القرآن منهج حياة ربَّاني

د. محمود بن أحمد الدوسري




القرآن العظيم منهاج حياة؛ جاء ليبيِّن للبشريَّة طريقَ نجاحها، وخُطَطَ رقيِّها وتقدُّمها، ولمَّا كانت البشريَّة لا تخرج في مجموعها عن ثلاثة أشكال، أفراد، وأُسر، ودُوَل، فقد جاء القرآن الحكيم مستوعباً كلَّ هذه الأشكال، وواضعاً لها المنهج الأكمل؛ كي تعيش منسجمة مع نفسها ومع الآخر، فحدَّد علاقات الأفراد بربِّهم -سبحانه وتعالى-، وحدَّد علاقاتهم بالأسرة وبالمجتمع الذي يعيشون فيه، كما حدَّد علاقات الدُّول بعضها ببعض، كل ذلك بنظرة شموليَّة، وقواعدَ كليَّة صالحة لكلِّ زمانٍ ومكان.

إنَّ ثروة القرآن المجيد لا تقف عند حدِّ الاعتقاد الصحيح وتوحيد الخالق جلَّ جلالُه، بل من جملة هذه الثَّروة ما يترتَّب على التَّوحيد من: تهذيب السُّلوك، وتربية العقل والوجدان، وتصحيح المعاملات، وتطبيق قواعد العدل.

اﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ

إن اﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻴﺮ ﻭﻓﻖ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ-: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام:122)، ﻓﻼ ﺣﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻴﻒ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﻓﻬﻞ ﺣﻴﺎﺓ ﺑﻐﻴﺮ ﺭﻭﺡ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى:52)، ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﻴﺎﺓ ﻭﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻄﻠﺒﻪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺷﻬﻢ ﻭﻣﺎ ﻳﺴﻌﺪﻫﻢ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺩﻫﻢ، ﻓﻴﻪ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻭﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻭﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ، وﻓﻴﻪ ﺷﻔﺎﺀ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ وتصحيح ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭﺗﻘﻮﻳﻢ ﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺗﻬﺬﻳﺐ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ.

ﻟﻘﺪ ﺃﻧﺰﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺘﺎﺑﻪ لﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻵﺧﺮﺓ؛ ﺣﻮﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎﻩ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻛﻔﻴﻞ بتحقيق ذلك الهدف ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ ﻭﺍﻟﻌﻈﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﺒﺮ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} (الكهف:1-2) ﻭﻗﺪ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ-: {ﻭَﻛُﻞَّ ﺷَﻲْﺀٍ ﻓَﺼَّﻠْﻨَﺎﻩُ ﺗَﻔْﺼِﻴﻼً}.

ﺿﺒﻂ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ

ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻭﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا القران هي ﺿﺒﻂ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻓﻖ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺍﻷﺭﺽ ﺑﻤﻨﻬﺞ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﻟﻮ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻋﻬﺪ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﻠﺰﻣﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻘﻂ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻟﻤﺎ ﺣﺎﺭﺑﻮﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﻭﺧﺎﺿﻮﺍ ﻣﻌﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ ﺍﻟﺪﺍﻣﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻓﻬﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﺪﻋﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺗﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﺔ. ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻣﺔ: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُ مْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (النساء:66-68).

أنواعٍ من الأعمال

وقد احتوى القرآن العزيز، على أنواعٍ من الأعمال التي كُلِّف بها المسلمون: كالعبادات المحضة، والمالية، والبدنية، والاجتماعية، وقد عُدّت هذه العبادات - بعد الإيمان بالله تعالى - أساس الإسلام، واشتمل القرآن العظيم على ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية (6236) احتوت - جملةً وتفصيلاً - على العبادات والعقائد والتَّكاليف وأصول الأحكام، والمعاملات، وعلاقات الأمم والشعوب، في السِّلم والحرب، وسياسة الحُكم، وإقامة العدل، والعدالة الاجتماعية، والتَّضامن الاجتماعي، وكل ما يتصل ببناء المجتمع، ورسم شخصية المسلم الكامل خُلُقاً وأدباً وعلماً.

تشريعات عادلة

جاء القرآن العظيم بتشريعات عادلة، احتوت أحكاماً كُليَّة، ومبادئ عامة، في كُلِّ فروع التَّشريع، وصَدَق الله العظيم القائل: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} (الإسراء: 12) والقائل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: 89)، إنَّ القرآن العظيم - بحقٍّ - منهاج كامل وشامل، جاء بكليات الشَّريعة والأصول في العبادات، والمعاملات، والأسرة، والميراث، والجنايات، والحدود، وأنظمة الحكم.

آيات الاقتصاد

فمن آيات الاقتصاد، والمعاملات المدنية، قوله -تعالى-: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا} (النساء: 5).

آيات الأحوال الشخصية

ومن آيات الأحوال الشخصية، قوله -تعالى-: {وَالْوَالِدَات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} {البقرة: 233}.

آيات الميراث

ومن آيات الميراث، قوله -تعالى-: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} (النساء: 7).

آيات الجنايات

ومن آيات الجنايات، قوله -تعالى-: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} (المائدة: 45).

آيات الحدود

ومن آيات الحدود، قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4).

آيات المعاهدات

ومن آيات المعاهدات، قوله -تعالى-: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنفال: 61)، وقوله -تعالى-: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (الأنفال: 58).

آيات الدِّفاع العام

ومن آيات الدِّفاع العام، قوله -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190).

آيات الحُكم والقضاء

ومن آيات الحُكم والقضاء، قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 58، 59).

وأمَّا آيات الأخلاق والأدب والسُّلوك، فهي تملأ القرآن الكريم، وتستطيع أن تُحِسَّ بها في كُلِّ آيةٍ من آيات القرآن، وفي السِّياسة دعا القرآن العظيم إلى الشُّورى، في قوله -تعالى-: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38)، ودعا كذلك إلى احترام حقوق الإنسان، والتَّزود بكل أسباب القوة.

وفي النِّظام الأَخلاقي دعا إلى خُلوص النِّية، والتَّمسك بقيم الخير والحقِّ، والتزام الآداب الفردية والجماعية، التي تسير بالإنسانية إلى الكمال والتَّقدم، وفي النِّظام الاجتماعي دعا إلى الأسرة المتماسكة، القائمة على ركائز المودَّة والرَّحمة، والإخلاص، والاحترام، والتعاون، والتَّعارف، وقيام كل راعٍ بمسؤوليته، وفي النِّظام الاقتصادي دعا إلى تبادل المنافع، واتِّخاذ المال وسيلةً لا غاية، واحترام الملكية الفردية، وفي النِّظام التَّشريعي قام على أصول كُليَّة واسعة. وقد تمثلت هذه النَّاحية في ثروة من الفقه الإسلامي.

تكامل المنهج الرَّباني

هكذا يتكامل المنهج الرَّباني الذي وضَعَه الله -سبحانه وتعالى-؛ لِتنتظمَ حركةُ الحياة في الكون وفي الأمم, وإمعاناً في أهمية هذا المنهج الرباني, فقد وضَعَه ربُّنا سبحانه حتى قبل أن يخلق الإنسان, مصداقُ ذلك قوله سبحانه: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ} (الرحمن: 1-3], كأنَّ اللهَ تعالى لمَّا أراد أن يخلق الإنسان؛ ضَمِنَ له المنهجَ القويمَ الذي يُصلح له الحياة, ويُحقِّق له الاستقرار, ولم يترك الإنسان هَمَلاً في هذه الدنيا وحيداً دون مُرشِدٍ أو قائدٍ, وهذه - بحقٍّ - نعمةٌ عُظمى ومِنَّةٌ كبرى تستوجب على أُولي الألباب الشُّكر للهِ -سبحانه وتعالى.