مناجاة
صالح محمد جرار



يا كاشِفَ الهَمِّ إِنَّ الهَمَّ أَضْناني *** أَنْتَ الرَّحِيمُ وإنِّي عَبْدُكَ الجَانِي

بِبَابِ رُحْمَاكَ أُلْقي كُلَّ مَسْأَلَتِي *** مَنْ ذا سِوَى الصَّمَدِ الحَنَّانِ يَرْعَاني


قَدْ جِئْتُ وَالذَّنْبُ يَغْشَى كُلَّ جَارِحَةٍ *** لكِنَني تائِبٌ مِنْ سُوءِ نُقْصَانِي


أَلْقَتْ بِيَ النَفْسُ مِنْ ضَعْفٍ بِمَحْبِسِهَا *** وَزَيَّنَت سِجْنَها بالبَهْرَجِ الفَاني


أَنَا الضَّعِيفُ وَنَارُ الإِثْمِ تَحْرِقُني *** يَا رَحْمَةَ الله رُدِّيهَا بإِحْسَانِ


تِلْكَ الذُّنُوبُ مِيَاهُ العَفْوِ تَغْسِلُهَا *** يَا رَحْمَةَ الله جُودِيهَا بَهِتَّانِ


أَنْتَ الغَفُورُ وَسِعْتَ الخَلْقَ مَغفِرَةً *** فهل أُرَدُّ بِلا عَفْوٍ وَغُفْرانِ؟


فَإِنْ عَفَوْتَ فَذَا مَنٌّ وَمَرْحَمَةٌ *** وإِنْ جَزَيْتَ فَعَدْلٌ مِنْكَ رَبَّانِي


فَأَنْتَ أَنْتَ إِلهُ الكَوْنِ مُبْدِعُهُ *** فَمَنْ سِوَاكَ يُجِيرُ المُثْقَلَ العَاني؟


لَكَ الوُجُوهُ عَنَتْ يَا رَبِّ خَاشِعَةً *** وَذِي الخَلاَئِقُ تُبْدِي كُلَّ إِذْعَانِ


وباسْمِكَ الكَوْنُ يَجْرِي في مَسيرَتِهِ *** كُلٌ يُسَبِّحُ في سِرٍّ وَإِعْلاَنِ


هذي السَّمَاواتُ مَنْ أَعْلى بَنِيَّتَهَا *** مِنْ غَيْرِ مَا عَمَدٍ تَبْدُو وَأَرْكَانِ؟


فانْظُرْ إِلَيْهَا فَهَلْ أَبْصَرْتَ مِنْ خَلَلٍ *** جَلَّ الإِلهُ وَجَلَّتْ قُدْرَةُ البَانِي!


مَنْ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالأَفْلاكَ سَابِحَةً *** في ذَا الفَضَاءِ بِتَدْبيرٍ وَحُسْبَانِ؟


وذِي النُّجُومُ أَطَلَّتْ مِنْ أكِنَّتِهَا *** كَأَنَّمَا وَصْوَصَتْ حُورٌ لإِنْسانِ


فَمَنْ حَبَاهَا جَمَالاً رَاحَ يُكْبِرُهُ *** كُلُّ الَّذِينَ حُبُوا إِحْسَاسَ إيمانِ؟


وَمَنْ حَبَاهَا ضِيَاءً ظَلَّ يَرْقُبُهُ *** سَارٍ بِلَيْلٍ فَتَهْدِي كُلَّ حَيْرانِ؟


وَذَا الهِلاَلُ كَطِفْلِ الأَهْلِ تَنْظُرُهُ *** تِلْكَ العُيُونُ فَيَلْقَى ضَمَّةَ الحَانِي


ورَاحَ يَكْبُرُ حَتَّى صَارَ مُكْتَمِلاً *** بَدْراً تَطوفُ بِهِ أَحْلامُ وَلْهَانِ


لكِنَّهُ زَمَنٌ يَمْضِي فَنَنْظُرُهُ *** قَدْ عَادَ يُشْبِهُ عُرجُوناً بِبُسْتَانِ


سُبْحَانَ خَالِقِهِ أَعْطَى لَنَا مَثَلاً *** كَيْ لا نُغَرَّ بِعُمْرٍ مُسْرِعٍ فَانِ


وَالأَرْضُ تَجْري فَمَنْ أَرْخَى العِنَانَ لَهَا؟** وَمَنْ هَدَاهَا لِسَيْرٍ هَزَّ وِجْدَاني؟


فَذَا مَسيرٌ يُغَشِّيِنَا بِأَرْدِيَةٍ *** مِنَ الظَّلامِ فَيَطْوِي ثَوْبَ يَقْظَانِ


حَتَّى إِذَا الفَجْرُ نَادَى بِالنِّيَامِ جَرَى *** نَهْرُ الضِّيَاءِ فَوَارَى ظُلْمَةَ الجَاني.


تَعَاقَبَ اللَّيْلُ فينا والنَّهارُ فَقُلْ: *** سُبْحَانَ مُجريهِمَا فِينَا بِمِيزانِ


وَسَخَّرَ الأَرْضَ حَوْلَ الشَّمْسِ جَارِيَةً *** في كُلِّ حَوْلٍ فَتَأْتِينا بِأَلْوانِ


هَذا شِتَاءٌ فَيُحْيِي الأَرْضَ إِذْ هَلَكَتْ *** وَذَا رَبيعٌ يُجَلّي كُلَّ فَنَّانِ


والصَّيْفُ فيهِ ثِمارٌ كَمْ تَتيهُ بِها*** تِلْكَ الريَاضُ فَتُعطِينَا بإحْسَانِ


أَمَّا الخَريفُ فيأتي مِثْلَ غَاشِيَةٍ *** تَطْوِي الجَمَالَ وتُبْدِي قُبْحَ عُرْيَانِ


لكنَّها حِكْمةٌ تَخْفَى سَرائرُها *** عَلى العُيُونِ وَعَيْنُ اللهِ تَرْعانِي


سُبْحَانَ رَبِّيَ كم في الأَرْضِ مِنْ عِبَرٍ *** تَهْدي الحَيارى إِلى رُشْدٍ وإيمانِ!


فَسَرِّحِ الطَّرْفَ في الآفاقِ مُتَّعِظاً *** وانْظُرْ إِلى النَّفْسِ تُعْطى أَيَّ بُرْهانِ


في كُلِّ نَظْرَةِ عَيْنٍ آيَةٌ هَتَفَتْ: *** "سُبْحَانَ رَبِّيَ قَدْ سَوَّى بإِتْقَانِ"!


أَنْتَ القَديرُ ولا تُعْييكَ مَسْأَلَةٌ *** فاكْشِفْ إلهيَ عَنِّي كُلَّ أَحْزاني


بِكُلِّ أَسْمَائِكَ الحُسْنَى وَقَدْ عَظُمَتْ *** وبالحَبيبِ وآياتٍ وَقُرْآنِ


أَدعوكَ رَبِّيَ فَاغْفَرْ لي وَقَدْ كَثُرَتْ *** مِنِّيَ الذُّنُوبُ وإلا حَقَّ خُسْراني


وَاكشِفْ هُموميَ مِنْ ضُرٍّ وَمِنْ حَزَنٍ *** وامْنُنْ عَلَيَّ بِجَنَّاتٍ وَرَيْحَانِ


واحْفَظْ إِلهيَ أَوْلادِي وَأُمَّهُمُ *** مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَوَفِّقْهُمْ لِشُكْرانِ


وَآتِهِمْ خَيْرَ ما يُرْضِيكَ مِنْ عَمَلٍ *** وامْنُنْ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ مِنْكَ رَبَّاني


وَوالِدَيَّ وَكُلَّ المؤمنينَ ألا *** فَاغْفِرْ لَهُمْ يا عظيمَ الأَمْرِ والشَّانِ


وانْصُرْ عِبادَكَ يَا مَوْلايَ مَا رَشَدُوا *** واخْذُلْ عَدُوًّا جَرَى في رَكْبِ شَيْطانِ


هَذا دُعائِيَ يَا رَبِّي وَمَسْأَلَتي *** فَمَنْ سِوَاكَ يُلَبِّي دَعْوَةَ العَاني؟