[الصبر على أذى الناس]

"وإذا كان البارئ عز وجل يصبر عَلَى ما يقول فِيهِ الجاحدون والمشركون مَعَ قدرته عَلَى إهلاكهم وإفنائهم ومنعهم مما يتفوهون به لما سبق فِي علمه من الإملاء لهم ليزدادوا إثما، والأنبياء عليهم السلام قد صبروا عَلَى ما أُوذوا به، والصالحون قد تأسوا بهم فِي ذَلِكَ.
فالواحد منا مَعَ علمه بتقصيره فِي كل معنى لا ينبغي لَهُ أن يقلق لكلمة تسوءه، وَإِذَا كَانَ القيام بالذب عن أهل الحق دينا واحتسابا فالصبر عَلَى ما يصيبه هُوَ من تمام الاحتساب، وقد جاء فِي الحديث: «إن الرجل ليعطى كتابه يوم القيامة منشورا، فينظر فِيهِ حسنات لم يعملها، فيقول: يا رب أي شيء هَذَا؟ فيقول اللَّه عز وجل: هَذَا بما اغتابك الناس وأنت لا تشعر».
ويروى عن عبد الرحمن بْن مهدي أنه قَالَ: "لولا أني أكره أن يعصى اللَّه عز وجل لسرّني أن لا يبقى فِي المصر أحد إلا اغتابني، وأي شيء أشهى من حسنة يجدها المرء فِي صحيفته لم يعملها!.
وذكر أن شقيقا البلخي فاته ورده فِي السحر، فَقَالَ لَهُ أهله: فاتك قيام الليلة. فَقَالَ: إن فات ذَلِكَ فقد صلى لي من أهل بلخ أكثر من ألف نفس قالت: كيف؟ قَالَ: باتوا يصلون فَإِذَا أصبحوا اغتابوني".

طبقات الحنابلة (2 / 214).