جيش المسلمين بعد أن قاموا بمحاصرتهم من كل جانب، تناول هذا البطل الإسلامي الفذ سيفه وكسر غمده واتخذ القرار الأصعب على الإطلاق في حياة أي إنسان، لقد اتخذ عكرمة قرار الموت، فنادى بالمسلمين بصوت يشبه هزيم الرعد: أيها المسلمون من يبايع على الموت؟ فتقدم إليه 400 فدائي من فدائي الإسلام، ليكوَّنوا ما عرف في التاريخ باسم

    "كتيبة الموت الإسلامية"، عندها اتجه خالد بن الوليد نحو عكرمة وحاول منعه من التضحية بنفسه، فنظر إليه عكرمة والنور يشرق من جبينه وقال: إليك عني يا خالد فلقد كان لك مع رسول اللَّه سابقة أما أنا وأبي فقد كنا من أشد الناس على رسول اللَّه فدعني أكَفّر عما سلف مني، ولقد قاتلت رسول اللَّه في مواطن كثيرة وأفر من الروم اليوم؟!! إن هذا لن يكون أبدًا!

    فانطلقت كتيبة الموت الإسلامية، وتفاجأ الروم بأسود جارحة تنقض عليهم لتدكدك جماجمهم، وتقدم الفدائي تلو الفدائي من وحدة الموت العكرمية نحو مئات الآلاف من جيش الإمبراطورية الرومانية، وتقدم عكرمة بن أبي جهل بنفسه إلى قلب الجيش الروماني ليكسر الحصار عن جيش المسلمين، واستطاع فعلًا إحداث ثغرة في جيش العدو بعد أن انقض على صفوفهم انقضاض طالب الموت، فأمر قائد الروم أن تصوب كل السهام نحو هذا الفدائي، فسقط فرس عكرمة من كثرة السهام التي انغرست فيه،

    فوثب قائد كتيبة الموت الإسلامية الفدائي البطل عكرمة بن أبي جهل من على ظهر فرسه وتقدم وحده نحو عشرات الآلاف من الروم يقاتلهم بسيفه، عندها صوب الروم سهامهم إلى قلبه، فلمّا رأى المسلمون ذلك المنظر الإنساني البطولي، اختلطت المشاعر في صدورهم، فاندفع فدائيو كتيبة الموت العكرمية نحو قائدهم لكي يموتوا في سبيل اللَّه كما بايعوه، فلم يصدق الروم أعينهم وهم يرون أولئك المجاهدين الأربعمائة يتقدمون للموت المحقق بأرجلهم،
    فألقى اللَّه في قلوب الذين كفروا الرعب، فرجع الروم القهقرة، ولاذوا بالفرار وصيحات اللَّه أكبر تطاردهم من أفواه فدائيي عكرمة، فاستطاعت تلك الوحدة الاستشهادية كسر الحصار عن جيش المسلمين، ففتش خالد بن الوليد على ابن عمه عكرمة ليجده وهو ملقى بين اثنين من جنود كتيبته الفدائية: (الحارث ابن هشام) و (عياش بن أبي ربيعة) والدماء تسيل منهم جميعًا، فطلب الحارث ابن هشام بعض الماء ليشربه، وقبل أن يشرب قطرة منه نظر إلى عكرمة بن أبي جهل وقال لحامل الماء: اجعل عكرمة يشرب أولًا فهو أكثر عطشًا مني، فلما اقترب الماء من عكرمة أراد أن يشرب لكنه رأى عياش بجانبه فقال لحامل الماء: احمله إلى عياش أولًا، فلما وصل الماء إلى عياش قال: لا أشرب حتى يشرب أخي الذي طلب الماء أولًا، فالتفت الناس نحو الحارث بن هشام فوجدوه قد فارق الحياة، فنظروا إلى عكرمة فوجدوه قد استشهد، فرجعوا إلى عياش ليسقوه شربة ماء فوجدوه ساكن الأنفاس!

    وفجأة، رأى المسلمون شيخًا أعمى يمشي بثقة المبصر بين صفوف المسلمين والدماء تسيل من عينه التي فقأها الروم يحمس الجنود على الجهاد، كان هذا الشيخ الأعمى يصيح بثقة غريبة وكأنه يرى ببصيرته ما لا يراه المبصرون بأبصارهم فيصيح والدماء تغطي وجهه:
    يا نصر اللَّه اقترب. . . . يا نصر اللَّه اقترب. . . . يا نصر اللَّه اقترب
    عند تلك اللحظة تغيرت موازين معركة اليرموك بشكل مثير!


    فمن يكون ذلك الشيخ الأعمى الذي لم يكن ابن أحد قادة المشركين في مكة فحسب، بل كان هو نفسه القائد العام لجيوش الكفر قبل إسلامه؟!
    يتبع. . . . .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    - مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ

    (023) " الصحابي الجليل" أبو سفيان بن حرب



    جهاد الترباني

    واقترب نصر اليرموك. . . . . .
    نصيب الصحابة في هذا الكتاب هو نصيب الأسد، ليس ذلك منة مني عليهم، بل عرفانًا لهم منّا بالجميل لما قدموه هم لصاحبهم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتذكيرًا لنا بفضلهم على أمة الإسلام قاطبةً، وبغض النظر عن الأمور الدينية، ومن وجهة نظر علمية بحتة ونظرة تحايلية مستفيضة أقرَّ بها علماء الغرب قبل الشرق، استطاع هذا الجيل العظيم وفي سنين معدودة نشر دين اللَّه في مشارق الأرض ومغاربها، وفي ظاهرة لا تزال تحير المؤرخين إلى يومنا هذا، استطاع ذلك الجيل العظيم من البشر تدمير قلاع الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية في وقت متزامن،

    فأصبح جيل الصحابة ومن دون أي مبالغة أعظمَ جيل كامل خلقه اللَّه على الأرض، وعندما أقول جيل كامل لا أقصد شخصًا أو شخصين منهم، بل أقصد كل الصحابة من دون أي استثناء، أي ما يزيد عن المائة ألف من صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكل الصحابة ومن دون أي استثناء عدولٌ عند اللَّه عز وجل، فهو الذي اختارهم فردًا فردًا ليكونوا أصحابًا لنبيه المصطفى،
    فاحذر الطعن في أي صحابي أو ذكره بسوء على الإطلاق، ليس خوفًا عليه منك أو من لسانك، فهم عند اللَّه الذي أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، بل خوفًا عليك أنت من أن تصل إلى مرحلة الكفر التي قد تخلدك في النار إلى الأبد، فإذا استيقظت يوفا من نومك وكان في قلبك مثقال ذرة من الغيظ لأحد أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاعلم أنك ممن ينطبق عليهم قول اللَّه عز وجل: {ليغيظ بهم الكفار}، وهذا لا يعني أبدًا أن الصحابة معصومون من الخطأ، ولكن الصحابة كانوا بشرًا كباقي البشر، يخطئون ويصيبون، غير أنهم كانوا أقرب البشر بعد الأنبياء إلى مرحلة الكمال الإنساني!

    وبطلنا الآن هو صحابي جليل من صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولقد تعمدت أن أكتب "الصحابي الجليل" في أعلى الصفحة قبل اسم هذا الصحابي بالتحديد من بين الصحابة الذين ورد ذكرهم في هذا الكتاب، وذلك لتذكير من كان قد نسي أنَّنا عندما نتحدث عن أبي سفيان بن حرب بعد إسلامه فإننا نتحدث عن صحابي من صحابة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونتحدث عن الرجل الذي تزوج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ابنته أم المؤمنين السيدة (أم حبيبة بنت أبي سفيان) -رضي اللَّه عنها-.

    وربما كان سبب إغفال كتب التاريخ لفضل أبي سفيان هو عداؤه الشديد لرسول اللَّه قبل الإسلام، وهذا شيءٌ لا يستقيم أبدًا، فالإسلام يجب ما قبله، بل إنني أصرح أن سرَّ اختياري لأبي سفيان ليكون ضمن قائمة المائة هو سنوات كفره تلك التي كان فيها العدو الأول للإسلام، فمجرد إسلام هذا الرجل يعتبر سببًا كافيًا ليكون بين عظماء أمة الإسلام في التاريخ،
    ولو أن أبا سفيان لم يحارب المسلمين في أيام كفره لما اخترته ضمن قائمة المائة، فهذا الرجل حارب الإسلام لما يزيد عن عشرين عامًا قضاها في الكفر، إلّا أنه بعد كل هذه السنين أسلم وجهه للَّه سبحانه وتعالى، ولكي تفهم ما أقصده، فعليك أن تتخيل أن رئيس أكبر دولة تحارب الإسلام حاليًا يعلن إسلامه، وأبو سفيان كان في جاهليته زعيم أكبر قوة في الأرض تحارب المسلمين، ولكنه بعد إسلامه جاهد في سبيل اللَّه حقّ جهاده، وقدم شيئًا غاليًا للإسلام أشك أن المشككين به يستطيعون أن يقدموا عشره،
    لقد قدم هذا الرجل عينيه الاثنتين في سبيل اللَّه، الأولى في "حُنين" عندما كان يدافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والعين الثانية في "اليرموك" عندما أوكل إليه خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه وأرضاه مهمة نشر روح الجهاد بين الجنود، فكان أبو سفيان رضي اللَّه عنه وأرضاه يمشي هو وامرأته الصحابية الجليلة (هند بنت عتبة) -رضي اللَّه عنها- يحمسان الجنود، فضاق الروم ذرعًا بهذا الشيخ الذي يحمس شباب المسلمين بكلماته التي تخرج من قلبه لتحولهم إلى سهامٍ مشتعلة تحرق جحافلهم،
    فصوَّبوا نبالهم نحوه ليصيبوا عينه الثانية بسهم فقأها، فسالت الدماء شلّالا من عين أبي سفيان رضي اللَّه عنه وأرضاه، فأصبح أعمى البصر بشكلٍ كلي، إلا أن هذا الشيخ البطل استجمع قواه وربط عينيه بلفافة بيضاء قبل أن تصبح حمراء من لون الدماء التي سالت من عينه، ليمشي هذا العملاق الإسلامي بين كتائب المسلمين يذكرهم بالجنة ويدعوهم إلى الثبات،
    عندها انطلقت كتائب التوحيد الإسلامية لتقتحم صفوف الأعداء وتزلزل حصونهم، وفي معمعة المعركة سمع المسلمون أبا سفيان رضي اللَّه عنه وأرضاه ينادي بصوت هز أرجاء وادي اليرموك وكأن هذا الشيخ الأعمى يرى ببصيرته شيئًا لا يراه المبصرون بأعينهم وهو يردد بصوت ملؤه الإيمان باللَّه:

    يا نصر اللَّه اقترب، يا نصر اللَّه اقترب، يا نصر اللَّه اقترب


    وفعلًا جاء نصر اللَّه. . . . فقد استطاع رجل من المسلمين اقتحام قلب الجيش الروماني الضخم، وبضربة سيف واحدة من يمينه قطع رأس (باهان) وزير حربية الإمبراطورية الرومانية، ثم نادى بصوت عالي: اللَّه أكبر، فتعالت صيحات المسلمين بالتكبير، فألقى اللَّه الرعب في قلوب الرومان وصيحات اللَّه أكبر تطاردهم، فرجعوا القهقرة أمام تقدم كتائب التوحيد الإسلامية، فألقوا بأنفسهم من وادٍ سحيق يسمى بـ (الواقوصة)، فقتل في يومٍ واحد 120 ألف رومي، وانتصر المسلمون في معركة اليرموك الخالدة على قوات بيزنطة المتحالفة التي قدمت من مختلف أصقاع تلك الإمبراطورية الكبيرة، وبانتصار المسلمين في اليرموك انهارت القوة الرومانية فعليًا، وأصبحت الشام دارًا للإسلام، وتحققت نبوؤة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبكى أبو سفيان بن حرب رضي اللَّه عنه وأرضاه بنصر اللَّه، واختلطت دموع عينيه بدمائها، فجزاك اللَّه خيرًا يا أبا سفيان لما قدمته للإسلام والمسلمين يا صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.


    ولعل من حكمة اللَّه سبحانه وتعالى أن إسلام أبي سفيان جاء متأخرًا، وذلك لكي يتسنى له نقل حكاية عجيبة حدثت أيام جاهليته عند إمبراطور الروم (هرقل). فما هي تلك القصة العجيبة التي رواها البخاري في صحيحة عن أبي سفيان بن حرب رضي اللَّه عنه وأرضاه؟ وكيف كان إمبراطور الروم قاب قوسين من أن يسلم؟ وما الذي منعه؟ ومن هو ذلك البطل الإسلامي العظيم الذي استشهد قبل أن يصلي للَّه ركعة؟
    يتبع. . . . . .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •