الطفولة المسلمة غاية
أميرة أحمد عبيد



الطفل المسلم لبنة بناء المجتمع، وحاضره المثمر، ومستقبله المشرق، وهم فلذات الأكباد، ومنية
النفوس، وأمل المستقبل، وغراس العلم والأدب والمعرفة، وطريق التقدم وبناء الحضارة.
تسعى الأمم لبناء الأهداف والتخطيط لنمو أطفالها في أرقى وأنجح وأزهى صورة، والتربية الإسلامية هي الرائدة في هذا المجال؛ لما تميزت به من الربانية والتكامل والشمولية والواقعية.
فما هي أوجه الرعاية والاهتمام التي خصت بها التربية الإسلامية الطفولة المسلمة؟ وما هي الطرق والأساليب التي اتبعتها لتوفير هذه الرعاية وتلك الحماية؟ وكيف تم توزيع الأدوار والمسؤوليات على جميع الأطراف المتكفلة بهذه الرعاية؟ هذه التساؤلات وغيرها هو ما سيسعى حوارنا للوصول له مع الدكتورة الفاضلة ليلى عبد الرشيد عطار - حفظها الله -.
1- الدكتورة الفاضلة ليلى عبد الرشيد عطار أستاذ مساعد تربية إسلامية بكلية التربية للبنات بجدة نرحب بك معنا عبر موقع المربي، ويسعدنا أن تتكرمين وتشاركينا في هذا الحوار، والذي سيحمل عنوان "الطفولة المسلمة غاية"، ونرغب بداية أن نتعرف أكثر على دكتورة ليلى عطار، وعلى بعض خطواتك وانجازاتك العلمية والتربوية أثابك الله.
حرص الإسلام على رعاية الطفولة عبر مراحلها المختلفة، هل لك دكتورتنا الفاضلة أن تكرمينا بنبذة مختصرة عن هذه الرعاية؟
اهتم الإسلام برعاية الأسرة منذ بداية نشأتها وتكوينها على أسس صحيحة؛ لضمان استمرارها واستقرارها، وإخراج أفراد صالحين نافعين لأنفسهم ولأسرهم ولمجتمعهم، ومن هذا المنطلق حددت الكثير من الأمور منها:
*أ- وضع ضوابط وشروط لاختيار الزوجين الصالحين؛ لضمان المحضن التربوي السليم، والبيئة التربوية المناسبة لتنشئة الطفل، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم)).
*ب- وضع الله - عز وجل - حقوقاً وواجبات، وآداب وأخلاقيات حسن العشرة بين الزوجين لضمان سير الحياة الزوجية بينهما بهدوء وأمان وسلام حتى يتربى الطفل في جو أسري مشحون بالعواطف الجياشة والإشباع المعتدل، ولا يسع المجال لذكرها.
*ج- وضع حقوقاً للطفل لضمان حسن رعايته وتوجيهه من قبل الأبوين ابتداءً من التحنيك والرضاعة والتسمية والعقيقة وحلق الشعر، والختان، وحق التعليم والتأديب...إلخ.
2- "20 نوفمبر 1954" "اليوم العالمي للطفولة"، 1959م "إعلان حقوق الطفل"، و"اتفاقية حقوق الطفل" في عام 1989.. جميعها مظاهر عالمية ودولية تهدف ظاهرياً على الأقل للاهتمام بالطفل وإثارة قضاياه وحل مشكلاته، دكتورة ليلى ما موقف التربية الإسلامية من مثل هذه المواثيق؟
معظم المواثيق التي تهتم بحقوق الطفل تنبع من عاطفة إنسانية للمحافظة عليه وحمايته من كل ما يؤذيه ويضره، وموقف التربية الإسلامية من هذه المواثيق لا يعارضها ولا يقف ضدها، وإنما الذي يميز التربية الإسلامية أنها من وضع الله - عز وجل -، وهو خالقها عليم خبير بما فيها وما تحتاجه، قال الله - تعالى -: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، وهو - سبحانه - أعلم بما يهذبها ويصلحها، لذلك وضع المنهج القرآني الذي سار عليه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ليعلمنا كيف نربي أنفسنا وأبناءنا وفق ما فيه من جميع جوانب حياتنا.
3- يمثل جانب إشباع الحاجات الجسدية والنفسية أحد أهم عوامل تكوين الشخصية السوية، كيف راعت التربية الإسلامية هذا الجانب؟
اهتمت التربية الإسلامية بالجانب الجسدي من خلال التربية الوقائية والعلاجية، وغرس الآداب السلوكية، والقيم الأخلاقية، كالتالي:
* اهتمت بالغذاء المتكامل والشراب، والنوم وقضاء الحاجة.
* اهتمت بالاستشفاء من الأمراض.
* اهتمت بالنظافة.
* اهتمت بالرياضة.
* اهتمت باللباس.
* اهتمت بالطاقة الجنسية وتصريفها في الحلال.
وكل هذه الأمور تحتاج إلى تفصيل لبيانها.
كذلك اهتمت التربية الإسلامية بالجانب النفسي من خلال إشباع الحاجات النفسية ابتداءً من الإيمان بالله إلى الأمن النفسي المتمثل في إعطاء الحب والحنان والاهتمام، إلى التقدير والقبول، وحرية التعبير عن الذات، والشعور بالانتماء، إلى أهمية وجود سلطة مرشدة ضابطة "والدين"، وحرية مقيدة، وأوامر وقيم وآداب ملزمة للطفل بممارستها.. إلى غير ذلك.
4- تعيش المجتمعات المعاصرة أزمة أخلاقية ناتجة عن الصراع والتحديات الداخلية والخارجية المختلفة، كيف راعت التربية الإسلامية الجانب الأخلاقي في تنشئة الطفولة المسلمة؟
من المعروف أن الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل هي مرحلة البناء الأساسي لإكسابه القيم والآداب والمفاهيم والمعاني والأخلاقيات، والتربية الأخلاقية لا تكتسب منذ نعومة أظفاره بالكلام النظري، إنما بالقدوة الصالحة الخلوقة، بالإضافة إلى استخدام عدة أساليب مختلفة لغرس العادات الحسنة، والأخلاق الفاضلة حتى تصبح جزءً من شخصيته، وهذه الأساليب هي أسلوب القصة، أسلوب ملء أوقات الفراغ بالأنشطة المختلفة، التربية بالموقف والحدث، الأسلوب المباشر وغير المباشر...إلى غير ذلك.
المشكلات الجنسية للجيل المسلم في المجتمع يقابلها أزمة ضعف الثقافة الجنسية، كيف عالجت التربية الإسلامية هذا الجانب، وما هي طرق الحماية التي خصت بها التربية الإسلامية الطفولة المسلمة؟ هناك الكثير من الأحكام الشرعية والآداب السلوكية المطلوب تطبيقها مع الأطفال منذ نعومة أظفارهم لبناء الحياء في نفوسهم البريئة؛ لأنه كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((الحياء من الإيمان))، وهذا الحياء هو صمام الأمان الداخلي الذاتي الذي من خلاله يحافظ ويحمي الطفل من نفسه ومن أصدقاء السوء ومن الشيطان.
وهذه بعض الطرق لبناء الحياء في نفوس الأطفال:
* عدم تعرضه للتعري أمام الآخرين منذ نعومة أظفاره، أو رؤيته لتعري والديه أو أخوته وإخوانه في داخل المنزل.
* اهتمام الأم بتنظيف أطفالها بنفسها وعدم الاعتماد على الخادمات في ذلك، حتى لا تعبث بالأعضاء التناسلية في أثناء تنظيفهم أو استحمامهم.
* استحمام كل طفل على حدة، ولا يكون استحمام جماعي بين الأولاد والبنات، لخطورة ذلك على نفسيتهم وخدش الحياء.
* إبعاده عن الصور المبتذلة، أو الأفلام السينمائية، أو غيره لمنع أثارته مبكراً.
* التفريق بين الأخوة ذكوراً وإناثاً من النوم في فراش واحد، أو لحاف واحد، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وفرقوا بينهم في المضاجع)).
* أبعاد الأطفال الذكور عن الميوعة والتخنث، والإناث عن الاسترجال وذلك من خلال اللباس، أو قص الشعر، أو المشية والكلام... إلخ.
* تحبيب الطفلة للجلوس واللعب والحديث مع مثلها من الفتيات، والولد مع غيره من الفتيان.
* تعويد الطفل الذكر بمجالسة الرجال والبعد عن مجالسة النساء، وغض البصر وعدم مصافحة النساء، وكذلك الفتيات.
* تجنيب تعويد الأطفال ذكور بالجلوس والخلوة مع الخادمات، والفتيات في التبسط في الحديث مع السائقين أو الباعة أو الرجال الأجانب عموماً، وإفهامهم أن هناك حدوداً في علاقة الرجل بالمرأة سواء كانوا محارم أو غرباء عنها.
* اختيار الصحبة الصالحة والرفقة المؤدبة الخلوقة للفتيان والفتيات، وإبعاد الطفل عن الأطفال الذين هم أكبر منهم سناً حتى لا يكون عرضة للاستغلال والاعتداء ممن هم أكبر منه سناً.
* إبعادهم عن الخروج وحدهم مع أصدقائهم وأقاربهم دون معرفة واضحة عمن يصاحبون؟ أو يجالسون؟ وماذا يفعلون، لأن هذه المجالس من شأنها أن تفسد خلق الطفل أو الطفلة دون رقابة أو متابعة، ويفضل خروجهم في صحبة آباءهم وأمهاتهم.
* إبعادهم عن السفر وحدهم أو مع أصدقاءهم لما فيه من التشجيع على ممارسة الكثير من الأخطاء دون وجود راشدين معهم.
* تعليم وتدريب الأطفال ذكور وإناث آداب الاستئذان في داخل المنزل وخارجه.
* إبعاد القنوات الفضائية والكمبيوتر والخط التلفوني في غرفته، ويتم وضعها في غرفة المعيشة ليكون تحت أعين والديه، مع الحذر من إعطائه جوال خاص لمكالماته الخاصة، ويعطى له في سن متأخرة منعاً من سوء الاستخدام.
5- دعت التربية الإسلامية لاستخدام الحواس في الاستنباط والوصول للنتائج العقلية، ولكن الملاحظ اعتماد مناهج وطرق التدريس على طرق وأساليب قائمة على الحفظ والتلقين، ما أثر ذلك على الطفل المسلم وكيف يمكن تجاوزه؟.
أثر ذلك على الطفل المسلم أنه عطل حواسه وملكاته العقلية في التأمل والتفكير والاستنتاج والربط والتحليل والمناقشة، وجعله كالببغاء يردد مالا يفهم، رغم أنه في وقتنا الحاضر أصبح هناك نوع من الوعي والفهم لسلبيات هذه الطريقة، فتنوعت وتعددت طرق التدريس لتفعيل دور الطالب وجعله إيجابياً بقدر الإمكان.
6- ما هي أهم جهود وطرق وأساليب التربية الإسلامية في مجال تنمية الجانب الثقافي للطفل؟
*أ- التركيز على تحفيظ القرآن الكريم بمجرد استعداده النفسي والعقلي واللغوي.
*ب- التركيز على تحفيظه أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
*ج- التركيز على تحفيظه الشعر الأخلاقي الذي يحث على فضل العلم وذم الجهل، وبر الوالدين والترغيب في الخلق الحسن وفضائل الأمور... إلخ.
*د- تشجيعه على أخذ العلم من جميع المؤسسات التربوية، البيت، المسجد، بيوت العلماء، قصور الخلفاء، المدارس، المكتبات..
7- غالباً ما تعتمد الأسر على تبني نمط تربوي واحد في التعامل مع الأبناء، وعادة ما يكون هذا النمط متذبذب بين القسوة والتدليل، كيف كانت التوجيهات التربوية الإسلامية في هذا المجال، وكيف يمكن للأسرة المسلمة الاستفادة منها؟.
الأسلوب المتذبذب بين القسوة التدليل في تربية الأبناء له آثار سلبية على شخصياتهم في الحاضر والمستقبل، لذلك ينبغي على الآباء والأمهات معرفة متى يستخدمون أسلوب الحزم ومتى يستخدمون أسلوب اللين، لأن مواقف الحياة التي يمر بها الأطفال مع آبائهم كثيرة، وكل موقف يتطلب أسلوباً يناسبه، لذلك هناك أساسيات لابد من مراعاتها عند التربية منها مثلاً: الثبات وعدم التناقض عند غرس القيم أو الخلق... وغيره.
8- دكتورة ليلى في كتابك "الجانب التطبيقي للتربية الإسلامية" ذكرت ما يلي: "نعى القرآن على المقلدين، وأنكر عليهم أن يغلقوا عقولهم، و يهملوا أفكارهم وهو بهذا يريد أن تكون لهم شخصية كريمة تجعل لهم حياة مستقلة، تأبى عليهم أن يفنوا في غيرهم، وترتفع بهم عن أن يصبحوا إمعات تتلاشى عقولهم بجانب من يقلدونهم"، والحقيقة أن التقليد غير السوي أصبح بالفعل ظاهرة ليس كسمة ملازمة لمرحلة المراهقة وإنما تعدى ذلك للطفولة بجميع مراحلها، ما مدى خطورة هذا الأمر على الطفولة المسلمة، وكيف يمكن للأسرة أن تحمى أبناءها منه؟.
المطلوب من الأسرة المسلمة حتى تحمي أولادها من خطر التقليد الأعمى المضر أن تكون قدوة صالحة لأولادها في جميع تحركاتها وتصرفاتها وأقوالها وأخلاقياتها ولباسها... إلخ.
ففقدان القدوة الصالحة في المدرسة والشارع ووسائل الإعلام، مما يحتم علينا جميعاً إيجاد قدوات حية صالحة في المجتمع وإبرازها في جميع وسائل الإعلام من علماء ومفكرين وأطباء ومهندسين وغيرهم، حتى يقتدي بها أولادنا بدلاً من إظهار القدوات الفاسدة في المجتمع.
9- تعتبر مسؤولية تربية الطفل المسلم أحد أهم المسؤوليات المشتركة بين أفراد ووسائط ومؤسسات المجتمع المسلم، ما هي أبعاد هذه المسؤولية، وهل مازالت لها حضورها وأثرها المتوقع في وقتنا الحاضر؟
يحتاج هذا السؤال إلى نوع من التفصيل، ولكن سأوجز أهم المسؤوليات المشتركة بين مؤسسات المجتمع في الآتي:
* التكامل بين هذه المؤسسات.
* الشمول.
* التوازن.
* عدم التناقض فيما بينهم.
* الثبات على القيم والآداب والأخلاقيات الفاضلة... إلى غير ذلك.
10- رغم أن تربية الطفل المسلم مسؤولية مشتركة إلا أننا نلمس تأكيد التربية الإسلامية على دور الأم، فما هي أبعاد وأهمية دور الأم كما يراها التشريع الحنيف؟
أهمية دور الأم، يبرز في دورها التربوي لبناء وتنشئة الأفراد الذين سيديرون دفة المجتمع، ويعد دورها من أخطر الأدوار حيث تقع عليها مسئولية صلاحهم أو فسادهم، وبالتالي صلاح المجتمع وتطوره أو فساده وانهياره، ويعتبر هؤلاء الأفراد ثورة المجتمع الفعلية وروحه الذي يقودهم إلى العالمية أو الانهزامية.
وكما قال الشاعر أحمد شوقي:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهد ريه *** يحيا ويورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى *** شغلت مآثرهم مدى الآفاق
11- كلمة أخيرة للأسرة المسلمة عامة وللطفولة المسلمة على وجه الخصوص؟
إلى الأسرة المسلمة....
كلما كان بنيانك قوياً كلما صمد أمام التحديات والأزمات والنكبات، فالأسرة المسلمة المتمسكة بدينها، المعتزة بأخلاقها، المطبقة لشرع ربها، المؤدية لواجباتها... هي التي تصنع الأجيال المتميزة.
إلى الطفولة المسلمة...
إلى النبتة البريئة، والغرسة اليانعة، إذا سقيت بالحب والحنان والاهتمام، وهذبت بالأخلاق الفاضلة، والآداب الحسنة وحصنت بالعفة والفضيلة أزهرت علماء وأطباء ومهندسين ومعلمين لإدارة مجتمع قوي فاضل.