الاعجاز في القرآن الكريم
الشيخ محمد موسى نصر


الإعجاز: هو كما عرفه المصنف أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، يعني معجزة النبي تكون يتحدى بها النبي أهل زمانه، سالم عن المعارضة, ما يستطيعوا أن يأتوا بمثلها، فكل نبي من أنبياء الله كانت له معجزة أو معجزات. فموسى كانت معجزته العصا، يلقيها { وألقي ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر } وكان في زمن موسى

-عليه السلام- السحر على أشده فجاءت معجزات موسى يعني من هذا الباب ولكنها أمور معجزات أيده الله بها وليست من السحر، ولهذا السحرة لما أدركوا أن موسى ليس بساحر وأن الذي معه إنما هو من عند الله أمر خارق لما عندهم خرّوا سجدا خرّوا لله سجدا وآمنوا برب هارون وموسى.

معجزة المسيح -عليه السلام- معجزات المسيح إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله وإخبارهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وكان في زمانهم الطب متقدم جدا فجاءت معجزة المسيح.

إذن مثلا معجزة نبي الله صالح -عليه السلام- كانت الناقة لكن أين هذه المعجزات الحسية؟ كلها انتهت بوفاة الأنبياء. نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- معجزات حسية نحو من ألف ربما فاقت ألف معجزة لكن أعظم معجزة خالدة هو هذا القرآن الذي بين أيدينا الذي نحفظه في صدورنا ونكتبه في السطور هذا القرآن الذي قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه ولهذا قال : " والقرآن معجز أبدا " معجزة محمد -صلى الله عليه وسلم- في حياته وبعد وفاته وإلى أن يرفع هذا القرآن من الصدور ومن السطور. ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :<< ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة >> متفق عليه. فكل أنبياء الله انتهت معجزاتهم بموتهم أين عصى موسى الآن؟ أين ناقة سيدنا صالح ؟ لكن هذا القرآن تكفل الله بحفظه وظل التحدي فيه قائما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولهذا قال:<< أعجز الفصحاء>> فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث النبي

-صلى الله عليه وسلم- وأنزل عليه هذا القرآن والعرب هم أفصح من على الأرض ، وأبلغ أهل الأرض, في عندهم الأسواق شعرية وفيه عندهم الشعراء و المعلقات ويعني عرفوا بالفصاحة والبلاغة والبيان فجاء القرآن معجزة النبي الكبرى هذا القرآن يتحداهم أن يأتوا بمثله أن يأتوا بسورة من مثله تدرج معهم وسفّه أحلامهم وما استطاعوا. لهذا إن هذا القرآن هو المعجزة الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلى أن يرفع هذا القرآن من السطور والصدور فهو معجزة لم تزل حية بين الناس إلى ما شاء الله، تحدى الله -عز وجل- بهذا القرآن أهل الفصاحة والبلاغة والشعر والبيان عربا وعجما إنسا وجنا على أن يأتوا بمثله أو بمثل بعضه ولكن هيهات هيهات.لأنه كلام الله لا يمكن لكلام البشر أن يرقى إلى معارضة كلام الله مهما أتوا من فصاحة وبيان ، سجل الله عليهم العجز إلى يوم الدين: {قل لأن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يؤتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.

قال : " وقد تحداهم": طبعا قال مع حرصهم على معارضته، هم حريصون على ذلك لكن أنى لهم ذلك ما استطاعوا؛ أرادوا أن يأتوا بنحو قوله تعالى:{ ولكم في القصاص } أو {في القَصاص}على القراءة الأخرى { حياة يا أولي الألباب } فقالوا : القتل أنفى للقتل.

هذه العبارة يمكن أن ترقى إلى قوله تعالى :{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} فأين القتل من الحياة، فالقصاص يأتي بالحياة، وقالوا: القتل أنفى للقتل أي أبعد للقتل، وهذه عبارة لا يمكن أن ترقى إلى نظم القرآن.

وقد تدرج الله معهم في التحدي من غير أن يصرف قواهم عن معارضته لأن بعض الناس قالوا: أن ربنا لما تحداهم صرف قواهم عن محاكاة القرآن, وهذا باطل لأن يستحيل أن بطل يجي يتحدى طفل مثلا صغير ضعيف؛ الله -عز وجل- حينما تحداهم أبقى قواهم وهذا هو الحكمة والعبرة من التحدي ولم يصرف قواهم عن محاكاة هذا القرآن لكنهم لم يستطيعوا أن يحاكوا هذا القرآن ولا أقصر سورة منه.

قال الله تعالى:{ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} وقال تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ،فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } وقال تعالى:{ أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله}

وذكر العلماء وجوها من إعجازه منها: أسلوبه وبلاغته وبيانه وفصاحته وحسن تأليفه وإخباره عن المغيبات والروعة في قلوب السامعين وغير ذلك.

أما إخباره عن المغيبات فهذا لم يتحداهم الله بهم لأن هذا أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، إنما تحداهم في أسلوبه ونظمه وبيانه وبلاغته وحسن عبارته ومعانيه.

قال:<< وإخباره عن المغيبات وروعة في قلوب السامعين>> وغير ذلك ، حتى قال الوليد والوليد أحد الفصحاء وبلغاء العرب << فلهذا عرفت العرب و من يعلم البلاغة من غيرهم مباينة القرآن العزيز لسائر الكلام وذلك بصحة الذوق وسلامة الطبع ولطف الحس حتى أن منهم من يعرف شعر الشاعر وإن دلس بغيره ويفصله مما دلس به ويقول هذا كلام فلان وقد يكون كلام البشر فصيحا مليحا موصوفا بالجودة وأنه مطابق للمعنى سليم في التعمق والتعسف والتكلف بريء من النقصان والزيادة حسن المجاورة تتبع الكلمة كلمة التي تناسبها وتكون بها أولى من غيرها خفيف على السمع حلو في النطق جار عن المعتاد من كلام الفصحاء والبلغاء ومع ذلك فلا يقارب القرآن في شيئا من ذلك ولا يدانيه >> .

قال الشيخ الإمام السخاوي في بيان أو كلام جميل يحسن أن ننقل في بيان أسلوب القرآن وقوة ألفاظه وتراكيبه، قال: <<ومما يجذبهم -أي العرب- إلى المناظرة لو وجدوا سبيلا إليها وحالهم في الجدال معلومة وأمورهم في تفاخرهم وطلبهم الترفع مفهومة وقد كانوا يجعلون أموالهم دون أعراضهم ويهون عليهم كل مستصعب في بلوغ أغراضهم فإذا هجاهم شاعر جدوا في معارضته وإجابته واستعانوا على ذلك بمن يحسنه ويظهر عليه في مقاولته ومجاورته فلا ريب إذا في أنهم راموا ذلك فما أطاقوا >> يعني راموا أن يعارضوا القرآن وأن يحكوه كلاما كالقرآن <<وحاولوا فما استطاعوا وأنهم رأوا نظم عجيب خارجا عن أساليب كلامهم واستشعروا العجز عن مقابلته وهذا هو الوجه في إعجازه كما قال بعضهم :<< القرآن لا يدركه عقل ولا يقصر عنه فهم وأما ما تضمنه القرآن العزيز من الأخبار عن المغيب فليس ذلك لم مما تحداهم ولكن دليل على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم- وأنه كلام علام الغيوب ولكن إعجاز القرآن- وهنا الشاهد- ولكن إعجاز القرآني من قبل أنه خارج في بديع نظمه وغرابة أساليبه عن معهود كلام البشر مختص بنمط غريب لا يشبه شيئا من القول في الرصف والترتيب لا هو من قبيل الشعر ولا هو من ضروب الخطب والسجع يعلم من تأمله أنه خارج عن المألوف مباين للمعروف متناسب في البلاغة متشابه في البراعة بريء من التكلف منزه عن التصنع والتعسف وكلام البشر وإن كان من فصيح بليغ يظهر فيه إذا طال تفاوتا واختلاف وإخلال؛ والقرآن العزيز على ذوق واحد وإن بشر أو أنذر أو وعظ أو حذر أو قصّ أو أخبر أو نهى أو أمر وليس ذلك لرؤساء الكلام وفحول النظام فقد يجيد بعضهم المدح ويقصر في ضده >>