تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أحبك وأخشاك

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,614

    افتراضي أحبك وأخشاك





    أحبك وأخشاك (1-2)


    أبو حاتم سعيد القاضي



    عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «لو يعلمُ المؤمنُ ما عند الله من العقوبةِ، ما طمِعَ بجنتِه أحدٌ، ولو يعلَمُ الكافرُ ما عند الله من الرحمةِ، ما قنِط من جنتِه أحدٌ» " ([1]).

    وفي رواية ([2]): " «إن الله خلقَ الرحمةَ يومَ خلقَها مائةَ رحمةٍ، فأمسَك عنده تسعًا وتسعين رحمةً، وأرسلَ في خلقِه كلِّهم رحمةً واحدةً، فلو يعلَمُ الكافرُ بكلِّ الذي عند الله من الرحمةِ لم ييئسْ من الجنةِ، ولو يعلَمُ المؤمنُ بكلِّ الذي عند الله من العذابِ لم يأمَنْ من النارِ» .
    إنَّ حالَ كثيرٍ من الناس كحالِ هذا الرجلِ الكافرِ الذي ذكره الله، فقال: { {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} } [الكهف: 36]. إنه يرجو رحمة الله سبحانه، وهو غارقٌ في شهواتِه وملذاتِه، قد أسرفَ على نفسِه في المعاصي، وارتكبَ الذنوبَ المهلكة.
    يُروَى عن الحسن البصري رحمه الله قال: إن قومًا ألهتهُم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنةَ لهم؛ قالوا: نحن نحسن الظن بالله تعالى، كذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
    وعنه رحمه الله قال: "المؤمنُ يعملُ بالطاعاتِ وهو مشفِقٌ وجِلٌ خائفٌ، والفاجرُ المنافقُ يعمَلُ بالمعاصي وهو آمِنٌ".
    وعن أبي عثمان الجِيزي رحمه الله قال: "من علامةِ السعادةِ أن تُطِيعَ وتخافَ أن لا تُقبَلَ، ومن علامةِ الشقاءِ أن تعصِيَ وترجو أن تنجُوَ".
    قال العلماء: "إنَّ من ينهمِكُ على المعصيةِ، راجيًا عدمَ المؤاخذةِ بغيرِ ندمٍ، ولا إقلاعٍ، فهذا في غرورٌ".
    قال الله تعالى: { {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} } [الزمر: 9]. أمن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أندادا؟ لا يستوون عند الله. قال العلماء: { {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} } فهو في حال عبادته خائف راج، ولا بد في العبادة من هذا وهذا.
    وقال سبحانه: { {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} } [الإسراء: 57]. فهؤلاء الذين عبدَهم المشركون من دون الله من الملائكةِ والأنبياءِ والصالحين والجنِّ يبتغون الوسيلة عند الله عزَّ وجلَّ، ويخافون عذابَه سبحانه، ويرجون رحمتَه جلَّ شأنُه.
    وقال الله تعالى في وصف بعضِ أنبيائه: { {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} } [الأنبياء: 90]. فهم يدعون ربَّهم وهم راغبون في رحمتِه سبحانه، خائفون من عذابِ جلَّ شأنُه.
    ووصف الله عباده المؤمنين، فقال سبحانه: { {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} } [السجدة: 16].
    وأمرنا سبحانه فقال: { {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} } [الأعراف: 55، 56]
    فهم يرجون رحمة ربهم، ويخافون عذابَه سبحانه.

    ([1]) أخرجه مسلم (2755).

    ([2]) أخرجه البخاري (6469).









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,614

    افتراضي رد: أحبك وأخشاك





    أحبك وأخشاك (2-2)


    أبو حاتم سعيد القاضي


    ويُروَى أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: "لو نادى منادٍ من السماءِ: أيها الناس! إنكم داخلون الجنةَ كلُّكم أجمعون إلا رجلًا واحدًا، لخفتُ أن أكونَ هو، ولو نادى منادٍ: أيها الناسُ، إنكم داخلون النارَ إلا رجلًا واحدًا، لرجوتُ أن أكونَ هو" ([1]).
    ويُروَى أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهقال لبعض بنيه: "يابنيَّ! خفِ الله خوفًا ترى أنك لو أتيتَه بحسناتِ أهلِ الأرضِ لم يتقبَّلْها منك، وارجُ الله رجاء ترى معه أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك ([2]).
    ويُروَى أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما حضرَه الموت قال: انظروا، أصبحنا؟ قال: فقيل: لم نصبِح، حتى أُتِيَ فقيل له: قد أصبحتَ، قال:"أعوذُ بالله من ليلة صباحُها إلى النارِ، مرحبا بالموتِ، زائرٌ مغب حبيبٌ جاء على فاقةٍ، اللهم إنك تعلم أني كنتُ أخافُك، فأنا اليومَ أرجوكَ.." ([3]).
    ويروى أن لقمان رحمه الله قال لابنه: "يا بني خفِ الله خوفًا يحولُ بينك وبين الرجاءِ، وارجُه رجاءً يحولُ بينك وبين الخوفِ. قال: فقال: أي أبه، إنما لي قلبٌ واحدٌ، إذا ألزمتُه الخوفَ شغلَه عن الرجاءِ، وإذا ألزمتُه الرجاء شغلَه عن الخوفِ. قال: أي بني إن المؤمنَ له قلبٌ كقلبين يرجو الله عزَّ وجلَّ بأحدهما، ويخافُه بالآخرِ ([4]).
    قال الشافعي رحمه الله في مرض موته:
    فلما قسَا قلبي وضاقتْ مذاهبي جعلتُ الرجَا مني لعفوك سُلَّما
    تعاظَمني ذنبي فلما قرنتُه بعفوِك ربي كان عفوُك أعظمَا
    الخوفُ والرجاء للسائر إلى الله كالجناحان للطائرِ، لا يستطيع السيرَ بأحدِهما دون الآخرِ، وفقدُ أحدهما يعني فقدَ الآخر.ِ والقلبُ في سيرِه على الله تعالى - كما يقول ابن القيم - بمنزلةِ الطائر؛ فالمحبةُ رأسُه، والخوفُ والرجاءُ جناحاه، فمتى سلِم الرأسُ والجناحان كان الطيرُ جيدًا، ومتى قُطِعَ الرأسُ ماتَ الطائرُ، ومتى فُقِدَ الجناحان أو أحدُهما كان عُرضَةً لكل صائدٍ وكاسرٍ.
    إن الخوفَ والرجاءَ للسائرِ إلى الله تعالى كالخبز والماء للجائعِ والعطشانِ، فإذا اجتمعَ الجوعُ والعطشُ وخُيِّرَ الإنسان بين بين الخبزِ والماءِ فإن غلَب عليه الجوعُ فالخبزُ أفضلُ، وإن غلبَ عليه العطشُ فالماءُ أفضلُ، وإن استويا فهما متساويا.
    وعن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ على شابٍ وهو في الموتِ، فقال: "كيف تجدُك؟" قال: والله يا رسولَ الله، إني أرجو الله، وإني أخافُ ذنوبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنِ إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنَه مما يخافُ" ([5]).


    ([1])أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 53)، وسنده إلى عمر ضعيف.

    ([2]) ذكره الماوردي في "الأمثال والحكم" (ص 198)، ولم أقف له على سندٍ.

    ([3]) أخرجه أحمد في "الزهد" (1011)، وسنده إلى معاذ ضعيف.

    ([4])أخرجه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" (133)، بسند حسن إلى داود بن شابور، قال لقمان.

    ([5])معل بالإرسال، وحسنه بعض العلماء: أخرجه الترمذي (983)، وابن ماجة (4261). قلت: أعله البخاري وأبو حاتم والدارقطني بالإرسال. وانظر: "العلل الكبير" (244)، وعلل ابن أبي حاتم (1806)، وعلل الدارقطني (12/ 27).









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •